«نبش الغراب».. للساخر الساحر محمد مستجاب

«نبش الغراب».. للساخر الساحر محمد مستجاب

في كتاب «نبش الغراب» للراحل محمد مستجاب، والصادر عن سلسلة «كتاب العربي» الكويتية، يخترق مستجاب حواجز اللغة الثعلبية المراوغة- بتعبير د. سليمان العسكري- والتي "تنفلت من الكاتب ومن القارئ وتحيا لنفسها حياتها السرية البعيدة عن العيون والأذهان والسطور»، وببراعة سردية يقوم بـ«حشر أكبر كمية من الواقع داخل شنطة اللغة"، بحثا عن المعاني المتعددة والعلاقات المتشابكة للمفردة / اللفظة الواحدة، وهو الموظف بمجمع اللغة العربية، عبر انتقالات مفاجئة، من موضوع إلى آخر... بـ«مهارة مستجابية».

وتحضر - بقوة - ذكريات طفولته وقريته ديروط الشريف، وكذلك فترة عمله في أسوان في مشروع السد العالي في مقالاته، وعن لغته يقول في أحد الحوارات: «هناك خطر واحد لم يحدث معي حتى الآن، أن تستدرجني اللغة، فتصبح تعبيراً لغوياً عن حالة لا يمكن أن تصل عن طريق اللغة، فبدلاً من أن تصبح اللغة أداة توصيل، تصبح أداة جمالية منفصلة، أنا لم يحدث معي هذا».

الكتاب (256ص من حجم الجيب) وهو الجزء الثالث أو «المجموعة الثالثة» كما كتب على الغلاف، ينقسم إلى ثلاثة فصول:

أ/حيوانات ونباتات وجماد.. ترنيمة للحياة (الحياة، الأسد، الذئب، النمس... إلخ).

ب/ عن الكون والحب وطقوس العشق(القمر، النجوم، الزمن، المطر،... إلخ).

ج/ تأملات بعيون مندهشة (القلم، السّيما- بالنون أو بدونها، السموم، الطب.. والتطبيب.. إلخ).

فضلا عن المقدمة بقلم د. سليمان العسكري: «محمد مستجاب.. من النبش إلى النقش»، يذكر أن الكاتب الساخر الساحر المشاكس محمد مستجاب، لم ينل حقه من الشهرة في مجتمع يمجد الأدعياء وأرباع الموهوبين، كما تجاهله النقاد، وهو المتفرد في أسلوبه كما أن أنفته جعلته غير عابئ باللهاث وراء الجوائز أو المناصب، مثل من يجيدون نسج العلاقات والتسول الثقافي.

ومقالاته سبق نشرها تحت ظلال (واحة العربي)، وتتميز بغناها المعرفي، ولغتها الساخرة اللاذعة، وكان يذيلها بعبارات تلغرافية وكلمات برقية، موسومة بـ (كلمات لها معنى). في مقالة «الكلب» كتب: «كما أن صفة الكلب تطلق على الذين يحرسون العجين ويسرقونه، وتابعي أصحاب المناصب، لكن الجهر بتوجيه صفةالكلب على أي فرد تبيح تطبيق قانون العقوبات الخاص بالسب العلني». (ص30).

وهذه بعض العبارات المستجابية:

  • الفرق بين النباح والعواء هو المسافة بين الاحتجاج والنحيب.
  • يقولون عني: مبدع يتأبط شراً، فأفكر في اغتيالهم في قصة جديدة لا أثر لهم فيها.
  • ألم تلاحظ أن المطارات تخلو من العصافير؟ رجاء الفرار من مطارك الخاص.
  • جبال الجليد تبهرني في اللوحات وشاشة التلفزيون وكتب الرحلات، أرجو أن تذهب إليها وحدك.
  • أول ما يبلى في الملابس الكريمة: الجيوب، الملابس البخيلة لا جيوب لها.
  • الحرارة مؤنثة، والبرودة مؤنثة، أما الرجولة فلا تزال تبحث عن صفة لها لا تنتهي بتاء التأنيث المربوطة.
  • أي كلب يمكنه أن يوقظ مدينة في ساعة واحدة، المصلح يحتاج إلى ثلاثين عاما.
  • أود - مخلصا - أن أمنح جائزة نوبل في الطب النفسي المعاصر لهذا الذي ابتكر الكلمات المتقاطعة التي تفشت في الصحافة الآن.
  • سبب فشل مباحثات السلام أنها تقام حول موائد صنعت في الأصل للالتهام.
  • أقترح على الذين يعانون من دراسة الشعر العربي، أن يرافقوا قافلة من الجمال ذات الإيقاع القائم على بحور الشعر، سيصبح الفهم سهلا، بغض النظر عن أنهم لن يعودوا إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى.
  • تتشدق كتب مدارس الصناعات الغذائية والمنزلية بما تحيقه إناث الحشرات فتكا بالذكور، تدير هذه المدارس ناظرات.

هشام بن الشاوي
كاتب وقاص- المغرب