مساحة ود

مساحة ود

عقارب الزمن

في عطلة نهاية الأسبوع استلقيتُ على أريكتي مقابل ساعة الحائط. راقبتُ عقارب الساعة وفكرتُ بأنّ دورانها الأبدي يعني في الوقت ذاته حركة الزمن الأزلية. إنها ثلاث عقارب، ثلاثة أحجام مع ثلاث مهمات. وسيكون لديّ بالمقابل ثلاث محاولات على الأكثر لإيقاف الزمن من أجل مصالحي!

رسمتُ خطتي كالتالي: أسطو على العقرب الصغير المسئول عن عدد الساعات من نهاري، أنتقم منه وأوقف وظيفته نهائياً، ومن يمنعني من تنفيذ خطتي؟

تسلقتُ ساعة الحائط بخفة ثمّ حشرتُ نفسي داخل صندوقها ممسكة باستخفاف بعقربها الصغير لأمنعه من التقدم. أمسكتُ بالعقرب لمدة ساعة كاملة محاولة تجميد حركته، لكنني مع الأسف وجدتُ نفسي بنهاية المحاولة أتقدم معه مسافة ساعة أخرى!

لقد باءت محاولتي بالفشل...لكن لا بأس في ذلك. لديّ خطة ثانية. سأنتقل إلى محاولة منع العقرب الطويل عن تحركه. هويتُ بكل قوتي على عقرب الدقائق الطويل وأمسكته بشدة. لوهلتي،أعلنت فشلي بسرعة قياسية. دقيقة واحدة ومثلتْ الهزيمة أمامي. لقد جرّني العقرب الطويل إلى الأمام هو أيضاً!!

لكن لن أنهزم. أنا إنسان يكره الهزيمة. توجّهتُ بنظري إلى عقرب الثواني بطوله ونحافته. ما الذي يمنعني من التغلب الآن على هذا العقرب النحيف؟!

مأخوذة بنشوة ترقبي لمهمتي التاريخية، أمسكتُ بثبات بعقرب الثواني، لكنّ ثانية قصيرة أحبطتني. ثانية واحدة دمّرت كل اللوحات الجميلة التي رسمتُها في أمنياتي ورمتْني في خيبة الواقع. ثانية واحدة لخّصت لي قدراتي كإنسان عاجز.

***

لم أحتمل البقاء داخل صندوق الساعة. خرجتُ منه بجسدي ورأسي المنهكيْن. ارتميتُ حالاً على الكنبة المقابلة متطلعة إلى العرق المتصبب من جسدي. سمعتُ تكات العرق وهو يرتطم بالأرض محدثاً صوتاً كتكات عقارب الساعة. لماذا يُحدث عرقي أصواتاً زمنية؟!

سمعتُ عقارب الساعة تخاطبني بصوت حنون: «أنت إنسان، يفترض بكَ أن تلحق بنا لا أن تقتل فينا مسيرتنا».

ردّ عليّ صوت القناعة الداخلي: «فعلاً!. لماذا لا تكتفين بقيادة نفسك والتحكم بحركتك بدل الانشغال في طمعك بقيادة العالم والزمن والتاريخ؟».

تمددتُ على الأريكة وقناعتي تملؤني. سوف أضع جدولاً للسير على خطى عقارب الساعة. من الآن وصاعداً لا صراعات على القيادة، الساعة مسئولة عن إدارة الزمن، وأنا مسئولة عن إدارة أوقاتي وفق عقارب الساعة. ولأفترض جدلاً بأنّ قناعاتي اهتزت يوماً فإنني سأذكّر نفسي دوماً بالمثول أمام عقارب الساعة وأجعلها ترفسني على مؤخرتي في كل مرة لا أتقدم فيها. قد أتحمل رفسة عقرب الثواني «الطويل والنحيف»، لكن لا أظن بأنّ رفسة الدقائق القوية ستفرحني. أما في حال ركب فيّ عنادي المعروف وتوقفتُ عن المسير فإن صفعة العقرب الغليظ ستكون وحدها كفيلة بإيقاظ حس المسئولية الفردية للانصياع واللحاق بالزمن حتى النهاية. إنها حكمة الحركة الأبدية لعقارب الزمن!.

 

 

 

إيمان خليفة