الحضور اللبناني في فنزويلا

الحضور اللبناني في فنزويلا

الحديث عن اللبنانيين بفنزويلا ودورهم في الحياة الاقتصادية والسياسية يدعو حقًا للدهشة والإعجاب، فقد تغلغلوا في الحياة الاقتصادية على نحو جعلهم يمثلون عصب الاقتصاد هناك.

يكفي أن نستشهد بأصحاب أهم البنوك الفنزويلية التي تحظى بثقة عملائها الكثيرين: فنجد على سبيل المثال: إدجار ضو: وهو صاحب ورئيس واحد من أهم المصارف الفنزويلية: وهو بنك الكاريبي، كما أنه نجل نصري ضوّ المهاجر اللبناني الذي هاجر لفنزويلا في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وأسّس بنك الكاريبي، ونجد أيضًا زميله الفنزويلي من أصل لبناني: الاقتصادي نلسون مزرعاني ابن مسعود مزرعاني من بلدة البترون شمال لبنان، الذي هاجر لفنزويلا عام 1892م، وإدموند قبضة رئيس بنك كاروني: بين آخرين. هذه بعض النماذج التي تعطي الدليل الناصع على مدى تغلغل اللبنانيين في النشاط الاقتصادي المصرفي بفنزويلا. هذا فضلا عن كثير من رجال الأعمال البارزين الذين لا يقلون في قدرتهم المالية عن أصحاب البنوك سابقي الذكر، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: موريس طورباي: صاحب عدة مراكز تجارية مهمة داخل وخارج العاصمة كراكاس، وأيضًا ميجيل الصايغ وابنه فؤاد الصايغ صاحب شركات الاستثمارات الكبرى.

ومن أمجاده في هذا الصدد بناء المطار الدولي لفنزويلا «مطار سيمون بوليفار»، وأيضًا بناء مدينة سياحية في ميناء بورتولكروث، وتشييد كثير من الطرق المهمة داخل فنزويلا. ولعل هذا يعطينا صورة صادقة للبناني الذي أثرى الاقتصاد الفنزويلي بمجهوداته البنّاءة في هذا المجال.

وقد يتساءل البعض: لماذا نجح اللبناني في هذا؟

ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بعد استشارة كثير من الشخصيات اللبنانية البارزة، يرجع هذا إلى الخلفية الحضارية الفينيقية للبناني، فالفينيقي منذ أقدم العصور كان يملك أعظم أسطول بحري للتجارة، والتجارة في الماضي والحاضر والمستقبل كانت، وستظل، عماد اقتصاد دول العالم على اختلاف مذاهبها وألوانها السياسية والاقتصادية، ومع البحر تنشأ التجارة وتزدهر. ومن هنا كانت الخلفيّة الثقافية الفينيقية وراء طبيعة اللبناني في تفهم فن التجارة وأسرارها الكثيرة ، وكذلك التعرف على مسالكها الصعبة. فالعرب كما يذكر التاريخ، كانوا مشهورين بالتجارة، لاسيما رحلاتهم من الجزيرة العربية إلى الشام ولبنان.

والاحتكاك التجاري يؤدي إلى الاحتكاك الثقافي وتبادل التأثر والتأثير بين الحضارات. وقد تحقق هذا بالنسبة إلى اللبنانيين خاصة في العصور القديمة. ومن الطريف أن أذكر أن أحد أصدقائي اللبنانيين من بعلول هو الأخ عماد فتّوح له محل تجاري شهير لبيع الملابس في أشهر شارع تجاري لبيع الملابس بجزيرة مرجريتا السياحية الفنزويلية والمحل يدعى «فينيقي» وتعني بالإسباني Finicio، وهذا يوضح اعتزاز صديقنا عماد فتّوح بخلفيته الثقافية اللبنانية، وكذا وعيه الكامل بجذوره الحضارية التاريخية.

وفي المجال السياسي كان اللبناني ومازال يشغل المناصب المهمة، كما يحتل المواقع البارزة في الحياة السياسية بفنزويلا. وهذا في الواقع ليس جديدا، فالمعروف أن كثيرًا من الوزراء وأعضاء البرلمان في جميع الحكومات على اختلاف ألوانها السياسية من أصل لبناني، وسأذكر بعض الأمثلة للاستشهاد. مثلا: في حكومة الرئيس السابق رافائيل كالديرا: نجد وزيرين من أصل لبناني هما: بومبيتو ماركيز، وكان وزيرًا للحدود، وجيرمو ألفاريس بهاريس وكان وزيرًا للإعلام. وفي حكومة الرئيس الفنزويلي الحالي هوجو تشافيز نجد وزير العلم والتكنولوجيا كارلوس هيناتيوس لأبوين لبنانيين، هذه أمثلة قليلة بين أمثلة كثيرة تتجاوز الحصر. وفي البرازيل نجد اللبنانيين قد تغلغلوا بقوة وعلى نحو يثير الدهشة والإعجاب في السياسة والاقتصاد بحيث نجد من بينهم الوزراء وكبار رجال المال والأعمال.

فن السياسة والمال أجاده اللبناني فأحسن إجادته، بحيث جعل منه زعيمًا ومثالا وقدوة في هذا المضمار الصعب، ولو قمنا بتحليل هذه الظاهرة، لتأكد لنا، أن هذا - بعد استشارة كثير من اللبنانيين - مَرْجعه إلى أنّ اللبناني استقلالي الطبع. فهو في التجارة صاحب العمل ورئيسه، وهذا أيضًا يرتبط بطبيعة اللبناني المهاجر الذي يعشق الحرية ووسيلته في هذا العمل السياسي، والعمل السياسي يحقق له الوصول للمواقع القيادية والدفاع عن قضية يؤمن بها. ومن هنا كان ميل اللبناني للتجارة والسياسة، كلاهما يعطيه حرية الحركة وحرية التصرّف، وهذا ما يرضي طموحه الاستقلالي.

---------------------------------------

وابتهالٌ كأنّه غُربة الطَّيْـ
ـرِ، لها في سمائم البِيد سَيرُ
ولها رعشةٌ كما انتفضتْ كأ
سٌ بكفّي، فكلُّها ليَ سُكْر
ولها حيرةٌ تعلَّمتُ منها
كيف تهويمةُ النبيّين تَعرو؟
ولها حين أقبلتْ ثمّ غابتْ
ندمُ الوحي، حين يدنو يفِرُّ!
انتظرني هنا.. وذابتْ كحُلمٍ
صدَّه عن خُطاه للروحِ فجرُ

محمود حسن إسماعيل

 

 

تأليف وعرض: سامي عبيد