ثقافة.. الكويت أرض خصبة لتنمية الثقافة العربية

ثقافة.. الكويت أرض خصبة لتنمية الثقافة العربية

كانت الكويت منذ بدايتها نسيجا اجتماعيا، تجمّع أناسه في هذه البقعة من الأرض, بحثا عن السلام والأمان بعيدا عن الغزوات والمجاعات.

الكويت دولة حديثة نشأت قبل ثلاثة قرون تقريبا في مطلع القرن السابع عشر الميلادي وعُرفت كإمارة مستقلة تُدير أمورها الاجتماعية والتجارية والتعليمية والقضائية. وتشير بعض المراجع إلى أنها عُرفت ككيان اجتماعي مستقل في سنة 1022 هـ 1613م. وكانت هذه الإمارة، قد تكونت من جموع قبليةٍ أكثرها من قبائل تقطن شمال ووسط الجزيرة العربية، وخاصة من نجد، وجماعات وافدةٍ من العراق وإيران، وكونت مجتمعا متضامناً، عمل في مختلف المهن من رعي الأغنام إلى الزراعة البسيطة الموسمية، وأعمال البحر التجارية وصيد الأسماك والبحث عن اللؤلؤ، وكانت هذه التجارة رائجة في سواحل الخليج العربي. اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ نشأة الكويت، وهناك من يُرجع التاريخ إلى سنة 1756م. والحقيقة أن هذا التاريخ ما هو إلاّ تاريخ نشأة الحكم وبداية اختيار الشعب الكويتي حاكما له، وذلك بعد اكتمال البنية التحتية للإمارة. ولو عدنا إلى ذلك التاريخ فإننا لا نجد في المنطقة نظاماً يربط بين الشعب والحكومة، أما الكويت فكانت بنسيجها الاجتماعي الذي جاء من البلاد المجاورة باحثا عن السلام والأمن. وتآلف هذا الشعب، ورفض التعصب والتشدد في العقائد الدينية، وتجنب العصبية القبلية التي مزقت شعوب شبه الجزيرة العربية، ونلاحظ ذلك من خلو معظم أسماء الأسر من ألقاب قبائلهم وعشائرهم، وكأنهم يريدون خلق حياة هادئةٍ يسودها الأمن والسلام.

وهكذا تكون الشعب الكويتي وعندما اكتمل نسيجه الاجتماعي قام باختيار حاكمه صباح الأول، بمبايعة جماعية. ولم تكن توليته إطلاقا ليده في شئون الحكم بل كرمزٍ للبلاد يلتف حوله أصحاب الرأي، من رجال الدين وكبار التجار، وكانت الإرادة الشعبية أن تُدار الإمارةُ بنظام الشورى النابع من تعاليم الدين الإسلامي.. وسارت الأمور بهذه الرغبة بأن يستشير الحاكم وجهاء الإمارة ولا ينفرد بحكمه، على أن يتكفل الشعب بتوفير أُمور معيشته هو وأسرته. وبقي هذا النهج وفق عُرفٍ غير مكتوب استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع بداية النصف الثاني للقرن العشرين أخذت تجارة اللؤلؤ تبور إثر انتشار زراعة اللؤلؤ في اليابان، ثم ظهرت نتائج التنقيب عن النفط فصدّرت الكويت نفطها، وحل هذا المورد القومي مكان أعمال البحر، فهجر الناس البحر وأهواله للعمل داخل البلاد في شركات النفط وأجهزة الحكومة وفي إداراتها المختلفة.

الحاكم والشعب

إن ظاهرة اختيار الشعب لحاكمه في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وسَيْر نظام الحكم بالعدل، لفتت نظر كثير ٍ من المؤرخين، خاصة عند كُتّاب الغرب، كالألماني «كارل رتر» صاحب كتاب «علم الأرض» ففي دراسته لأرض الجزيرة والكويت سنة 1818 أطلق على إمارة الكويت اسم «جمهورية» عندما علم أن الحاكم منتخب من الشعب. وأطلق اسم (الجمهورية) أيضا الإنجليزي «ألكسندر جونتسون» في سنة 1847 في مؤلفه «أطلس العالم». يقول المؤرخ عبد العزيز الرشيد في مجال الحكم وإرادة الشعب: «ظل الحكم في أيامه - أي صباح الأول - إلى أيام مبارك الصباح شورى يستشير الحاكم وجهاء القوم فيما ينتابه من المهمات، وفيما يحفظ البلد من طوارئ الحدثان ويحميها من هجمات الأعداء، وليس له الرفض والخيار بعد أن يستقر رأيهم على أمر، لأن السلطة الحقيقية لهم، أي أفراد الشعب وإنما يُعْطى اسم الرئاسة عليهم تفضيلاً.

وفي عهد الشيخ أحمد الجابر (1921) طالب الشعب أن يُشارك في أمور الدولة، وطالب بإنشاء مجلس للشورى وذلك لإصلاح ما يمكن إصلاحه والتطلع إلى مستقبل أفضل للبلاد.

وهكذا تكوّن مجلس الشورى الأول، وبعد انقضائه تكون المجلس التشريعي الأول في سنة 1938. ثم المجلس التشريعي الثاني في 7/3 /1939، ومن كل ذلك نشأ عند الشعب الكويتي رصيد ديمقراطي استمر إلى أن تولى الشيخ عبد الله السالم الحكم, وكان من الرموز المطالبة بالحكم الديمقراطي منذ المجلس التشريعي الأول في 1938.

أنهى الشيخ عبدالله السالم معاهدة الحماية الإنجليزية, وأعلن في التاسع عشر من يونيو 1961 استقلال الدولة، وسعى إلى تأسيس مجلس الأمة وصدور الدستور سنة 1962. هذه المظاهر الديمقراطية مهدت لتُربةٍ وأرضيةٍ آمنة، جعلت النّتاج الأدبي والثقافي في مأمن من التدخل الرسمي، وأَمِنَ العاملون على استثمار التنمية الفكرية والثقافية على مسيرة أعمالهم، لذا تُعتبر الكويت سباقة في التنمية الثقافية والتعليمية، ولقي المواطنون والوافدون فيها حرية للقراءة والكتابة، إلى أن لاقت البلاد بعض الهزات والنكبات جرَّاء هذه الحرية التي تطلع إليها الآخرون، تطلع الغابن، فتعرضت البلاد إلى مخاطر، كما تعرضت لبنان من قبل بسبب حرياتها في إعلامها ونهجها الثقافي والسياسي.

البنية الثقافية

خير ما استثمرت الكويت تنميتها الثقافية خلال نصف قرن مضى، ولم تنازعها في ذلك الدوافع السياسية ولم تحجبها الشواغل الاجتماعية والرسمية، فبقيت الدوريات الثقافية منذ نشأتها بلا عائق رسمي، وفي منتصف الأربعينيات انطلقت من مصر موطن العلم والثقافة مجلة «البعثة» الكويتية لتكون خير سفير للكويت، فصارت مرجعاً من المراجع الأدبية والثقافية شارك فيه أدباءُ ومفكرو مصر، بأقلامهم النيرة، وكانت تستقطب الكتاب من الطلبة والأساتذة الكويتيين في مصر وداخل الوطن، واستمرت هذه المجلة إلى مطلع الخمسينيات، وتزامن وقوفها مع مجلة الرسالة للزيات، وقبلها بعقود زمنية أصدر المؤرخ والأديب عبد العزيز الرشيد مجلته المعروفة باسم (مجلة الكويت)، وذلك في سنة 1928 لتكون أول المراجع الأدبية داخل البلاد، ومجلة «كاظمة» في سنة 1948 للأستاذين أحمد السقاف وعبد الله الصانع.

وجاءت حِقْبة الخمسينيات لتشهد صدور جريدة «الفجر» صوت نادي الخريجين، ثم جريدة «الشعب» سياسية اجتماعية ثقافية... وظهرت في تلك الفترة مجلات «الرائد» صوت جمعية المعلمين، و«الإرشاد» صوت جمعية الإرشاد، و«الإيمان» صوت النادي الثقافي القومي. وفي 1958 صدرت مجلة «العربي» عن دائرة المطبوعات والنشر الحكومية برئاسة العلامة الدكتور أحمد زكي وعندما التقى مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم حاكم الكويت قال الأمير: «نريدها رسالة لكل عربي ولا تتخذ طابعاً محليا، وعليكم أن تبعدوا عن الزوابع السياسية وتسعوا إلى السلام. واحتفلت الكويت في عام (2008) بمرور 50 سنة على إصدارها. وهكذا سلكت «العربي» الطريق كأحسن سفير للكويت وتجنبت رياح السياسة، وسعت نحو إيصال رسالة المعرفة والفكر والأدب لكل عربي، ولا تزال هكذا حتى يومنا هذا.

وسارت على هذا النهج كذلك سلسلة عالم الفكر، وسلسلة عالم المعرفة، والثقافة العالمية، والمسرح العالمي التي تصدر كلها عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي تأسس عام 1973 وأصبح الجهة الأساسية في تنمية الثقافة في الكويت كثوابت لبُنية ثقافية سعت إلى إنماء الثقافة في الكويت.

وأنجز المجلس الوطني نشر ما تبقى من «تاج العروس» الذي عملت وزارة الإعلام على نشره منذ منتصف الستينيات بجهود عربية مشتركة ليصل إلى 40 مجلدا.

وهناك العديد من المواسم الثقافية التي تقام في الكويت في كل عام وعلى رأسها مهرجان الكويت الثقافي البارز «مهرجان القرين»، ومعرض الكتاب السنوي الذي انطلق في العام 1973.

ولجامعة الكويت إصدارات دورية وبحوث ودراسات منذ تأسيسها في سنة 1966, وتصدر في الكويت الآن خمس عشرة صحيفة يومية واثنتان باللغة الإنجليزية ودوريات أسبوعية وشهرية ونصف شهرية تقارب الـ400 إصدار. هذه الكمية الهائلة تعد الأولى بزخمها في قطر عربي، وتدل على اتساع رقعة الحرية المتاحة للمواطن والمقيم على أرض الكويت.

وتشارك رابطة الأدباء في النشاطات الثقافية وتصدر مجلة «البيان» وهي ثقافية أدبية منذ سنة 1966، ولها إصدارات تخصصية في الأدب، وأصدرت منها حتى الآن أحد عشر كتابا. وهناك مؤسستان ثقافيتان أهليتان تهتمان بالأدب والشعر العربي الأولى مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، التي أنجزت عملها الكبير «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» في ستة أجزاء من الحجم الكبير، وأخيراً معجم البابطين للشعراء العرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولهذه المؤسسة إصدارات لأعلام الأدب والشعر العربي، وتعقد مهرجانات عربية ودولية وتنقل أنشطتها إلى عواصم العالم العربي.

وتهتم بنشر الإبداعات الشعرية في العالم العربي، وكذلك بالشعر العربي في بلاد غير عربية, وتُعنى بالشعر والشعراء، وهي جائزة سنوية قيمتها المادية (100.000) مائه ألف دولار. وتتكفل المؤسسة بتعليم 1500 طالب من الجمهوريات الإسلامية الآسيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي.

جهود ثقافية

ومن الأعمال الكبيرة التي شهدتها دولة الكويت افتتاح مكتبة البابطين للشعر العربي وهي المكتبة الوحيدة من نوعها في العالم العربي، وتم افتتاحها في 8 / 4 / 2006 وتولى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد رعاية احتفاليتها الكبرى وتشعبت بفضل الله أعمال المؤسسة حتى شملت مركزا للترجمة إلى العربية وبالعكس.

وأقامت هذه المؤسسة دورات تعليمية لعلم العروض في الشعر في جامعة الكويت وكلياتها، وفي البلاد العربية.

وأقامت ندوات أدبية منها ندوة عن الشاعرين الكبيرين أحمد شوقي ولامارتين في باريس. وفي طهران كان الملتقى الكبير عن سعد الشيرازي وأشعاره في العربية والفارسية وذلك عام 2000. وفي العام الماضي أنجزت المؤسسة عملاً كبيراً أثناء عقدها دورة معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عقدت هذه الدورة في الكويت بتاريخ 27 / 10 / 2008 تحت رعاية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، وتسعى هذه المؤسسة إلى تقريب المسافة بين الحضارات بالتبادل الثقافي ونشر المعرفة، بعد أن باعدت السياسة بين الأمم والشعوب.

وهناك «دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» التي انطلقت في بدايتها من القاهرة كذلك، وأثرت المكتبة العربية بسيل هائل من المنشورات في كل فنون المعرفة، ورصدت الجوائز القيّمة للمؤلفين الشباب في فنون الثقافة والعلم، وحصدت جوائزها الكبيرة أسماء كثيرة من العالم العربي، ولاتزال هذه المؤسسة التي استقرت في الكويت تمد الوطن العربي بإنتاجها الثقافي الواسع، وبادرت بتكريم شخصيات عربية ثقافية في حياتهم وأصدرت كتبا عن تاريخهم وإبداعاتهم وأثرهم في الحياة الثقافية العربية. كل هذه القاعدة العريضة على أرض الكويت الرحبة والتي يقف عليها الأديب والكاتب المبدع باطمئنان ليكتب عن القضايا العربية الثقافية والأدب العربي بكل اطمئنان, لا يلزم بنهج سياسي ولا حزبي ولا يحاط بأي مؤثر إقليمي، حتى صارت الكويت رافدا عربيا فيه الصفاء والنقاء, يلتقي مع الروافد العربية الأخرى, ولتصب جميعها في النهر العربي العظيم, لتقوم مجتمعة على إنماء الثقافة العربية, ولتواكب عجلة الحضارة وخدمة الإنسانية جمعاء.

 

 

 

عبدالله خلف 





 





الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح