إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

من الترجذاتي إلى الأدلوجة!

لعل أعجب اشتقاق قرأته، أو سمعتُ به، هو «الأدب الترجذاتي»، أو الترجذاتية»، وقد عثرتُ عليه في مقدمة وضعها الأكاديمي التونسي الدكتور المنجمي الشملي لكتاب فوزية الصفار الزاوق: «الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث / كتاب «سبعون» لميخائيل نعيمة نموذجاً».

وقد قصد به الشملي أدب الترجمة الذاتية، أو أدب السيرة الذاتية الذي يوهب له اليوم، كما وُهب له في الماضي أيضاً، حـظ انتشار واسع، فهو يسير اليوم في طليعة الأجناس الأدبية التي يُقبل عليها القارئ لأنه يفتح أمامه أبواب استبطان الآخر، والتعرف إلى أغوار النفس الإنسانية. ولكن هذا الأدب وإن أُتيح له حظ الانتشار والنجاح، فإنني لا أعتقد أن عبارة «الترجذاتي» و«الترجذاتية» ستلتصق به، أو ستكون عنواناً أو اسماً له: فسيظل عنوانه أو اسمه بالعربية هو: أدب الترجمة الذاتية، أو أدب السيرة الذاتية، وهو الاسم الذي استخدمه الكتّاب العرب المعاصرون لهذا النوع من الأدب منذ عرفوه إلى اليوم.

على أننا إذا تعاملنا مع «الترجذاتي» و«الترجذاتية» كاشتقاقين غير موفَقين، وبالتالي جديرين بأن يُهجرا، فلا يعني ذلك أن بقية الاشتقاقات التي استخدمَها، أو نَحتها، الكتّاب العرب المعاصرون شديدة التوفيق. فهناك الموفّق منها، وهناك غير الموفّق على الإطلاق. من هذا الأخير كلمة «الأدلوجة» التي اشتقّها الدكتور عبدالله العروي، المفكر المغربي المعروف، من كلمة «الأيديولوجية»، الأوربية الأصل. ذلك أن «الأدلوجة» لا تختلف كثيراً عن «الأيديولوجيا» من حيث الحروف التي تتألف منها. لكن ما يعيبها أكثر هو عدم خفة ظلها على قارئها أو سامعها.

فلماذا نقول «أدلوجة» ولا نقول «أيديولوجيا»؟ أليس استعمال هذه الأخيرة أقرب إلى الفطرة والطبيعة من استعمال الأولى؟ أليس في أخذنا بـ «الأدلوجة» ما يجعل نفس المستمع أو المتلقي تنقز، أو تنفر أكثر من اللازم؟ وما ضرّ لو اعتمدنا اللفظ الأجنبي، وهو ما دأبنا على اعتماده في ألفاظ وعبارات وكلمات أجنبية بلا حصر مثل «تلفون» و«تلغراف» و«ماكينة»، وما إلى ذلك؟

طرق مختلفة لتعريب الكلمات الأجنبية منها نقلها إلى العربية بعبارة مختلفة تماماً عن الأصل الأجنبي. وهذا ما لا يجادل أحد فيه، ولكن المشكلة تنشأ عند التعسّف في النقل كما في التعريب. فلا مانع من ترجمة «تلفون» بـ «هاتف» إذا شاعت الترجمة وسرت في الأقلام وعلى الشفاه. ولا مانع من ترجمة «موبيل» أو «موبايل» بمحمول أو بمتحرك أو بنقّال، وإن كان من الجائز أيضاً الإبقاء على الاسم الأجنبي ذاته، أي «الموبيل» و«الموبايل» إذا شاع وذاع وملأ الأسماع، على النحو الحاصل الآن، فعندها لا لزوم لأن نشغل بالنا أيّها أفضل: المحمول أو المتحرك أو النقّال. فالأفضل منها جميعاً هو الاسم الأجنبي ذاته. وهذا ما دأب عليه الكتّاب العرب منذ أحمد فارس الشدياق إلى اليوم.

والواقع أن أحدنا لو عاد إلى أدب عصر النهضة وكتابات روّاده ابتداءً من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لعثر على اشتقاقات وترجمات إلى العربية بلا حصر، ذاع بعضها وانتقل إلى الاستعمال فيما بعد، في حين وُئد قسم كبير منها في مهده. لذلك يمكن القول إن الاشتقاق الحسن هو الذي يأخذ طريقه إلى التداول، في حين أن الاشتقاق السيئ هو الذي يُحرّم من ذلك.

 

 

جهاد فاضل