معرض العربي.. رافاييل.. صورة بيندو التوفيتي

معرض العربي.. رافاييل.. صورة بيندو التوفيتي

كتب مؤرخ الفن في عصر النهضة فازاري حول بيندو التوفيتي هذا يقول إنه أوصى الرسام رافاييل برسم لوحتين، واحدة ذات موضوع ديني، وأخرى «هي صورته الشخصية عندما كان فتياً».. ولكن ما كتبه فازاري لم يكن واضحاً تماماً، إذ حار النقّاد في معرفة ما إذا كان المقصود بالضمير الغائب الرسّام أم التوفيتي... ولقرون عدة، ظل البعض يفهم كلام فازاري على أنه يقصد صورة رافاييل، غير أن الباحثين في العصر الحديث يتفقون اليوم على أن المقصود هو راعي رافاييل، المصرفي الفلورنسي الذي ولد عام 1491م، وظلت أسرته «التوفيتي» تحتفظ بهذه اللوحة في قصرها بروما حتى العام 1808م.

وعاد النقّاد واختلفوا حول ما إذا كان رافاييل قد رسم هذه اللوحة أم أحد تلامذته وأشهرهم جوليو رومانو. ولكن من المعروف أنه في العام 1815م، كان رافاييل يعهد إلى تلامذته برسم أجزاء كثيرة من اللوحات التي يعمل عليها. ويؤكد الخبراء في العصر الحديث وأهمهم برنار بيرنسون، والسير جون بوب هينيسي أن لمسات رافاييل ملحوظة في أماكن عدة من هذه اللوحة.

ومهما تكن الحقيقة، فمما لاشك فيه أننا أمام واحدة من الصور الشخصية المهمة جداً التي رسمت في عز عصر النهضة الإيطالية.

فالوضعية التي يتخذها الرجل في هذه اللوحة كانت جديدة تماماً في مجال رسم الصور الشخصية. فهو يكاد يدير ظهره تماماً للرسام، ليلتفت إليه بحيث يبدو ثلاثة أرباع وجهه جرياً علي ما درجت عليه مدرسة النهضة الإيطالية، التي كانت قد تخلصت قبل سنوات عدة من رسم الوجه إما كاملاً، وإما من جانب واحد.

وبالتطلّع إلى تقاسيم الوجه، نكتشف البلاغة المدهشة في رسم تفاصيله، والانتقال اللطيف - من دون أي خطوط قاطعة- ما بين المساحات المضاءة والمساحات المظللة، وثمة واقعية بالغة الدقة في رسم التفاصيل: العينين، الحاجبين، الوجنتين، الأذن وحتى خصلات الشعر الأشقر التي تتهدل على عنق الرجل وكتفه.

في مطلع القرن السادس عشر، كانت الأفكار جديدة قد راحت تولي الإنسان احتراماً كاملاً لأعماقه النفسية وشخصيته الفردية بحد ذاتها من دون ضغط أي مقياس آخر. ولذا تمثل هذه اللوحة خير تمثيل مجموعة الصور الشخصية التي ظهرت في ذلك العصر، وخلت من أي حشو وتزيين في عمق اللوحة لشرح المكانة الاجتماعية، أو حقيقة صاحب الشخصية, فهنا لا شيء غير اللون الزيتي يحيط بالوجه الذي ينسلخ بضوئه عن هذا المحيط المظلم البسيط حتى أقصى حدود البساطة، والممتد حتى إلى ملابس الرجل. وهذا ما يسمو بهذه الصورة الشخصية (وبالتالي بالشخص الذي تمثله) إلى مستويات من النبل والنخبوية تعجز الصورة الفوتوغرافية عن الارتقاء إلى ما يشبهها، لأنه إن كانت تفاصيل الوجه أمينة جداً إلى الواقع، فإن إضاءتها وتلوينها بهذا الشكل هما من صنع الفنان، وليس الواقع.

إنها من اللوحات القليلة التي نعرف مسار تاريخها بدقة، فمن قصر التوفيتي خرجت هذه اللوحة في العام 1808م، عندما اشتراها لودفيك الأول ملك بافاريا، وأهداها لاحقاً إلى متحف البيناكوتيك في ميونيخ، حيث بقيت حتى العام 1943م.

فقد أدى هوس الزعيم النازي أدولف هتلر بالفن التوتوني إلى عقد صفقة مع تاجر اللوحات الشهير اللورد دوفين قضت بأن يتخلى الأول عن هذه اللوحة ويتركها تذهب إلى أمريكا، مقابل حصوله على مجموعة من اللوحات الألمانية القديمة، التي أعيد ترميمها، ومكدّسة في مستودعات دوفين لأنه لا أحد كان يرغب في شرائها.

 

 

 

عبود عطية







رافاييل: «صورة بيندو التوفيتي»، زيت على خشب، (60 × 44 سم)، 1515م، مجموعة صموئيل كريس، الولايات المتحدة