الحقوق المدنية في وقت الخطر.. استهداف العرب والمسلمين

الحقوق المدنية في وقت الخطر.. استهداف العرب والمسلمين

«كتاب مدهش، يعطينا تفسيراً مُقنعاً، ذكياً وسياسياً للإجراءات ضد المسلمين والعرب داخلياً وخارج أسوار الولايات المتحدة، لقد ازداد فهمي منه مئة ضعف بعد قراءته».

مايكل راتينار
رئيس مركز الحقوق الدستورية
والنائب العام لمعتقلي جوانتانامو

عبّرت الكاتبة عن بالغ امتنانها الذي هيأ لها ظهور هذا الكتاب بالتزام أخلاقي تمخض عن روح الحقوق الإنسانية والقوانين، وفي كل خطوة من تلك العمليات، كان التعاون بارزاً في كل فصل من هذا الكتاب الذي يحوي بين دفتيه 324 صفحة، ثلاثة أجزاء وسبعة فصول، تحليل مهم وضاف لخرق أمريكا للمبادئ الدستورية بشكل فاضح، ولاسيما الحقوق المدنية مستهدفة بشكل أساسي العرب والمسلمين.

- مؤلفة الكتاب: ألين س. هاجوبيان Hagopian، أستاذة علم دراسة أحوال المجتمع البشري بكلية بوسطن، حازت جائزة فولبرايت مرتين: 1917 و 1983، أستاذة زائرة للاجتماع وعلم الإنسان بالجامعة الأمريكية ببيروت، شغلت عدة مناصب باليونيسيف واليونسكو في لبنان، سورية، الأردن والكويت، وساعدها في هذا الكتاب كيفين د.جونسون Johnson أستاذ القانون بكاليفورنيا وديفيز حاز درجة AB من جامعتي كاليفورنيا وبيركيلي وJD من جامعة هارفارد، والأخير روبرت مارلينو Marlino حاز درجة BFA من جامعة نيويورك،وعمل بصحيفة واشنطن سكوير وشبكة MSNBC مغطياً أحوال الشرق الأوسط، ويعمل حالياً باحثاً للسياسة العامة بواشنطن.

وقد بزغ نجم الولايات المتحدة كقوة متفردة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، تواكب مع صعود تصلب اليمين المسيحي الراديكالي، الذي جلب معه المحافظين الجدد، المسيحيين الإنجيليين واللوبي المعاضد لإسرائيل. كما أن صعود جورج بوش إلى سدة الرئاسة كان نذيراِ بحكومة تحمل في طياتها باقة من المحافظين الجدد التي تخطط باستراتيجية منذ عقود فائتة دور الولايات المتحدة بعد عالم ما بعد الحرب الباردة حتى وصلت إلى عنفوان ما تصبو إليه، مُتّكئة على حائط من المسيحيين اليمينيين، المؤيدين للوبي الإسرائيلي في خط متواز مع اصطفاف عريض من المؤسسات، والمنتديات والمنظمات لهؤلاء المحافظين محبذين التوسع الكوكبي الأمريكي تحت ذريعة الحرب الوقائية من جانب واحد، وبلا رادع من قانون دولي ولا عاصم من منظومة حقوق الإنسان.

11 سبتمبر

أصبحت الدول البترولية كفوهة برميل من بارود لمشروع كبير يهدف للاستيلاء عليها ووقع الترشيح الأول على كل من أفغانستان والعراق، على الرغم من أن العراق كان له الأولوية في ذلك الهدف، ولم تكن حوادث 11 سبتمبر إلا بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أصبح العرب والمسلمون هدفاً سائغاً للبحث والتحري والتوقيف السري والاعتقالات، وكان نعت أمريكا للعرب والمسلمين بأنهم عفاريت وشياطين، ولابد من استئصال شأفتهم في أفغانستان والعراق، وعلى جانب آخر - وفي السياق ذاته - التركيز على الزعماء الحميمين إلى أمريكا والذين يعترفون بإسرائيل ويطورون حكوماتهم المدنية، في مقابل وجود زعماء شريرين، تصورهم أمريكا بصورة سلبية منافية للواقع لأغراض سياسية، كما تقول المؤلفة.

كانت العلاقة بين الغرب والشرق تتسم بالعداء والصراع المستميت عبر التاريخ، وقد وصلت العلاقات إلى ذروتها من التردي والعداء إبّان الحروب الصليبية التي وصلت إلى سبع آخرها 1249م، وإن سبقها بسبعة وخمسين عاماً، صلح الرملة، وهي المعاهدة التي أنهت الحرب بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد، وتوفي صلاح الدين على إثرها في 4 مارس 1193م.

وهذه الحروب كانت محاولات مستميتة من أوربا المسيحية لاستعادة الشرق العربي، بعد أن دخل في دين الله أفواجاً، والذي كان في يوم من الأيام ضمن مناطق السيطرة الرومانية ودخل الأوربيون إبان مرحلة الاكتشافات الجغرافية والتوسعات الاستعمارية في علاقات سداها الصراع ولحمتها الصدام مع الشعوب الأخرى في هذه المناطق، فقد كان صراعهم مع الشعوب والدويلات والإمارات الإسلامية مختلفاً عن أشكال الصراع الأخرى، ويكمن السبب الأساسي في هذا - الصراع - في أن المسلمين عبر التاريخ ظلوا حاملين مشروعاً ذا سمة إنسانية وعبق حضاري مضمّخ بأريج كوني عالمي يسعى لنشر رسالة الإسلام كديانة وحضارة في مشارق الأرض ومغاربها، وبما أن المسلمين رفعوا بيارق مشروعهم العالمي، فقد جوبهوا بمشروع عالمي آخر، على النقيض منه، وهو مشروع الأوربيين الذين نشروا نموذجهم الحياتي العام في أغلب بقاع الدنيا، وشتان بين المشروعين.

هدف التوسع الأوربي

لم يكن التوسع الأوربي لنشر فلسفة دينية أو معتقد روحي بقدر ما كان توسعاً إمبريالياً واستعمارياً، وإن تزيّا أحياناً برداء الكهنوت، حيث أجبرت التطورات الصناعية والرأسمالية في هذه المجتمعات، ولاسيما بعد الثورة الفرنسية 1789م والثورة الصناعية، الدول الاستعمارية على أن تحمل لواء الفتح وأن ترتاد آفاق العالم الجديد، وتحتل العالم القديم بحثاً عن الأسواق والموارد (كما في قارة إفريقيا) والعمالة الرخيصة لجلبها من تلك البلدان إلى بلاد العم سام وأوربا (ويكفي مأساة استجلاب العبيد التي لاتزال حية في ضمير الوجدان العالمي)، ليس هذا فحسب، بل من أجل تصدير الأزمات الداخلية والروحية التي عانتها المجتمعات الأوربية في تلك الفترة (بيع صكوك الغفران ومحاكم التفتيش). كان من نتائج ظهور المادية الاستهلاكية والرأسمالية المتوحشة والقوميات الشوفينية Chauvinism على الأرض الأوربية حربان ضروستان عالميتان سبّبتا الخراب والدمار وخلفتا وراءهما ملايين القتلى، وشهدت الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 نهاية الدور الإسلامي، بعد أن أعلنت الإمبراطورية العثمانية الاستسلام في الحرب الأولى في 29 / 10 / 1918 وبعدها بعامين بالضبط ألغيت السلطنة وأعلنت الجمهورية في 29 / 10 / 1920 ، وتفككت دولة الخلافة، حين أعلن كمال أتاتورك إقامة الدولة الوطنية العلمانية، على موزاييك لغوي خاص بعد أن استبدل بالأحرف العربية أحرفاً لاتينية.

هكذا، ومنذ القرن السادس عشر، والهجمة الاستعمارية مازالت تترى على بلاد العرب والمسلمين، وإن تغيرت القبعة فمازال الرأس وما بداخله هو هو، ومن هنا أفُلَ نجم المسلمين وتراجع دورهم، مع شيوع الفلسفات والأيديولوجيات المعاصرة، كالعلمانية، الاشتراكية، الديمقراطية، الفاشية والفابية.. وقد ساهمت في ظهور حركات الإسلام السياسي في الأقطار العربية بدءاً من عام 1928، عندما قام حسن البنا بتأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر، وسرعان ما انتشرت - لاحقا - في العديد من البلدان العربية كما يرد في الكتاب.

ناقضات عالمية

طيلة أربعة عقود، من انتهاء الحرب الثانية حتى زوال الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر 1991، بات التناقض العالمي بين الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي محتدما، حيث أخذ الصراع أبعاداً أيديولوجية، لم يكن للدول الإسلامية دور فاعل في هذا الصراع المستعر أواره، بين الرأسمالية والشيوعية، وذلك بسبب عدم امتلاكه التأثير وقدراته في مجرى الأحداث الدولية، على الرغم من أن عدد الدول الإسلامية بلغ 59 دولة، يقطنها مليارا نسمة، وأيضاً لأن العديد من الدول الإسلامية انحازت إلى أحد طرفي الصراع، إما نكاية في هذا الطرف أو تزلفاً للآخر، وبذلك أصبحت معظم تلك الدول أداة طيعة يستخدمها الأقوياء مجذافا في بحر السياسة المتلاطم.

إن الاستقطاب الأيديولوجي والعسكري والسياسي بين أمريكا وروسيا خلال الحرب الباردة، أثار ردوداً من الأفعال في جموع المسلمين ومن ينضموون تحت لواء «الإسلام السياسي»، الذين رأوا في هذا الاستقطاب نوعاً من المهانة والمذلة لسمعة الأمة وكرامتها، وذلك لأنها لا تمتلك مشروعاً حضارياً ثقافياً عالمياً قادراً على مناوئة المشروعين الغربي الرأسمالي، والسوفييتي الشيوعي، فالأول دينه الاحتكار والاستغلال والثاني ديدنه «التضييق» والقمع، وكلاهما بما يعلنانه من مبادئ وأيديولوجيات ينافي روح الإسلام قلباً وقالباً، وهذا التيه بين المشروعين، كان واحداً من ضمن أسباب أخرى، تجذيراً للقاعدة الشعبية وتعميقاً للإسلاميين المعاصرين الذين اعتبروه نموذجاً إسلامياً يُحتذى ومثالاً يُقتدى يهدف إلى إعادة تجديد أمجاد الإسلام الغابرة.

الإسلام والغرب وجهاً لوجه

أضحت المئذنة مرادفة لفوهة المدفع، وأصبح الهلال قريناً للقنبلة، ودخل الإسلام ومعه الحركات الإسلامية المعاصرة في طور جديد مع الغرب.

وظهرت نظريات ومفاهيم وكتب لافتة للنظر في هذا الاتجاه، ومن أهمها كتاب «صراع الحضارات» لصمويل هنتنجتون، وأضرابه مثل دانييل ببس/ سيف ايمرسون D.pipes / S.Emerson كلاهما تحدث حول صراع الحضارات، ومضيا في طروحاتهما إلى أن الإسلامية هي نوع من التسلطية في مختلف أوجهها من عنف، ويجب على نحو قاطع قطع دابرها إلى الأبد، وأن الإسلاميين المتطرفين قد تغلغلوا إلى نسبج المجتمع الأمريكي مستغلين ما يتمتع به من حرية، وبات الغرب في لوثة بعد «نهاية التاريخ» لفوكوياما المبشر فيه بنهاية التاريخ، والرأسمالية هي الوحيدة في ميدان الصراع بعد اندثار الشيوعية، ولابد لدول العالم الثالث، بما فيها العالم الإسلامي، من تقليد النموذج الغربي سياسياً، واقتصادياً وثقافياً لأنه الحل الأنجع لجميع مشكلاتها! ومن هنا نشم رائحة الاستعلائية والفوقية بل والعنصرية، وقد تناسى أن العالم ليس واحداً، وأن هناك تعددية في الرؤى. تولد عن هذه المفاهيم حزمة من المفاهيم والمصطلحات الأخرى مثل «الأصولية»، «الإسلام السياسي»، «الإرهاب الإسلامي»، «الإسلاموفوبيا»، كل هذه وتلك بقصد نشر ثقافة العولمة، التي تنمي الأنا EGO وتمجدها في أعلى عليين، وتنفي فيه الأخر إلى مجاهل السافلين، فضلاً عن مصادرة الخصوصية الثقافية والحضارية.

الفكر الغربي والإسلام

مرّ الفكر الغربي تجاه الإسلام بثلاث مراحل: الأولى، تنميط غربي للإسلام يعكس القوالب النمطية Stereotypid والذهنية المعلّبة سالفاً التي أسقطت على الإسلام والمسلمين، وصوّرتهم قوماً من الرعاع المتنقلين على ظهور الجمال في الفيافي العربية، الباحثين عن الماء والكلأ وعن النساء في إطار تعدد الزوجات. المرحلة الثانية: ما بين أعوام 1920 حتى 1987 (تقريباً)، حيث قام نفر من المفكرين والمستشرقين الغربيين بإسقاط مفاهيم غربية، مثل الأصولية التي هي أساساً نتاج للبيئة الغربية والتجربة المسيحية على الحركات الإسلامية التي ظهرت بعد تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 حيث ارتفعت وتيرة الحديث عن الإسلام والإسلاموية، والذي يمثل مشروعاً حضارياً وفكرياً مضاداً ومعارضاً ومناوئاً للنموذج الغربي.

المرحلة الثالثة، من عام 1978 للآن حيث شهد فبراير 1979 اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، وفي ديسمبر من العام نفسه انطلقت مدافع «تورابورا» في أفغانستان ضد الشيوعية الروسية، ومن هنا تحول الإسلام إلى وسواس، وخوف غير مبرر، وارتفعت نغمات هذه الصورة بعد إسدال الستار على نهاية الحرب الباردة، وبدأت أمريكا في البحث عن عدو جديد تُعلق عليه جميع أسباب التدخلات الغربية والأمريكية في العالم الإسلامي والثالث، ولعل ظهور «القاعدة» و(طالبان) عزّز هذه الصورة «المرعبة» حول الإسلام، إلى أن تعمّقت وتعملقت في الإعلام الغربي وجداناً وعقلاً بعد 11 سبتمبر 2001.

والخلاصة كما ترى الكاتبة أن هذا العداء ليس وليد اليوم، فالكاتب الإنجليزي تشوسر (1340 - 1400) كتب في «حكايات كانتربري» أن السمة المميزة لشخصية الفارس هي حماسته كمقاتل صليبي يحارب العدو المسلم ويقضي عليه, وفي «أعمدة الحكمة السبعة» للورنس العرب يصف المسلمين بأنهم: إما أسود وإما أبيض، يتصفون بضيق الأفق وجمود العقل، حتى أن «ف.س.نيبول» الحائز جائزة نوبل عام 2001 في الأدب في كتابه «بين المؤمنين» يشير إلى أن «أمة المسلمين استيقظت فوجدت نفطاً ومالاً، ولم تجلب ديانتهم للعالم سوى نظام سياسي يسوده الفوضى والعنف».

-------------------------------------

عذلوني على اندفاعي مع الحبِّ
كأني اندفـعت إليه اختيارا
جهل الـعاذلونَ أنــي آتٍ
في غرامي مابيَ أضطّرُّ اضطرارا
فأطالوا في عذلِهِم فيه سرًّا
ثم جاءوا بالهذلِ نحوي جهارا
ثم عادوا باليأسِ من أن يروا لي
عن حبيبي تسلياً واصـطبارا
يئس العاذلونَ مني فقالوا
لومَ هذا الفتى نـراهُ خسارا

صقر الشبيب

 

 

إيلين س.هاجوبيان