العودة من حافة الانقراض

 العودة من حافة الانقراض
        

          من بين كل القضايا الكونية, تكتسب قضايا البيئة كل يوم زخما جديدا, سواء من خلال الدراسات العلمية أو الجهود الدولية لإنقاذ كوكبنا وعالمنا المشترك.

          وتحظى قضية التنوع الحيوي باهتمام خاص نظرا لما تمثله من أهمية بالنسبة للحياة على كوكبنا. فاختفاء نوع هو اختفاء عالم بأكمله وحرمان البشرية من ثروة طبيعية ومعرفية يمثلها وجود هذا النوع. فالحياة على الأرض توازنت في ظل وجود هذه الأنواع, وكلما اختفى نوع منها ازداد الخلل الذي يحدثه الإنسان في الطبيعة.

          وكان أشمل تقييم لحالة التنوع الحيوي في العالم قد صدر منذ عام تقريبا عن الاتحاد العالمي لصيانة الطبيعة World Conservation Union تحت اسم (القائمة الحمراء للأنواع المهددة Red List of Threatened Species).

          ووفقا لهذا التقرير, فقد بلغ عدد الأنواع المهددة بالانقراض 15568 نوعا, 7266 نوعا حيوانيا و8323 نوعا نباتيا. ويهدد الانقراض اليوم ثلث أنواع الزواحف, ونصف سلاحف المياه العذبة, وثُمن أنواع الطيور وربع الثدييات. ومن بين كل مجموعات الأنواع, تراوحت نسبة الأنواع المهددة بالانقراض بين 12% و52%..

          وكان تقرير آخر أصدرته الجمعية الدولية لحماية الطيور (بيرد لايف) في العام 2004 قد أكد أن التنوع الحيوي يتراجع. ووفقا لمعايير القائمة الحمراء التي وضعها الاتحاد العالمي لحماية البيئة IUCN, وأن 1215 نوعا, أي ثُمن أنواع الطيور تقريبا, مهددة بالانقراض على المستوى الكوني. ومن ناحية أخرى, وصف التقرير كيف أن أنواع الطيور أصبحت أكثر تهديدا, وأن القائمة الحمراء, التي تتتبع عدد أنواع الطيور التي تنتقل بين مختلف درجات التهديد, بدءا من (معرضة للخطر) إلى (معرضة لخطر داهم), تظهر تدهورا مستمرا ومتواصلا في وضع طيور العالم.

          أما أحدث الدراسات الكبيرة فقد نشرت نتائجها دورية (حولية الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences). وجاء في هذه الدراسة أن حماية 595 موقعا تتوزع في سائر أنحاء العالم من شأنها أن تساعد على درء أزمة انقراض كوني داهمة.

          وقد أجرى الدراسة فريق علماء تابع لـ (تحالف مكافحة الانقراض ِAlliance for Zero Extinction), وهو تحالف دولي يضم 52 منظمة بيئية وطنية ودولية وإقليمية بما في ذلك (الجمعية الدولية لحياة الطيور BirdLife International) والاتحاد الدولي للحياة البرية WWF. وقد شارك في الدراسة مجموعة من خيرة العلماء والمهتمين بالحفاظ على البيئة من 13 منظمة وهيئة دولية تعمل في هذا المجال.

          وقد حددت الدراسة 794 نوعا معرضة لخطر انقراض داهم ويقول العلماء إنها سوف تختفي تماما من الأرض إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة لحمايتها وإنقاذها من على حافة الانقراض.

          ونظرا لصعوبة دراسة كل نوع من أنواع الحياة على الأرض, فان العلماء قصروا دراستهم حتى الآن على الطيور, والحويانات الثديية, والحويانات البرمائية, وبعض أنواع الأشجار, والحيوانات الزاحفة.

          ويقول ستيوارت بوتكارت منسق برنامج الأنواع الكوني في الجمعية الدولية لحماية الطيور وأحد المشرفين على الدراسة إن معظم هذه الأنواع تعيش في تجمعات متقاربة مما يجعل خطر انقراضها أكبر.

          ويجمع اتحاد محاربة الانقراض المعلومات في كمبيوتر كبير يضم قاعدة بيانات تعد مرجعا لأنواع المخلوقات. وتضم قاعدة البيانات حاليا قائمة بـ595 موقعا على الأرض, يشمل كل منها نوعا واحدا على الأقل مهددا بالانقراض.

          وتضم بعض هذه المواقع أكثر من نوع يواجه الخطر, وتوجد هذه في المناطق الاستوائية والبلدان النامية. وكل من هذه المواقع يحتاج إلى تحرك عاجل لإنقاذ الموقع الوحيد والأخير الذي تعيش فيه على كوكبنا. ووجدت الدراسة أن ثلث هذه المواقع فقط يحظى بحماية قانونية كمحميات طبيعية, وأن معظمها محاط بمناطق كثافة سكانية تصل إلى ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي. وقالت الدراسة إن صيانة الخمسمائة وخمسة وتسعين موقعا هذه يجب أن تصبح أولوية عالمية قصوى تعني الجميع, المجتمع الدولي والحكومات الوطنية والمجتمعات المحلية.

          وقد وجدت الدراسة تركيزا خاصا للمواقع في الإنديز في أمريكا الجنوبية, وفي غابات البرازيل الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي, وفي سائر أنحاء حوض الكاريبي, وفي مدغشقر.

          غير أن المكسيك هي التي ضمت أكبر عدد من المواقع (63 موقعا), تلتها كولومبيا (48 موقعا), والبرازيل (39 موقعا), وبيرو (31 موقعا), وإندونيسيا (29 موقعا). ودخلت الولايات المتحدة قائمة الدول العشرة التي تضم أكبر عدد من المواقع (18 موقعا).

          وضمت القائمة أيضا بعض المستعمرات البريطانية عبر البحار التي تعتبر أماكن تكاثر لبعض الطيور البحرية المهددة بشدة بالانقراض. ومن بينها جزيرة هندرسون في المحيط الهادي (وهي جزء من مجموعة جزر بيتكارين) موطن طائر نو هندرسن Henderson Petrel النادر, بالإضافة إلى جزيرتي جوف وإنآكسيسبل (وهما جزء من مجموعة جزر تريستان وكونها), وهما موطن قطرس تريستان Tristan Albatross (الذي يهدد بقاءه نوع من الفئران الضخمة المفترسة التي غزت الجزيرة) والنو المنظر Spectacled Petrel. وفي جزر حوض البحر الكاريبي تبرز جزيرة مونتسرات, التي تعد غاباتها الموطن الوحيد لطائر صافر مونتسرات Montserrat Oriole, وهو طائر لامع أسود وبرتقالي اللون بات على وشك الانقراض بسبب الثورات البركانية المتكررة لبركان مونتسرات.

          وضم موقع ماسيف دي لا هوت في هاييتي أكبر عدد من الأنواع المهددة (13 نوعا), وسييرا نيفادا دي سانتا مارتا في كولومبيا (9 أنواع) وجزيرة شارتهام في نيوزيلاندا (8 أنواع).

          ويقول مايك بار سكرتير تحالف مكافحة الانقراض: (رغم أن إنقاذ المواقع والأنواع المهددة أمر مهم وحيوي في ذاته, فإن المسألة أكبر من ذلك بكثير. فالخطر هنا يتهدد التنوع الجيني للنظام البيئي لكوكبنا في المستقبل, واقتصاد السياحة الإيكولوجية الكوني الذي يقدر حجمه بمليارات الدولارات سنويا, والفوائد التي لا تقدر بثمن للمياه النقية التي تتدفق من مئات الينابيع الرئيسية).

          ويضيف: (علينا التزام أخلاقي بأن نشرع في العمل فورا, والعلم إلى جانبنا, وقد بدأ الوقت ينفد بالفعل).

          ويقول تيلور ريكتس رئيس فريق العلماء الذين أعدوا الدراسة: (إننا نعرف الآن المواقع التي تحتاج إلى إغاثة عاجلة, والأنواع التي قد تلقى غدا مصير طائر الدودو (طائر منقرض من فصيلة الحمام لكنه أكبر من الديك الرومي) ما لم نتحرك فورا. والخبر السار أنه مازال أمامنا فسحة من الوقت لحمايتها).

          ومن بين السبعمائة وأربعة وتسعين نوعا المهددة بشدة بالانقراض من الثدييات والطيور والبرمائيات والزواحف والصنوبريات, هناك الخفافيش ذات والجوه القردية, وفئران السحب, والخلد الذهبي, وضفادع سامة, وببغاوات وطيور طنانة, والهمستر (نوع من القوارض شبيه بالجرذان), والزغبة (حيوان من القوارض شبيه بالسنجاب), ونوع من البطريق, وتماسيح, وإجوانة (عظاية أمريكية ضخمة آكلة للعشب), وأنواع عدة من القرود ووحيد القرن.

          ومن الأسماء الطريفة للأنواع المهددة ضفدعة الخليج الدموي السامة, وأرنب البراكين, وضفدعة نهر رو الصياحة, وفأر برامبل كاي ذو الذيل الفسيفسائي, والطنان العجيب ذو الذيل الملوق, والسولو ذو القلب النازف (نوع من الحمام).

          والواقع أن الانقراض عملية طبيعية تماما. لكن العلماء الذين أعدوا الدراسة يقولون إن معدلات انقراض الأنواع الناجم عن نشاطات الإنسان تزيد بما يتراوح بين مائة وألف ضعف المعدلات العادية التي تحدث في الطبيعة.

          وفي التاريخ القريب, كان الانقراض يحدث عادة في جزر منعزلة نتيجة لغزو ضوارٍ دخيلة مثل القطط والفئران عن طريق السفن.

          لكن الدراسة الجديدة تبين أن الانقراض اتسع الآن ليصبح عدوانا هائل الحجم وواسع النطاق على اليابسة في سائر أنحاء الكوكب, وأن معظم المواقع المهددة والأنواع التي باتت على وشك الانقراض توجد في الجبال القارية والأراضي المنخفضة على السواء.

          وبالرغم من أن معظم التهديدات التي تحيق بالتنوع الحيوي هي من صنع الإنسان (التغير المناخي - اجتثاث الغابات - تدمير البيئات الطبيعية - استخدام الكيماويات المدمرة), فإن الإنسان وحده هو القادر على الحيلولة دون انقراض المزيد من الأنواع.

          ويقدر علماء اتحاد محاربة الانقراض أن تكلفة الحفاظ على المواقع التي يتهددها الخطر تتراوح بين 470 دولارا, و3.5مليون دولار. وربما يبدو الرقم الأخير كبير نسبيا لصيانة موقع واحد, لكن ليس أمام العالم سوى التحرك العاجل.

          وكما يقول ستيوارت بوتشارت: (الرسالة تقول إن هناك أنواعا تعيش محصورة في موقع واحد. ومن المستحيل أن نعرف أو نتوقع إلى متى ستبقى هذه الأنواع. لكن الأمر المؤكد أنه إذا لم ننجح خلال العقود القليلة القادمة في إنقاذ هذه المواقع, فإنها ستذهب إلى الأبد).

يا ثَرَى النيلِ, في نَواحِيكَ طيرٌ كان دنيا, وكان فرحةَ جِيلِ
لم يَزَلْ يَنْزلُ الخمائلَ حتى حلّ في رَبْوَةٍ على سَلسبيلِ
أَقعد الرَّوْضَ في الحياة مَلِيًّا وأَقامَ الرُّبَى بسِحْر الهَديل


(أحمد شوقي)

 

 

أحمد خضر الشربيني   

 




هل تلقى الأنواع المهددة مصير طائر الدودو المنقرض?





حيوان السيفاكا الذهبي المتوج.. مدغشقر





الثعلب الطيار.. موريشيوس





(النو المنظر) مهدد بالفناء بسبب الفئران المفترسة في جزيرة إنآكسيسبل في المحيط الهادئ





قطرس تريستان.. جزيرة تريستان بالمحيط الهادئ





تفلق أوكيناوا.. اليابان





الغرنوق الصياح.. الولايات المتحدة وكندا





إيجوانة الصخور.. الولايات المتحدة





باراكيت سانتا مارتا.. كولومبيا