مساحة ود

مساحة ود

الشمس تشرق غرباً

أريد أن أخبرك شيئاً يا أمي. ولسوف تفرحين من أجلي كثيراً.

أتدرين يا أمي أنني أقف الآن والشمس تغمرني. إن أشعة الشمس تركض في زوايا داري.

الشمس. الشمس قالت أمي. هذا صوتها ولعلي أعلم ما يدور بفكرها. لعلها استعادت كلام جدتي الحبيبة عندما كنت طفلة صغيرة، كانت جدتي دائمة القول بأني أمتلك بعضاً من الجدية. وكانت الضحكات ثم التعليقات فأنا أيضاً الطفلة المتفوقة في دراستها، ولكن جدتي أصرّت على الوصف الذي لازمني.

لا يا أمي لم أنتقل من داري ولم أزل في مكاني، فأنت تعرفين مدى حبي لبيتي الصغير هذا. ولكن بالله عليك يا ابنتي. ألاتزالين كعادتك. فقصتك مع الوردة الحمراء لاتزال في مكانها. عندما نستعيدها تعاودنا الضحكات من جديد، وكأنها تروى لأول مرة. عندما لم تستطيعي أن تفرّقي ما بين الوردة الطبيعية والوردة الاصطناعية، وكان اعتقادك أن تلك الوردة قد امتلكت القدرة على مقاومة الريح، المطر، والثلوج عندما صادفتها في أعلى جبل في رحلتك الأخيرة لتلك البلاد البعيدة البعيدة.

ضحكت وقلت لها: نعم يا أمي إنها الوردة الحمراء، فعندما فاض جمالها بأكثر من قدرتي على الاحتمال، لم أستطع الاقتراب، لم أستطع الملامسة.

ولكنها لاتزال تفرحني يا أمي. أفي هذا شيء غريب؟ إنها يا أمي قد عاشت معي ومازالت، أياماً وأياماً.

وكنت كلما صادفت مَن اشتدت عليهم الحياة. أقول لهم لو ترون الوردة الحمراء؟ كيف أنها تقبع في زاوية قصية في أعلى الجبل تغطيه الثلوج، وكيف أن لون احمرارها يضفي على الثلوج جمالاً على الجمال.

لم أشأ أن أقول لأمي إنني كلما مررت بقربها، أعطيها السلام والكلام.

ولكني كمثل كل البشر. نريد الشيء المكتوب، نريد الشيء الملموس. فسألت مَن يساعدني بأخذ صورة لها، فكان أن كان. ليرى الجميع إنها لم تكن إلا الوردة الاصطناعية. ولكن اليوم يا أمي. أصدقك القول إنها الشمس، إنها الشمس. ها أنا أقف وأحدثك، والشمس تغمر شعري، تغمر وجهي، تغطي أكتافي.

قالت أمي وكيف دخلت الشمس؟

قلت لها: أتذكرين عندما كنا نمشي سوياً. وكان هنالك برجان عاليان جداً جداً جداً، وكنت أشكو لك قائلة: كيف باستطاعتهم أن يبنوا مثل هذين البرجين. في منتصف مدينتي الجميلة؟ إنهم يخترقون الجمال بالأسمنت والحديد.

إنهم يحرقون المدى بهذا العلو الشاهق والشاهق جداً.

فرحت أمي: نعم أذكر ذلك.. أضفت. ولكي يزداد الأمر سوءاً، وضعوا عليهما المرايا، تلك المرايا التي سوف تزيد من حرارة الأرض.

نعم.. نعم..

ولكن تلك المرايا هي التي عكست الشمس، هي التي حملت الشمس إلى بيتي.

أغلقت الهاتف. نظرت إلى الشمس، أنت البريئة البريئة مما يجري، ولكن يد حنانك امتدت إلى عالمي. ثم عاودت النظر إلى البرجين العاليين ولا أدري أي سبب لوجودها في منتصف مدينتي الجميلة، التي لاتزال سهولها كريمة، ومسافاتها رحبة؟

ولكن بأي طريقة هم ينظرون؟.

 

 

 

نجوى الزهار