لويس ماسينيون وجهوده في الفكر الفلسفي الإسلامي

لويس ماسينيون وجهوده في الفكر الفلسفي الإسلامي

إذا كان أهم ما تركه المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون هو دراساته الموسوعية عن الحلاّج، شهيد التصوف، أو شهيد الحقيقة بلغة ماسينيون، فإن الباحث صابر عبده أبا زيد، يتحدث عن دراسات وجهود أخرى للمستشرق الفرنسي أكثرها يتصل بالتراث العربي الإسلامي، فقد عاش ماسينيون المجتمع الإسلامي في زمانه أكثر مما عاش أو عرف المجتمع الفرنسي. والواقع أن الفترة التي قضاها في العالمين العربي والإسلامي تعادل، إن لم تتجاوز الفترة التي قضاها في باريس مسقط رأسه. ومن هنا كانت رؤيته وجهوده في تحليل ونقد المجتمع الإسلامي، ذات دلالة عميقة من مستشرق أنصف الإسلام والمسلمين، فبادله المسلمون حبًا بحب. ويتحدث الباحث عن «غموض» يحيط بسيرته. ذلك أن ماسينيون بدأ موظفًا في وزارة المستعمرات الفرنسية، كما أنه كانت له مساهمة بارزة في صياغة اتفاقية سايكس - بيكو التي بموجبها تم تقسيم المشرق العربي بين الفرنسيين والإنجليز، فنال الفرنسيون لبنان وسورية، في حين كانت فلسطين والعراق من نصيب الإنجليز.

ولكن ماسينيون سرعان ما تحوّل لاحقًا إلى مستشرق كبير ومنصف للعرب والمسلمين وتاريخهم وتراثهم، إذ نراه لاحقًا طالبًا في الأزهر بمصر، ومحاضرًا في الجامعة المصرية، وعضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وحائزًا قبل كل شيء على احترام العلماء والمثقفين العرب، نظرًا لجهوده الهائلة في كشف تراثهم وموضوعية دراساته حوله. ويقول الباحث إن ماسينيون يختلف عن الكثير من المستشرقين الآخرين من حيث نزعة الإنصاف والنزاهة، ويمتاز عن هؤلاء بنفاذ النظرة وعمق الاستبطان. وبالإضافة إلى اهتمامه بتراث السلف، فقد اهتم أيضًا بالمشكلات العصرية للبلاد الإسلامية، وله جهوده في مسألة الحوار الثقافي بين الإسلام والمسيحية.

وفي دراساته عن الحلاج، تجاوز ماسينيون، في رأي الباحث، خطوطًا حمراء كثيرة لم يجرؤ سواه على تجاوزها. وقد كان منهجه مخالفًا لمعظم مناهج المستشرقين، فقد اعتمد المنهج الاستبطاني الذاتي في دراسته للمنحنى الشخصي عند الحلاج وعند سواه من شخصيات التراث. وقد حصر له الباحث نحو مئتي مؤلف متفاوتة الحجم بينها محاضرات. وهناك أبحاث أخرى كثيرة له تتصل بأدب الرحلات والدراسات الأثرية المعمارية والفن والفولكلور والأخلاق والسياسة، وقد قام الأب يواكيم مبارك (وهو لبناني وكان سكرتيرًا لماسينيون) بكتابة ببليوغرافيا عن أبحاثه ودراساته بالإضافة إلى مقالاته التي حررها أو شارك في تحريرها في دوائر المعارف الإسلامية (الجديدة والقديمة) والموسوعات الإسلامية، بالإضافة إلى أن له تسجيلات صوتية في المؤسسة الثقافية التي تحمل اسمه في باريس. وقد كتب ماسينيون باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية والفارسية. وأهم كتبه، وهو دراسته الموسوعية الكبرى عن الحسين بن منصور الحلاّج، تُرجمت حديثًا إلى العربية وصدرت عن دار قُدْمُس في دمشق.