وكأنني مرساةُ أحزان... «إلى والدي في شموخه الأخير»

وكأنني مرساةُ أحزان... «إلى والدي في شموخه الأخير»

شعر

وحيث لا شيءَ.. سوى سفرٍ مأهولٍ باللامعنى
وعدمِ يكتبني
وغيمات تتساقُط جنبَ سريرٍ ذابل،
وهمهمات على أوتار المسبحة،
ورعشاتٍ على إيقاع الذكرى، وحيث لا شيء سواك يا أبي،
يا القادمُ من جلد السنين،
بك تتسُع بحوري وتكبرُ سمائي
وبك أسقي أرضي اليباب، دعني أحميك في ارتعاشاتي المبللةَ بالبكاء،
دعني أمد رموشي جسرًا لك إلى الحياة،
دعني أمسح عن جبينك ملح الزمان،
الحزنُ يا أبي ينتصب بشموخٍ على بابي...
لن أدعه يلج بيتي.. سأقتلعه
وأزرعُ نخلْة تقيك من قيظ المدى
هكذا علمتني...
أن أولدَ من الفجيعة وانهض كما الفينيق،
أن أمسدَ شعر القمر بحنوٍ كل مساء،
و أرقص كاللبلابِ فوق صحاري الألم،
أن أداري تعبي في زاويةٍ وأمضي
وأرسمَ على المرآة وجه طفلةٍ لا تشيخ،
أن أزرعَ نجيمات الحب بسخاءٍ
في كل سماء.يسكنُ الحزن بحري
وإن علا موجُه أو تناسلَ زبدُه
ستخور فورته
وسألثم بظمئي المعهود
قطراته الحرّى من جسدي
وأمضي ولهَى متخضبةً بعطشي
سأصعد الجبالَ الرواسي
كي أسخر من اصطخابه الأسود
وأبصرَ أعمقَ من مدهَ وجزرِه
هكذا علمني زرادشت.
أبي،
«وكأنني أمرأةٌ اخرى غيري»،
وكأن الأهوالَ تتعارك كي تفوزَ بقلبي،
وكأنني مرساةُ أوجاعٍ
فلحزني مرة طعمُ الفرات،
ورائحةُ احتراق الألوان
ومرةَ أخرى نحيبُ امرأة ثكلى
تنعي الشهيد.
لحزني خطواتُ سلام معطوبٍ،
وهيئةُ طفلة تتهافتُ كي ترصَّ عقدها
بحبات «نكباتٍ» انفرطت.
الحزنُ يا أبي .. يطرق بابي هذا المساء
لن أضجرَ من رفقته هذه المرة
سأراقصه رقصةَ الفرح
فلا طعَم لعشق مالم يذقنا نبيذَ الألم
سأحيا في الحرفِ وإن وأدتني عتمةُ الروح
سألتقطُ حبات الضوء في مغارةِ الصمت
سأستجدي لغةَ تليقُ بشموخ وجعي
وأقتلعُ فؤاديً كي أقتلعَ معه كلَّ الألم،
سأهدهدُ حزني وأراوغُه كي أؤجلَ فنائي
فالحياةُ أحبُّ إلي من حزني،
ولا شيء يقبرني سواي.

 

 

 

إكرام عبدي