العربي في نصف قرن.. قراءة في العدد السابع.. خليل علي حيدر

العربي في نصف قرن.. قراءة في العدد السابع.. خليل علي حيدر

تتنبأ بنكسة يونيو وتحذر من الاحتباس الحراري!

ليت العلماء وقادة العالم طالعوا باهتمام أكبر العدد السابع من مجلة العربي في يونيو 1959، قبل نصف قرن. فلربما نجحنا في التصدي لأكبر الكوارث التي تهدد اليوم كوكب الأرض! ففي ذلك العدد، حذّرت المجلة، في صفحتها العلمية، من الخطر الداهم، بعنوان: «لو ذابت ثلوج تغطي رأس الأرض..».

جاء في الخبر: «مسألة من الخطورة بمكان، إن لم تكن كذلك اليوم، فهي كذلك غداً. تلك أن العصر الصناعي هذا يحرق كثيراً من الوقود الذي كانت اختزنته الأرض، من فحم ومن زيت، واحتراق هذا الوقود يعطي ثاني أكسيد الكربون، فيزيد مقداره الطبيعي في الجو. وثاني أكسيد الكربون في الجو يعمل عمل اللحاف، يغطي الكرة الأرضية، ويحفظ عليها حرارتها بامتصاص الحرارة. ومعنى هذا أن متوسط حرارة الكرة الأرضية يزيد. وهو زاد فعلاً بدرجة محسوسة في القرن الذي مضى. وسوف يزيد، وزيادة درجة حرارة الأرض تذيب الثلوج المتجمدة عند رأس الأرض وقدمها، عند القطب الشمالي والقطب الجنوبي. وإذابة هذا الثلج معناه زيادة الماء في المحيطات، وارتفاعه، وفيضانه على كثير من سواحل الأرض. ومعنى هذا إغراق أمم كثيرة والذهاب بها. إلى هذا ينبه العلماء والحكومات. وزادوا على حرارة ينتجها الفحم والزيت، حرارة تنتجها الذرة في أفرانها التي سوف تكثر على الأيام».

«العربي» عام 1959، ربما حذّرت العرب كذلك من نكسة يونيو التي حلّت بهم بعد ثماني سنوات بالتحديد.. من هذا التحذير!

فقد تحدثت عن نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، وتزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقالت إنه ستكون «من بعد النكبة الأولى نكبات». وأضافت محذرة من تهوين الصحافة العربية من قوة إسرائيل: «الصحف في العالم العربي تقوم على الأعصاب - عن غير وعي - تُحذِّرها.

إسرائيل منهوكة! إسرائيل في ضائقة! روح إسرائيل زاهقة! إن كانت روح إسرائيل زاهقة، فعلام جهود تبذل في دفع ما كان منها في شر وما سوف يكون؟ إن أخبار إسرائيل تكتم في البلاد العربية كتماً. إن إسرائيل بها بالطبع ضائقات. وإن إسرائيل بها أزمات خانقات. ولكن ألا يوجد في إسرائيل غير هذا مما لو علمناه، زاد همّتنا شحذا، إن إسرائيل لو بدا لها أن تسأل الصحف العربية، في البلاد العربية، أن تصنع لها جميلاً، ما سألت شيئاً خيراً من هذا.

إن طمأنينة عام 1958 وعام 1959 تُذكِّر بطمأنينة عام 1948. كانت الطمأنينة عند ذاك وبالاً، وهي اليوم أشد وبالاً.

مقال في التاريخ الإسلامي، تحدث عن عبدالرحمن الغافقي بعنوان «أعظم قائد عربي عرفه الغرب.. احتلّ مرسيليا وليون وغيرهما من البلاد الفرنسية، ووصل إلى أقصى ماوصلت إليه الفتوحات العربية». ثم تناول المقال ظروف هزيمة موقعة «بلاط الشهداء»: «كان الجيش الإسلامي قد أرهقه الغزو المستمر، وأثقلته الغنائم الفادحة التي استولى عليها في زحفه الطويل المظفر، وغدت شغلاً شاغلاً للجند، يحرصون عليها كل الحرص، ولا يقبلون في شأنها أي تضحية، وكان عبدالرحمن يرقب هذه الحالة بجزع، ولكنه مع ذلك تأهب لخوض المعركة الكبرى، ووقع القتال بين الجيشين العظيمين، بين العرب والفرنجة، وبين الإسلام والنصرانية، مدى أيام، ووقعت المعركة الحاسمة في اليوم التاسع. وكانت معركة هائلة، ولاحت طوالع النصر للمسلمين في البداية، ولكن سهماً أصاب عبدالرحمن، وهو يخوض لظى المعمعة متنقلاً بين الصفوف، فسقط جواده قتيلاً، فدب الذعر والاضطراب في الجيش الإسلامي، واشتدت عليه وطأة الفرنج، وكثر القتل في صفوفه، وسقط عدد من قوّاده وزعمائه ولم ينقذه سوى دخول الليل، وكان ذلك في اليوم الحادي والعشرين من أكتوبر سنة 732م، أوائل رمضان سنة 114 من الهجرة».

البصرة ما الذي بقى؟

كان استطلاع «العربي» عن مدينة البصرة بالعراق! وتضمن مجموعة تُعد اليوم من نوادر صور العراق بلاشك. ولا أدري ما سلم من كل هذه المعالم وما اندثر، بعد نصف قرن من الكوارث والحروب. ويبدو أن نصيب هذه المدينة العريقة كان على الدوام الآلام. يقول كاتب الاستطلاع: «اهتم معاوية بن أبي سفيان بالبصرة، كما اهتم من أتى بعده من خلفاء بني أمية وذلك بسبب موقعها الممتاز أولاً، ولسبب آخر بعيد كان في نفوس الأمويين، ذلك هو إضعاف أمر يثرب (المدينة) مقر العلويين المتطلعين إلى الخلافة، فتهافت عليها الناس من كل الجهات، وازدحمت بالتجار وأهل الصناعة ورجال العلم. وعندما عادت العصبيات القبلية تفتُّ في الكيان العربي، كانت البصرة أول مكان برزت فيه. ففي آخر أيام معاوية رحلت قبيلة الأزد إلى البصرة واتحدت مع ربيعة ضد تميم وقيس. وبالإضافة إلى هذه الخلافات القبلية كانت البصرة مركزاً من مراكز مؤامرات الخوارج، وبسبب موقعها أيضاً كثر فيها الموالي كثرة بالغة. هذه العوامل كلها جعلت من البصرة تربة خصبة تنمو وتشتد فيها الفئات المتعادية، الكارهة لكل حكم قائم، ولهذا كان خلفاء بني أمية يرسلون إليها خيرة رجالهم، فوضعوا عليها عتبة بن أبي سفيان، وزياد بن أبيه، وعبيد الله بن زياد، والحجّاج. وكان هارون الرشيد يترك بغداد إليها ليجتمع بعلمائها ويقربهم ويحثهم على العمل المتواصل. وبالغ المأمون في إكرام علمائها، وفي سنة 120هـ أمر بإحصاء من في البصرة من العلماء والتلاميذ فبلغ عدد العلماء سبعمائة وعدد تلاميذهم أحد عشر ألفاً، وأمر بإرسال نسخ من مؤلفات أولئك العلماء فجمعوا له ما ألّفوه من الكتب العلمية المختلفة في مدة عشرين عاماً، فكانت على ما ذكر بعض المؤرخين أكثر من مائتي ألف كتاب».

أمير الكويت الأسبق، المرحوم عبدالله السالم الصباح وشيوخ الكويت، استقبلوا بحفاوة بالغة زعماء جبهة التحرير الجزائرية، زعماء الجزائر، في الكويت، وكان على رأس الوفد فرحات عباس.

فرحات عباس قال لـ«العربي» في مقابلة خاصة «نحن نعرف متى نهجم.. وكيف ندير المعركة». ومما جاء في تلك المقابلة، «إن التجنيد في الجيش الفرنسي إجباري منذ عشرات السنين، ولهذا لا نتعجب أبداً من وجود جند وضباط جزائريين داخل الجيش الفرنسي. وإننا لا نذيع سراً إذا أعلنّا أن ذلك قد أفاد ثورتنا كثيراً جداً، وأغناها بالخبرات العسكرية في شهورها الأولى عندما كانت في حاجة إليها ولايزال ينضم إليها حتى اليوم كثير من الجنود والضباط من الجيش الفرنسي نفسه! إننا لانزال نذكر الأفواج التي التحقت بجيشنا ومعها أسلحتها بعد أن فتكت بضباطها الفرنسيين».

الكويتيون تبرعوا بسخاء للقضية الجزائرية، وقالت «العربي»: «لقد بلغت تبرعات الشعب الكويتي لأسبوع الجزائر في العام الماضي ما يربو على 35 مليون روبية» - وكان الدينار 13 روبية.

وجاء في «العربي» كذلك أن أمير الكويت قال لفرحات عباس رئيس وزراء الجزائر والوفد المرافق له: «اعتمدوا علينا دائماً فنحن معكم في السرّاء والضرّاء».

رصد العدد السابع من «العربي» انعقاد أول مؤتمر للبترول العربي، وانعقد بدعوة من الجامعة العربية في القاهرة، وقد «شهده قرابة ثمانمائة عضو، بينهم كثيرون يمثلون دولاً غير عربية، كأمريكا وفنزويلا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإيران».

وقد حرص هذا المؤتمر الذي امتد بضعة أيام، «على أن يؤكد أنه ليس في العالم العربي أي شعور بالعداء نحو شركات البترول الأجنبية، وإن كان ذلك لا يمنع من العمل على تحقيق ماتقتضيه دواعي العدالة وتعادل النفع المتكافئ بين أصحاب الإنتاج وأصحاب رءوس الأموال».

وجاء في «العربي» أنه كان المنتظر أن يحضر المؤتمر 250عضواً فحضره 780 عضواً، وكان عدد البحوث التي نوقشت في المؤتمر 55 بحثاً، كلها أبحاث فنية عن البترول!

ونشرت «العربي» اقتباساً مفاجئا بعض الشيء عن جريدة «المساء» المصرية جاء فيه: «يقول نهرو زعيم الهند الأكبر: «أظن أننا في الهند قد شبعنا من التقاليد، والحق أن التقاليد هي الشيء الذي نريد أن نتخلص منه».

وعلقت الجريدة على تصريح نهرو «الراديكالي» هذا قائلة: «إن الرجل الذي يتكلم بهذه اللهجة الحاسمة هو زعيم ووريث حضارة أصيلة، وهو المفكر الذي جمع بين استيعاب التراث القومي من ناحية وبين حضارة الغرب من ناحية أخرى.

ومع هذا فإنه أدرك خطر التقاليد الجامدة على مستقبل شعبه وبلاده. ألا يجدر بنا أن نقف جميعاً، فنستأصل بشجاعة كل ما يعوق تحولنا إلى مجتمع صناعي عصري متحرر، على أن نستفيد من تلك الناحية من تقاليدنا التي فيها غذاء للتقدم».

إنحدار أوضاع النشر

الكاتب «أحمد عبدالغفور عطار»، من مكة المكرمة، فاجأ القرّاء كذلك في هذا العدد، بمقال غاضب عن أوضاع الكتابة والنشر في العالم العربي، بعنوان «التأليف انحدر.. فصار كل من يمسك بقلم كاتباً فخماً».

وجاء في المقال: «الذي يُلاحظ في معظم مايترجم في هذه الأيام أنه ترجمة للأدب الرخيص الذي لا يكلف عناء، وأكثر الذين يقومون بالترجمة ليسوا أكفاء مثقفين، بل ضعفاء في العربية وفي اللغة التي ينقلون عنها، ولهذا نجد كل ما يترجمون ممسوخاً رديئاً يقضي على روح المؤلف وفكرته ومقصده.. الأدب الرفيع يجب إذن أن ينزل إلى الحضيض حتى تفهمه العامة، وإلا فهو إقطاع ورأسمالية ورجعية يجب أن تحارب. ولهذا أصبح السوقي أديباً عظيماً، ومؤلفات السوقة أروج المؤلفات».

إن القرآن كتاب الله، فكم من أبناء الشعوب العربية يفهمه؟ كم من السوقة يفهمه؟ فماذا يكون موقفنا من كتاب الله؟ ألأنّ القرآن لايفهمه الشعب نتركه؟ فكذلك في الأدب الرفيع، إن التأليف والترجمة يجتازان محنة ابتلانا بها هؤلاء المحرومون من المزايا الإنسانية والذوق الرفيع، ولكنها غُمّة ستنقشع بإذن الله».

ولا أدري إن كان العمر قد طال، بالمؤلف الكريم ليرى أحوال وأهوال النشر هذه الأيام!

ومن أوضاع الطباعة والنشر إلى مقاصد الشعر، حيث استعرض الأديب المعروف بولس سلامة (1902 - 1979) هذه المقاصد في شعر القدماء والمعاصرين، مهاجماً «شعر التكسّب»، معتبراً إياه «صفعة للشعر موجعة». وقال إن الشعر الجاهلي انصرف إلى مناصرة القبيلة، والشعر الأموي ناصر الدولة، ثم انحدر الشعر إلى مناصرة الأمراء، «وإن كان قد ظهر في هذه الحقبة عدة شعراء مجيدين لهم في ملاعب الجمال غير جولة، أخص منهم أبا تمام، والبحتري، وابن الرومي، والمتنبي، ذلك البحر الخضم».

أما الشعر المعاصر، فقال الأديب سلامة، «فشعراء اليوم قد انصرفوا وكل يغني على هواه، حتى لنحار في إيجاد صفة عامة تنطبق على الاتجاهات الشعرية المعاصرة. وربما كان سبب هذا التباين في الأهداف ما نلمسه في النزعات الفردية من تعدد المآرب والمشارب. فقد يقف شاعر عند شلال، وآخر عند خدٍّ قد تورّد حياء، ولقد يقف سواهم عند مسلول أو عند يتيم، أو عند معذب، على أن من تستوقفهم المشكلة الوطنية العامة أو المثل الأعلى المشترك فإنما هم قلة قد يظهرون وراء المجهر. أضف إلى ذلك أن عصر السرعة هذا قد أثّر حتى في ذهنية الشعراء فبات الشعر يريد الانعتاق من القافية ومن الوزن نفسه. أي كاد الشعر يبطل أن يكون شعراً، فضلاً عن خلوّه من التعبير عن شأن جماعي خطير».

وكان الأديب الشاعر بولس سلامة، المولود قرب «جزّين» في لبنان، معروفاً بشعر الملاحم، ومن كتبه «حديث العشية» و«خبز وملح»، وقد توفي بعد معاناة طويلة مع المرض، وكان يكتب الشعر وهو طريح الفراش. (انظر تتمة الإعلام، محمد خير رمضان 8991، ص09).

ونشرت «العربي» منتخبات شعرية تختبر من خلالها حافظة القرّاء، منها قول المعتز:

قلبي ميال إلى ذا وذا
ليس يرى شيئاً فيأباهُ
يهيم بالحسن كما ينبغي
ويرحمُ القبح! فيهواهُ

ومن «فلتان» الروح الشعرية إلى طرفة أو نكتة نشرتها «العربي» أنذاك، حاول أن تفهمها:

«كانت الزوجة تحلم وفجأة صرخت:

- ياللسماء.. لقد حضر زوجي!

واستيقظ زوجها مذعورًا، وما كاد يعي بعض وعي، حتى قفز هارباً من النافذة..».

المفاخرة بين الأمم

الكاتب المعروف عباس محمود العقاد، تحدث في هذا العدد عن مزايا الأجناس والمفاخرة بين الأمم.. فقال:

«كان المصريون الأقدمون يرتبون أجناس الأمم على ست درجات. أولها المصريون وفي مؤخرتها اليونان. وكان اليونان يستأثرون لأنفسهم بصفة الحضارة، ويطلقون صفة البربرية على كل شعب سواهم من المشارقة والمغاربة. وكان الفرس يتعاظمون بدولتهم على العرب، وكان العرب يسمّونهم بالأعاجم، ويأنفون من مصاهرتهم، ولا يحسبونهم من أندادهم في الأنساب. وعلى مثل هذا التفاخر درج أهل الصين، كما درج عليه الترك والديلم وسائر شعوب الطورانيين».

وقارن العقاد اليونان باليهود. فكتب في مقاله يقول: «المثلان البارزان اللذان يذكران في معرض التمير بين الخصائص الجنسية - يقصد العرقية أو القومية أو الإثنية - كفيلان بإبراز هذه الحقيقة في نصابها الذي يستقر عليه البحث عن مزايا العقول والأخلاق بين جميع الشعوب.

هذان المثلان هما مثل اليونان واليهود: أولهما يضربونه بطلب العلم، وثانيهما يضربونه بطلب المال. وعندهم أن اليونان قد امتازوا بطلب المعرفة حباً في المعرفة، لأنهم نموذج العقل الأوربي المطبوع على الفهم وحب الاستطلاع، وأن اليهود قد امتازوا بالمهارة الاقتصادية، فلا يضارعهم فيها شعب من شعوب العالم منذ عهد بعيد».

ويحلل العقاد أسباب بروز حضارة اليونان وما تميزت به بين بقية الحضارات فيقول:

«والواقع أن شعوب العالم العريقة قد طلبت المعرفة كما طلبها اليونان، ولكن الشعوب التي عاشت في أودية الأنهار الكبار قامت فيها الكهانة القوية إلى جانب الدولة القوية فتحوّلت إليها المعرفة، وأحاط بمعارفها مالابد أن يحيط بها من أسرار الكهانة وقيود التقاليد، وهكذا حدث في القارة الأوربية نفسها يوم قامت فيها السلطة الدينية القوية، وحجرت على المفكرين أن يتعرضوا لمباحث المعرفة في أصول الأشياء وحقائق الوجود».

ولكن لماذا سبق اليهود بقية الأمم في صناعة المال؟

يقول: «الواقع أن اليهود لا يفوقون غيرهم في القدرة على تحصيل المال، وقد تسابقوا بميدان واحد في البلاد المصرية مع الأرمن واليونان والجاليات الشرقية، فلم يسبقوها في تحصيل الثروة ولا في تنويع مواردها، ولعلهم - لولا تضامنهم في بلاد العالم التي ينتشرون فيها - يرجعون إلى ما وراء الصفوف الأولى في المهارة الاقتصادية، وفي تدبير المال على الاجمال!».

ويختتم العقاد مقاله مؤكداً أن «لا احتكار لمزية قومية بغير سبب، ولا فرق بين الأمم إذا تشابهت الأسباب».

الدكتورة بنت الشاطئ (1912 - 1998) استغاثت في العدد نفسه، «أنقذوا تراثنا المبعثر في أرجاء الأرض!».. وقالت: «ماذا نعرف عن ألوف الذخائر التي حملها سلاطين آل عثمان فيما حملوا من كنوز الأقطار العربية أيام العصر العثماني، والتي لاتزال هناك تملأ الخزائن التركية، ولسنا نعرف أسماء كثير منها، وماذا نعرف عن أسماء المخطوطات التي يحتفظ بها جلالة إمام اليمن في خزانته، وقد أبى مندوب مملكته في المؤتمر الثقافي للدول العربية - المنعقد في جدة في شهر يناير سنة 1955 - أن يوقع على القرار الذي اتخذه المؤتمر، بتمكين اللجنة الثقافية من معرفة كل ما تملك دول الجامعة العربية من هذا التراث؟ ولا نحسب إلا أن هذا وقع من دون الرجوع إلى جلالة الإمام، ولماذا أذكر تركيا واليمن، وهنا في مصر، وجدت مخطوطة من «رسالة الغفران» في مكتبة سوهاج الأميرية، مفهرسة بعنوان «مخطوط في الأدب مجهول اسمه واسم المؤلف»!

وعن سلاطين آل عثمان تبادل المشاركون في «دردشة» «العربي» الحديث عن مواضيع شتى من بينها حديثهم عن السلطان عبدالحميد الثاني. فقد «كان مستبداً فتاكاً، وكان من شدة استبداده أن منع الصحف والجرائد في زمنه من إيراد كلمات معينة مثل «الاستبداد» و«الثورة الفرنسية» و«الحرية» و«القومية العربية» وغيرها. وقد رافق هذا الاستبداد شبكة من التجسس، كما هي الحالة في مثل هذه الظروف، وكانوا يأخذون الناس بالشبهة.

وقد حكم على عدد من العلماء الكيميائيين بالموت بتهمة التآمر على حياة السلطان، ونفذ فيهم الحكم بإغراقهم في البسفور. أما دليل الاتهام فهو أنهم وجدوا بين أوراق العلماء رمز الماء الكيماوي وهو H2o، ففسروه أنه يعني «عبدالحميد الثاني = صفر»!

ألمانيا تغزو

وفي زاوية «مرآة الرأي الغربي»، اقتبست «العربي» تقديراً بعنوان «ألمانيا الغربية تغزو الشرق الأوسط»، عن مجلة «تايم» الأمريكية.. قال كاتب التقرير:

«منذ القرن التاسع عشر إلى سقوط هتلر وألمانيا تتطلع بأنظارها إلى الشرق الأوسط، وتطمع في الوصول إليه، ولكن حلمها لم يتحقق. وإن كانت ألمانيا قد فشلت في احتلال المنطقة عسكريًا، فإنها اليوم قد غزتها تجارياً، فأنى توجهت في بلدان الشرق الأوسط، يقابلك جيش غفير من ممثلي المصانع في ألمانيا الغربية محمّلين بنماذج مما تنتجه المصانع التي يمثلونها.

ويدلّك على مدى النجاح الذي وصلوا إليه. إن مصانع «فولكس فاجن» لم تستطع أن ترسل إلى لبنان كل العدد الذي طلبته، كما أن صادرات ألمانيا إلى المنطقة لم تكن تزيد على 10 ملايين دولار في العام، بينما تبلغ اليوم نحو 500 مليون دولار. نحن لا ننسى أن الصناعات الإنجليزية والأمريكية مازالت تحمل قصب السبق في بعض البلدان، ولكن كثرة الإقبال على المنتجات الألمانية يدل على أنه ليس بعيداً على ألمانيا أن تصبح هي السبّاقة حتى في هذه البلدان، وبخاصة عندما نذكر أن ما تبيعه الآن في إيران وسورية واليونان يفوق ما تبيعه أي دولة أخرى».

وتساءل تقرير مجلة التايم: ترى ما السبب في هذا التقدم السريع، وكان الجواب:

«لعل أول الأسباب ما عُرف عن الصناعة الألمانية من إتقان، وما تميّز به ممثلوها من نشاط في الدعاية. ولا يغيب عن بالنا ما شاع عن أن المصانع الألمانية مستعدة لتسليم الطلبات في أقصر وقت ممكن. ومثال ذلك أن المصانع الإنجليزية والأمريكية أجابت إحدى الهيئات بأنها لا تستطيع إنجاز ما طلبته قبل مضي ستة أشهر، فتقدمت المصانع الألمانية وأنجزتة في ستة أسابيع.

ويساعد المصانع الألمانية أيضاً أنها مستعدة لإدانة عملائها - أي إقراضهم!! - وتشجعها على ذلك الحكومة. والحكومة نفسها تعطي القروض لدول المنطقة على شرط أن تشتري بأكثرها صناعات ألمانية، ومثال ذلك أنها أقرضت اليونان 150 مليون دولار على أن تشتري بثلثي المبلغ مصنوعات ألمانية. وهناك مسألة سيكلوجية أيضاً بالنسبة لسكان المنطقة. تلك هي أن ألمانيا لم تكن أبداً دولة مستعمرة في البلدان. وهكذا نجد أنه حيث فشل الغزاة الفاتحون، نجح السماسرة والتجار والمقاولون، ومنهم فلنتعلم».

ونشرت «العربي» في هذا العدد مقالاً قانونياً دينياً مثيراً للجدل بعنوان «هل تجيز المسيحية تعدد الزوجات؟» نقتبس للقارئ منه قضية جديرة بالقراءة: «أصدرت محكمة الأحوال الشخصية لغير المسلمين بمدينة القاهرة أخيراً حكمها في نزاع على تركة ثري مسيحي ثبت بعد موته أنه كان متزوجاً باثنتين، فطعن أولاد الزوجة الأولى في بنوّة إخوتهم أولاد الزوجة الثانية، وطلبوا حرمانهم من الميراث، بحجة أن المسيحية تحرّم الزواج باثنتين، ولكن المحكمة - ورئيسها مسيحي، ومعظم أعضائها مسيحيون - لم تأخذ برأيهم، وأثبتت في حكمها بالأدلة القاطعة أن المسيحية لا تحرم الزواج بأكثر من واحدة، وبالتالي تبيح تعدد الزوجات».

في زاوية «اختبر معلوماتك العامة»، لفت نظري سؤالان: يقول الأول، إن البابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية، وهو رئيس أصغر دولة، هي الفاتيكان بروما. فهل للبابا مرتب كسائر رؤساء الدول، بحسبانه رئيساً للفاتيكان؟

أما السؤال الثاني: فيقول إن الذهب أكثر المعادن قبولاً للمط والطرق، وهو يُطرق وَرَقاً، فهل تدري ما سُمك ورقة من الذهب؟

وأعود إلى صفحة الدردشة لأنقل لك طرفة عن المخترع الشهير توماس أديسون. فما يُحكى عنه أنه بدأ مصنعه الأول صغيراً، ولم يكن به غير ساعة واحدة معلقة على الحائط. والساعات كانت في ذلك الوقت نادرة.

وكان أديسون رجلاً كَلِباً على العمل، يعمل الساعات المتصلة الطوال، لهذا راعه أن يظل عماله ينظرون إلى هذه الساعة الواحدة دائماً، يستعجلون ساعة الانصراف. «هناك بالمناسبة تعبير باللغة الإنجليزية لمثل هؤلاء العمال وهو Clock Watchers»!!

وتضايق أديسون، ولكن لم يقل شيئاً.

وفكر في الأمر، ثم إذا به يضع في المصنع لاساعة واحدة ولكن ساعات عدة. واغتبط العمال لهذا التجديد. ولكن لم يطل اغتباطهم. فالساعات اختلفت، ولم تتفق منها اثنتان، واختلط الأمر على العمال، وانتبهوا بأن كفّوا عن مطالعة الساعات، وانصرفوا مستسلمين إلى أعمالهم. ومن أجمل وأطرف القصائد التي نشرتها مجلة العربي، وربما أندرها في «ديوان العرب!» هذا الحوار الشعري «الفضائي» بين الأرض والقمر، حول رغبة البشر في استكشاف الفضاء والسفر إلى الكواكب! وهي قصيدة طويلة في ستين بيتاً للشاعر السوري المعروف شفيق جبري (1897 - 1980) بعنوان «بين الأرض والقمر».. ومن أبيات الحوار بين الأرض والقمر، يقول القمر للأرض:

مالي ومالكِ تغزين السماء فهل
يمض بكِ الجِدُّ أم يمضي بكِ اللعبُ؟
خلِّي الكواكبَ، لا تغزي مناكبَها
فالشمسُ واجفةٌ والشهب تضطربُ

فتقول الأرض:

مهلاً أبا الحُسْن لا تقلق لغزوتنا
فليس في غزونا نهبٌ ولا سَلَبُ
ما في مرابعنا في الأرض من ظمأٍ
ولا على أُفقنا جوعٌ ولا سغبُ

ويقول القمر:

يا أرض كُفّي الأذى عنا فلا بلغت
منا رجالُك، لا طاروا ولا ركبوا
ليت الصواريخَ لما هاج هائجها
أخنى عليها لُغابُ الشمس واللهبُ!

فتقول الأرض:

أخا الكواكب لا تفزع فليس بنا
إلى الكواكب حاجات ولا أربُ
أتحلمون بخوف ماله علل
أم تسكبون دموعاً مالها سبب

ويمضي حوار الأرض والقمر على هذا المنوال ليختتمه القمر مخاطباً الأرض:

ما تفعلين بعلم من عواقبه
دم يسيل ورَبعٌ بعده خَرِبُ
إن لم تفض من وراء العلم غبطتنا
لا كان علمٌ، ولا طالت به الخطبُ

ختاماً، نقف عند جوابي السؤالين فنقول: «ليس للبابا مرتب شخصي، ولكن يُجمع في الكنائس الكاثوليكية كل عام ما يسمى بـ«قرش بطرس»، ومما يجمع ينفق البابا وينفق الفاتيكان».

أما عن سمك ورقة الذهب، كما جاء في العدد السابع من «العربي»، فيتراوح ما بين 1 / 800 إلى 1 / 14000 من الملليمتر.

-------------------------------------------

يا «قدسُ» يا حبيبةَ السماءْ
قومي إلى الصلاه
وباركي الحياه

...

وواصلي الحديثَ للنجومِ
فلم تزلْ فيك خطا الإسراءِ
سابحةً في الطهرِ والضياءِ

...

ولم تزلْ أسوارُكِ الحزينه
تصغي إلى أقداسِها الدفينه
ولم تزلْ مناجياتُ الرسلِ
في أفْقك الطاهرِ منذ الأزلِ

...

قومي.. ومهما اشتدت الجراحُ
فكلُّ ليل بعده صباحُ...

محمود حسن إسماعيل

 

 

خليل علي حيدر