تحت سماء كوجرات أشرف أبو اليزيد عدسة: سليمان حيدر

تحت سماء كوجرات

مساجدٌ ومعابدٌ, شيوخ يتعبِّدُون آناء الليل, ونسَّاك زاهدون عن ضجيج النهار, مناراتٌ تهتزُّ, وأخرى تختفي, بوابات مهجورة, ودروب مزدحمة, بيوت ليس لها من سمت البيوت شيء, وقصور تستعيد أبهة عصور السلاطين, متاحفٌ نادرة في عرض الطريق, ومقتنيات آسرة تحت حراسة مشددة, أضرحة تعانق قبابها المزركشة السماء, وقبور تفترش توابيتها الحجرية الأرض, غابات من صفيح, وأشجار من أسمنت, وأسوار من خيش, وشواهد من حجر, وهواء من رماد, إنها السماء التي تحتها تنام أحمد آباد وسورات وفودرا وغاندي نَجَار, وكثيرٌ من مدن محافظة كوجرات الهندية, متلحفة بألف لون ولون.

قبل سفرنا إلى كوجرات وبعد توقف قصير أمام بوابة بومباي, عبرنا الطريق إلى ردهة فندق التاج. أشارَ مضيِّفُنا إلى صورةِ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر داخل إطار يجمع صور لعديد من الشخصيات العالمية وهي تزور المكان. توقف مضيفنا الكاتب أ. عباس, مشيرًا إلى صورة ناصر قائلا: (تغيرت الأيام كثيرًا بعد رحيله).

بدأ الحديث مع أ. عباس, وكنتُ أحاول أن أجدَ لديهِ ـ قبل توجهي إلى أحمد آباد ـ خيوطا لجذور الاضطراباتِ ـ المتكررة ـ في كوجرات. قال لي: (إنها المرة الأولى في تاريخ الهند, أن تحدث مذبحة للمسلمين وأن يتم تدمير لممتلكاتهم بمثل هذه الطريقة المنظمة, والحقائق تكشف لنا يومًا بعد آخر كيف أن لإسرائيل يدًا وراء هذه الأحداث. ربما يعتقد البعض أن قولي هذا مجرد شطحات خيال, لكن من يدرس الأمر جيدا في كوجرات سيتبين له حقيقة الأمر, وأن تنامي العلاقات الإسرائيلية الهندية لا يجعل من ذلك مستبعدا).

أحكي له عن الفيلم الذي أنتجته بولي وود ـ مدينة الصناعة السينمائية في الهند ـ عام 1994 ليجسد إحدى صور هذه الاضطرابات على خلفية قصة حب بين فتاة مسلمة وصحفي هندوسي, لم يستطيعا الزواج في قريتهما بسبب الاختلاف في الدين, فجاءا إلى بومباي, التي يحمل الفيلم اسمها. يشرح لي عباس: (هذا الفيلم صورة نموذجية للعلاقات الإنسانية التي ذابت بين الأعراق والأديان في الهند, قبل أن تبعث السياسة نار الفتنة من تحت الرماد, وهذا الفيلم نفسه الذي أخرجه ـ ماني راتنام ـ يأتي ضمن كلاسيكيات السينما الهندية ويعد بين أفضل عشرة أفلام في تاريخها على الإطلاق, فهو لا يعكس الصورة الزائفة للحياة كما تقدمها آلاف الأفلام الهندية التجارية). نتذكر معًا أحد ألحان الفيلم الشهيرة التي قدم موسيقاها إيه. آر. رحمان.

نجلس إلى طاولة الشاي, وبيننا جهازا اللاب توب, حيث انتشرت البقع الساخنة لالتقاط شبكات الانترنت اللاسلكية عبر إحدى شركات الاتصال الهندية الخاصة باشتراك زهيد. يبحث أ. عباس في دفاتره الإلكترونية, ليقدم لي صورة من صفحة لكتاب محلل شئون الدفاع الشهير هيسام سولم الذي يأسف لكون اهتمام الهند بمصالح أربعة ملايين يهودي في إسرائيل يأتي على حساب مشاعر أكثر من مليار مسلم في 54 بلدا! ويحذر سولم من أن هذا التقارب الهندوـ صهيوني قد يؤثر سلبا على مستقبل حياة وعمل الهنود حتى في الخليج العربي. يردف عباس: لكن هذه الحقيقة يحاول الحكام لدينا إغماض العين عنها, إنهم لا يعلمون أن ما حدث في كوجرات قد يحدث في أي مكان آخر بالهند يجمع المسلمين والهندوس).

كنتُ أعتقدُ قبل لقائي بعباس أن الحسَّ المؤامراتي يرتبط بقضايانا فقط, لكنني وجدته يرتبط أيضا بقضايا أخرى, ولدى المدافعين عنه مبرراتهم. أفكار كثيرة متباينة حلقت معي في رحلة الطائرة من بومباي إلى أحمد آباد, العاصمة السابقة لكوجرات, المستبدلة بعاصمة جديدة هي غاندينجار, أو مدينة غاندي, (حدث ذلك في 1960 عندما قرر أهل كوجرات الانفصال عن بومباي لتكون لهم ولايتهم الخاصة, وكذلك فعلت ولاية مجاورة أخرى هي ماهاراشترا). الإسلام يشجع السلام والرحمة والتسامح, هكذا يكتب أبو بكر طواهر في عموده الأسبوعي بجريدة تايمز أوف إنديا. وفي الجريدة نفسها مقال لمجبر رحمان عن كتاب ارشاد مانجي (مشكلة الاسلام اليوم), الذي يعد دعوة لاستعادة الروح الانسانية للدين القويم. فهل يختلف الحديث على الورق, عنه في أرض الواقع?

آلهة وعباد في أحمد آباد

من نافذة الطائرة, بين بومباي وأحمد آباد, وقبل أن نختفي في السحاب, يسرح النظر في السواحل الهندية الشاسعة. هنا مر الغزاة والتجار على موانئها, وهو ما جعل للهند نصيب في تجارة العبيد. في ولاية كوجرات وحدها ـ التي نقصدها ـ 41 ميناء, وفي بعضها استقر بالشتات طائفة السيديين, وهم الأفارقة ذوو الأصول الحبشية الذين جلبوا بسبب تجارة العبيد, على متن السفن البريطانية والهولندية والبرتغالية, وغيرها. إن الحضور البحري القوي تاريخيا للهند في بحر العرب, وارتباط البلاد بشبه الجزيرة العربية وأفريقيا أدخل الهند في منظومة التجارة (العالمية) آنذاك, وأسهم في وجود هذه التجارة.

يعيش اليوم بمناطق الهند الغربية في كوجرات وكارناتاكا وأندريا براديش وماهاراشترا أحفاد هؤلاء الذين جلبوا من أفريقيا, لن نرى ذلك الخط الوراثي في ملامح وجوههم السمراء وحسب, بل وفي العمارة التي تسللت لتنقش بصماتها على الأبواب والنوافذ, وتدق بإزميلها على الأفاريز والشرفات, وتبقي معالمها في الثياب والسلوك. لقد بقي في كوجرات وحدها نحو 20 ألفا منهم, انخرطوا في الأعمال الدنيا بالمناطق العمالية, ونادرا ما تجدهم يفلحون داخل القرى. لقد أصبحوا شريحة من نسيج الفقراء الضخم الذي تصافحه العين في المناطق القديمة من المدن والموانيء الكوجراتية. كان يطلق على هؤلاء اسم حبشي, ثم لقبوا باسم سيدي, وهم الأجراء. وهكذا فإن من لم تقطفه في أفريقيا يدا تجارة العبيد عبر المحيط الأطلنطي حصدته يدا الرقيق عبر المحيط الهندي. ويقال إن معظم هؤلاء جاءوا من إثيوبيا, ولكن منهم أيضا من جاء من منابع النيل في الصومال وغيرها. وفي القرن السادس عشر حين بزغ نجمُ الأوربيين ـ ومنهم البرتغاليون ـ في المشهد الهندي, تم جلب العبيد من مناطق إفريقية قاصية داخلية وساحلية مثل موزمبيق, وتنزانيا, ومالاوي, والكونغو.

في أحمد آباد وسورات سنجد قبورا على قارعة الطريق تعلوها أعلام خضراء, إنها لهم! هؤلاء هم الحبشيون الذين ينسبون أنفسهم إلى بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم (لأنه كان من الحبشة), ويطلقون عليه حضرة بلال, ويقتدون في سلوكهم الحياتي بما كان عليه بلال (رضي الله عنه). لعلهم يجدون في القوة الرّوحانية لهذا النسب مخرجًا من فقرهم المدقع.

على العكس من هؤلاء, القادمين إلى كوجرات من أفريقيا قسرًا, وعلى النقيض من سلالتهم الفقيرة, يعيش المسلمون المهاجرون من كوجرات في جمهورية جنوب أفريقيا. ففي إحدى الضواحي المتاخمة للعاصمة جوهانسبرج توجد أغلبية هندية كوجراتية مسلمة, وقد تأجج حضورهم خلال الحرب على أفغانستان بملصقات وزعوها تندد بالحرب, ووزع الكثير منهم شرائط صوتية معادية. هؤلاء يقولون إنهم ينتمون للإسلام أولا وأخيرًا, وأنهم ليسوا هنودًا لمجرد أن آباءهم وأجدادهم جاءوا من كوجرات, وبالرغم من ذلك لا تزال عائلات كثيرة منهم تمارس حياتها وفقا للطقوس الكوجراتية في الأعياد والملابس والزواج, حتى تلك العادات المقتبسة ثقافية من تقاليد الهندوس.

تهبط بنا الطائرة الصغيرة في أحمد آباد, حيث نجد في استقبالنا (رزَّاق); وهو صديق من أوديبور (في راجستان), جاء إلى أحمد آباد ليعقد بضع صفقات في بورصة سوق القماش, وسيطلعنا في الأيام القادمة على خبايا كثيرة في المدينة, بفضل أصدقاء طفولته المقيمين بها.

أقرأ أحدث تقرير عن كوجرات : تحققت للولاية أعلى نسبة نمو اقتصادي في الهند, وهي 15% خلال السنة المالية 3/2004, وبنسبة 3ر10% خلال السنوات الثلاث الماضية, وهي النسبة الأعلى أيضا. لكن الأرقام غير ما سنراه, تُصافِحُنا في المدينة مشاهدٌ وتَصْفَعُنا مشاهدٌ أخرى: شحاذون ليس فيهم من الحياة سوى الأنفاس, ومحسنون لست تعرف عنهم غير الأسماء, بيوتٌ تراثية آيلة للسقوطِ, ومجمعاتٌ جديدة تتحدث بلغة العولمة, أطواق من ورد متوهج وسحابات من عطور التوابل النفاذة, جِمالٌ لجرِّ العربات, وأفيال لمؤانسة السياح, وبقر للعبادة, وخيول للقيادة, غربانٌ وعصافيرُ, فراشات خضراء وسناجب سمراء, بحيرةٌ تغرد فيها مراكب شراعية, وعشوائيات تتعذب تحت وطأة التلوث, دراجات نارية, وعربات ريكشا, سيارات يحركها العادم, وأخرى تحرك الغبار, شعارات رنانة تخفي تحتها الكثير, وعبارات فضفاضة عن رياح التغيير, وآراء تلونها الأيام, مصانع تقليدية يدوية تنقرض, وأخرى ديناصورية تنهض متخمة بالمال والعمال والآلات الحديثة, آلهة هندوسية مصنوعة من الورق والحجر والخشب, وعباد مسلمون يعيشون في بيوت من ورق وحجر وخشب!

يوم في حياة (أسْلم)

في الحي المسلم بأحمد آباد, لا بد أن يعيد المعماري تعريف كلمة (المنزل). فقد رأينا بيوتا ليس فيها من خصائص المنزل سوى أنها تضم سكانا. كثير من هذه البيوت (مجازا) ليست لها رفاهية أن يكون لها دَرَجٌ (سلم) داخلي, لذا هناك بيت من طابقين أو أكثر يصل بينها سلم خارجي, شبه قائم, تستعين بحبل للصعود إليه. قد تجد الساكن في الطابق الأدنى والدكان في الأعلى, وربما العكس, وكلا البابين على الشارع! قد تجد الحمام في نهاية البيت/ الغرفة, وقد تجده بالخارج, ليخدم عدة بيوت, وقد لا تجده على الإطلاق. قد تجد البيت مجرد سرير, يستند إلى جدار بالنهار, ثم يُبسطُ بالليل, لينام عليه صاحبه. قد تجد البيت مجرد أريكة حجرية تحت نافذة. بل وربما كان البيت عشة من الصفيح, أو خيمة من الخيش, أو ستارا من القماش, أو بناء من الطين, أو علبة من الورق, أو كيانا من الخشب, أو أطلالا من بعض ذلك أو كله.

كان بيت (أسلم) قياسا إلى ما رأيناه قصرًا. نصعد السلم الداخلي مرورا بغرفة داخلية, لنجد غرفة المعيشة التي تضم أرجوحة خشبية يمكن تبديل وجهها للأمام والخلف, نجلس أمام مرآة عتيقة عمرها سبعون سنة, في انتظار الشاي. أتأمل السلم الحديدي الذي يصعد إلى الغرفة العلوية والأخيرة, نعجب كيف يصعد الأطفال عليه? يقول أسلم: لا أحد يصعد الدور العلوي سواي أنا وزوجتي, وهنا نجلس جميعا, والأولاد ينامون بالطابق السفلي!

لدى أسلم محل لبيع النظارات, ليست لديه بضاعة هندية, حتى بضاعته المقلدة واردة أوربا (يَنفي أن تكونَ من الصين). بعد أن يودع ابنته الصغيرة أنْجُم وأخيها عامر إلى مدرستيهما صباحًا, يصحب ابنه أسد الذي يساعده في تجارته. سيعود أسلم لتناول وجبة الغداء مع أسرته في المساء, فهي الوجبة الرئيسية. يدرس ابناه في مدرسة كوجراتية عامة. أسأل عامر عن وجود أية مضايقات من زملائه الهندوس, فيجيب بالنفي. يعقب رزاق وأسلم بأن الخلافات بين المسلمين والهندوس ـ التي حدثت قبل سنوات ـ لن تتكرر, لأن ما كان وقفت وراءه نوايا سياسية, فالمرشحون في البرلمان الهندي أرادوا ضمان أصوات الهندوس الأغلبية في كوجرات على حساب الاستقرار, وهو ما فطن إليه أبناء أحمد آباد. اليوم عاد أبناء كوجرات إلى سابق عهدهم تاريخيا, كيانات متعددة الأعراق تعيش في سلام.

هل كان أسلم واهمًا? تتحدث الصحف عن النائب الهندي الذي يحذر من مخاطر زيادة المسلمين في كوجرات, مقارنة بنقص عدد الهندوس. إنه ـ النائب ـ يريد أن يبقى التوازن قائما, حتى لا يختل النسيج الاجتماعي. يبلغ عدد المسلمين نحو 8% من خمسين مليونا (ستون بالمائة منهم من النساء) هم سكان كوجرات, أقلية تستحق أكثر مما تناله من خدمات ورعاية للمقدسات ووظائف.

وأكاد أسأل نفسي, إذا كانت ولاية كوجرات تستثمر في 229 مشروعًا صناعيا تمثل نسبة 8 ر 16% من الاستثمار الصناعي في الهند, ومن علامات كفاءة التوظيف بها وجود 5 لاكات من الموظفين الحكوميين, فضلا عن تدريب مليون ونصف المليون موظف خلال فترة الثمانية عشر شهرًا الأخيرة, فكم يبلغ حجم العمالة المسلمة في ذلك كله?

إن الأرقام لا تتوقف عن بيان الفارق الشاسع بين الحضور الغائب للأقلية المسلمة في مقابل الحضور الراسخ للأغلبية الهندوسية في التعليم, على سبيل المثال: فمن بين العدد الكلي للطلاب الذين يكملون دراستهم في جامعة كوجرات بعد مراحل  التعليم الأولية, يبلغ عدد المسلمين 1 ر 5 % فقط, فيما تبلغ نسبة الهندوس 7ر 93%. ومن بين هؤلاء المسلمين المنخرطين بالجامعة يرسب 32%. تعلو نسبة المنضمين للجامعة من المسلمين في فادودرا (62ر 10%), ولا تتخطى نسبة الدارسين للإدارة الحديثة والتكنولوجيا من بينهم نسبة 7 ر1% (!), حيث يفضل أغلبية المسلمين دراسة اللغات, كالهندية والكوجراتية, يليها اختيار العلوم الاجتماعية. ولا يعمل في جامعة كوجرات بأكملها ـ سواء في طاقم التدريس أو الوظائف الأخرى ـ سوى سبعة مسلمين, أي ما يوازي نسبة 6ر2% وحسب, ومنهم خمسة في أقسام اللغتين الفارسية والأردية, وإدارة الأعمال. بينما في كلية العلوم ـ حيث يوجد 11 قسما ـ لا يوجد في هيئة التدريس أو الشئون الإدارية مسلم واحد, وهذه الأرقام مأخوذة من تقرير حكومي لولاية كوجرات (ديسمبر 2005). بجانب اللغات يدرس المسلمون بأقسام كلية التجارة (9%) والقانون (4%), لكن شانديبي شيخ رئيس قسم اللغة الأردية يقترح تعيين أحد المختصين باللغة الأردية في مكتبة الجامعة, التي تضم عشرة آلاف كتاب بالأردية لا يوجد من يعرف محتواها بين العاملين بالجامعة!

لقد نالت كوجرات ثلاث جوائز من جمعية كمبيوتر الهند, لكونها طبقت نظم الحكومة الالكترونية, ولتوجهها الخدمي ومسعاها التكنولوجي. ونالت جائزة الامتياز التقني الهندية خلال سنة 2005 لكونها الولاية الأكثر تنمية لقطاع الطاقة بها. كما منحت جائزة مجلة إنديا توداي لاستثمارها في مجال البيئة والحرية الاقتصادية. وتم توثيق 100% من أراضي الولاية إلكترونيا ورقميا. وبلغت شبكة خطوط الفيبر البصرية 50 ألف كيلومتر مما يجعلها الأولى من نوعها في آسيا. ولكن ذلك التطور يستثني الأقلية المسلمة, التي يصفونها بـ (الأخ الأصغر) التي عليها أن تقبل بإملاءات أخيها الأكبر!

عمارة آيلة للزوال

من شرفة بيت أسلم أتطلع إلى إحدى بوابات المدينة, تحكي مجدًا غابرًا. كل الأمجاد في أحمدآباد غابرة, ليس فقط نسبة إلى زمان مضى, بل أيضا لكونها في حاضر مليء بغبار العوادم. الآثار الإسلامية العظيمة في المدينة ـ بلا استثناء ـ في حال يُرثى لها. لم تمتد إليها يدٌ لترمم مكانا, أو تجدد آخر, أو تحيي أثرًا. هنا آثار أحمد آباد متروكة لمصيرها. جُل المساجد تهدمت مآذنها, كثير من بيوت الله لم يعد لها سوى القباب, حتى المسجد الجامع, أكبر مساجد أحمد آباد! إنها دعوة إلى مؤسسة الأغا خان للعمارة الإسلامية لتقيم مسابقة لترميم المدينة, أو نداء إلى اليونسكو ليتبنى إنقاذ آثار عمرها قرون, أو استغاثة موجهة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي للاهتمام بترميم مساجد تراثية شهدت ميلاد الإسلام في شبه القارة الهندية. فتراث مدينة أحمد آباد المعماري الأصيل قد يزول ذات يوم والدول الراعية للتراث الإنساني والإسلامي منوطة بإنقاذ المدينة ـ العتيقة ـ المسوَّرة المشهورة بشوارعها الضيقة التي تشبه متاهات أبدية. أقول هذا ولي لومٌ على حكومة كوجرات التي تتخذ من سنة 2006 عامًا للسياحة, وتهمل جزءا مهما من سياحتها الدينية الإسلامية, وفي المقابل نجد أنها حازت جائزة التراث الآسيوي الباسيفيكي التي تمنحها اليونسكو لترميم معبد جورودوارا الهندوسي إثر ما ناله خلال زلزال لاكبات, في كوتش.

تسجل المساجد والأضرحة حضور عهد السلاطين بقوة, ففي القرن الخامس عشر الميلادي تم تأسيس مسجد أحمد شاه (1414), ومسجد سيد علم (1420), ومسجد مالك علم (1422), والمسجد الجامع (1424), الذي يحتل مركز المدينة والحياة فيها (حين أنشئت), وشيده السلطان أحمد شاه الأول, وتسقفه 15 قبة رئيسية, تقوم على ثلاثمائة عمود أسطواني باذخ الجمال, والبوابة الثلاثية (1458) وبوابات المدينة (1486), ومسجد وضريح بيبي كوكي (1469), ومسجد وضريح قطب العلم (1452),ومسجد قطب الدين أحمد شاه (1449), وفي القرن التالي شيد مسجد سيدي سياد (1573), بمنارتيه المصمتتين (لا يمكن المرور عبرهما إلى السقف), ومسجد الشيخ محمد حسن شيستي, ومسجد وضريح راني روبماتي(1550), ومسجد وضريح راني صابري (1514) المشيد في عهد السلطان مظفر شاه, بواسطة أرملة السلطان محمود المسمى الأثر باسمها, وقد ظهرت لمساتها الأنثوية في عمارة المسجد من خلال الزخرف الذي يشبه الجواهر, واتزان المنارتين مع قاعة الصلاة كما تتزن القلادة في الجيد, ومسجد بالدي كوتشراب (1515), وفي القرن السابع عشر بني ضريح ومسجد نواب سردار خان (1669), أما أشهر المعابد فمعبد سوامي نارايان, ومعبد هاتسي سنغ جين (1848).

وتعد المنارتان المهتزتان من بين أشهر المعالم الإسلامية الأثرية في أحمد آباد, ويقال إن من شيدهما ـ ضمن مسجد تهدم سنة 1755 ـ هو المعماري المسمى باسمه المسجد: سيدي بشير. وقد شيدت هاتان المنارتان في عهد محمود شاه الأول (1458 ـ 1511). وفي تفاصيل المنارتين الحجرية نرى مرشات عطر, وباقة من ورد المدينة, وأوراقا تشبه أنصاف شمس, وحلي من الأحجار الكريمة.

وبجانب هذه العمارة التراثية, يمكننا أن نتطلع إلى أربعة أنماط معمارية مختلفة: البيوت التقليدية التي يناهز عمرها القرن, ولا تزال تحتفظ بخصائصها المعمارية التي ميزت الحس الكوزموبوليتاني للمدينة, بشرفاتها الخشبية أو الحجرية وأيقوناتها التي تحمل سنوات الإنشاء وصور الآلهة والزخارف, ونوافذها المستقيمة حينا والمقوسة أحيانا والمقسمة بطول الواجهة إلى نوافذ كبيرة للواقفين, وصغيرة للناظرين الجالسين, والمدخل المرتفع عن الأرض, ببهو يفضي لباب خشبي من ضلفتين. ثم هناك النمط العشوائي الذي أشرنا إليه سابقا ومنه الكثير في الحي المسلم. أما في الحي الهندوسي, الذي يتميز بشوارع مرصوفة نظيفة فنلمح النمط الثالث للبيوت التي تقام في مداخلها المعابد, وأخيرًا النمط المعاصر, في أحياء أحمد آباد الجديدة, والذي ينتمي إلى لا مكان, بالواجهات الأسمنتية, والشرفات المعدنية, والنوافذ الزجاجية... إلخ. وتزهو المدينة المعاصرة بأنها الوحيدة في العالم التي تضم أربعة من شواهد لاكوربوازييه المعمارية, فضلا عن مجموعة أعمال للمعماري لويس خان, واسكتشات مشاريع لفرانك لويد رايت. بعد متحف المدينة, نرى مسرح طاغور, وهو بناء قيد الإنجاز, ويعد من الشواهد العملاقة التي ستضيء المدينة ثقافيا خلال الشهور القادمة.

قصة مدرستين

يجذبنا الفضول ونحن نعبر الزحام مساء, لنسأل عن دور علوي مضاء في طريقنا المظلم بالحي المسلم, فنجابُ بأنه مدرسة. نصعد السلم الخارجي مستعينين بالحبل, لنجد فصلا دراسيا لأطفال من كافة الأعمار يدرسون القرآن الكريم. يخبرنا معلمهم أن الدراسة بالمجان, وأن المكان ينفق عليه فؤاد بي تاجر الساري (زي النساء في الهند). أتطلع لوجوه الأولاد وبعضهم لم يتجاوز الثلاثة أعوام. وكثير منهم يدرس في مدرسة صباحية. هم يحفظون هنا القرآن باللغة العربية, التي لا تدرس في كوجرات. في مكتبة قريبة أجد نسخا للقرآن الكريم, بعضها بالكوجراتية, وبعضها الآخر بالهندية, اللغتين الرسميتين في الولاية.

ذات صباح وفي طريق نائية بأحمد آباد, تقع العيون على صبايا يرتدين اللون الأبيض ويعلو صخبهن فيغمر الشارع بضحكات لا تنتمي للصورة البائسة المحيطة بالمكان والزمان. كانت الفتيات يمضين حصة الرياضة يلهون في الفناء المترب الصغير الملحق بمدرسة مشتركة خلف سور متهالك وبوابة صدئة, عرفنا أنها فترة صباحية تضم 500 دارس ودارسة, فيما تضم الفترة المسائية نحو ضعف هذا العدد. في هذه المدرسة المسماة آسيس ودياني, يسلمني ملصق صغير إلى دائرة الخطر المحيطة بالبنات في كوجرات: اختفاء أكثر من 40 ألف فتاة في كوجرات وحدها, لماذا?! ويقدم الملصق صورة بيانية للعدد المفقود سنويا, بين 976 فتاة في سنة 1961, و933 في سنة 2001. الفقر, والمرض, وربما الجريمة, تقف جميعها وراء تسرب البنات من المدارس, والحياة, بالرغم من خفض تسرب الطلاب التعليمي من نحو 45% قبل خمس سنوات, إلى نحو 19% فقط, مع توظيف مائة ألف مدرس, وإنشاء 66 ألف غرفة دراسية في آخر ثلاث سنوات في كوجرات.

في مدرسة آسيس ودياني الكوجراتية هي اللغة الأم, وبجانبها يدرس الطلاب الهندية, وبعض المواد الإنجليزية. تغمر الابتسامة وجوه البائسين والبائسات في أحد فصول المدرسة, حين يغمرها ضوء آلة التصوير. كان مدير المدرسة نائما, على ما أعتقد, حتى أنه عندما عاد بنا إلى مكتبه, اكتشفنا أن بالمكتبة أريكة معدة كسرير, أعادتني صورته للصورة التقليدية للبيت الكوجراتي في أحمد آباد.

الثورة البيضاء

حين تقترب من لوحة الموزاييك, تستطيع أن ترى حدود الألوان المتداخلة. لن تجد أكثر تعقيدًا من لوحة كوجراتية في تقاطع ألوانها. الاقتراب من الحكايات الهامشية في مدينة كأحمد آباد يجعلك تنسج صورة جديدة للمدينة.

أولى الصور الموزاييكية هي الثورة البيضاء التي يقودها أصحاب منجم اللبن الهندي ـ إذا صح التعبير ـ في كوجرات. فالثروة اللبنية مهددة باقتحام منتجات من ولايات أخرى (وربما بلدان أخرى), وفي حين يفخر الكوجراتي صباح كل يوم بشرب كوب من ألبان البقر في ولايته, تحت شعار لبن طازج كل يوم, تهدد الشركات الضخمة التي استعدت لهذا الغزو الأبيض بأن تجعل ذلك الشعار نفسه عنوانا لمنتجاتها. كان الكوجراتي يدفع شهريا لبائع التجزئة مقدما نظير نصيب من اللبن, يوفره اتحاد تسويق اللبن التعاوني في كوجرات, لكن ذات صباح, تدخل حرب اللبن منحى آخر, حين يفاجأ المستهلك بوجود نوع وحيد فقط عند البائع, توفره هيئة تنمية الألبان الوطنية, وتغري باعة التجزئة بعمولة أكبر.

في الشارع ستجد البقر الكوجراتي مدللا, وحتى البقرات السمان التي لا تجد من يقدم لها طعاما يوميا (كما في المشهد المألوف أمام المعابد), فإن هناك من يساعدها ـ ويشاركها ـ في تناول المخلفات من صناديق القمامة!

مانشستر الهند

بين متحف المدينة ومسرح طاغور يصادفنا تمثال تكريمي تهديه المدينة إلى روح راو باهادوب رانشو ليلال تشوتالال, (1824 - 1898), أول من أدخل صناعة القطن في أحمد آباد وأول رئيس هندي لبلدية أحمد آباد من سنة 1884 حتى وفاته. لفتة رائعة لرائد تزهو أحمد آباد بشجرة الصناعة التي غرسها فيها.

يقول لنا أحد العاملين في صناعة النسيج بأحمد آباد, إن في المدينة 135 مصنعا تقليديا كانت تعمل بالبخار والآلات البدائية, قبل أن يتوقف منها 110 مصانع, وتبقى 25 تصارع البقاء. المصنع على بعد نحو ستة كيلومترات, وفي مدخله عدة مكاتب أحدها يجتمع فيه شقيقان يديران المصنع. في الطريق إلى أقسام المصنع الداخلية نمر بالنساء اللاتي يعملن في نقل الحطب لتبتلعه المراجلُ النهمة التي تنتج البخار اللازم لحركة الآلات. نعبر ممرات ضيقة بين الآلات التي تنتمي لعصر الصناعة الأول, تكاد الحرارة تصهر ذرات الهواء, فيما تئن التروس وراء دخان الآلات , بين تلوين وتجفيف القماش, وطباعته, وطيه. في قسم التصميم يجلس حفنة رجال بعضهم يرسم الموتيفات والآخرون ينسخونها إلى الكمبيوتر لتلوينها, قبل أن تنقل إلى شاشات حريرية للطباعة بأكثر من لون.

يعمل في المصنع نحو 300 شخص, تحت ظروف عمل صعبة وغير صحية, ينتجون حوالي 80 ألف ياردة من القماش كل يوم, تتجه كميات كثيرة عبر الحاويات إلى دبي, وبعض الإنتاج إلى دول أوربية والولايات المتحدة. والسؤال إلى متى تصمد هذه المصانع الصغيرة?

كنا نزور أحد التجار الكبار فيما يشبه بورصة للقماش, تتراوح أسعار المتر فيه من 25 إلى 58 روبية للمتر (الدولار = نحو 45 روبية). الكثير من هذه الأقمشة يتم تصديره عبر أفراد وشركات إلى أوربا وباقي دول العالم (ومنها منطقة الخليج العربي). لكن الطلب المتنامي على القماش ضئيل التكلفة, وميكنة المصانع الزاحفة على المنطقة الصناعية في أحمد آباد, لكي تحافظ المدينة على لقبها بوصفها مانشستر الهند ـ تنافسه عليها اليوم مدينة سورات ـ جاء على حساب هذه المصانع اليدوية التي أغلقت واحدًا بعد الآخر. نعثر بصعوبة على أحد هذه المصانع التي تكافح للبقاء, ويعمل بها نحو عشرين من الرجال والنساء. بعض الأيدي العاملة اتجهت إلى صناعات أخرى, بعضها موسمي, مثل صناعة الطائرات الورقية للمهرجان الذي تعيشه مدن كوجرات ـ وخاصة أحمدآباد ـ في يناير من كل سنة.

متحف كاليكو

قرب الفسطاط في مصر القديمة, كشفت التنقيبات خلال القرن التاسع عشر, عن بقايا من الأقمشة التي تم تصنيعها في كوجرات. هذه اللقى, وغيرها من المنسوجات الهندية المشتراة من بريطانيا والولايات الهندية الأخرى تنام بسلام تحت سقف متحف واحد في أحمد آباد هو متحف كاليكو لصناعة النسيج في الهند الذي يزاوج بين الفن والتاريخ, في عرس تضمه القاعات التي يشبه المرور فيها دخولا إلى بيت جحا.

لا بد من تسجيل اسمك مسبقا لتغوص في رحلة قوامها ساعتان داخل المتحف, مخصصة لأقل من 30 زائرا كل يوم. تصحبك أستاذة في تاريخ فن النسيج, لا يحد من صرامة إرشاداتها سوى فكاهة تجدها مرة أو مرتين في كل قاعة. ستمر بين قرون من الملبوسات القطنية والحريرية, تسلمك الخيوط المطبوعة لسواها المغزولة, تتأمل مجموعة من أطقم الساري والشال النسائية من كافة ولايات الهند (استخدم الشال للمرة الأولى في كشمير سنة 1450 وظهر في أوربا للمرة الأولى سنة 1767), ستملي العيون بمطرَّزَاتٍ للأرض, ومعلقاتٍ للجدران وستائر للنوافذ. هاهنا خيامٌ للسلطان, وهناك غرفٌ قماشية للحريم, وكلها من أنفس المجموعات التي تم شدها إلى قوائم خشبية, وتغطيتها بالبلاستيك المفرغ من الهواء. لكن أعجب ما رأيت كان بابا خشبيا مغطى بالعاج المقسم إلى شرائط ووردات, لا شك أنه استغرق عشرات الساعات لإنجازه, فضلا عن الكمية الكبيرة من أنياب الفيل المستخدمة بحلياته, المثبتة فيما بينها بالنحاس. ومبنى المتحف نفسه إحدى العجائب, ليس فقط لمساحة اللون الأخضر المقام عليها, ولكن لأنه موجود في بيت تقليدي, جلبت أخشابه من بورما (كانت تابعة للهند), تهدم, فأعيد بناؤه بالخرسانة, وأضيفت إليه واجهات خشبية نفذها حرفيو أحمد آباد, بحيث أمكن نقلها وإهداؤها للمتحف.

غاندي ونهرو معًا في السماء

في ذلك الاحتفال السنوي, تطرز السماء أشكال بديعة وألوان رائعة, ستجد لوحة مرسومة: غاندي ونهرو معًا في السماء, ستجد الغزلان القادمة من براري كوجرات الشمالية, مع الطيور المهاجرة العابرة لسهولها, ستجد الزخارف اليدوية, والنقوش الإسلامية والعلامات الهندوسية, كل ذلك تحت سماء أحمد آباد.

قبل شهر ونصف من انطلاق المهرجان (عند شروق شمس صباح الرابع عشر من يناير), يسافر هؤلاء الحرفيون الذين توارثوا مهارة صناعة الطائرات الورقية من مدن جيبور, وأجرا, وباريللي, ورامبور, وماتهورا, وبيكانر, ولاكناو, وغيرها, ليحطوا الرحال في أحمدآباد, ليصنعوا الطائرات أو يبيعون مالديهم منها. يعلنون عن مهاراتهم بتزيين واجهات محلاتهم ومنازل إقامتهم بأشكال كثيرة من الطائرات الورقية ذات الخامات البراقة.

ليس الحصول على طائرة ورقية جميلة هو غاية المراد في هذا المهرجان, بل تتحول سماء أحمد آباد إلى ساحة منازلة يحاول كل متسابق أن يصرع طائرة منافسه من فوق أسطح المنازل وفي الساحات العامة. تتعالى صيحات المنتصرين ممتزجة مع صرخات المنكسرين, دون كلل أو ملل, حتى تؤذن الشمس بالغروب, ويرحل الضوء, فتختفي الخيوط في أيدي الجميع مثلما تبتلع ظلمة السماء ألوان الطائرات.

في متحف صغير, يحكي تاريخ الطيران, حقق بانوبال شاه حلمه بجمع نماذج نادرة من الطائرات الورقية المرسومة يدويا تحت سقف واحد من بناء حديث مصمت من الخارج يضم مقتنيات متحف مدينة أحمد آباد, من أنتيكات, وصور أرشيفية, وتأريخ لصناعة النسيج, وملمح لتاريخ الفن المعاصر في كوجرات الذي زرعت شجرته مجلة كومار, وتاريخ التصوير منذ أسس أول محل تصوير بأحمد آباد سنة 1917, قبل أن يدخل التصوير لاحقا إلى كالكوتا وبومباي وسيملا وحيدرآباد, وتسجل الصور المعروضة لحظات نادرة للمدينة وناسها.

في أقسام أخرى من المتحف استعراض للتنوع العرقي والديني في كوجرات عامة, وأحمد آباد خاصة, ليس فقط في النماذج المجسمة للمساجد والمعابد, ولكن أيضا في ملابس شيوخ الإسلام ونساك الهندوس وأحبار اليهود, كما سنجد عربة الاحتفال بالزفاف التي تجوب المدينة بالعروسين. وفي المتحف أيضا سجل تاريخي لحكام البلاد ورحلة الاستقلال والتحرر الغاندية التي يتوسطها تمثال من الجبس الأبيض للمناضل الكبير الذي جاء أحمد آباد من جنوب أفريقيا ليدشن الثورة الصامتة ضد الاستعمار البريطاني.

الطريق إلى سورات

يعتقد بعض الباحثين أن المسلمين السوارتيين (أهل سورات), كانوا هندوسا وتحولوا إلى الإسلام. في كتاب هانسن توماس بلوم (نحن عرب من كوجرات), يؤكد أن السوراتيين ينفون ذلك, وأن لون بشرتهم المائل للأبيض إنما بفضل أسلافهم من العرب الذين قدموا إلى سورات عبر بحر العرب والخليج العربي, تجارًا أو جنودًا قبل أكثر من ألف سنة. ولكون الآباء هم من يحددون ديانة الأبناء, حتى لو كانت الأم هندوسية, فهم يطلقون على أنفسهم أنهم عرب من كوجرات.

عبرت السيارة ثلاث نقاط مرورية في الطريق بين أحمد آباد وسورات, وهو طريق بمواصفات عالمية, يحده الفردوس يمينا ويسارًا. جنة خضراء منبسطة تغازلها الأنهار, ولا يعكر صفوها سوى بعض المساكن الهامشية, وروائح تبثها المصانع المختلفة المنتشرة على الطريق كلما اقتربنا من حزام مدينة هنا أو هناك. هذه الولاية خصصت 74 مليار روبية في مشاريع التحكم في التلوث, والاستفادة من نظم النقل صديقة البيئة بين المدن. وفي 700 يوم فقط تمت إضافة تمديدات مياه الشرب إلى 8000 قرية و160 مدينة في كوجرات بطول 1600 كيلومتر, مما زاد في إنتاجية الزراعة ثلاثة أضعاف للهكتار, وساهم في دعم الثورة الخضراء في كوجرات, وقفزت إنتاجية القطن أضعافا, وأضيفت مشروعات رائدة مرتبطة بأنهار المنطقة الأساسية.كما أن كوجرات هي أول ولاية بالهند تطبق نظام إثراء الغذاء بإضافة فيتامين أ, د, في الزيت والدقيق كخطوة أولية عند التصنيع.

عبرنا بوابة سورات, التي يبلغ طول الطريق بينها حتى قلب المدينة عشرين كيلومتر. كانت قوات الشرطة في كل مكان, بأحد شوارع المدينة كان هناك تجمع نسائي كبير, قيل لنا أنهن مشاركات في الانتخابات (التي فاز فيها الحزب الحاكم بتسعين مقعدًا من أصل 102 للنواب عن سورات في البرلمان الهندي). نقترب فنكتشف أنهن مولولات على رحيل عميد العائلة, يتوزع اهتمام النساء بين الالتفات لعدسة العربي ومشاركة العجائز البكاء.

كان البحث عن العرب, واللغة العربية في سورات ضربًا من المستحيلات. الكوجراتية هي اللغة الأم والأب معًا, وتحل اللغة الهندية ثانية, أما الإنجليزية فلن تجدها إلا في بعض المطاعم (النباتية جميعها), وما بالك باللغة العربية?

لم ننيأس, وكنا نحاول أن نجد لافتة هنا أو هناك, حتى أرشدنا دليل محلي ـ بعد تطواف ساعات ـ إلى محل الجامعة العربية. الاقتراب من الحارات الضيقة بدأ يوحي أننا نقترب من مكان عربي خالص: اللحى والثياب البيضاء. وها هي قبة مسجد تلوح أخيرًا.

الجامعة السيفية

قدّمنا أنفسنا إلى الحارس الهندي, الذي قادنا إلى مكتب صغير ونظيف يجلس إليه شاب تتقدم منه نسوة يقدمن تبرعاتهن, فيعطيهن إيصالا, ويأخذ منهن رسالة مطوية, ربما بها حاجة تحتاج إلى حل أو دعاء, ليعطيهن بدلا منها مظروفا صغيرًا به بعض البخور. عبرنا عن رغبتنا في تقديم تلك البقعة العربية في سورات لقاريء العربي, تهلل وجه شيخين جالسين بأنهما من قراء العربي. كان واحدٌ منهما قد تخرج في هذه الجامعة سنة صدور العربي قبل نحو خمسين سنة, وجاب البلاد العربية مترجمًا. يوصي بنا خيرًا لدى مفضل شاكر, أحد المسئولين بالجامعة السيفية, فيستقبلنا بباقة ورد قبل أن يجوب بنا هذا البناء الذي يشع نورا بفضل نظافته وهدوئه. ويجمع تصميم الجامعة بين طراز عصري وآخر تقليدي, ويكمل بها طلاب هنود وآسيويون وأفارقة دراساتهم االعليا.

تمتلك الجامعة السيفية حياة أكاديمية متكاملة, فنسبة الأساتذة للطلاب والطالبات (1 : 7), وتكاد الفصول الدراسية تكون دراسة شخصية فعدد الطلاب في كل فصل وصف محدود, ويقل كلما صعدنا عامًا دراسيا من الأعوام الأحدعشر مدة الدراسة بالجامعة. وهم يدرسون في قاعات مجهزة تجهيزًا لافتا, من معامل للصوتيات, وأستوديوهات لتسجيل قراءات الطلاب للقرآن, وغرف للتدريب على التلاوة, لأصحاب المستويين الصوتيين العالي والخفيض, ومكتبة من أربعة طوابق, بين الدوريات اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية, وصولا إلى المراجع الأدبية واللغوية والتاريخية, بأكثر من لغة, ومساكن إقامة منفصلة لكل من الطالبات والطلاب, القادمين من أنحاء الهند والعالم الإسلامي.

وكليات الجامعة السيفية سبع: للغة العربية الفصحى والآداب, والشريعة الإسلامية, وتاريخ الإسلام, والدراسات الفلسفية, واللغات, والعلوم البحتة والإجتماعية وكلية الاختبارات الخارجية, بينما تنقسم إدارات الجامعة إلى: معهد الزهراء لتلاوة وحفظ القرآن الكريم, وإنشاء النظم للتدريب على كتابة الشعر الكلاسيكي, والتنشئة الثقافية لتهيئة الوعي بأحدث الوسائل التعليمية, والتدريب الفني, والمنزلي الذي يوفر معرفة وممارسة ملائمة لفنون الحياة من الرسم إلى الطهو, وخدمة المجتمع للانخراط في عدد من المؤسسات العاملة في تنمية المجتمعات المحلية, وخيمة الرياضة للترفيه البدني, ومحل الشفاء وهو وحدة العناية الصحية والتمريض, والموائد السيفية, حيث يتم الاجتماع لتناول الوجبات. وفي الفصول التي يجتمع فيها التدريس للطلاب والطالبات, تجلس الفتيات وراء مشربية وستائر قماشية, يصلهن صوت المدرس, ويصل صوتهن إليه, لكنهن لا يظهرن لأحد. وفي عمارة الجامعة آيات كثيرة, بعضها مستمد من المساجد الفاطمية في مصر كالأزهر والأقمر, وبعضها يعتمد أحدث التقنيات لترديد صدى الصوت والاحتفاظ به نقيا. ويشرف سلطان البهرة ـ الذي ينفق على الجامعة والجامع ـ على الامتحانات سنويا في شهر شوال من كل عام, حيث يتابع طوال فترة زيارته إلى سورات, الاستماع إلى الطلاب الممتحنين, في قاعة الصلاة.

في خروجنا من سورات نمر بقلعتها, التي جمع لها صفر آقا ـ غلام السلطان محمود كجراتي الملقب بخداوند خان ـ خيرة بنائين ذلك الزمان, فجعلوا خندقها الذي يفصلها عن اليابسة عرضه عشرين ذراعا وملأوه ماء, فيما ارتفع السور عشرين ذراعا, بعرض خمسة عشر ذراعا, وربط البناءون بين كل حجرين بمصهور الحديد, وصنعوا بها نوافذ للقتال, كما نعبر بقصر السلطان أكبر المطل مرورا بمجموعة من الشواهد المثبتة على الأرض, لم يكن أي شاهد منها يشبه الآخر, كانت قبور الأرمن والهولنديين ترقد للأبد وسط سور متوسط الارتفاع, نقرأ بعض الأسماء, ومنها بارن هنري أودريان فان ريد, مدير شركة الهند الشرقية الهولندي. يربط بين مجموعتي القبور درج, ويدل عليهما لافتة واحدة. ليس لوجود المقابر هنا سوى تعليق واحد, هو أن سورات مقبرة الغزاة. ثم نصعد إلى جسر سردار قبل أن نهبط إلى طريق أحمد آباد السريع.

الأربعة الكبار في ظل شجرة سلام

في كوجرات وحدها تستطيع أن تستعيد ذكرى الأربعة الكبار في تاريخ الهند; جواهر لال نهرو, والمهاتما غاندي, ورابندرانات طاغور وسردار باتيل. ليس فقط في الجسور والحدائق المشيدة باسمهم, بل في المعالم الكبرى التي احتفت بهم الولاية التي ينتمون إليها. فهناك قاعة مسرح طاغور, وهناك متحف معماري الهند الموحدة والرجل الحديدي في كوجرات سردار فلابهي باتيل, أول وزير للداخلية, وأول نائب لرئيس الوزراء, وهناك المنزل الذي أقام فيه غاندي, بعد أن هبطت قدماه إلى أحمد آباد قادما من جنوب أفريقيا.

في الطريق إلى العاصمة غاندي نجار, أو مدينة غاندي سنتوقف في (غاندي أشرم), المنزل الذي نستعيد فيه حياة المهاتما غاندي, وهو المكان الذي عاش فيه المناضل الكبير, وبه ترك منضدته وسترته وأدواته, ومنها مغزله الشهير. تستوقفني لوحة مجسمة تجسد رحلة طولها 241 ميلا قطعها غاندي من أجل حفنة ملح, ومعه من استطاع الخروج في الرحلة الماراثونية من المقيمين معه في سبارماتي أشرم ليقاوم قوانين الملح, المفروضة على الشعب الهندي, وليعلمهم معنى الاعتماد على النفس, وليستحث فيهم لحن التجانس فيما بينهم. في مقر الإقامة الذي أصبح متحفا لحياة غاندي نقرأ تعاليمه, التي أملاها عبر سني حياته, كل يوم, ومنها نتعلم الكثير عن الغاندية ـ التي تميز كوجرات كما قال لنا في كلية العلوم الاجتماعية بالجامعة ـ يقول غاندي: (على المرء ألا يحوز أو يحتفظ بما ليس في حاجة إليه, من مأكل وملبس وأثاث).

أما كلمات رفيق غاندي سردار باتيل يقول: رغبتي الوحيدة أن تصبح الهند قوة منتجة, لا يجوع فيها إنسان, ولا يبكي فيها أحد من أجل لقمة العيش). بعد أكثر من خمسين عاما من رحيل سردار, لم تزل رغبته عصية على التحقق, مع أكثر من مليار نسمة يسكنون بلاده. يُجل أهلُ كوجرات القائد الذي أنجبته ولايتهم, ويخصصون له متحفا أهليا (مقام في القصر الذي شيده شاه جيهان قبل أن يبني تحفته تاج محل, مما يعد بروفة لذلك الأثر الرائع). في ذكرى وفاة سردار باتيل يأتي محافظ الولاية ليكرم فنانين كبارا أسهموا بإبداعاتهم في المتحف الذي يضم كل متعلقات باتيل الشخصية والعملية, من ملابسه وحقيبته, إلى كتبه وخطبه, مع الرسوم بالحبر واللوحات الزيتية والتماثيل الجبسية والحجرية التي يهديها الفنانون تحية لذلك الرجل.قرب مسرح طاغور, وأمام حديقة بسيطة, قرأت على شاهد من الرخام الأسود هذه العبارات (شجرة سلام, مهداة من المنظمات غير الحكومية في كوجرات, بواسطة تشاندرا شيكر, في 25 فبراير 2003, رئيس وزراء الهند السابق, لتخليد مشاهد التماسك والأخوة خلال القلاقل المدنية التي عصفت بكوجرات في 2002). في تلك الحديقة انتصبت الشجرة الصغيرة, التي لا تعلو المترين, فوق مربع على أركانه أهرامات صغيرة من الأحجار الملونة. إنها الألوان التي تعيش تحت  سماء كوجرات, تحلم بالسلام.

معابد تيك أواي

كثيرة هي المساجد, أو أطلالها في أحمد آباد. في كل زاوية نلمح أثرا من مسجد, وقليل منها ما يستخدم اليوم لأداء الشعائر, فهي إما مخربة, أو مهجورة, وربما يؤمها للصلاة القليل, ويأوي إليها للنوم الكثير. عكس المعابد الهندوسية التي تلقى عناية بالغة. فهي إما معابد مغلقة لا يدخلها سوى الهندوس, وخاصة بعد أحداث الشغب, وأخرى مرممة وتستخدم مزارا للمصلين والسياح أو على حد سواء. لكن ما يثير الانتباه في أحمد آباد, وغاندي نجار, وسورات, ومانينجار, وبارودا وهي مدن كوجرات التي شملتها الرحلة, هو وجود معابد في كل ركن. بعض هذه المعابد لا يعدو أن يكون ركنا من بناء, لا تتجاوز مساحته المتر المربع. وربما يقف بجانبه أو يجلس بجواره راع أو راعية, يساعد (أو تساعد) المصلين في إيقاد الشموع ورش الزيوت ودق النواقيس. ما أعجب معابد التيك أواي يتوقف بها العامل قبل الذهاب للعمل, أو ربة البيت قبل النزول للسوق. في أحد الدوارات (الميادين) رأيت أربعة معابد يواجه كل منها شارعا, يغمر زائرها الضوء المنبعث من شموعها, ويضمخ أنفه رائحة الزيت المقطر من جوانبها, ويملي عيونه بالورد الذي يطوق سياجها.

خوذة لكل مواطن

لم أجد جدلا حول موضوع في جريدة أحمد آباد الإنجليزية اليومية الأولى (تايمز أوف إنديا) أكثر مما وجدته حول الخوذة الواقية للرأس لراكبي الدراجات البخارية المنتشرة في شوارع مدن كوجرات, كما ينتشر الشعر في لحية ناسك بوذي. وصلنا أحمد آباد بعد أيام من التطبيق الجبري والنهائي لوضع خوذة الرأس, وحاول وزراء ومحامون ووكالات كثيرة الاعتراض ـ لأكثر من سبب ـ على هذا القانون, وباءت محاولاتهم جميعا بالفشل. خوذة لكل مواطن أصبح شعار المواطنين في أحمد آباد, ولم تنجح شكاوى الذين تألمت أعناقهم من منع ذلك الإكراه في الزي! لكن تعب الرقبة يهون, بعد أن طلعت على الكوجراتيين إحصائية تقول إن حوادث الرأس قلت بنسبة النصف ـ حسب دائرة (من أجل حياة الهند) التابعة لإدارة شرطة المرور في أحمد آباد ـ كما أوردت المستشفيات تقارير مماثلة, رغم أن الشرطة خالفت في عشرة أيام فقط 2500 راكب! القانون صارم, في لبس الخوذات, وفي ربط أحزمة القيادة للسائق وجاره, ولكنه لا يفعل شيئا لطرق لا تصلح حتى لعبور البقر! الدراجات النارية لا يستخدمها الرجال وحسب, بل يكاد كل من تتاح له القيادة في أحمد آباد أن يقود مركبة ما, وفرضت حكاية (خوذة لكل مواطن) على بعض الفتيات أن يحمين شعورهن من الهواء والتلوث بربطها ـ فيبدون كالملثمات ـ حتى يصلن إلى أماكن الدراسة أو العمل. الطريف كانت الصور التي التقطتها الجريدة لشرطيين يخالفان القانون, ولرجل آخر يسحب دراجته أمام عيون الشرطي, حتى لا يركبها بدون خوذة. وعلى الأرصفة, وبجانب باعة ثمار البرتقال, وأخواتها, يجلس مروجو ثمار التكنولوجيا الواقية للرأس يبيعون الخوذات المعدنية.

ماسة وسط الركام

وسط ركام الرماد الذي يضبب الرؤية, والغبار الذي يتشح بعوادم عربات الريكشا, وسط زحام المدينة المتخم بالفقر, نتجه إلى المنطقة الصناعية, حيث يقال أن أحمد آباد لديها ـ وحدها ـ ثلاثة آلاف وخمسمائة مصنع للألماس! يجلبُ الماس الخام من المناجم المتاخمة لولاية كوجرات, ومن مناطق أخرى تتراوح المسافة بينها مئات الكيلومترات. في أحد المصانع التي زرناها, كانت الدراجات النارية الرابضة أمام المصنع تشي بعدد العاملين فيه الذين يتجاوزون الخمسمائة, يعملون من الثامنة صباحا حتى الثانية عشرة ظهرًا. في قلب المصنع نتعرف إلى ثلاثة أنواع من الآلات المعالجة للألماس. الأولى يدوية, وتشبه القبقاب الخشبي, بماسك من المعدن, وعدسة مكبرة تتيح للعامل رؤية أطراف الماسة الدقيقة التي قد لا تتجاوز نصف السنتيمتر حجما. يقوم بصقل الماسة أربعة على كل طاولة فوق عجلة دوارة. أما النوع الثاني, فله شاشة, وماكينة للبري, وماسك للألماسة. فيما تدخل الألماسات في مرحلة لاحقة إلى ماكينات ليزر مزودة بشاشة الكمبيوتر, للمرحلة الختامية لصقلها, قبل أن تُجاز من قبل مشرف الجودة (أكبرهم سنا), وتتم هذه العمليات بنقل الماسة من مرحلة لأخرى في ورقة مطوية كمغلف يحفظ بها بياناتها. هذا المصنع, كباقي المصانع التي رأيناها, بدأ من مرحلة صفرية, لم يكن العمال فيه يتجاوزون العشرين, أسسه شري مانجيباي دولاكيا في 1978, ليصبح إمبراطورية الألماس التي نراها. الآن تجمع عدة مصانع الماسات الواردة إليها لصقلها, ثم ترسل من أحمد آباد ـ ومن الفروع الأخرى في سورات ولاتي وبافنجار ـ إلى المصنع الرئيسي في بومباي, ليتم استخدامها في التصميمات المختلفة. لا يمكن لمن يسير في الشارع المقابل لهذه المصانع أن يتخيل ما يخفيه من مال, ربما يكفي الألماس الذي لدى مصنع واحد منها لإعمار مدينة. تتوارث عائلة مانجيباي أسطورة الألماس, وقد تضاعفت لديهم ـ وبالتأكيد لدى سواهم ـ كمية التصدير في الأعوام الأخيرة, حيث تذهب الماسات إلى بلجيكا, واليابان, ودولة الإمارات العربية المتحدة, وتايلند, وسنغافورة, وسويسرا والولايات المتحدة.

تمتلك الجامعة السيفية حياة أكاديمية متكاملة, والطلاب يدرسون في قاعات مجهزة تجهيزًا لافتا, من معامل للصوتيات, وأستوديوهات لتسجيل قراءات الطلاب للقرآن, وغرف للتدريب على التلاوة, وهناك مكتبة من أربعة طوابق, بين الدوريات اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية, وصولا إلى المراجع الأدبية واللغوية والتاريخية, بأكثر من لغة, ومساكن إقامة منفصلة لكل من الطالبات والطلاب, القادمين من أنحاء الهند والعالم الإسلامي. ويشرف سلطان طائفة البهرة ـ الذي ينفق على الجامعة ـ على الإمتحانات سنويا في شهر شوال من كل عام, حيث يتابع طوال فترة زيارته إلى سورات, الاستماع إلى الطلاب الممتحنين, في قاعة الصلاة.

 

أشرف أبو اليزيد 




صورة الغلاف





جسر على نهر سابارماتي, في قلب مدينة أحمد آباد, التي كانت عاصمة الولاية, قبل أن تحل مكانها مدينة غاندي (غاندينجر) الجديدة. حين يفيض النهر تغمر المياه البيوت المتهالكة على ضفته, تلك التي يسكنها بؤساء الأقلية المسلمة في كوجرات





إذاعة متنقلة يدفعها رجلٌ, وعربة  كارو يجرها جَمَلٌ, يجمعهما جسرٌ يطل على مبان شاهقة في الأفق, ومساكن بائسة في السفح, صور متناقضة تلخص الحياة في سورات, إحدى مدن ولاية كوجرات الهندية





قصر يستريح وسط واحة من اللون الأخضر (الصورة على اليمين), لا أحد يصدق أنه في قلب مدينة الزحام أحمد آباد. إنه صورة من العمارة التقليدية الآفلة, التي تحتفظ للبناء بأركان أربعة, نجدها في المساجد منارات, وفي القلاع أبراجا





صورة من أعلى لسيارات الريكشا والدراجات النارية عند إشارة ضوئية. عبور شوارع أحمد آباد وسط سيل مرورها الفوضوي مغامرة غير مأمونة, الكل هنا يتحرك على عجل





وجوه كوجراتية: لونٌ أسمر بفضل الشمس التي يهرب منها البشر بألوان من أغطية الرأس بعض هذه الأغطية ستجده على بوابات المساجد والمعابد, فيما جاء البعض الآخر عبر التجارة والسفر من وإلى بلدان الخليج العربية والقارة الأفريقية





وجوه كوجراتية: لونٌ أسمر بفضل الشمس التي يهرب منها البشر بألوان من أغطية الرأس بعض هذه الأغطية ستجده على بوابات المساجد والمعابد, فيما جاء البعض الآخر عبر التجارة والسفر من وإلى بلدان الخليج العربية والقارة الأفريقية





وجوه كوجراتية: لونٌ أسمر بفضل الشمس التي يهرب منها البشر بألوان من أغطية الرأس بعض هذه الأغطية ستجده على بوابات المساجد والمعابد, فيما جاء البعض الآخر عبر التجارة والسفر من وإلى بلدان الخليج العربية والقارة الأفريقية





بيوت ليس لها من سمت البيوت شيء تفتقر إلى رفاهية أن يكون لها دَرَجٌ (سلم) داخلي وقد ترى دكانا يعلو دكانا وكلا البابين على الشارع فيمر زبائن تنظيف الملابس وكيها من عند خياطها عبر سلم معدني خارجي





أسلم يُداعب ابنته أنْجُم, فوق أريكة متأرجحة, والأم والابن يشاركوننا الابتسامة, الراضية, في حياة أسرة مسلمة قليلا ما تجد من يصل لمستوى معيشتها من بين المسلمين في أحمد آباد رغم تواضعها





كوجرات قد تجد البيت مجرد أريكة حجرية تحت نافذة. بل وربما كان البيت عشة من الصفيح, أو خيمة من الخيش, أو ستارا من القماش, أو بناء من الطين, أو علبة من الورق, أو كيانا من الخشب, أو أطلالا من بعض ذلك أو كله





الآثار الإسلامية العظيمة في أحمد آباد بلا استثناء في حال يُرثى لها لم تمتد إليها يدٌ لترمم مكانا أو تجدد آخر أو تحيي أثرًا فهي متروكة لمصيرها. بعضها يرعاه جهد فردي وغيرة متواضعة، الصورة لرواق في مسجد أحمد شاه





المنارتان المهتزتان من بين أشهر المعالم الإسلامية الأثرية في أحمد آباد شيدهما ـ ضمن مسجد تهدم سنة 1755 ـ المعماري المسمى باسمه المسجد: سيدي بشير وفي تفاصيل المنارتين الحجرية نرى مرشات  عطر وباقة من ورود المدينة





حوض الوضوء في المسجد الجامع بأحمد آباد من بين المساجد التي تهدمت مآذنها, مثل كثير من بيوت الله في المدينة التي لم يعد لها سوى القباب فهل تستجيب مؤسسة الأغاخان للعمارة الإسلامية لدعوتنا لإقامة  مسابقة لترميم آثار المدينة الإسلامية?





تفصيل للبوابة التي تفصل رواق المسجد الجامع عن بهوه, الذي كان يحتل مركز أحمد آباد والحياة فيها (حين أنشئت), وشيده السلطان أحمد شاه الأول, وتسقفه 15 قبة رئيسية, تقوم على ثلاثمائة عمود أسطواني باذخ الجمال





تفصيل للبوابة التي تفصل رواق المسجد الجامع عن بهوه, الذي كان يحتل مركز أحمد آباد والحياة فيها (حين أنشئت), وشيده السلطان أحمد شاه الأول, وتسقفه 15 قبة رئيسية, تقوم على ثلاثمائة عمود أسطواني باذخ الجمال





معابد تيك أواي





معابد تيك أواي





فصل دراسي لأطفال من كافة الأعمار يدرسون القرآن الكريم بالمجان بعض الأولاد لم يتجاوز الثلاثة أعوام (الصورة إلى اليسار) وكثير منهم يدرس في مدرسة صباحية هم يحفظون هنا القرآن باللغة العربية التي لا تدرس في كوجرات





فصل دراسي لأطفال من كافة الأعمار يدرسون القرآن الكريم بالمجان بعض الأولاد لم يتجاوز الثلاثة أعوام (الصورة إلى اليسار) وكثير منهم يدرس في مدرسة صباحية هم يحفظون هنا القرآن باللغة العربية التي لا تدرس في كوجرات





نسختان لترجمة القرآن الكريم إحداها بالكوجراتية والأخرى بالهندية اللغتين الرسميتين في الولاية





ثلاثة مشاهد في مدرسة كوجراتية مختلطة البنات بين اللعب في الفناء والدراسة داخل الفصل الفقر والمرض وربما الجريمة تقف جميعها وراء تسرب البنات من التعليم





ثلاثة مشاهد في مدرسة كوجراتية مختلطة البنات بين اللعب في الفناء والدراسة داخل الفصل الفقر والمرض وربما الجريمة تقف جميعها وراء تسرب البنات من التعليم





ثلاثة مشاهد في مدرسة كوجراتية مختلطة البنات بين اللعب في الفناء والدراسة داخل الفصل الفقر والمرض وربما الجريمة تقف جميعها وراء تسرب البنات من التعليم





خوذة لكل مواطن





خوذة لكل مواطن





ماسة وسط الركام





ماسة وسط الركام





ماسة وسط الركام





ماسة وسط الركام





في أحمد آباد 135 مصنعا تقليديا تعمل بالبخار والآلات البدائية قبل أن يتوقف منها 110 مصانع وتبقى 25 تصارع البقاء وفي قسم التصميم يجلس حفنة رجال بعضهم يرسم الموتيفات والآخرون ينسخونها إلى الكمبيوتر لتلوينها





الطباعة بالشاشة الحريرية لمفارش الأسرة قريبا ستختفي لتحل محلها الطابعات العملاقة للنسيج وفي الصورة أعلى الصفحة رجل وحيد يدير مصنعا تقليديا لصناعة الخيوط في مدينة سورات إلى متى يظل يقاوم شراسة هجوم الميكنة?





الطباعة بالشاشة الحريرية لمفارش الأسرة قريبا ستختفي لتحل محلها الطابعات العملاقة للنسيج وفي الصورة أعلى الصفحة رجل وحيد يدير مصنعا تقليديا لصناعة الخيوط في مدينة سورات إلى متى يظل يقاوم شراسة هجوم الميكنة?





تمثال تكريمي تهديه أحمد آباد إلى  روح راو باهادوب رانشو ليلال تشوتالال (1824 ? 1898) أول من أدخل صناعة القطن في المدينة لفتة رائعة لرائد تزهو أحمد آباد بشجرة الصناعة التي غرسها فيها





غاندي في كل مكان: تتداول صورته الأيدي على ورق العملة الهندية وتعانقه السماء على وجه طائرات أحمد آباد الورقية التي يخصصون لها مهرجانا سنويا





غاندي في كل مكان: تتداول صورته الأيدي على ورق العملة الهندية وتعانقه السماء على وجه طائرات أحمد آباد الورقية التي يخصصون لها مهرجانا سنويا





لا يدلنا على تناقض الصورة في الحياة الكوجراتية خيرٌ من عرس شعبي وآخر أرستقراطي الشارع يحتضن الأول بزفة من مكبرات  الصوت والراقصوان والراقصات على سجاياهم، العروس بانكتي وزوجها ميلند جوشيبورا





لا يدلنا على تناقض الصورة في الحياة الكوجراتية خيرٌ من عرس شعبي وآخر أرستقراطي الشارع يحتضن الأول بزفة من مكبرات  الصوت والراقصوان والراقصات على سجاياهم، العروس بانكتي وزوجها ميلند جوشيبورا





تمتلك الجامعة السيفية حياة أكاديمية متكاملة, والطلاب يدرسون في قاعات مجهزة تجهيزًا لافتا, من معامل للصوتيات, واستوديوهات لتسجيل قراءات الطلاب للقرآن, وغرف للتدريب على التلاوة, وهناك مكتبة من أربعة طوابق





تمتلك الجامعة السيفية حياة أكاديمية متكاملة, والطلاب يدرسون في قاعات مجهزة تجهيزًا لافتا, من معامل للصوتيات, واستوديوهات لتسجيل قراءات الطلاب للقرآن, وغرف للتدريب على التلاوة, وهناك مكتبة من أربعة طوابق





تمتلك الجامعة السيفية حياة أكاديمية متكاملة, والطلاب يدرسون في قاعات مجهزة تجهيزًا لافتا, من معامل للصوتيات, واستوديوهات لتسجيل قراءات الطلاب للقرآن, وغرف للتدريب على التلاوة, وهناك مكتبة من أربعة طوابق





متحف مُقام لرفيق غاندي سردار باتيل داخل هذا القصر الذي شيده شاه جيهان قبل أن يبني تحفته تاج محل مما يعد بروفة لذلك الأثر الرائع ويضم المتحف كل متعلقات باتيل الشخصية والعملية من ملابسه وحقيبته إلى كتبه وخطبه





هنا ترقد قبور الأرمن والهولنديين للأبد ويربط بين مجموعتي القبور درج, ويدل عليهما لافتة واحدة





شجرة سلام مهداة من المنظمات غير الحكومية في كوجرات بواسطة تشاندرا شيكر في 25 فبراير 2003, رئيس وزراء الهند السابق لتخليد مشاهد التماسك والأخوة خلال القلاقل المدنية التي عصفت بكوجرات في 2002)