الفضائيات العربية... بين التغييب والمسئولية

الفضائيات العربية... بين التغييب والمسئولية

خصص د. سليمان إبراهيم العسكري حديث الشهر - يناير 2009 في «العربي» العدد 602 للحديث عن «الفضائيات العربية.. بين التغييب والمسئولية». وقد سعدت بقراءة حديث د. سليمان العسكري لشموله صلب قضية الفضائيات العربية وما يتفرع منها من قضايا تمس المجتمعات العربية وثقافتها الراهنة.

وهذه سمة بارزة في كتابات د.سليمان فهو يلم بموضوعه إلماما تاما، ويمسكه بين يديه، ويهضمه، ثم يقدمه للقراء في أسلوب سلس بسيط فياض متدفق، وفي لغة صافية راقية مهذبة تنم عن ثقافة موسوعية عالية، ووعي حاد بكل ما يجري على الساحة العربية - سياسيا وثقافيا واجتماعيا - إضافة إلي التهذيب والرقي في تقديم الفكرة حتى لو كانت جارحة فلا تجد كلمة تخدش هذا القطر العربي أو ذاك، أو جملة تمس هذه الطائفة أو تلك بما يجسد حقيقة أن مجلة العربي هي لكل قارئ عربي، وألا يكون هناك أي حائل يمنع وصولها إلي قلب المواطن العربي - أينما كان - قبل وصولها بيته. ولقد حلل د.سليمان العسكري تحليلا ثقافيا بليغا أمراض معظم الفضائيات العربية وانعكاس هذه الأمراض بالسلب على المجتمع العربي ككل! فبدلا من أن تكون هذه الفضائيات منارات للعلم والثقافة والتنوير، ومشاعل لمحاولة اللحاق بمواكب العلوم الحديثة في هذا السباق العاصف بين الدول المتقدمة، تحولت هذه الفضائيات إلى «معوق» عن العلم والثقافة. وتحولت إلى «حجاب» يستر العقل ويعميه عن الرؤية الصحيحة للحياة والعالم من حوله، بدلاً من أن تزيد من حدة بصره، وتنير بصيرته... أصبحت الفضائيات - ملوثاً من ضمن عدد كبير من الملوثات التي تخنق البيئة العربية وتصيبها في مقتل.! كما أن كثيرا من هذه الفضائيات باتت تمثل مخالفة صريحة وواضحة للشريعة الإسلامية بما تبثه من خلاعة ومجون وإباحية مفرطة... وحتى الفضائيات التي تزيت بزى شرعي وتهيكلت بهيكل ديني فقد ابتعدت عن الوسطية إلا نادرا، واتخذت لها ركنا قصيا في أحد الأطراف: إما طرف التشدد والتزمت، وإما طرف العبث واللامعقول والشعوذة والدجل والافراط في الفتاوى التي لا ضابط يحكمها، ولا قاعدة تلم شعثها ولا منهج علميا واضحا تنتمي إليه. لذا كان طبيعياً - ومؤسفاً أن يتراجع المحتوي الثقافي داخل هذه الفضائيات حتى أنه لا يحس به أحد إلا الباحث عنه قصدا فيجد برنامجا من هنا أو حوارا هناك، ومع الأسف فالكثير من القائمين على أمر هذه الفضائيات يديرونها من منطق تجاري يعتمد على الربح والخسارة المادية القريبة جدا. لدرجة أن هناك دولا رائدة في مجال الإعلام اضطرتها الظروف المحيطة إلى أن تتعامل مع الثقافة والعلم والفكر والتنوير بهذا المنطق نفسه - منطق التجار- .!! لقد كان في مصر قناتان للثقافة تم إلغاء إحداهما - وهي قناة التنوير وبقيت الثانية القناة الثقافية - برئاسة الشاعر «جمال الشاعر» تصارع وحدها طواحين الغوغاء والأغاني المبتذلة وحوارات السوق وفتاوى التشدق والتشدد. لهذا كانت سعادتي كبيرة جدا بإعلان د. سليمان العسكري عن بث دولة الكويت لقناة ثقافية عربية تحقق طموح المواطن العربي في التخلي عن غثاء وفوضى الفضائيات، وتقوم بدور ثقافي رفيع، ولا عجب أن تصدر هذه القناة من دولة الكويت التي عرفت بعطائها الثقافي المتميز للمواطن العربي!

لقد نشأنا وتثقفنا بمطالعة دوريات وكتب الكويت - مجلة العربي وعالم الفكر والمسرح العالمى وعالم المعرفة ومجلة الكويت - وقرأنا في هذه المجلات الأدب المصري والعربي والآداب العالمية بأسعار زهيدة في متناول أيدينا ولم ترفع الجمارك أسعارها كما هو المعتاد بل إن مطبوعات الكويت كانت في كثير من الأحيان أقل سعراً من مطبوعات الداخل، وأعلى قيمة، وأبهى شكلاً أيضا. ! والكويت تفعل ذلك كما أرصد متنزهة عن أي غرض سياسي، أو مأرب ظاهر أو خفي، فقط هي تؤدي دورها ورسالتها نحو المواطن العربي فهي تحقق شكلاً من أشكال التكامل والتعاضد والتآزر المنشودة، والتي نبحث عنها كحلم من أحلام الظهيرة. وأتمنى أن يتم الإعداد الجيد لهذه القناة وأن تكون رؤية القناة واضحة وبرنامجها موضوعاً في شفافية، وأن تشارك جميع الأجيال الأدبية والثقافية داخل هذه القناة الوليدة، فلا تقتصر على «النخبة والصفوة» فقط وتحرم الأجيال الطالعة من المشاركة والعطاء، وكذلك نرجو ألا يقتصر دور القناة على جانب ثقافي دون جانب آخر بل تعمل لتحقق معني كلمة الثقافة بجميع أشكالها وشتى تجلياتها... كما نرجو أن يكون وصولها للمشاهد العربي سهلاً، وغير مكلف، تماماً مثل وصول مجلة العربي الحبيبة إلى قلب كل مثقف وقارئ عربي. كما نرجو أن يكون عطاء القناة للإنسان العربي مع مراعاة الفروق الثقافية بين مواطن وآخر فلا يقتصر أداؤها ورسالتها على المثقف رفيع الثقافة، بل تراعي المواطن متوسط الثقافة بل ومحدود الثقافة لترتفع به إلى المستوي المنشود.

محمود الأزهري
نجع حمادي - قنا مصر

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات