عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

ربيع أقل قسوة

يقول رئيس التحرير في افتتاحيته التي تعرض لحلقة (غزة) في سلسلة الصراع العربي - الإسرائيلي طويل الأجل، إنه «منذ أكثر من ستين عاماً والعالم لا يرى العرب سوى جثث، وبشر على أرض تحوطها الدماء»، والواقع أن ذلك الصراع لا يحمل سوى هذين الوجهين: شعب أعزل يُعتدى على كل حق له في الحياة، وقوة جامحة متشيطنة مسلحة بكل ما هو مادي ومعنوي. حتى دعوات الداخل في دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تقول للمواطنين الفلسطينيين بها - والذين ندعوهم عرب إسرائيل - إن الحل لتطلعاتكم الوطنية موجود في مكان آخر، يتسق مع دعوات خارجية إلى إغلاق ملف الدولة الفلسطينية المستقلة، وضم غزة إلى مصر، وإلحاق الضفة الغربية بالأردن!

من هنا علينا أن نعترف بأن الصراع قد وصل إلى منحنى لن ينهار بعده أكثر من ذلك، وأنه لن يكون هناك حل للقضية من خارج موطن الصراع، ولن تستطيع أي دولة عربية أن تقوم بمفردها بهذا الجهد مهما امتلكت من القوة والمنعة، ولذلك جاءت أهمية مؤتمر القمة الاقتصادية الذي استضافته الكويت، وجعلت منه ساحة لمصالحة عربية تتوخى تضافر الجهد لمواجهة هذا الصراع في وجوهه الأحدث، مثلما اتخذته نقطة انطلاق لواقع عربي اقتصادي جديد، يعيد تشكيل الوحدة العربية على أساس التكامل، خروجًا من حيز الشعار، إلى مجال التنفيذ.

وإذا كانت «العربي» بصدورها الشهري لا يسعفها الوقت في ملاحقة الأحداث، فقد حاولت في تغطيتها لهذين الملفين، المذبحة في غزة، والقمة في الكويت، أن توثق تلك الحقبة المهمة من تاريخ الأمة، لأن «العربي» حرصت على أن تكون عين القاريء العربي وقلبه على كل حدث يرسم المستقبل.

كما تتوقف «العربي» في أكثر من محطة ثقافية، تودع في ملف أحد أشهر الأسماء المرتبطة بالنشر في مصر، محمد مدبولي، نموذجًا للعصامي الذي تلخص حياته، قصة صعود الحَرْف من الرصيف إلى السماء. كان يمكن لهذا الرجل، وهو الذي يعمل بائعاً للكتب، أن يتاجر مثل أقرانه على الأرصفة، وفي الأكشاك، في صنوف الخضار والفاكهة، وربحهم مضمون، لكنه آمن بحدْس المصري صانع الحضارة، وكاتب الحروف، وناقش المسلات، وراسم الجدران، بأن بيع الحروف على الأرصفة، لا يقل شأناً، وأن غذاء الروح والعقل، لا يقل أهمية عن تغذية الجسد والبدن، لتصبح عبارة (سأمر على مدبولي) شعارًا لكل عابر برصيف وكشك، أصبحا داراً للنشر، ومزاراً للثقافة، وخبيئة للأدب.

وصفحات الشعر في «العربي» لهذا العدد تزهر كما الربيع: منذ عنترة بن شداد إلى فهد العسكر، وأمل دنقل. ولكن ذلك لا ينسينا أن العلم له مكانة بارزة، سواء في أبوابه الثابتة أم الملحق الشهري. ومع الشعر والعلم وباقي فنون القول والصورة، يكون أملنا في ربيع أقل وطأة من شتاء قسا علينا طويلا.

 

 

المحرر