ليوناردو دافنشي الفنان الشامل

ليوناردو دافنشي الفنان الشامل

مازالت تظهر كتب عدة تحكي حياة ليوناردو دافنشي ودراسة أعماله وسر فنونه المتعددة واختراعاته.

ليوناردو لم يكن رساماً فقط، كان موسيقياً أيضاً، تُعزف أعماله الموسقية في أيامنا، كان مخترعاً أيضاً، واختراعاته عدة، كذلك دراساته لجسم الإنسان وتشريحه دراسات لا تضاهى بعمقها وجمال رسمها. ليوناردو لم يكتفِ بالرسم بالمواد الموجودة في عصره من ألوان ومواد طبيعية واصطناعية، بل زاول التجارب بمواد كان يؤلّفها ويقوم بالتجارب في أعماله الفنية، لهذا فإن لوحته أو جداريته الكبرى الموجودة في متحف «أوفيزي» في مدينة فلورنسا الطليانية وهي «العشاء السرّي»، تلف قسماً كبيراً منها، إذ إن بعض ألوانها قد اختفى مع الزمن، عكس أعمال الرسام والنّحات «مايكل أنجلو»الذي استعمل في رسمه ألوانًا قد مرّت عليها تجارب من قبل الرّسامين، فهذا فكان واثقاً من فاعليتها ولم يقم مثل ليوناردو باختراعات لونية وبمواد جديدة للرسم لم يبق عليها الوقت.

لوحات ثلاث

يُحكى كثيراً عن ليوناردو دافنشي. في متحف «اللوفر» الباريسي، الذي يعد أكبر متحف في العالم ثلاث لوحات لليوناردو، منها اللوحة المشهورة «موناليزا» أو «لاجوكوندا»، وقد كُتب الكثير في هذه اللوحة، وأُلّفت كتب عدة فيها، كما أنها لم تخل من حوادث خطرة عليها، إذ إنها سُرقت مراراً، وجُرحت بسكين رسام طلياني معتوه، أو هكذا يُقال بأنه كان مريض العقل، وكأنه كان يبحث عن شهرة، فلم يجد سوى أن يطعن أشهر لوحة في تاريخ الفن. وأنا لن أذكر اسمه الآن لنسياني له، وهذا أفضل لئلا أذكره فتزداد شهرته.

ليوناردو لم يكن يعرف والده، وكانت أمه تعيش حياة بائسة وفقيرة، ترك ليوناردو بيت أمه وهو في سن مبكرة. وراح يطوف في المدينة، حيث وُلد، في أجمل مدينة طليانية في فلورنسا، مدينة الفن، بل مدينة كل الفنون، متنقلاً في كل زواياها وأريافها وحدائقها وبعض مراسم فنانيها. إلا أن رساماً قبل به خادماً في مرسمه. وكان الرسام تلك الأيام يبدأ حياته الفنية خادماً عند فنان، ينظف المرسم ويهيئ الألوان والزيوت ويستقبل الزائرين إن خادمه محب للرسم والفن يبدأ في تعليمه، وإذا كان الخادم مؤهلاً لأن يكون رساماً فناناً، يزداد اهتمام معلّمه صاحب المرسم به، حتى إذا زاد تقدّمه وأتقن الرسم والتلوين، راح يتّكل على مهارته ويعطيه دوراً في رسم لوحاته، كما أنه ينتج له مجالاً لتكون له زاوية خاصة في المرسم ليمارس فنه، إلى أن يأتي يوم يستقلّ الخادم الذي أصبح رساماً، ويأخذ له مرسماً خاصاً به، وهكذا إذا كان مؤهلاً، يصل إلى شهرة وسمعة فنية جيّدة كثيراً ما تفوق سمعة معلّمه حيث بدأ حياته الفنية، وهكذاً، أيضاً بدأ ليوناردو وغيره من الفنانين.

بعد الفن

المرسم في ذلك الوقت هو معبد الفن حيث يرسم الفنان ويستقبل ويبيع لوحاته، فهو المكان حيث يتشرّف الأمراء والأميرات والعائلات الكبرى والملوك بالدخول إلى مكان خلق الأعمال الفنية التي كانت قيمتها المعنوية توازي قيمتها الماديّة.

يقال إن رسم أشخاص ليوناردو تتشابه كلها، هناك دارسون لأعماله من يقول إنهم كلهم رجال حتّى أن «الجوكوندا» هي رسم لرجل، ويُظهرون الشبه بين كل الوجوه، لعلهّم ذات يوم سيقولون إن ليوناردو دافنشي لم يكن موجوداً بالمرة، وهو اسم وشخصية أسطورية من اختراع الأيام الغابرة، كما قيل عن وليم شكسبير ذات يوم، وهو الشاعر الإنجليزي الكبير. وماذا نفعل أو نقول عندئذ بالابتسامة المرسومة على وجه الجوكندا. الموناليزا؟ التي يأتي إليها، في متحف «اللوفر» آلاف من جميع أنحاء العالم لرؤية نظراتها التي تلاحق الزائرين الناظرين إليها وإلى ابتسامتها؟

هناك وصف جميل لجو أوجده ليوناردو في مرسمه إذ بنى حائطاً ينساب عليه ماء يعطي خريراً ساحراً محاطاً بأزهار وورد تفوح في أرجاء المرسم عطراً مسكراً، وفي زاوية من زوايا المرسم يجلس موسيقي يعزف على آلته ألحاناً تحوّل المرسم إلى مكان ساحر يطبع على شفتي موناليزا تلك الابتسامة التي لم يعرف غموضها لأن ليوناردو أوجد في هذه اللوحة سرّاً يجعل الناظر إليها يتساءل هل هي لوحة تفوق الجمال؟ أم هي سر في عمل فنّي لا تفسير له؟.

 


أمين الباشا