ملف اقتصاد العرب.. أين المستقبل؟.. آفاق الشراكة الاقتصادية العربية

ملف اقتصاد العرب.. أين المستقبل؟.. آفاق الشراكة الاقتصادية العربية

تشهد الكويت في هذا الشهر قمة اقتصادية عربية، وفي ظل هذه الظروف العالمية الصعبة تكتسب هذه القمة أهمية خاصة، لأنها تفتح نافذة من الأمل على العمل العربي المشترك، وهو الطريق الوحيد الذي يجنّب العرب ذلك المأزق الاقتصادي الخطير.

خلقت العولمة واقعاً جديداً تجسد على الخصوص في امتداد مستوى التنافسية، بحيث لم تعد الكيانات القطرية قادرة لوحدها على مواجهة الرهانات التي يفرضها التنافس بين الدول، وهو ما أدى إلى إنشاء تجمعات إقليمية كبرى كقوة فاعلة جديدة في العلاقات الدولية عامة، والعلاقات الاقتصادية خاصة.

ويبدو جلياً اليوم أنه بات من المستحيل للأقطار العربية التعاطي المجدي مع تحديات العولمة، بما تنطوي عليه من قوى احتكارية متوحشة، بالاعتماد فقط على السياسات القطرية في المجالات كافة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وطوال ما يزيد عن خمسة عقود كاملة (1957 - 2008) مازالت الأمة العربية تتطلع إلى التكامل الاقتصادي، بالرغم من عشرات القمم والمؤتمرات والاجتماعات العديدة والمتنوعة ومئات القرارات والتوصيات التي صدرت عنها، وها نحن بصدد التحضير لقمة اقتصادية عربية جديدة في الكويت، في بداية هذا العام 2009، لدفع الجهود السابقة من أجل تكوين أسرة اقتصادية عربية، على غرار الأسرة الاقتصادية الأوربية، انطلاقاً من مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وصولاً إلى السوق العربية المشتركة.

ملامح من الواقع الاقتصادي والاجتماعي العربي

يمتد العالم العربي على مساحة 13.6 مليون كيلو متر مربع، ويمتاز موقعه بأهمية إستراتيجية، فهو يتصل بالمحيط الأطلسي غرباً والخليج العربي شرقاً, والبحر المتوسط شمالاً والبحيرات الوسطى في إفريقيا جنوباً، كما يوجد وسطه البحر الأحمر وقناة السويس، وفي هذه المساحة الشاسعة يعيش 312 مليون نسمة يمثلون نحو 5 في المائة من إجمالي سكان العالم، تصل نسبة الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة إلى 38 في المائة، وهو أعلى متوسط في العالم بأسره. ويوجد في أراضيه مخزون هائل من الموارد الطبيعية النادرة والغالية، بينها البترول والغاز واليورانيوم والنحاس ومعادن أخرى، كما توجد المياه، وتسطع عليه الشمس، التي يمكن أن تتحول إلى طاقة متجددة، ومع هذه العوامل المهمة فإنه توجد قواسم مشتركة بين العرب، منها التاريخ المشترك والثقافة واللغة الواحدة.

ولكن يواجه العالم العربي تحديات عديدة من أهمها: تواضع حجم التجارة العربية البينية، وتواضع حجم الاستثمارات المحلية، بل هجرة رءوس الأموال والعقول والكفاءات العلمية إلى الخارج، وضعف البنية التحتية في كثير من البلدان العربية، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن العربي عموماً، وعدم مواكبة مخرجات العملية التعليمية لاحتياجات التنمية.

ولاحظت دراسة أعدتها إدارة البحوث الاقتصادية في الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية في مايو 2008 أنّ المنطقة العربية «تشكل مستورداً صافياً للغذاء، بسبب ضعف إنتاجيتها الزراعية وغياب السياسات الزراعية وسوء استخدام الموارد الطبيعية، خصوصاً المائية، بما يوفر الأمن الغذائي للمنطقة العربية، وكذلك ضعف التنسيق بين الدول العربية في مجال التخصص في الزراعات». ولفتت إلى أنّ العالم العربي يستورد 50 في المائة من الحبوب وثلثي احتياجاته من بقية السلع الغذائية، وبلغت قيمة ما يستورده 30 مليار دولار.

عمل عربي متعثّر

وبالرغم من المعطيات، الموصوفة أعلاه، فإنّ العمل الاقتصادي العربي المشترك متعثر، فقد كان مؤتمر القمة العربية في القاهرة خلال الفترة ما بين 21 و 23 يونيو 1996 قد أقر إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وذلك بـ«هدف تفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك والدعوة إلى تفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية»، وتم الإعلان عن إنشاء هذه المنطقة والموافقة على برنامجها التنفيذي، بمقتضى قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي بتاريخ 19 فبراير 1997، على أن يكتمل إنشاؤها خلال عشر سنوات تبدأ في 1 يناير 1998 وتنتهي في 31 ديسمبر 2007، ثم تم الاتفاق على جعله في نهاية عام 2005، من خلال اتباع أسلوب التحرير التدريجي وبنسب تخفيض سنوية للرسوم بمعدل 10 % سنوياً.

وبالرغم من دخول اتفاق تحرير التجارة العربية موضع التنفيذ في 2005، فإنّ التبادل التجاري البيني بقي ضعيفاً نسبياً وآلياته أضعف مما يجري على مستوى اتفاقات التجارة الحرة الثنائية لكل بلد عربي مع أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، أو ضمن منظمة التجارة العالمية.

ومن الملاحظ حدوث طفرة في الاستثمارات البينية العربية - العربية, إذ زادت هذه الاستثمارات في العام 2007 بنسبة 100 في المائة. وعلى الرغم من نمو الاستثمار العربي البيني بنسبة واحد في المائة، ليصل إلى 11.5 مليار دولار في 2006، لوحظ انخفاض لافت لمؤشر الاستثمار العربي البيني كنسبة من الاستثمار الأجنبي المباشر، من حوالي 34 في المائة في 2005 إلى 27.4 في المائة في 2006.

وبالرغم من ذلك، ليس من المتصور أن تظل دول عربية عاجزة عن زراعة ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة لعدم قدرتها على تدبير استثمارات مالية، بينما تستورد دول عربية أخرى غذاءها من الخارج لتدعم اقتصادات غير عربية، في حين أنّ في إمكانها أن تحوّل دفة استثماراتها تجاه ذلك البلد العربي الذي تنقصه تلك الاستثمارات. ولا يمكن تصور أن تظل بعض الدول العربية تعاني من بطالة تدفع بأبنائها إلى الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوربية، بكل ما فيها من مخاطر وتأثيرات اقتصادية واجتماعية، في حين تفتح دول عربية أخرى أراضيها للعمالة غير العربية بأعداد مذهلة.

آفاق الشراكة الاقتصادية العربية

أصبح التكتل الاقتصادي حاجة ملحة للأقطار العربية للحفاظ على أمنها، خاصة الاجتماعي - الاقتصادي أولاً، وديمومتها على المستوى الوطني والسياسي ثانياً. وهنا يجب التأكيد، إذا ما أردنا الخروج من إسار السياسي إلى بناء علاقات شراكة اقتصادية عربية تكاملية تؤمّن لنا حالة من التوازن على المستوى العالمي، على ما يلي:

1 - ضرورة الشروع في إقامة علاقات اقتصادية واسعة، ومحمية بجملة من القوانين النافذة البعيدة كل البعد عن الخلافات السياسية التكتيكية، التي كانت في ما مضى تشكل عقبة في وجه هذه العلاقات. وضرورة الاقتناع بأنّ العلاقات الاقتصادية وتبادل المنافع هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى توحيد الرؤى، بل والمواقف السياسية من أي مستجد طارئ قد نواجهه.

2 - تأصيل الاقتناع بأنّ السياسة، بكل ألوانها ومسمياتها ومدارسها، هي بالأساس تعبير حي عما يسمى بـ«الاقتصاد المكثف»، وأنّ وحدة المصالح الاقتصادية كفيلة في التقريب ما بين الفئات الاجتماعية والبنى التحتية العربية، وهي التي تحد من تقلبات الأهواء والمصالح القطرية التي تظهر عند هذا النظام السياسي أو ذاك.

3 - ضرورة الاعتراف بأنّ أهم عائق كان ولا يزال يجابه آليات التقارب العربي المشترك، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، يتمثل في محدودية المشاركة الشعبية الواسعة عن صنع القرار الاقتصادي والسياسي.

4 - ضرورة الاقتناع التام باسترجاع وجذب الأموال والثروات العربية، المستثمرة في الخارج، لتستثمر في العالم العربي، بهدف إعطاء قوة الدفع الضرورية للارتفاع بالتجارة البينية العربية، سواء من خلال تمويل وضمان المبادلات أو في ما يخص المشاريع ذات الصلة، والتي ستخلق بدورها حالة من التوازي بين هياكل الإنتاج الكفيل بالوصول إلى مرحلة التكامل.

5 - الإقرار بأنّ أبناء الأمة العربية، بكل خبراتهم وتجاربهم، لا يقلّون عن شعوب البلدان المتحضرة، وهم إذا ما قيض لهم القوانين والحماية قادرون على الخروج من جملة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بواقعهم، وهم يمتلكون القدرة العالية على استخدام آخر ما توصل إليه العلم، والذي تمثل على الخصوص بـ«اقتصاد المعرفة» و«مجتمع المعرفة»، التي ترشّد إدارة شئون المجتمعات، وبالأخص منها الشئون الاقتصادية.

القوى الاستراتيجية

إنّ نقطة البداية، بالنسبة للعالم العربي، هي البحث عن قواه الاستراتيجية الكثيرة جداً، خاصة البشرية والاقتصادية، إلا أنّ التسيير الاقتصادي مازال متأخراً في العديد من الأقطار العربية. فعلى الرغم من أنّ العالم دخل الألفية الثالثة، في ظل إحكام العولمة لسيطرتها على العالم، فإنّ الاقتصاد العربي مازال يعاني الكثير من المصاعب، بسبب غياب إستراتيجية عربية واضحة للتعامل مع الموارد الاقتصادية والبشرية العربية. ويبدو أنّ الأمر يتطلب صياغة إستراتيجية عربية موحدة، تأخذ بعين الاعتبار الخصائص القطرية، تتجه بالعالم العربي نحو التعاون المجدي مع نفسه أولاً، ومع جواره الإقليمي ثانياً، ومع العالم ثالثاً.

السوق العربية المشتركة

إنّ قيام السوق العربية المشتركة يعتبر من أهم الركائز للتعاطي الإيجابي مع تحديات العولمة والشراكات الإقليمية، ذلك أنّ التكتل الاقتصادي العربي يساهم مساهمة كبرى في رفع مستوى الإنتاجية للاقتصادات العربية وتوسيع قاعدتها، وفي ترسيخ المناخ الاقتصادي الملائم. بل أكثر من ذلك، فإنّ لها مضموناً آخر تنامت أهميته كثيراً في ظل مسيرة العولمة، وهي القوة التفاوضية المنبثقة عن الوحدة الاقتصادية تجاه الكتل الاقتصادية الكبرى. وعليه، يتوجب على الدول العربية الإسراع في استكمال منطقة التجارة الحرة العربية كخطوة أولى نحو تكتل اقتصادي أوسع.

فلم يعد الوضع يحتمل مجرد كلام أو مواصفات لإنشاء السوق العربية المشتركة، وإنما أصبح يتطلب تحركات عملية عاجلة، ولكنّ المطلوب لإنشاء السوق العربية المشتركة قرارات تنفيذية، وليس توصيات، على أن تصدر من أعلى السلطات العربية للتمهيد العملي لقيامها، ومن المتوقع أن تمتد هذه القرارات التنفيذية إلى المجالات التالية:

1 - تسهيل إجراءات الدخول والخروج للمواطنين العرب إلى كل دولة عربية، مع التركيز على بحث وتذليل العقبات التي تضعها حاليا بعض الدول العربية وإعطائها فرصة زمنية لتنفيذ ذلك مادام متعذراً التنفيذ الفوري.

2 - إلغاء القيود الجمركية والكمية والنقدية على تبادل السلع والخدمات بين الدول العربية، وإذا كانت منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى قد ألغت حتى الآن ما يقرب من 70 في المائة من الرسوم الجمركية فإنّ الباقي منها مطلوب إلغاؤه خلال فترة قصيرة.

3 - وضع خطة تتضمن مشروعات إنتاجية وخدمية وتعليمية وصحية لتنمية الدول العربية الفقيرة في ضوء خطة تكامل عربي، يشترك في تنفيذها رجال الأعمال العرب في ضوء المزايا التي تمنحها لهم هذه الدول، كما يساهم في إنشاء هذه المشروعات المواطنون العرب عن طريق الاستثمار المباشر أو بشراء الأسهم.

ولكنّ معظم الأقطار العربية مازالت بحاجة إلى تحسين التشريعات الاستثمارية التي تضمن المزيد من الشفافية، وإتاحة الفرص للمستثمر لممارسة نشاطه في الدول العربية، حيث المناخ الاستثماري لا يصل إلى مستوى اجتذاب رءوس الأموال، سواء العربية أو الأجنبية.

4 - عرض الأسهم الجديدة المطروحة لإنشاء شركات مشتركة داخل المنطقة العربية على كافة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في كل الدول العربية دون استثناء، على أن تأخذ الصيغة العربية المشتركة، وبما يؤدي إليه ذلك من إنشاء فروع لهذه الشركات في مختلف الدول العربية حسب دراسات جدوى اقتصادية.

5 - فتح الأسواق العربية أمام كل المهنيين العرب لإنشاء صناعات صغيرة ومتوسطة، حسب متطلبات كل دولة، وفي المكان الذي يتناسب مع الإنتاج والتسويق فيها، وإنشاء أجهزة جديدة لتدريب الحرفيين ومنحهم شهادات تتيح لهم إنشاء مركز عمل في أي دولة عربية، على أن تقدم لهم الحكومات العربية التسهيلات كافة والمزايا التي تقدمها للأجانب والمواطنين الأصليين.

6 - إنشاء المشروعات الكبرى المطلوبة لتسهيل التنقلات بين الدول العربية ووضع البنية الأساسية لها من طرق وجسور وأنفاق وكهرباء ومياه .. إلخ، على أن يقوم بإنشائها شركات عربية متعددة الجنسية وأن يشترك فيها رجال الأعمال العرب.

7 - دمج البنوك العربية صغيرة الحجم بالإضافة إلى الشركات العربية الصغيرة العاملة في مجالات إنتاجية متشابهة.

وفي الواقع يأخذ مضمون التعاون الاقتصادي الجماعي العربي أشكالا متعددة، ابتداء من أبسطها الذي يتمثل بعلاقات اقتصادية عادية تسمح بالتبادل التجاري والمالي، حسب الأنظمة السائدة، مع بعض الامتيازات الخاصة قد تشمل تسهيلات ثنائية محددة، أو استثمارات مشتركة لموارد مشتركة بينها، وصولاً إلى وحدة اقتصادية تتمثل بسوق اقتصادية واحدة، وما يتبع ذلك من تنسيق كلي في مجالات السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية، عبر مؤسسات تنشؤها الدول المعنية خصيصاً لهذه الغاية، والمثال على ذلك هو بالطبع السوق الأوربية المشتركة، وبين هذه الحالة وتلك توجد أشكال متعددة من أنواع التعاون الجزئي بين الدول المعنية.

إنّ الانتقال إلى الاتحاد الجمركي العربي وإلى السوق العربية المشتركة لا يشترط الانتهاء من مرحلة تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ففي بعض القطاعات يمكن اتفاق الدول العربية على سياسة جمركية مشتركة تحدد طابع العلاقات، كذلك فإنّ العمل من أجل إقامة سوق مشتركة عبر مشاريع العمل المشترك لايشترط تحرير التجارة البينية العربية تحريراً كاملاً.

على مشارف المؤتمر الاقتصادي العربي

تضمنت مقررات قمة الملوك والرؤساء العرب في عمّان عام 2001 قراراً بعقد قمة اقتصادية للقادة العرب، أثار اهتماماً وتفاؤلاً عربياً عاماً، نظراً لأهمية تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية ولضرورة اهتمام القيادات العربية المباشر بها. وكان مفروضاً، بحسب قرار قمة عمّان، أن تنعقد القمة الاقتصادية العربية في القاهرة خلال شهر نوفمبر من العام نفسه، إلا أنّ أمراً ما جعل القمة المأمولة تتلاشى.

واليوم، نحن على مشارف مؤتمر القمة الاقتصادية التنموية الاجتماعية في الكويت فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو من أين نبدأ ؟ وما هي محاور العمل البنّاء الذي يجمع ولا يفرق ويؤتي ببرنامج عمل تجتمع حوله كل الأطراف في منظومة عمل عربية اقتصادية إيجابية ؟ وما هي الأجندة التي إذا ما طرحت تلقى اتفاقاً ومجالاً للعمل؟

أربعة عناصر

لعل الخطوة الأولي تكون في ترتيب الأولويات حسب أهميتها وجاهزيتها للأخذ بها، لدفع وتعزيز التعاون العربي المشترك. خاصة أنّ الجديد في دعوة القمة العربية في الرياض لعام 2007، أنها ارتكزت على أربعة عناصر أساسية لعقد القمة الاقتصادية الجديدة: أولها، إشراك اتحاد الغرف التجارية العربية ومؤسسات رجال الأعمال للإعداد للقمة الاقتصادية المقبلة، وهذا القرار هو إضافة إيجابية مهمة، لأنّ العمل الاقتصادي العربي المشترك وتطويره، بحاجة إلى دماء جديدة، ومنهج براجماتي قادر على تحويل الأفكار والرؤى إلى حقائق.

وثانيها، اعتبار القطاع الخاص العربي إحدى الركائز الأساسية للعمل الاقتصادي والتنموي المشترك، والعمل على استقطابه، وهذه إضافة إيجابية مهمة أيضاً، لما يتميز به القطاع الخاص من قدرة على المبادرة والتطوير وتفعيل النشاط. وثالثها، إعطاء أولوية لمشاريع البنية التحتية كشبكات الطرق والطيران والربط الكهربائي والاتصالات، وهذه إضافة إيجابية مهمة أيضاً، لأنّ هذه المشاريع قادرة على خلق مصالح اقتصادية متشابكة بين الدول العربية. ورابعها، الدعوة إلى تفعيل الاتفاقات الثنائية والإقليمية بما يصب في مصلحة العمل الاقتصادي العربي المشترك، ما يعني عدم صوغ اتفاقات جديدة، ترفق بركام الاتفاقات القديمة، بل يعني السعي الجاد لتفعيل ما هو متوافر منها، والمطلوب من القمة الاقتصادية المقبلة توفير الإرادة السياسية اللازمة لإزالة العراقيل والمعوّقات التي تواجهها.

إن تدابير القمة الاقتصادية القادمة يتعين أن تكون واقعية قبل كل شيء، وتعطي العمل الاقتصادي العربي المشترك روحاً جديدة بنّاءة وأفكاراً عملية، تنفض عنه آثار العراقيل والمعوّقات وغياب الإرادة السياسية الملتزمة بالتنفيذ، وهذا هو السبيل الوحيد إلى تغيير وجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية العربية، ودفع العمل الاقتصادي العربي المشترك نحو الأفضل.

ومن جهة أخرى، فإنّ المشروع التكاملي العربي لا يراد له، ولا يمكن أن يكون مشروعاً انغلاقياً، بل لا بد أن يكون انفتاحياً، وقادراً على التجاوب مع معطيات العالم الخارجي الذي تحكمه العولمة. وكلنا يدرك أهمية العالم العربي كمصدر رئيسي للطاقة، وكذلك حاجته إلى التكنولوجيا والإدارة الحديثة في تنفيذ مشاريع من شأنها المساهمة في تنمية حقيقية للطاقات الإنتاجية العربية، وتقريب الدول العربية من التكامل الاقتصادي. وعلى الرغم من توافر رءوس الأموال فإنّ الدول العربية تتطلع إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، باعتبارها تجلب خبرات فنية وإدارية وتكنولوجية، في ظل سياسات منفتحة على التعاون الدولي بالتعاون مع القطاع الخاص.

البعد عن القطرية

إن إخراج الدول العربية من الموقف السلبي وإقناعها، بالمحسوس، بأنّ تحقيق أمن ومصالح دولها مستحيل من دون غطاء عربي وارتباط توافر الغطاء العربي بفعالية مؤسسات العمل العربي المشترك، وهذا يستدعي: أولاً، الخروج من حالة التركز على الذات القطرية والانفتاح على الدائرة العربية. وثانياً، ربط برنامج الإصلاح بالهدف العام (تفعيل العمل العربي المشترك بما يتناسب مع تحقيق المصالح) وبالظروف السائدة عربيا ودوليا (مآلات الصراع العربي - الإسرائيلي، استعادة العراق الجديد لدوره العربي، التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية، العولمة.. إلخ). وهذا يجعل تحقيق الهدف العام يستدعي تطوير الإطار القانوني للعمل العربي المشترك، كي يكون صالحاً لوضع الدول العربية على طريق التعاون والتكامل والوحدة.

خاتمة

إذا كان لكل دولة عربية ميزاتها الخاصة، فلابد من التأكيد أنّ قيام أي تكتل اقتصادي عربي لا يعني التخلي عن مبدأ الميزات النسبية لكل بلد عربي على حدة في ترشيد استعمال موارده المتاحة على المديين القصير والبعيد، فعلى سبيل المثال إنّ البلد الذي يتمتع بموارد زراعية كبيرة وغنية من الطبيعي أن يستغل هذه الموارد بهدف تطوير القطاع الزراعي، وعلى أساس قاعدة تكنولوجية علمية ملائمة وحديثة في آن واحد، ومن المفترض أن يكون التكتل الإقليمي العربي مبنياً على استغلال الميزات النسبية لكل دولة من الدول العربية، مما يؤدي إلى تعظيم الفائدة المشتركة المتأتية عنه.

وفي كل الأحوال، من الضروري التركيز على مسار الشراكة العربية - العربية قبل غيره من المسارات الإقليمية والدولية، لاسيما أنّ استكمال قيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، على أسس تستند لمعايير وقواعد التجارة العالمية، يحتاج إلى تعزيز العلاقات العربية وتنمية التجارة البينية وتشجيع فرص الاستثمار، الأمر الذي من شأنه رفع قوة المساومة العربية تجاه التكتلات الأخرى، وأيضاً داخل منظمة التجارة العالمية. ذلك أنّ المصالح العربية العليا تتطلب التفاوض وإدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية في إطار عربي جماعي، وليس على مستوى الأطراف العربية مجزأة في إطار خليجي أو مشرقي أو مغاربي، أو مجزأة قطريا.

على أي حال، بين هذا وذاك، يجب ألا ينسى العرب أنهم لن يحصدوا شيئاً إذا لم يعودوا إلى التفكير في ذاتهم، ويبقى صحيحاً - على الدوام - أنّ مَن يخسر نفسه لا يفيده إن كسب العالم، بل لا يستطيع أن يكسب أحداً إذا فقد وزنه واحترامه ومكانته وذاته.

 

 

عبدالله تركماني