أوزبكستان.. مزارات وبازارات

أوزبكستان.. مزارات وبازارات

من بُخارَى إلى طشْقند، ومن شَهْرَسَبْذ إلى سَمَرْقند، تأخذك الرِّحلة بين مدن كتبتْ التاريخ، فضمها قويًّا إلى صدره. هي مدن الإمامة والإمارة، وهي بالمثل حواضر الفنون والعمارة، كما أنها أيضا منابت الغزاة ومرابط المقاومين، وفيها كذلك مدارس الشيوخ ومساجد المؤمنين. لكل مدينة هنا أكثر من حكاية؛ واحدة تؤرخ لميلادها، وأخرى تعرِّفُ بشبابها، وثالثة توثق لحاضرها، ومنها ما يتنبأ بالمستقبل. أنتم الآن.. في أوزبكستان.

لم يكن ما نشاهدُه سوى تمثال من البازلت الأسود، لكنه، بالرغم من صمته، كان يقول لنا الكثير! في الخامسة من صباح يوم 26 أبريل عام 1966 يثور جبل من تحت مدينة طشقند ليزلزل الأرض بقوة 7 درجات ونصف الدرجة بمقياس ريختر. وبالرغم من أن من رحلوا كانوا 15 فقيدًا وحسب، فإن 300 ألف شخص من سكان المدينة فقدوا بيوتهم في لحظات. في المشهد الذي نراه تتوقف الساعة عند تلك اللحظة، ويشق الأرض شرخٌ يصل الساعة الحجرية بالتمثال.

في قلب طشقند يقوم هذا التمثال لرب عائلة يحمي زوجه وطفله، وفي الخلفية تبدو مشاهد القادمين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي (السابق) ليعاونوا المدينة على النهوض، مرة أخرى. لم يكن ذلك الزلزال هو الأول، لكن زلازل أخرى تاريخية واجتماعية واقتصادية تعتركُ الحياة في طشقند؛ فهل تنجح في تجاوزها؟ سؤال يؤرق المدينة التي تحتفل بمرور 2200 عام على تأسيسها! تخطت الساعة منتصف الليل. نصل مطار طشقند، نشكِّلُ ـ أنا وزميلي المصور ـ العربيين الوحيدين على متن الطائرة القادمة من الأراضي الصينية إلى عاصمة أوزبكستان، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، والتي استعادت استقلالها عنه ـ رسميًّا ـ في الأول من يناير 1992.

بالرغم من كل الترتيبات المسبقة مع الجهات المعنية في أوزبكستان، والاتصالات مع سفارة أوزبكستان في دولة الكويت، تركنا الجميع ـ هنا وهناك ـ تحت رحمة إجراءات المطار المطولة والمملة والجديدة حتى على مدمني السفر ومجرِّبيه. كان ركاب الطائرة الأوزبك أغلبهم من متوسطي الحال الذين وفروا ثمن تذكرة إلى أورومتشي (عاصمة شينج يانج في شمال غرب الصين)، ليشتروا من هناك بضائع كثيرة: أجهزة تلفزيون، وأطباقاً لاقطة للقنوات الفضائية، دمى أطفال ولعباً صينية أخرى رخيصة، أدوات تجهيز المطبخ، ستائر ومفارش وأغطية، وملابس، حتى صناديق الفاكهة، فكِّر في أي شيء وستجده معهم، وكأنهم قادمون من بادية ليس فيها أيّ شيء.

بعد أيام سنكتشف السرَّ؛ فقد اشترى رفاق الطائرة أشياء رخيصة من الصين، تعينهم على الحياة في بلد ترتفع تكاليف معيشته بشكل كبير، وتكاد تمثل عملته عائقا في المعاملات المادية، حيث إن اليورو الواحد قيمته أكثر من ألفي سومس ـ عملة أوزبكستان ـ فإذا عرفت أن ورقة البنكنوت من فئة الخمسمائة سومس أثقل وأكبر من الخمسمائة يورو، أدركت أنه لا توجد محافظ جلدية تتسع لهذه الأوراق المزينة بصور الأمير تيمور، وآثار بلاده، ولهذا يشد الأوزبكيون رزمات البنكنوت معًا بالأربطة المطاطية، بينما يحشرونها في جيوبهم وسراويلهم. اكتشفتُ في متاهة هذه العملة أن أسلم طريقة لعدِّها، عند الدفع والمعاملات الأخرى، هي أن أصنع من كل عشرة آلاف معًا حزمة، وأتوقع أن تلجأ أوزبكستان إلى زلزال يقضي بإلغاء أصفار عملتها الستة، وربما نحكي عن ذلك في استطلاع قادم!

زلزال الأبجديات

زلزال آخر يعصف بطشقند، ومدن أوزبكستان، وكثير من النظم التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي، هو زلزال الأبجديات. فقبل الثورة الروسية، وقبل ضم هذه الجمهوريات ـ التي كانت كيانات إسلامية وريثة لإمبراطوريات لا تخضع لخطوط الحدود السياسية التي نراها اليوم ـ كانت أوزبكستان، مثل كثيرات من جيرانها، تكتب لغتها بالألفباء العربية، لأنها أصل تراثهم وميراثهم التاريخيين، وحضارتهم الإسلامية.

لم يكن ذلك الخط العربي مجرد أبجدية تكتب بها النصوص، قدر كونه هوية ثقافية، ويسعى كثيرون ـ من المسلمين المحافظين أو المتطرفين الوطنيين ـ إلى استعادة ذلك الحرف، بدعم من دول تكتب به، كإيران وباكستان (العرب غائبون عن هذه المعادلة).

ثم جاءت الألفباء الروسية، أو الحروف السيرليك، التي استُخدِمت سبعين عامًا، فأصبحت هناك أجيال لا تقرأ إلا بها، ولم تدرس سواها، ولن تستطيع التفكير إلا من خلالها! إنها الأبجدية التي فرضها الاتحاد السوفييتي، وينادي كثيرون ـ من خريجي المؤسسات التعليمية السوفييتية ـ بالإبقاء عليها، لاستمرار العلاقة مع روسيا، وعدم فك الارتباط معها علميا واقتصاديا.

أما اليوم، فقد انتصر دعاة تبني الحروف اللاتينية ـ التي تستخدم في اللغة التركية الآن ـ باعتبار أن ذلك الحرف اللاتيني هو المقروء عالميا، وهو حرف يعتبره الكثير بوابة الدخول إلى مجتمع علماني، يرسخه ذوو الانتماء التركي عرقيا وقبليا، المنادين بمجتمع مفتوح، والحريصين على ديمقراطية ليبرالية، والطامحين في اقتصاد حر، والعازمين على التوجه إلى الغرب.

ذاكرة الحضارة الإسلامية

كان زلزال الأبجديات الهاجس الذي يعصف بي وأنا أتجول بين مخطوطات طشقند في أكثر من مؤسسة، فجُلُّ ما أراه مكتوب بالحروف العربية، إن لم يكن كُلّه، فكيف يكون التواصل مع الذاكرة والتاريخ والحضارة. كان ذلك سؤالي الأساس في لقائي بالسيد منصوروف وزير الثقافة بأوزبكستان، الذي هوَّن عليَّ المسألة وقال: «الأمرُ ليس صعبًا، بل إنني أرى فيه ميزة كبرى في معرفة أبجديات ثلاث، أما ما جهلناه فعلينا أن نتعلمه». ثم نهض منصوروف إلى مكتبه، وعاد إلي بكراسة بها تدريبات بخط يده وقال شارحًا: «انظر، أنا أتعلم الحروف العربية، ها هي صفحة من مخطوط، وها هي الحروف والكلمات التي أرسمها، لأتعلم قراءتها، والنطق بها، وممارسة كتابتها».

لا شك أن العاملين بالثقافة ليسوا وحدهم المطالبين بتعلم الأبجدية، فعلى امتداد البلاد، هناك أكثر من عشرة آلاف أثر تاريخي (عدد يأتي في المرتبة الثانية بعد الصين، فقدوا منها خمسة آلاف مَعْلم تاريخي، على حد قول وزير الثقافة)، عليها نقوش باللغة العربية والحروف العربية للغات الفرس والترك والأوزبك، تنتظر من يقرؤها، وألا يعبر بها الزائر عبور الكرام، وعدا الآثار، التي تعد جزءا مهما من ذاكرة الحضارة الإسلامية، فإن هناك الآثار المدونة، وهي المخطوطات التي تجعل أوزبكستان في طليعة دول العالم من حيث حجم المخطوطات بها.

هذه المخطوطات تشكل ـ كما يقول لي السيد رحمانوف ، مدير الثقافة ـ وثائق طريق الحرير القديم، وهو مشروع مستمر بدأ إحياؤه انطلاقا من تركمانستان وصولا إلى أوزبكستان مرورًا بإيران والهند وباكستان، وبدعم من مركز التراث العالمي لحفظ وارشفة تراث الإنسانية، ومن المقدر لهذا المشروع أن يكتمل الجزء الأكبر منه في العام 2015م.

كان لقاؤنا بمنصوروف ورحمانوف في مبنى بسيط يحمل مسحة تاريخية، وقد قادانا فيه إلى مكتبة للمطبوعات النادرة، والمخطوطات. كانت العناوين ـ المدونة بأكثر من لغة ـ تبعث على الدهشة، لكن الأمر الذي كسر فرحتنا بهذه الاكتشافات هو الجو الخانق الذي تعيش فيه هذه الكنوز. كانت حرارة الصيف في طشقند تتخطى 35 درجة مئوية، وهذه الحرارة تتجاوز العتبات لتحيط بنارها تلك المطبوعات الآسرة في هيئتها والمخطوطات النادرة في قيمتها وتنتظر رعاية أكثر. وكل ذلك الميراث لا يجد من يروِّجُ له، أو يكتب عنه، ولا توجد مجلة ثقافية ـ بالمعنى الشامل ـ تصدرها وزارة الثقافة سوى Moziydan SadoK، أو «صدى التاريخ»، في خمسين صفحة فقط، باللغات الإنجليزية والأوزبكية والروسية، كما تصدر في بعض المناسبات كتبٌ تذكارية عن مدينة أو أثر أو حدث.

البيروني حيا

اختلفت صورة الأسى إلى إعجاب حينما زرنا معهد الاستشراق لأبي الريحان البيروني، والتقانا فيه المسئولون عنه؛ الباحثون تاشوف نورياغدي، وإيلموراداف إسرائيل، وعابدوف بختيار، ورائق بهاديروف، وباباخان قاسيم خانف (حنيف).

ثلاثون ألف مجلد، في كل منها مخطوط أو أكثر، في خزانات معدة خصيصا للحفاظ على تلك الكنوز المكتوبة، بدرجة حرارة مناسبة، وتهوية واجبة، وأجهزة لامتصاص الرطوبة. بدأ المعهد في سنة 1945 طباعة المجلدات المفهرسة، لعناوين المخطوطات وفقا لموضوعاتها، فضلا عن وجود موجز للمخطوطات باللغة الإنجليزية مصنفة تبعا لحقب تاريخية بعينها. ويصدرون كتابًا ـ متواضعًا ـ كل سنة بعنوان «شرق شنا سليك».

ونحن نعرفُ أن البيروني ترك للعلوم الإنسانية 181 كتابًا ـ بين الرسائل والكتابات المترجمة والمتفرقات الموسوعية ـ منها 26 كتابًا عن الهند، ولم يبق من هذه الذخيرة سوى 42 كتابًا، بينها ترجمته عن اللغة السنسكريتية ـ التي كان يجيدها ـ لأثر النجوم. هذه الشخصية الفذة استحقت أن ينسب إليها هذا المعهد الذي جعل من حضور البيروني حيا، مع طائفة من الأسماء الأخرى لعلماء أوزبكستان تزين أسماؤهم جدار البناء الذي يختفي وسط غابة من الأشجار! يساعد هذا المعهد طلابا من كل أنحاء العالم على الاطلاع على مخطوطاته النادرة، التي تجعل من أوزبكستان ـ مع باقي مقتنيات المكتبات والمتاحف في الجمهورية - خزانة المخطوطات للثقافة الإسلامية. وبجانب معهد الاستشراق ـ التابع لأكاديمية العلوم وتأسس سنة 1943 - توجد مخطوطات حضارتنا في عهدها الأزهى في مكتبة إدارة مسلمي أوزبكستان، ومتحف علي شيرنوائي للأدب، وجامعة طشقند الإسلامية، ومعهد الإمام البخاري، والمكتبة الوطنية.

قرآن مسجد لانغار آتا!

لا تقف المخطوطات عند نسخ القرآن الكريم النادرة، ومنها مصحف عثمان، بل توجد مؤلفات في التاريخ ومصنفات في الآداب ومدونات في العلوم وتآليف للفنون، وهي مكتوبة جميعها باللغات العربية والفارسية والأوزبكية والطاجيكية والأذرية (أذربيجان) والتترية والتركية والأويجورية (لغة إقليم شينج يانج شمال غرب الصين)، والبشتو والأوردية وسواها، وتحمل أسماء علماء وأدباء الشرق: أبو بكر الرازي، ابن سينا، الفارابي، الخوارزمي، الزمخشري، خواجة أحرار ولي، عبد الرحمن جامي، علي شيرنوائي، الفردوسي، أمير خسرو، وبالطبع البيروني، وأسماء أخرى لا مجال لحصرها. بعض هذه المخطوطات المحفوظة هنا لا يوجد منها إلا نسخة وحيدة في العالم كله!

في إحدى زياراتنا لمدرسة تاريخية في طشقند، تحولت ككثير من مزارات وآثار أوزبكستان إلى بازار مفتوح، التقينا بالخطاط الأوزبكي حبيب الله صالح، وكان من دواعي فخره وإنجازه الذي يحفظه له الجميع أنه قام بعمل نسختين من القرآن الكريم المعروف باسم «قرآن لانغار» وقد حفظت النسخة الأولى من هذا القرآن في مسجد لانغار آتا، بقرية لانغار وكان به ـ كما يقال ـ 160 ورقة، يرجع بعض العلماء تاريخها إلى القرنين الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادي، ولم يتبق منه سوى 16 ورقة رأيناها بمكتبة الإدارة الدينية لمسلمي أوزبكستان، ورأينا ورقة منه في مكتبة معهد أبي الريحان البيروني، ورأينا ورقتين في مكتبة ابن سينا بمحافظة بخارى! أما النسختان اللتان أنجزهما حبيب الله صالح فقد توزعتا بين مسجد لانغار آتا، وخزانة جامعة طشقند الإسلامية.

هذه المخطوطات هي التي ستجعل طشقند ـ بعد كل هزة تاريخية ـ تستعيد عافيتها، لأنها تمثل عقلها الذي لا يموت. إنها تجعل من طشقند عنقاء المدن الإسلامية، التي تبعث من جديد، حاملة أسرارها وأفكارها!

وهكذا هي المدينة المتجددة، منذ 22 قرنًا، عندما ولدت عند حوض نهر تشيرتشيك كمدينة زراعية، ومستوطنة نمت حتى أصبحت على ما عليه اليوم. ومنذ كانت في مهدها مجرد مستوطنة لفلاحي ما وراء نهر جيحون، اسمها شاشتيبا، حيث استخدم هؤلاء الأوائل الحديد والبرونز لصنع أدواتهم، مثلما نسجوا أقمشتهم. ثم هناك أيضا قامت الحصون الأولى لمدينة كانت خليفة لشاشتيبا، في تلك الواحة، عاصمتها كانكا، التي تبعد اليوم 70 كيلومترا عن طشقند المعاصرة، وورد ذكرها في السجلات التاريخية الصينية باسم «يوني»، و«شي». ثم أصبحت المدينة، بدءًا من القرن الثالث للميلاد، عاصمة لدولة تشاتشناب (شعب تشاتش)، وورد ذكرها جغرافيا للمرة الأولى، في كتابات الملك شابور الأول فوق آثار الزرداشتيين بإيران، عام 263 ميلادية. وقد بدأ تحولها لتكون ضمن إمبراطوريات آسيا الوسطى حين ضمها الآفتاليتيون إلى دولتهم، في القرن الخامس للميلاد، وفي القرن التالي حلت الخاقانية التركية محل الآفتاليتيين، وانعكست رواية مؤرخي الصين للتسمية المحلية تشاتش لتكون «جي ـ تشي» أو «شي»، أي «حجر»، لتنال تسميتها التركية طاش قند «المدينة الحجرية»، وهو عكس الواقع لمدينة لم تكن أبدًا حجرية، حتى اليوم، وهي تبدو لنا من أعلى أبراجها. وتشير النقود التي عثر عليها في تنقيبات المدينة، والتي تعود لممالك المشرق والمغرب من الصين إلى بيزنطة، إلى أن عاصمة تشاتش كانت مركزًا حيويا للتجارة العالمية، مثلما أصبحت بعد ذلك ممرًا رئيسيا لطريق الحرير الكبير.

تحولات طشقند وتقلباتها جعلتها عربية، حين انضمت جدتها شاش إلى الخلافة في عهد المأمون (813 - 833 ميلادية)، وأسمتها المصادر العربية ـ في القرنين التاسع والعاشر ـ بنكات! ويذكر الاصطخري أن «معظم ما يستخرج من الزئبق والذهب وغيرها من المعادن يأتي من بلاد ما وراء النهر»، وتضم المعادن الأخرى الفضة والنحاس والحديد والقصدير. ثم تجعلها تركية ـ في اتحاد سياسي جديد يضمها إلى خاقانية القرخانيين ـ ويرد اسمها التركي، للمرة الأولى، في كتابات أبي الريحان البيروني، حين انضمت، مثل باقي مدن تركستان، إلى دولة خوارزم شاه، إلى أن استولى عليها التتر المغول، لتخضع لحكم تشاغاتاي ـ ابن جنكيزخان ـ حتى تنتقل في عهد الأمير تيمور ـ الذي أصبح حاكمًا لعموم بلاد ما وراء النهر ـ مركزًا للثقافة وبيتا للحضارة. وتمر الدهور والعصور فتنمو المدينة، وتشتهر بكثرة أسواقها، وكان أكبرها سوق ريجستان الذي كان موصولا بكل شوارعها لضخامته.

يصفها الرحالة الأمريكي يوجين سكايلر ـ الذي زارها في 1873 ميلادية ـ بأن لا مدينة تجاري طشقند في تنوعها الثري، بشوارعها الملتوية، كثيرة الصعود والهبوط، التي تفاجئك عند نهاياتها بجدار أو مئذنة شاهقة. لكن ذلك كله كان قبل أكثر من 13 عقدًا، فالاتحاد السوفييتي استطاع أن يشكل طشقند العصرية على نمط مدنه، شوارع متسعة، مبان بواجهات رمادية، حدائق، وتماثيل، وليل يبدأ مبكرًا يعبِّرُ عنه السكون فهل تبقى ـ بعد 17 عامًا من الاستقلال ـ على تلك الهيئة؟ أم أنها تستعد لطفرة معمارية جديدة؟

الأسئلة كثيرة ونحن نغادر طشقند إلى سمرقند؛ أسئلة عن البناء المعماري الجديد الذي تخلى عن الأبنية ذات الطابق والطابقين لمصلحة عمارة عملاقة، وكأن الذاكرة تناست زلزال أبريل 66، أسئلة عن الغلاء الذي قدم نفسه بقوة، في مدينة كوزموبوليتانية، ويجعلنا نسأل عن مدى احتمال ارتفاع الأسعار، إلا بالعمل في مهن خارج الإطار الرسمي.. (أو الزراعة كما قال لنا سائقنا بختيار)، أسئلة كثيرة، لم نتوقف عن طرحها إلا حين ألهتنا المشاهد الخارجية الخضراء والبديعة في الطريق حتى وصلنا إلى عتبات سمرقند.

جَنَّاتُ سمرقند

في كل ركن من المدينة كان الفن يخاطبنا، بآياته في العمارة، وتحفه وإبدعاته في فنون المنمنمات. في الكتاب المعنون «تاريخ الأمير تيمور» (سرد الوقائع المهمة في عهد تيمور)، كتب ابن عربشاخ: «بأمر من تيمور شُيدت بساتين بهية كثيرة وقصور شاهقة في سمرقند. وكان كل ما شُيد جميلًا بالغ الأبهة، وجماله تام الروعة، مثير للعجب، محير للعقول. وقد ثبت قواعد البساتين وزينها بفواكه لطيفة ونباتات زينة. وأطلق على أحدها اسم «جنة عدن»، والثانية «زينة الدنيا» والثالثة «جنة الفردوس» والرابعة «البستان الشمالي»، والتالية «الفردوس الأعلى».

أحد الفنون المهمة التي تدعونا للتأمل في الآيات المعمارية لسمرقند هي الرسومات التي يحاول الفنانون اليوم تقليدها ونقلها من مخطوطات رسوم الشاهنامة و«طاهر وزهرة». يأتي عرض التركيبات المصورة بطريقة فريدة: فهي مزخرفة بطريقة تسمى «ظرافشان»، تتم برشِّ جزيئات ذهبية اللون، حيث يتكرر النسق ويكمل محور اللوحة في قلبها. وهي تقنية تطورت على مر السنين وجرى استخدامها في الأعمال الإبداعية في مدارس المنمنمات في مدن تبريز وحِرات وسمرقند بصفة خاصة وفي أعمال مظفر علي ومحمود مذهب، وتسهل هذه التقنية من توضيح التناقض اللصيق بالموضوع الأساسي للوحة. وبعد التطور الجديد في تقنيات الـ«ظرافشان» القديمة وتطويرها، كانت الزخرفة تستخدمُ أحيانًا في هوامش اللوحات مع سمات رمزية وتجريدية. الرسوم المنمنمات ليست على صفحات الكتب وحسب، بل يرسم الفنانون الأوزبك منمنماتهم فوق كل شيء (تقريبًا).

في صندوق اسمه «المسرح الشرقي» بريشة بولاتوف، وهو على شكل مستطيل، ويشغل خلفية مجمع راجستان في سمرقند، عرض الفنان أداء أربعة فناني عرائس يمنحون الحياة للدمى بقوة موهبتهم. يرتبط المؤدون بعرائسهم بخيوط رفيعة.، بينما ينقل الفنان الصور الرمزية لستار المسرح بمهارة، ويستخدم ذلك الستار حاجزًا بين التعبيري واللا تعبيري، وبين المادي والروحاني، وبين الظاهري والمتسامي، والوسيط بين أشكال الواقع العديدة. ويُعرض الستار كرمز مقدس يعكس شمول العالم وفي الوقت نفسه يخبئ شيئًا أهم، يشق التعبير عنه مثلما يشق بلوغه.

من بين النماذج المهمة للرسوم المعاصرة لفن المنمنمات ما قدمه الفنان شاه محمود محمدينوف الذي استعاد طور هذا الفن، الذي بدأ ممارسته في سن الثالثة عشرة في متحف علي شير نوائي للفن، وحاول التلميذ الصغير استخدام موضوعات من الأدب الأوزبكي القديم، خاصة أعمال العالم الموسوعي محمود قشجري صاحب كتاب «ألسنة القوميات التركمانية» (ديواني لوغاتيت تورك) الذي ظهر في القرن الحادي عشر الميلادي. ونرى في ذلك العمل نصوص الأساطير القديمة وحكايات الزمن الغابر والأغنيات والقصائد الملحمية. أراد الفنان الصغير الاستمرار في تقديم سلسلة من المنمنمات تمثل ما جرى حتى العصر الحالي.

في العام 1968 تم الاحتفال بالذكرى السنوية للأديب علي شير نوائي في أوزبكستان، فأعد شاه محمود محمد ينوف خمسين رسمًا أوليًّا بألوان الماء، مرسومة بطريقة تحاكي أسلوب رسم المنمنمات، حتى أن أستاذه سليمانوف أطرى عليها كثيرًا، وأطلق على الفنان الصغير بهزاد القرن العشرين. ودعاه للعمل في المتحف ورتب لشَغله بأعماله الإبداعية الحرة ومنحه فرصة التعليم الفني في مدرسة بنكوف للفن في طشقند.

يستخدم الفنان خمسة أو ستة ألوان بالأساس (وهي الأحمر والذهبي والأبيض والأزرق الداكن والأخضر)، وأحيانًا يزداد بريقها بمزجها بألوان كثيفة من الدرجة والخامة نفسها، ومعها يزداد زخرف أعماله الفنية. ويستند تلوينه بالأساس في كل لوحة على حدة إلى ظل لوني واحد. ومن الإضافة الماهرة للون والإطار الخارجي للوحة، والموضوع الذي يقدمه في عمله؛ نرى أن محمدينوف من أتباع مدرسة الأساتذة القدماء، ولكنه في الوقت نفسه مبتكر ومبدع معاصر. وباتباع مبادئ هذه «التقنية» مجموعة من الحكايات الهندية القديمة هي «كليلة ودمنة».

تقدم المنمنمات ـ أيضا ـ صورًا من الواقع والحياة، فلا تكتفي بتصوير الملوك، ولا تقتصر على وصف الآداب، ففي منمنمة للفنان شمس الدين باسم «أولوك» نرى مشهدًا لعيد النيروز ـ عيد الاحتفال بالربيع ـ في ألعاب مضحكة وجريئة وشجاعة. ونرى سماء الربيع الزرقاء والشجرة المزهرة وحركات الجياد وركضها والخطر العام المحدق، وذلك كله بعيدًا عن خيمة الأمير تيمور، حيث يجلس القائد الحربي العظيم يشاهد الحدث مع خلصائه في اهتمام بالغ، ويغمر المنمنمة مزاج احتفالي مرح، وقد تمكن الفنان من بلوغ هذه الحالة المزاجية للوحة باستخدام طيف لوني براق، فكأن سماء الربيع الزرقاء الصافية مغسولة بنور ربيعي، تزينه السحب المجعدة الشكل بينما وجوه المشاهدين تترقب نتيجة المباراة.

شَهْرَسَبْذ: الزواج على الطريقة التيمورية

حين تتأمل الطريق إلى شهرسبذ، مسقط رأس الأمير تيمور - تيمورلنك كما نسميه نحن في أدبياتنا التاريخية - وسنعرفُ السبب لاحقا، يمكن أن تجعل من الطريق قارئا للحاضر في أوزبكستان. كيف؟

أنت قد تظن أنك في أوربا الشرقية، حيث تستوقفك الشرطة كل بضعة كيلومترات، للتفتيش، عن الأوراق، وربما داخل السيارة. لم ينقذنا من موقف - رأينا فيه كثيرين - يُعطل الرحلة، سوى ورقة سحرية أصدرتها وزارة الإعلام الأوزبكية باسمينا، حملها سائقنا في كل مكان، تسمح لنا بحمل آلات التصوير. شرطة صارمة الوجه، تكفي إشارة من ذراع به عصا حمراء تضيء ليلا لتتوقف في صمت. ثم أنك قد تعتقد بمرورك بقرية عربية، على شاطيء النيل، أو وادي الرافدين، حين تجد فلاحات باسماتٍ وضعن أقفاص الفاكهة على جانب الطريق الزراعية، للبيع.

وقد تسرح لوهلة فتتخيل أنك في كوريا الجنوبية، وقد تحولت كل سيارات الطريق إلى ماركة واحدة من إنتاجها، حيث يوجد مصنع لها بالبلاد! هل هذا يفسر وجود الكوريين بكثرة في أوزبكستان؟ ولو رأيت ما رأيناه، لأطلقت على الطريق اسم: شارع دايو السريع، وهي سيارات رمادية وسوداء وفضية وزرقاء ولكن ليس فيها سيارة واحدة لونها أحمر!

وربما تتأمل السحنات ذات العيون الخضراء والشعر الأشقر، والأبدان العملاقة وراء مقود بعض السيارات، أو أمام بعض المتاجر، فتقول إنك في قلب موسكو.

أما حين تنزل لتناول الغداء في أحد المطاعم، فقد تشك أنك وصلت استنبول، أو إنك في قلب طهران، وبعض أسماء الأطعمة هي نفسها هنا وهناك. ولا أبالغ إن قلت إنك تعيش البداوة ـ أحيانا ـ حين تشاهد قطعانا من الأغنام ومعها حاديها!

لكنك قد تقول إنك في القاهرة أو بيروت، وأنت تسمعُ في تلك المطاعم موسيقى شرقية، خالصة، تتردد فيها الأصوات من أحمد عدوية إلى إيهاب توفيق، ومن نانسي عجرم إلى أليسا! ولو لم أسمعها بأذني ما صدَّقتُ، بل ويقوم الشباب الموزع بين هذه الثقافات ـ التي تحيا على قارعة الطريق مثلما توجد في قلب المدن الأوزبكية ـ للرقص على تلك الإيقاعات الشرقية!

الشباب لا تحركه الموسيقى وحسب، ولا تتنازعه اللغات فقط، وإنما ـ كذلك ـ يلهمه التاريخ. ففي قلب حر قائظ بصباح في صيف أوزبكستان، تتجه مواكب العرسان الجدد إلى حيث ينتصب تمثال للأمير تيمور أمام قصره الغابر (آك سراي)، ليلتقطوا الصور التذكارية في بداية حياتهم الزوجية، ولا ينسون أن يضعوا عند أقدام رمز أمتهم أكاليل الورد.

تيمور.. الأمير المحارب

كانت شهر سبذ ـ وتقع جنوب سمرقند، ومعناها باللغة الفارسية المدينة الخضراء ـ تسمى فيما مضى مدينة «كش»، حين ولد بها تيمور في سنة 1336 ميلادية. وقد عاش تيمور صباه في قبيلة «البرلاس» الأوزبكية حيث نشأ أجداده، فأتقن فنون الحرب، وعندما تُوفِّي «كازغان» آخر إيلخانات تركستان سنة (758 هـ - 1357م) قام «تغلق تيمور» صاحب «قشغر» ـ في شينج يانج (راجع مجلة «العربي»، سبتمبر 2008) ـ بغزو بلاد ما وراء النهر، وجعل ابنه «إيلياس خواجه» قائدًا للحملة، وأرسل معه تيمور وزيرًا. لكن العلاقة بين الرجلين ساءت؛ ففرَّ تيمور، وانضم إلى صهره الأمير حسين حفيد كازغان آخر إيلخانات تركستان، واستطاعا جمع جيش لمحاربة إيلياس خواجه، لكنهما لم ينجحا في سعيهما، ففرَّا إلى خراسان، وانضما إلى خدمة الملك «معز الدين حسين كرت». ولمَّا علم الأمير تغلق تيمور بوجودهما بعث إلى معز الدين بتسليمهما له، غير أن تيمور وصاحبه هربا إلى قندهار ومنها إلى سيستان، فاحتال واليها وهاجمهما، وفي أثناء الهجوم أصيب تيمور بجراحات شديدة، وتعرضت قدمه اليمنى لضربة أورثتها عاهة جعلته يعرج، فسُمِّي «تيمور لنك» أي تيمور الأعرج!

ثم يقع خلاف بين تيمور وصهره، يتفوق فيه الأول، ويدخل سمرقند في الثاني عشر من شهر رمضان لسنة 771 هجرية (14 من أبريل 1370ميلادية)، ويعلن نفسه حاكمًا عليها، ويزعم انحداره من نسل جنكيز خان، ويظهرُ رغبته في إعادة مجد دولة المغول، ويكوَّن مجلسًا للشورى يضم إليه كبار الأمراء والعلماء.

قام تيمور بعد ذلك بتنظيم جيش جرار معظمه من الأتراك، يفي بتطلعاته التوسعية، فاتجه إلى مدينة خوارزم، وضمها إلى بلاده، بعد أن أصابها الخراب والتدمير من جراء هجومه المتواصل عليها، كما سيطر على صحراء القفجاق، والتي تمتد بين سيحون وبحيرة خوارزم وبحر الخزر. ثم أرسل ابنه ميرانشاه، (كان في الرابعة عشرة من عمره) ليسيطر على إقليم خراسان كله، وأفغانستان.

ثم اتجه في سنة 1385 ميلادية إلى مازندران، فاستسلمت دون قتال، ثم انطلقت جيوش تيمورلنك تفتح أذربيجان، وتستولي على إقليم فارس، وتُغِير على أصفهان التي كانت قد ثارت على نوابه، وبلغ عدد القتلى فيها سبعين ألفًا. وفي سنة 1388ميلادية يهاجم «توقتمش» ملك بلاد القفجاق؛ بلاد ما وراء النهر، ويثور أهالي أذربيجان ضد تيمورلنك، ويعلنون ولاءهم لتوقتمش، فيتوقف تيمورلنك عن التوسع، ويتجه إلى أذربيجان لقمع الثورة، ويفر توقتمش، فيدخل تيمورلنك خوارزم، ويقال إنه خربها حتى أنه لم يجد فيها جدارًا يُستراح تحت ظله، وقد ظلت خرابًا خالية ثلاث سنوات من السكان حتى أمر تيمورلنك بإعادة تعميرها.

لَمَّا كرَّر توقتمش هجومه مرة أخرى على بلاد ما وراء النهر في سنة 1389ميلادية، تعقَّبه تيمورلنك حتى أرض المغول وصحراء القفجاق وهزمه، وتخلص منه، وأناب ابنه «ميرانشاه» في حكم خراسان، وحفيده «بير محمد» في حكم غزنة وكابل.

بعد ذلك قصد ذلك المحارب التوسعي إيران في شهر رمضان 794 هجرية (الموافق شهر أغسطس 1392ميلادية)، ساعيا لإخماد الثورات التي شبَّت بها، وظل هناك خمس سنوات مشغولاً بقمع تلك الثورات. وتُسمَّى حروبه هذه بـحروب السنين الخمس، وقد بدأها بإخضاع «جرجان» و«مازندان»، ثم اتجه إلى العراق فاستولى على «واسط» و«البصرة» وسواهما، ثم واصل سيره ففتح بلاد أرمينية والكرج، حتى أنه زحف في نحو مائة ألف جندي واحتل موسكو لمدة عام واحد! وبالرغم من أنه بلغ آنذاك الستين من عمره، فإنه واصل الغزو فاتجه إلى الهند متذرِّعًا بأن التغلقيين يتساهلون مع الهندوس في أمر الإسلام، وانقضَّ بجيشه الجرار على قوات محمود تغلق في ديسمبر 1397ميلادية، واحتل «دلهي» عاصمة دولة «آل تغلق»، وعاد تيمورلنك إلى سمرقند محمَّلاً بغنائم وفيرة، ومعه سبعون فيلاً تحمل الأحجار والرخام التي أحضرها من دلهي، ليبني بها مسجدًا في سمرقند.

ولم يمكث تيمورلنك طويلاً في سمرقند بعد عودته الظافرة من الهند، واستعد للخروج ومواصلة الغزو والفتح، وانطلق في حملة كبيرة سُميت بحملة السنوات السبع (802- 809 هـ = 1399- 1405م) لمعاقبة سلطان المماليك «فرج برقوق» لمساعدته أحمد الجلائري خان بغداد في حربه ضد تيمورلنك، وتأديب السلطان العثماني «بايزيد الأول» سلطان الدولة العثمانية الذي كان يحكم شرق آسيا الصغرى. وبدأ تيمورلنك غزواته باكتساح بلاد الكرج (القوقاز) ونهبها سنة (802 هـ - 1399م)، ثم سار إلى «عينتاب» ففتحها، واتجه إلى حلب حيث دار قتال دام أربعة أيام سقطت بعدها، وبلغ عدد القتلى فيها عشرين ألفاً والأسرى أكثر من ثلاثمائة ألف. وفي العام التالي اتجه إلى بغداد، فهاجمها ودمر أسوارها، وأحرق بيوتها، حتى سقطت. ثم واصل نحو آسيا الصغرى فاقتحم «سيواس» والأناضول، وعاد بعدها إلى سمرقند، ليستعد لغزو الصين في خريف 1404 ميلادية، لكن جيشه عانى قسوة البرد، ولم تتحمل صحته ذلك الجو القارس، فأصيب بالحمى التي أودت بحياته في 18 من فبراير 1405م)، بعد أن دانت له البلاد من «دلهي» إلى دمشق، ومن بحيرة آرال إلى الخليج العربي، وبعد وفاته نقل جثمانه إلى سمرقند حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بـ«كور أمير»، أي مقبرة الأمير.

آك سراي؛ القصر وأياديه البيضاء

وصلنا إلى آك سراي، والترجمة الحرفية له: القصر الأبيض، ولكن (آك) لا تعني اللون فحسب، وإنما تعني أيضا الأيادي البيضاء المنعمة، التي تمنح وتهب. بني القصر في «ساعات السعادة» التي تنبأ بها العرافون للأمير. ويقال إنه بعد غزو تيمور لعاصمة خوارزم (الآن في تركمانستان)، أرسل من هناك كثيرًا من الحرفيين والمهرة من الفنانين ليبنوا في مسقط رأس الأمير آيات معمارية، منها هذا القصر الذي بديء فيه ربيع عام 1380 ميلادية، واكتمل بناؤه في 1396 ميلادية، وطبقا لسفير ملك قشتالة فإن زينة القصر استمرت حتى بعد اكتمال بناء القصر بثماني سنوات!

كانت آثار القصر تنم عن بذخ وترف لا مثيل لهما في ذلك العصر، لم نر منها اليوم إلا البوابة العملاقة، التي كان يعلوها حمام سباحة! كان تيمور لنك يأمر أن تقام القصور وسط بساتين، ومنها ما يمثل رؤية فنية للاجتماعات واللقاءات التي عقدها بنفسه ومن زوايا مختلفة. وفي أحدها كان يضحك، وفي أخرى كان عارم الغضب. كما مثّل في الرسوم المعارك التي شارك فيها والاجتماعات الرسمية والمفاوضات التي عُقدت مع الأمراء والسادة والعلماء وعلية القوم من رجال الدولة. ثم إنه عرض اجتماعات حضرها للسلاطين، وممثلي السلاطين وسفراء الأمصار الأجنبية والأماكن الطبيعية والمواضع السرية التي يأوي إليها، والمعارك التي وقعت في الهند وكبشاك والإستيب وفارس، وانتصاراته وركض الأعداء المهزومين، ولوحات لأقربائه وأحفاده وأمرائه وأتباعه من العسكر، والحفلات وجلسات السمر والخمر، واحتفالات السادة وأقداح الشراب ومطربيه المفضلين ومختلف الشعراء وعشيقاته العازبات والمتزوجات، فضلا عن أحداث متداخلة ومتصلة وقعت له في مختلف الأصقاع.

كانت كل هذه اللوحات مُمثلة وكأنها حقيقية لا مبالغة فيها. وكان الغرض من هذه اللوحات هو تقديم الأحداث وكأنها حقيقية، ليطالعها من لم يسبق له رؤيتها قط وكأنه يراها تحدث». ومن بين ماوضع (تيمور بك) حديقتان: الأولى وهي الأبعد تسمى بوجي بولدي، والأخرى وهي الأقرب تسمى بوجي ديلكوش. ومن حديقة بوجي ديلكوش إلى بوابات فيروز أعطى الأمر بزرع الممشى على الجانبين بأشجار الحور. وتم أيضًا تشييد المبنى الكبير (أولوج كُشك) في حديقة بوجي ديلكوش، وجدران ذلك المبنى مزخرفة برسوم تمثل معركة تيمور بك في هندوستان (بلادُ الهند).

حادثة القطن، وأشياءٌ أخرى

على امتداد البصر تمتد حقول القطن بين كل مدينتين من المدن - المحافظات الثلاث عشرة في أوزبكستان، والتي تمثل على علمها بثلاث عشرة نجمة. تستدعي صور الذهب الأبيض الطالع في البساط الأخضر حادثة شهيرة تعود للعام 1984ميلادية.

آنذاك أرسل مكتب المدعي العام السوفييتي في موسكو محققين إلى أوزبكستان، اعتقلوا كثيرين من الموظفين والإداريين بتهمة الفساد في زراعة القطن وتصنيعه. كانت تلك شرارة لغضب أوزبكي على رأس موسكو، واختيار بريجينيف لأوزبكستان دون سواها لإقامة هذا التحقيق، وللمرة الأولى تسمح السلطات الأوزبكية لصحافتها بتوجيه نقد إلى موسكو لفرضها ثقافة المنتوج الواحد، وهو القطن، على البلاد، الذي خرب بيئة أوزبكستان، وجعل اقتصادها يعتمد كلية على بيعه للاتحاد السوفييتي، حتى أن الأوزبكيين كانوا - مرغمين - يزرعون القطن في كل شبر من أراضيهم على حساب كل شيء عداه! لقد وصل جنون القطن لدى الاتحاد لدرجة تحويل نصف مياه بحر الأورال ـ على حدود أوزبكستان الشمالية ـ إلى ري زراعة القطن. لذلك رحب الجميع ـ على اختلاف انتماءاتهم ـ بالانفصال عن موسكو يوم جاءت الفرصة لإعلان الاستقلال.

لكن ما حدث مع القطن قد كان، وأفرز نتائج سيئة، ليس فقط بالتأثير السلبي على رابع أكبر بحيرات العالم، بل إن تحويل مياه نهري آمو داريا وسير داريا - اللذين كانا يصبان في بحر الأورال - إلى ري حقول القطن، فتدفقت مياه الري، حتى وصلت إلى حدود مدينتي بخارى وسمرقند، وهدد - ولايزال يهدد - أبنيتها التاريخية. لعل ذلك ما فسر انهيار كثير من المآذن، وميلان أخرى (كما في سمرقند، بحيث أنها الآن تشبه برج بيزا المائل، لكنها دون دعامات تمنع الكارثة). كما أن تحويل هذين النهرين عن تلك البحيرة العملاقة، جعل ما يصل إليها من مواد ملوثا، حتى أن 30 ألف كيلومتر مربع من أرضها مزروعة بالكيماويات. وقد اكتفت أوزبكستان في عام 1991 بإعلانها أنها لن تبيع القطن إلى روسيا إلا بالعملة الصعبة، ولما رفضت موسكو، واجهت أوزبكستان مشكلة إلى من تبيعه، فوقعت في مارس 1992 معاهدة صداقة مع موسكو، تم فيها التوصل إلى تسوية نزاع القطن، ورفع سعره إلى المستوى العالمي، لكن ذلك هدد مصانع القطن في أوزبكستان نفسها، فتوصل البلدان إلى مقايضة (النفط مقابل القطن)، تعطي فيه روسيا البترول لأوزبكستان، مقابل القطن، بالسعر العالمي للمنتوجين! أو مبادلة الذهب الأسود بالذهب الأبيض، تحت سماء العملات الخضراء!

حاولت أوزبكستان وجاراتها ـ بعد الانفصال عن الاتحاد السوفييتي ـ وضع إطار ينظم علاقاتها، فشكلت كومنولث دول آسيا الوسطى أواخر عام 1991 من أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان، التي خرجت من هذه المجموعة بعد فترة قليلة. ثم تغير اسم تلك الرابطة إلى الاتحاد الاقتصادي لآسيا الوسطى عام 1994، وأصبح ـ مرة ثالثة ـ التعاون الاقتصادي لآسيا الوسطى عام 1998 حينما انضمت إليها طاجيكستان! واستقر الاسم على منظمة آسيا الوسطى للتعاون عام 2002، كما انضمت إليها روسيا عام 2004. وفي عام 2005 بدأ الحديث بدمج هذه المجموعة بمنظمة تعاون أوروـ آسيا التي تشكلت في مايو 2001 بين روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وانضمت إليها أوزبكستان في أغسطس 2006، إضافة إلى روابط إقليمية أخرى تربط هذه الدول ببعضها، منها كومنولث الدول المستقلة (تأسست عام 1991 من 11 جمهورية سوفييتية سابقة بينها جمهوريات آسيا الوسطى غير أن تركمانستان خرجت منها كعضو عام 2005 واكتفت بصفة إشرافية تعاونية).

ولا ننسى أن نضيف «منظمة شنجهاي للتعاون»، كأهم منظمة لتأطير العلاقات بين دول آسيا الوسطى وإقليمها القريب وتجمع الصين وروسيا مع دول آسيا الوسطى، ما عدا تركمانستان. كما تشكل قمة الدول التركية (تأسست عام 1992 ) إطارًا آخر لوجوه العلاقات البينية لدول آسيا الوسطى بجانب المنظمات الأخرى التي تضم هذه الدول مثل منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) ومنظمة المؤتمر لدول العالم الإسلامي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوربي. وهي كلها إطارات تكاد تفتقد لإنجاز الأهداف المعلنة الرامية لحل مشكلات هذه الدول مع جاراتها.

بخارى؛ الإمامة والإمارة

لم تكن العمارة وحدها، أو المنمنمات وحسب هي ما صاحبنا وصادفنا في رحلتنا بين المزارات والبازارات في أوزبكستان، بل كان للموسيقى نصيبٌ وافر. وتستدعي حكايات الموسيقى مشارف مدينة بخارى التي انطلقنا إليها بعد مغادرتنا شهرسبذ.

في خواتيم القرن السادس عشر الميلادي، كانت بخارى قد أصبحت عاصمة لإمارة مستقلة تحمل الاسم نفسه، وعالمًا كوزموبوليتانيا شاملا، تزدهر أسواقها بأطياف من التجارة التي تعبرها من كل الجهات. بدأ مقام (الشاش) في بخارى من بلاط الأمير، كأبرز ما يميز الموسيقى والثقافة الطاجيكية والأوزبكية على حد سواء. الصورة تنقلها المنمنمات حيث يجلس العازفون على الأرض بقيثاراتهم ثنائية الأوتار، الدوتار، والجيدجاك والدويرا، أمام الأميرات.

الترجمة الحرفية للشاش مقام، والمقامات الستة، البياتي، الراست، النوى، الدوكاه، السيكاه، والعراق، وهي الأسماء الستة نفسها المعروفة في الموسيقى الشرقية، مع مشتقاتها.

قبيل عزف الشاش نستمع إلى تمهيد من أناشيد صوفية لمؤدٍّ وحيد، يبث صبابته وأشواقه، وأمله وندمه، ويعلو شيئا فشيئا، بعد كل وقفة. أفضل من تؤدي الشاش مقام في التقليد الكلاسيكي هي المطربة مناجاة يولشيفا، التي تستعيد ـ على أنغام أستاذها شوكت؛ الذي يرافقها غالبًا ـ غزليات كبار شعراء الأوزبك الصوفيين.

تمتلك يوليشيفا صوتا واسع المدى، قوي الإدراك، يسير الإفهام، وقد بدأت الغناء في طفولتها حيث ولدت سنة 1960 بوادي فرغانة (جنوب طشقند)، حتى أن موهبتها دعت كثيرين لنصحها بترك الغناء الكلاسيكي واحتراف الأوبرا! لكنها أصرت أن تكون صوت ثقافتها، وشعبها. مما جعلها بعد نحو ربع قرن من الغناء رمزًا للموسيقى والثقافة الأزبكيتين. بهجة الحياة وطقوسها هي الملمح الرئيسي في الموسيقى الوسط آسيوية، ولدى الأوزبك ما يسمونه سنة توي، وهو احتفال يستمر أربعين يوماً بعد الرزق بمولود، يتم فيها طهوره وإشهار إسلامه، مثلما لديهم أعياد مماثلة للاحتفال بالزواج، وهذه المسمات لا تخفي التراتبية في الأسرة المسلمة، حيث لا تجلس النساء بجانب الرجال، ولا يتقدم الصغار على الكبار.

لكل مدينة مطربوها وموسيقيوها المحددون للاحتفالات بالزواج، ولذلك يحضر الجمهور حفلات الزفاف لمشاهدة هؤلاء الفنانين. ومنهم شير علي جوراييف. لكن من الطريف أن هناك من يمنحون العروس والعريس بركتهم، وهو تقليد نجده لدى الأوزبك، ويعرفون في مناطق بخارى وسمرقند باسم (سوزاندا)، وفي خوارزم باسم (خالبا)، أما في طشقند وفرغانة فهم (أوتين أوي)!

سيد درويش الأوزبك!

ليست موسيقى اليوم في أوزبكستان هي ما تقدمه يوليشيفا وحسب، أو هي فقط الموسيقى العابرة للفضائيات والمطاعم ـ من روسيا والشرق العربي وسواهم لكنها أيضا موسيقى الشارع، إذا صح التعبير. نقصد إلى ذلك الحديث عن أحد رواد الموسيقى الأوزبكية، وهو حوظ عبد العزيز رسولوف (1852 ـ 1936م)، الذي يعد أيقونة الموسيقى الشعبية لدى أمتي الأوزبك والطاجيك، على حدٍّ سواء.

استقى رسولوف موسيقاه وإيقاعاته من فناني الشوارع، مغنين وموسيقيين، وكان مما أذهله الموسيقيون الموهوبون الذين كانوا يعزفون المقامات على العود. كان رسولوف كثير التجوال في المشرق العربي، وفي بغداد، أعجبه أحد الموسيقيين فاقد البصر، وكان يعزف على الساز. وقد تذكر عبد العزيز تلك القطعة الموسيقية وكتبها من أجل القيثارة ذات الوترين وأسماها «Gadoiy».

كما استلهم رسولوف قطعة موسيقية أخرى سمعها في مصر قبل نحو ثمانين عامًا! وفي عامي 1930 و 1931 قام الموسيقار الأوزبكي ميرونوف بكتابة هاتين القطعتين في نوتات موسيقية ونشرهما فيما بعد، وقد أصبحتا مادتين للدراسة، تؤديان على القيثارة والآلات الأخرى بواسطة تلاميذ عبد العزيز رسولوف. كما اتخذ دونى ذاكيروف أغنية «Gadoiy « لتكون مثالا تعزف به الآلات الموسيقية الأوزبكية التقليدية. ولعبد العزيز رسولوف أغنية أخرى مشهورة هي قربان علوم، ألفها بتأثير من الموسيقى الإيرانية والآذربيجانية، إن كان حبه للموسيقى الشعبية جعل من عروضه مصدرًا للبهجة.

قاموس المسافر

بعد أيام من الإقامة والتنقل بين ربوع أوزبكستان، ستلتقط أذناك مفردات تردُّها إلى لغات أصلية تنطقها كالعربية، أو لا تستغربها كالتركية، أو على علم ببعض مفرداتها، كالفارسية (التي يتحدث بها زميلي سليمان حيدر، ويجادل بها الباعة، فيصل معهم إلى أسعار مهاودة)! إن مفردة «ستان» تعني الشعب أو البلد، فأوزبكستان معناها شعب الأوزبك أو بلده، وما له المعنى نفسه في لغتنا العربية واللغة الأوزبكية كلمات: الأمير، والبازار، والخان («بلعة خانة»، أو «بالاخانة» هي البلكونة، و«الشاي خانة» هو المقهى)، والبيك، والتبة (هضبة)، والحاجي (الحاج)، والحرام، وحضرة، وداب (المحرفة من الآداب)، ورباط (مكان الإقامة)، وشمس، وعربة، وقلعة، وقم (كوم)، وكافر، ومدرسة، ومفتي، ومقدس، ومُلا، ومؤذن، ونقارة (طبلة)، ومدَّاح (راو)، عدا بعض مفردات الفارسية والتركية مثل نان (خبز)، ونهان (مخفي)، وعيران (شراب اللبن)، وشيشليك (لحم مشوي على كباب)، وفرنجي (أجنبي)، وقشلاق (مضرب خيام، مكان إقامة مؤقت)، وبوظة..

اللغة الأوزبكية - التي كانت تُكتب بالحروف العربية حتى 1920 - هي حفيدة اللغة التركية، وقد حلت اللغة الأوزبكية الأدبية الجديدة، التي تجمع بين لهجات أهل المدن والريف، محل تلك اللغة القديمة في 1923. دخول المفردات والمصطلحات العربية والفارسية ـ وبالطبع الروسية ـ إلى جانب المفردات التركية هو الذي طوَّر هذه اللغة الجديدة.

الطريف أننا لدى كل زيارة إلى كل أثر تاريخي كانت لنا ملاحظة، هي أن اللافتات جديدة، بينما الجدران تحمل أثرًا للافتات القديمة التي وضعها السوفييت، الذين كان لهم فضل كبير في الحفريات والتنقيبات والترميمات. هذا الاستبدال في اللافتات كان يعني السيادة، التي حولت اللغة الرئيسية في تلك اللافتات إلى الأوزبكية، وحولت حروفها إلى اللاتينية.

نور السماء

في إحدى المدارس التاريخية بمدينة بخارى توقعنا أن نبتعد ـ ونحن نحضر حفلا للموسيقى التقليدية ـ عن فكرة المزار الذي آل إلى بازار؛ تلك الفكرة التي رأيناها في كل مسجد وخبرناها بكل مدرسة ولقيناها بكل خانقاه ومررنا بها بكل ضريح! بدأ العزف التقليدي والرقص الشعبي بالأزياء الفولكلورية، التي تلبسها فتيات من مدن أوزبكستان، مثلما ترتديها أخريات لا تخفي قسماتهن أصولهن الروسية. ثم بدأت أطباق العشاء تنزل مع كل نغمة، ولكن ورقة تسللت مع القائمة أكدت لنا فكرة مزاوجة المزار والبازار، تعلن لنا عن أن الثياب التي ترتديها الراقصات العارضات يوجد مثلها للبيع، في المحلات التي تحيط بنا، حيث تتخذ طاولتنا، مع أكثر من خمسين طاولة أخرى، مكانها في بهو المدرسة (أو التي كانت مدرسة). أما فصول الدراسة فقد تحولت إلى ورش للفنون ومتاجر للبضائع، ومحلات لبيع المنتوجات التقليدية. فهناك شطرنج قطعه للأمير تيمور ووزرائه وجنوده وفيالقه، وهناك قبعات وأوشحة وثياب تقليدية، ويوجد صناديق زينة، وسترى حوامل خشبية لكتاب الله، مع عشرات أخرى من البضائع. وعلى باب (المدرسة) يوجد بنك صغير تجلس فيه فتاتان، واحدة لتبديل الدولار، وأخرى لتغيير اليورو، إلى رزم أوراق العملة المحلية. الغريب إنك لا تجد البنية التحتية الأساسية التي يحتاج إليها السائح في هذه المزارات التاريخية الخالدة، لكنك ستجد طريقة للدفع، إنها ثقافة إحياء البازار مع - بل وربما قبل - المزار.

إذا كان يقال قديمًا «إن النور يهبط عادة من السماء، أما في بخارى فإنه يصعد إلى السماء»، فربما كان مرد ذلك القول هو كونها مدينة المعرفة، بما أنشيء فيها من مئات المدارس وما تأسس بها من عشرات المساجد، وما ارتفع في سمائها من منارات ومآذن، ومن عاش على أرضها من أئمة وأمراء. لكنها كانت كذلك في أوج ازدهارها، واحتضانها لإثنيات الأرض وأعراقها جميعًا، وقبل أن تردم بحيراتها، ويرحل عنها علماء حضارتنا الإسلامية وفقهاؤها كلهم. ولن تستعيد بخارى مكانتها، إلا إذا استعادت مكانها. وحينئذ سيكون لها نورها الخاص، الذي يصعد مرة أخرى إلى السماء.

 

 أشرف أبو اليزيد 






صورة الغلاف





واحة غناء، هكذا يبدو قلبُ طشقند من برج المدينة، تنهض وسط اللون الأخضر علامات معمارية مميزة للمراكز الاقتصادية والرسمية في العاصمة الأوزبكية، أما المنازل فلا تكاد تعلو إلا قليلا، خوفا من زلزال جديد، يعيد للأذهان غضب الأرض في عام 1966





أوزبكستان في قلب طريق الحرير، ووسط آسيا، وحدود مع قرغيزيستان، وطاجيكستان، وأفغانستان، وكازخستان، وتركمانستان، وقد سارت بعثة العربي من طشقند إلى سمرقند، ثم شهرسبذ، وبعدها إلى بخارى، ومنها عادت إلى طشقند عبر طريق أخرى





تمثال لرب عائلة يحمي زوجه وطفله، وفي الخلفية تبدو مشاهد القادمين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي (السابق) ليعاونوا المدينة على النهوض، مرة أخرى، بعد محنة زلزال صباح يوم 26 أبريل عام 1966 شق الأرض بقوة 7 درجات ونصف الدرجة بمقياس رختر





تمثال للأديب علي شير نوائي، صاحب الملاحم الشعرية، وأشهرها "فرهاد وشيرين"، يتوسط حديقة أوزبكستان القومية التي تحمل اسمه، حيث ينهض هناك فوق قمة ظليلة، وكثيرًا ما يفد إليه الزوار ليستأنسوا بأحد معالم الثقافة الأوزبكية





مجموعة مباني حضرة الإمام (حست إمام)، التي تقع في قلب مدينة طشقند، تم الانتهاء من ترميمها عام 2007 احتفالا باختيار طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية، والصورة من داخل المسجد الجامع





قباب مسجد خوجة أحرار الصوفي الشهير المؤسس عام 1999





في الإدارة الدينية لمسلمي أوزبكستان، أمام نسخة من مصحف عثمان





الخطاط الأوزبكي حبيب الله صالح، الذي خطَّ نسختين من القرآن الكريم المعروف باسم (قرآن لانغار)





في كل مكان تجد سوقا لمنتجات أوزبكية من كل الخامات، هذه خزفية بالزي التقليدي لا تزيد في حجمها عن الاصبع الصغير





مجمع رجيستان في سمرقند حيث رممت منارات وأعيد إنشاء منارات أخرى، لكن الناظر إليها عن قرب يدرك أنها في خطر حيث إنها تميل ميلا ملحوظا. يستخدم هذا الميدان للاحتفالات الكبرى، وفي غير أيام المناسبات تجده مزارًا للآلاف سنويا





ينتمي فن المنمنمات إلى فن رسم الكتب فقد تطور بتأثير من الشعر الشرقي الكلاسيكي، والصورة لفنان يستلهم أعمال الأدب الشرقي الكلاسيكية في لوحة جديدة قد تأخذ منه أسبوعًا كاملا





من المشاهد التي أثارت دهشتنا سحابات الدخان التي تحلق قرب الآثار التاريخية (على يسار الصورة)، وقال دليلنا إنها لمصنع بعيد





قبة مسجد بيبي خاتون في سمرقند لولا السيارة لحسبت أن عمرها قرونا





جدارية جامعة سمرقند، التي تحتفل بأعلام أوزباكستان، في العلوم، والآداب، والفنون، والتاريخ





صورة لواجهة الجامعة التي تحافظ على نهر العلوم والفنون جاريا للأجيال الجديدة





عاملان ينظفان تمثالا عملاقا للأمير تيمور، أو تيمور لنك كما نعرفه في أدبيات التاريخ العربي، حاكم عموم بلاد ما وراء النهر، والغازي الأشهر





الزواج على الطريقة التيمورية.. عروسان يتجهان إلى وضع إكليل من الزهور أمام تمثال الأمير المحارب، الذي ينتصب في مسقط رأسه بمدية شهرسبذ؛ المدينة الخضراء، والتقاط الصور التذكارية في بداية حياتهما الزوجية





من نقوش جدران قصر (آك سراي) الذي شيده تيمور في القرن الرابع عشر الميلادي





آك سراي، والترجمة الحرفية له: القصر الأبيض، ولكن (آك) لا تعني اللون فحسب، وإنما تعني أيضا الأيادي البيضاء المنعمة، التي تمنح وتهب. بني القصر في "ساعات السعادة" التي تنبأ بها العرافون للأمير. ويقال إنه بعد غزو تيمور لعاصمة خوارزم (الآن في تركمانستان)





واجهة المسجد الجامع في بخارى. لا يجمع في أيام الأسبوع إلا مصلين على عدد أصابع اليدين، لكنه يزدحم في أيام الجمعة، والأعياد الإسلامية





خانقاه نادر ديوان بيك، المؤسسة في القرن السابع عشر (1620 ميلادية)





صبية غازلة بخيوط الذهب





شاب يدق على النحاس آثار أوزبكستان





سيدة تعرض مفرشا للأسرة، في كل مزار ستجد بازارا، وصناعا وتجارا مهرة، هي صورة الشارع الأوزبكي اليوم في مواقعه التاريخية





فتاة تقدم عرضا للأزياء في أوزبكستان على أنغام الموسيقى، داخل مدرسة عبد العزيز خان. بعد العرض سيقولون لك إن هذه الأزياء للبيع





على باب القلعة القديمة، أو (آرك)، كما يسمونها في بخارى، ومنها يمكن مشاهدة المدينة كلها، ومن شرفتها كان أمير بخارى يراقب العروض، وقد صعد مصور العربي بمصعد يدوي في صهريج مياه مقابل القلعة ليلتقط هذه الصورة





ضريح السامانيين، الذي أسسه إسماعيل الحاكم القوي لبلاد ماوراء النهر، في بخارى عاصمة بلاده - آنذاك - في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وواجهاته الأربع متطابقة، تتوسطها أقواس، وتشكل جدرانه الداخلية والخارجية عشرات التصاميم بالأحجار وحدها





في شوارع بخارى، وكل الشوارع التاريخية في مدن أوزبكستان، ستجد سوقا (بازارًا).هنا تباع المنمنمات، والمصنوعات الخزفية، والملبوسات، حتى الأسطوانات والأسلحة التقليدية