هل تقوم ثقافة كوكبية موحدة؟

هل تقوم ثقافة كوكبية موحدة؟

قد يكون من الصعب التنبؤ فى الوقت الحالى بمستقبل الثقافة فى أى مجتمع، وذلك بعكس ماكان عليه الوضع حتى عهد غير بعيد، وذلك نظرا لسرعة التغيرات وكثافة الاتصالات بين الشعوب والثقافات وازدياد عمليات الاستعارة الثقافية والتأثير الثقافى المتبادل.

بفضل انتشار وقوة وفاعلية الإعلام الحديث وتنوع وسائله وأساليبه وقدرته على التسلل إلى أعماق الأذهان وازدياد حجم الحراك السكانى والبشرى عبر الحدود الجغرافية والسياسية. فالمستقبل الثقافي الآن على مستوى كوكب الأرض، يكاد يكون منعدم الصلة بالحاضر الثقافي فضلا عن الماضى، بل إن ثمة نوعا من اللايقين حول مستقبل الثقافة وما سوف تتمخض عنه تلك التغيرات والعلاقات والتحركات المستجدة، التى سوف تؤثر بشكل قوى فى نوعية الثقافة سواء على المستوى المحلى أم العالمى. وهذا اللايقين يثير شكوك الكثيرين حول إمكان وضع سياسة ثقافية يمكن الالتزام بها حرفيا مدة طويلة وأن الوضع المستقبلي للثقافة لن يخرج عن أحد احتمالات ثلاثة: إما أن تمر الثقافة بوجه عام بحالة من الاضطراب والفوضى نتيجة عدم وضوح الرؤية إزاء التداخلات الثقافية. وإما أن تتصادم تقاليد الماضى مع مستجدات الحاضر والمستقبل، بحيث يصعب التوفيق بينها ويكون هناك فصل أو انقطاع فى المتصل الثقافى على المستويين المحلى والعالمى. وإما أن تتصارع الحضارات بكل ماقد يترتب على ذلك الصراع من حروب ثقافية تحمل فى طياتها كثيرا من النتائج السلبية، التى سوف تنعكس بالضرورة على طبيعة العلاقات بين شعوب العالم. وقد تكون هذه كلها احتمالات صادرة عن نظرة تشاؤمية منبثقة من عدم الثقة فى طبيعة الإنسان نفسه وقدرته على التسامح مع الآخرين. ولكن المؤكد هو أنه ليس من الواضح تماما ماسوف تكون عليه ثقافة الغد على الرغم من كثرة الحديث حول الموضوع/المشكلة، ووجود كثير من الحركات والجماعات التى تعمل من أجل التوصل إلى تصور متكامل حول مستقبل ثقافى جديد متمايز وله خصائصه ومقوماته ومفرداته وتصوراته عن العالم وعن الذات وعن الآخرين. وليس من الضرورى أن تكون هذه الحركات المختلفة حبيسة الماضى أو خاضعة لتأثيرات الحاضر ولكنها تهتم فى المحل الأول بالتوصل إلى صيغ جديدة للخطاب السياسى والاجتماعى والثقافي، والبحث عن أنماط جديدة من القيم تساعد على إقرارالتوازن بين مكونات الحياة الاجتماعية على مستوى العالم واحترام الخصوصية الفردية فى كل مناشط الحياة.

العالم يتحول

ومن الواضح أن كل مجتمعات العالم تمر الآن بمرحلة من التحول، الذى يتمثل فى الانتقال من عصر يعتمد على الإنتاج الصناعي، إلى عصر يقوم أساسا على إنتاج المعرفة بكل ماسوف يترتب عليه من إعادة النظر فى طبيعة وشكل وماهية ومغزى الوجود البشرى. وليس من شك فى أن عصر المعرفة سوف يطلق سراح القدرات البشرية فى كافة المجالات ويساعد فى الوقت ذاته على التقارب والتفاهم بين الشعوب، وإن كان ذلك لن يخلو من بعض السلبيات التى تلازم كل تحول. ولذا فإن مجرد الحديث عن إمكان قيام ثقافة كوكبية، موحدة يقتضى الاعتماد على المنهج التكاملى والنظرة الشاملة التى تحيط بكل مظاهر الحياة السريعة التغير، وهو عمل يحتاج إلى سنوات طويلة من البحث المركز الجاد. وثمة بعض محاولات أجريت فى هذا المجال كما هو الشأن بالنسبة للمشروع الذى يشرف عليه ميكائيل مازارMichael Mazarr والذى كان مقدرا لإجرائه عشر سنوات، وقد أسفر حتى الآن عن ظهور عدد من التصورات حول السياسات الثقافية الكوكبية المحتمل أن تفرض نفسها فى العقود القليلة القادمة. وكانت دراسة الأستاذ مازار جزءا من بحث عن القوى التى تغير تشكيل العالم فى القرن الواحد والعشرين فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتطورات التكنولوجية الحديثة وذلك ضمن مشروع أكثر شمولا يقوم به مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، تحت عنوان «مشروع الألفية الجديدة». وقد نشرت فى تقرير عن Global Brand Culture بعض المعلومات المختصرة التى تلقى نظرة سريعة على المستقبل تحت مايسمى بالاتجاهات الكوكبية، كما أن عالم الاجتماع الاقتصادى بيتر دروكر كان قد كتب فى عام 1993 يقول: « فى كل بضع مئات من السنين من تاريخ الغرب يطرأ تحول عنيف فى حياة الإنسان، وخلال عدد قليل من العقود سوف يعيد المجتمع تنظيم نفسه من حيث نظرته إلى العالم ونسق القيم الأساسية وبناؤه الاجتماعى والسياسى وفنونه ونظمه الأساسية، وبعد خمسين عاما سوف يكون هناك عالم جديد تماما».

ويسود الاعتقاد فى كثير من الأوساط الثقافية فى الخارج بأن ثقافة الغد الكوكبية إن أتيح لمثل هذه الثقافة أن تقوم سوف تعتمد أساسا على الارتياد والتجريب فى كثير من المجالات، أى سوف يغلب عليها الطابع العلمى وأن تكون فى الوقت ذاته متعددة الجوانب، بحيث تضم تخصصات عديدة ولكنها متساندة وظيفيا وهو ماسوف يؤدى إلى ظهور أبعاد كثيرة معقدة، تتطلب الإحاطة بها نظرة واعية شمولية حتى يمكن التعامل مع الأوضاع الجديدة.. وليس من شك فى أن هذه الثقافة الكوكبية المنشودة، أياً ما كان جوهرها ومقوماتها التى لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن - وربما لن يتم الاتفاق عليها أبدا، ولكن الظروف والأوضاع العامة فى العالم هى التى سوف تحدد مواصفاتها - سوف يتسارع ظهورها ونموها وانتشارها وسيطرتها نتيجة لتقدم تكنولوجيا الاتصال. ومع ذلك فإن أى محاولة لتحديد الخطوط العامة لتلك الثقافة الكوكبية لن تفلح إلا إذا سبقتها كما ذكرنا من قبل - دراسات عديدة مركزة وذات بعد مستقبلي، وتتم على أسس منهجية سليمة وتأخذ فى الاعتبار فى الوقت ذاته رأى عامة الشعوب فى أوضاعهم الثقافية الحالية، وما يتوقعونه حول تطور هذه الأوضاع والصورة النهائية التى يتوقعون أن تنتهى إليها الأمور، بل وأيضا الصورة المثالية التي يرجون أن تكون عليها تلك الصيغ الثقافية فى المستقبل. فرصد الواقع قد يكون مهما لاستشراف المستقبل ولكن الأهم من ذلك هو تعرف رأى ورغبات عامة الناس فى مختلف المجتمعات وإلى أى حد تتفق هذه الرؤى مع الواقع المحسوس الملموس ومدى عقلانية تلك التوقعات والرغبات التى هى فى آخر الأمر صورة مثالية مشروعة، حتى وإن كان من الصعب تحقيقها.

ثقافة كوكبية

والتفكير فى إقامة ثقافة كوكبية موحدة يتطلب أن يؤخذ فى الاعتبار أمران مهمان لهما علاقة مباشرة بنوع وطبيعة تلك الثقافة:

الأمر الأول - التغيرات التى طرأت فى العقود القليلة الماضية على مفهومى الزمان والمكان، باعتبارهما بعدين أساسيين فى التكوين الثقافى على كل المستويات وإن كانت هذه التغيرات تأخذ مسارين مختلفين بالنسبة للمفهومين إلا أنهما يؤديان إلى نفس النتيجة. فمفهوم الزمان الذى ينظر إليه على أنه متصل واحد يمتد من الماضى حتى المستقبل عبر الحاضر وان التاريخ يحفظ ويحافظ على النتاج الثقافى لذلك المتصل يخضع الآن لانكسارات شديدة تفصل المستقبل عن الماضى وتعتبر الماضى عامل تخلف يشد العالم إلى الخلف الذى تجاوزته حقائق الحياة التى تندفع إلى الأمام حاملة معها الإنسان والمجتمع نحو مستويات جديدة من التقدم والتطور، وأداة ذلك هى الثورة التكنولوجية فى مختلف المجالات بحيث إن إنسان الغد غير البعيد سوف ينظر إلى الماضى القريب بل وإلى الحاضر المعيش الآن، نظرتنا نحن إلى ماقبل التاريخ الذى انقطعت صلته بالحاضر نتيجة التغيرات التكنولوجية المختلفة عبر العصور. فالتكنولوجيا كانت دائما أداة التغيير وحدوث الانكسارات فى المتصل الزمانى وجعل الماضى عالما أجنبيا بالنسبة لإنسان العصر تحقيقا للمقولة الشهيرة «History is a foreign country». فالإنسان والمجتمع - بل والعالم أجمع - يتجهون الآن وبسرعة فائقة نحو إغفال الماضى وإسقاطه من الاعتبار، وهو عكس ما يحدث بالنسبة لمفهوم المكان الذى كان ينقسم دائما إلى وحدات متمايزة تفصلها بعضها عن بعض حدود وحواجز طبيعية أو من صنع الإنسان نفسه، بحيث كان يصعب على معظم الناس فى مختلف الثقافات أن يتصوروا مفهوم المكان على أنه متصل واحد بالطريقة نفسها التى يتصورون بها الزمان. ولكن الذى يحدث الآن هو انقلاب هذه التصورات رأسا على عقب، وإذا بالتقدم التكنولوجى الذى يقيم الفواصل بين الإنسان وزمنه الماضي، يزيل الفواصل المكانية، ويحول العالم كله إلى قرية صغيرة لايعترف أهلها بتلك الفواصل التى كانت تمثل انكسارات فى المتصل المكانى. والنتيجة التى ترتبت على إلغاء مفهوم المتصل الزمانى وإلغاء مفهوم الانكسارات المكانية هو التقارب القوى وظهور فكر متقارب ويكاد يكون متماثلا فى كثير من أنحاء العالم، ويعتبر أساسا لما قد يصبح ثقافة كوكبية موحدة، وإن كان هذا الاتجاه لايزال يجد مقاومة شديدة فى كثير من المجتمعات من أجل الاحتفاظ بالهويات الثقافية المتمايزة.

الأمر الثانى: هو تكوين الهوية الجديدة التى ستكون بالضرورة هوية كوكبية لها ملامح وخصائص ومقومات تختلف بالضرورة عن الهويات الاجتماعية والثقافية والسياسية الوطنية أو القومية، التى عرفها العالم خلال العصور السابقة. قد كانت اللغة دائما أهم عنصر يميز تلك الهويات بعضها عن بعض، ليس فقط لأن اللغة هى أداة الاتصال والتواصل والتفاهم داخل الجماعة اللغوية التى تنتسب إليها، ولكن لأنها هى أيضا وعاء الفكر وخلاصة الوجود البشرى. ولقد كان تباين الثقافات دائما عامل تباعد وتمركز حول الذات وهو ما يختلف تماما مع متطلبات الثقافة الكوكبية، التى تعلو بالتعريف - فوق تلك الاختلافات والتباينات اللغوية وبالتالى اختلافات أساليب التفكير والتعبير مما سوف يقتضى وجود لغة عامة مشتركة بين مختلف الشعوب حتى يمكن تحقيق التفاهم والتوحد الفكرى. ولقد كان تعلم اللغات من ناحية والترجمة من الناحية الأخرى هما الأداتين اللتين تتغلبان على التفاوت اللغوى وتعملان على التقريب بين الثقافات، ولكن فى حدود. وقد بذلت جهود لاختراع لغة عالمية واحدة ولكنها جهود محدودة ولم تصادف كثيرا من النجاح. ويبدو أن المرشح الآن لتكون هى اللغة الكوكبية وأداة التعبير والتواصل على مستوى كوكب الأرض هى اللغة الإنجليزية، التى أفلحت على أي حال فى أن تصبح هى اللغة المشتركة وأداة التفاهم بين قطاعات كببرة جدا من شعوب العالم، كما أصبحت هى لغة العلم ومن يدرى فربما تصبح فى القريب لغة الأدب والإنسانيات. وقد تواجه هذه الهيمنة اللغوية للإنجليزية مقاومة من بعض الأوساط فى بعض اللغات الكبرى، ولكن يبدو أن هذه المقاومة تتهاوى بالتدريج فى كل أنحاء العالم وتكتسب اللغة الإنجليزية أرضا جديدة باطراد على حساب اللغات الوطنية، بما فى ذلك اللغة العربية التى تتراجع أمام زحف الإنجليزية على الرغم من ارتفاع الأصوات بضرورة العمل على (إنقاذها) من ذلك الخطر، واستخدام لفظ (إنقاذ) فى هذا المقام مؤشر واضح على طبيعة الموقف، الذى يتبلور نتيجة الاتجاه المتزايد نحو وجود تلك الثقافة الكوكبية التى يسير نحوها العالم بخطا حثيثة.

والمهم هنا هو أن البعد الزمانى فى الثقافة الكوكبية سوف يكون ضحلا للغاية بعكس الحال بالنسبة للبعد المكانى الذى سوف يتسع ويتمدد، بحيث يشمل العالم كله بفضل الإنترنت وتطوراته المستقبلية، وإذا كانت هذه الثقافة الكوكبية تفتقر إلى التراث الفكرى والإنسانى المتراكم عبر العصور فإنها سوف تجد فى المستجدات الفكرية والعلمية المتطورة كنزا وفيرا يزيدها غنى وثراء طيلة الوقت ويساعد على نمو التفكير الإبداعى Creative Thinking، الذى سوف يفتح مجالات ثقافية وعلمية متنوعة وجديدة ومتجددة. بيد أن ذلك كله يثير بعض التساؤلات التى قد لاتجد لها إجابات جاهزة حول مدى توافر الوعي والإدراك باحتمال قيام هذه الثقافة الكوكبية، التى سوف تعتبر ثورة أو انقلابا فى تاريخ الفكر الإنسانى ومدى استعداد الجنس البشري بوجه عام لتقبل هذه الثورة التى تحمل فى طياتها إمكان اختفاء الهوية الثقافية للشعوب على مستوى كوكب الأرض واحتمال الخضوع لثقافة واحدة مهيمنة ليس من الضروى أن تكون هى ثقافة مجتمع واحد معين بالذات، ولكنها مزيج من ثقافات عديدة اندمجت وتكاملت معا فى وحدة عضوية متجانسة إلى حد كبير.

في مواجهة التباين الثقافي

وبصرف النظر عن وجود - أو عدم وجود- ذلك الوعى أو الإدراك بالاتجاه نحو قيام ثقافة كوكبية واحدة وموحدة فالرأى السائد الآن فى كثير من الأوساط الثقافية المعنية بشئون المستقبل هو أن قيام مثل هذه الثقافة سوف يحل كثيرا من المشكلات التى يعانى منها المجتمع الإنسانى فى الوقت الراهن، وذلك على اعتبار أن هذه المشكلات ترجع فى معظمها إلى التباين الثقافى الذى يمنع من التقارب والتفاهم بين الشعوب، وأن وجود هذه الثقافة سوف يستتبع بالضرورة اختفاء كثير من أسباب التوتر. فالثقافة الكوكبية سوف تضم بالضرورة عناصر من مختلف ثقافات العالم، أو على الأقل الثقافات الكبرى المؤثرة، أى أنها ستكون مزيجا من الثقافات القائمة الآن وأن تكوين هذا المزيج لن يتم إلا عن طريق تنازل هذه الثقافات عن بعض مقوماتها التى تعطيها خصوصيتها وتمايزها عن غيرها، حتى يتسنى قيام تلك الوحدة المركبة والمعقدة. فالعملية التى تؤدى إلى ولادة هذه الثقافة الكوكبية عملية عسيرة وصعبة وتحتاج إلى فهم وصبر إذ ليس من السهل أن تتخلى أي ثقافة مهما كانت متخلفة عن خصائصها التى تكسبها هويتها بل وكيانها نفسه. وعلى أي حال فهناك من يرون أن المستقبل غير البعيد سوف يتمخض عن ظهور نوع من «الفيدرالية الثقافية» المؤلفة من تنوع ثقافى ضخم يعكس - رغم مابه من تنوع - تآلف التكنولوجيات الحديثة المتطورة مع الفكر الإنسانى. فليس من الضرورى أو المحتم أن يؤدى تقدم العلم والتكنولوجيا إلى تراجع الفكر والنشاط الذهنى الثقافى الخلاق وإن كان يقتضى تعديل مساره والأخذ منه بما يتلاءم مع الأوضاع الراهنة.

والواقع أنه لاتوجد فى العالم ثقافة واحدة يمكن أن توصف بأنها ثقافة متوازنة تماما. فكل ثقافة تنتج أنواعا مختلفة من التوترات التى قد تؤدى إلى الصراع أو حتى الحروب مع غيرها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو دينية أوعرقية أو غير ذلك، ولكن الأساس فيها كلها هو الاختلاف الثقافى الذى لايعترف بالآخر. فلكل ثقافة نموذجها المثالى الخاص بها الذى تتمسك به ويصعب التنازل عنه، وهذه حقيقة انتبه إليها منذ وقت طويل علماء الأنثروبولوجيا من دراساتهم الميدانية العديدة فى مختلف مناطق العالم، وعبرت عنها خير تعبير عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية روث بنديكت Ruth Benedict فى نظريتها عن «الصيغ الثقافية المثالية «Cultural Configurations» وعرضتها فى كتابها الشهير، الذى نقل إلى العربية منذ سنوات طويلة وهو كتاب أنماط الثقافة Patterns of Culture. فالمشكلة إذن بالنسبة للثقافة الكوكبية هى هل يمكن التقريب بين هذه الصيغ أو النماذج الثقافية المثالية المتباينة ودمجها معا فى نموذج واحد وموحد، مما يتطلب من كل ثقافة التنازل عن بعض مقوماتها الأساسية لتسهيل عملية الاندماج؟

قد ينظر أنصار العولمة إلى الأمر بشيء من التفاؤل الذى لايخلو من المثالية. فالعولمة توحى بإمكان التحرر من القيود والحدود الفيزيقية والذهنية, مما قد يساعد على إحلال التفاهم والمحبة والسلام بدلا من التنافر والكراهية والحروب. وقد تكون هذه نظرة مثالية. فهناك فارق بين الآمال والتطلعات، وبين الواقع وما يمكن تحقيقه بالفعل، ولذا فليس أمامنا إلا أن ننتظر لنرى ماسوف يسفر عنه الغد.. وليس الغد ببعيد.

-----------------------------------

تلفتُّ من غمرات الظـلامِ
ومن عارِهِ في جبينِ الوجودْ
فأبصرتُ فجراً عنيدَ الضياءِ
تزمجرُ أضواؤُهُ بالرعود
وتزحفُ راياتُـهُ بالدمـاءِ
لتجرف بالهول كل الحدودْ
وتغسلُ بالنورِ مـا لوّثتـه
خطا التائهين بأرضِ الجدودْ

محمود حسن إسماعيل

 

أحمد أبوزيد