الشاعر الكوري كُو أوْن في ديوانه أزهَارُ اللحْظة

الشاعر الكوري كُو أوْن في ديوانه أزهَارُ اللحْظة

لا يُذكرُ الشعر الكوري المعاصر، إلا ويُذكر أميرُه «كو أون». وإذا زرتَ كوريا الجنوبية مرة أو مرَّاتٍ، وعشت فيها أيَّامًا أو سنواتٍ، فصعدت جبالها الخضراء والثلجية، وشممت هواءها البارد المحمل بعبير المروج، وعطور الحدائق، وعبق الشاي، أو تنسمت نسيمها الدافئ الممزوج بروائح الفاكهة والبهارات والطعام، ودخلت معابدها فسكنت لحظة في رحاب بوذا، وتأملت لحظات في طقوس الرهبان، وراقبت طيور الغابات، وأزهار البساتين، وتعرفت إلى الناس في الجنوب والشمال وإلى كائناتها الأخرى في البر والبحر والنهر والجُزر، تكون قد قرأت أشعار «كو أون». لأن ذلك الشاعر حيٌّ في هذا كله.

ولد «كو أون» سنة 1933 في جونسان، بمقاطعة تشولا الشمالية، لعائلة من الفلاحين، وقد عانى أثناء الحرب الكورية، سواء ضد الاحتلال، أو خلال الانفصال، مما دعاه ليصبح كاهنًا بوذيًّا من طائفة الزن. نشر «كو أون» أول قصائده عام 1958، وبعدها بسنوات قليلة عاد إلى العالم مجددا، ليصدر أول كتبه سنة 1960 فيصبح صوت الصراع من أجل الحرية والديمقراطية في السبعينيات والثمانينيات، وهو صراع أوقعه في براثن السجن مرارًا.

150 كتاباً

نشر «كو أون» أكثر من 150 كتابًا، بينها دواوين قصائده، ومقالات نقدية، ورواياته، وسيرته الذاتية، وترجماته لأعلام الشعر الكوري، وكتبه للأطفال، وكثيراً ما ترى رسوماً أولية لها بجانب الأشعار. كما ترجمت أخيراً مختارات من أعماله إلى 14 لغة، كما أنه مرشح لجائزة نوبل في الآداب، وقد دعي «كو أون» ليحاضر وليقرأ بعض أعماله في مهرجانات شعرية وأدبية في بلاد عديدة. وكتب «كو أون» قصائده في أشكال مختلفة ولمواضيع متعددة. فقصائده الأولى كانت معظمها على هيئة عبارات قصيرة ركزت على المفردات الموحية، وغالبا ما كان «كو أون» يستوحى قصائده من مشهد طبيعي رآه، أو من شخص لاقاه، أو من ذكريات صادفها.

إذا تحدثنا عن أحد أنواع القصائد التي يكتبها «كو أون» فسنتعرف إلى قصيدة (الزن) التي تعد تعبيرًا عن لحظة تنوير للعقل، وتتكون من حفنة كلمات، تخفي تحتها لحظة من التأمل، وهو شعْرٌ يساعد رهبان زن البوذيين على ممارسة طقوسهم، وقد ازدهرت تلك القصائد في البلدان التي عاش فيها هؤلاء. عدا ذلك يكتب «كو أون» قصائد مطولات أو مختصرة، لكنها عفوية، تهتم باللغة، ولقد كتب «كو أون» ملحمة من 7 أجزاء عن الصراع الكوري للاستقلال عن اليابان. وعلى عكس البعض، لم تكن السياسة جزءا من أعماله المنشورة، على الرغم من قراءته لبعض قصائد الاحتجاج في السبعينيات والثمانينيات.

حين نعودُ إلى طفولة «كو أون» نجده قد استطاع إتقان الكلاسيكيات الصينية بسرعة فائقة نبهت إلى موهبته المبكرة. وفى سني مراهقته الأخيرة، وبفضل خبرته خلال الحرب الكورية، تم تقليده العديد من المناصب. وبعد عشر سنين من حياة التكهن، اعتزلها وعاد إلى العالم. لكن سلوك «كو أون» كان قد أصابه تغيير شديد وحاد، مما أدى إلى محاولته الانتحار سنة 1970، كما ساعد الطلاب والفنانين في ثوراتهم في 1972. وكان بين من اعتقلوا أثناء حادث شون دو هوان في مايو 1980.

استمر «كو أون» في دعم الكتاب المتصدين للديكتاتورية خلال الثمانينيات، فاعتقل أكثر من مرة، إلى أن تزوج في عمر الخمسين سنة 1982 من سانج وا لي، أستاذة الأدب الإنجليزي، وانتقل إلى أنسونج ليعيش فيها، جنوب سيئول. وبعد عامين أنجبا ابنتهما، ولم تكن وحدها ثمرة ذلك الزواج، إذ إن هذا الرباط قدم مرحلة من أزهى مراحل الإنتاج الإبداعي غير المسبوق في تاريخ الأدب الكوري. حتى يمكن أن يطلق عليها اسم مرحلة «الانفجار الشعري»، وهي تسمية ضمن مسميات أخرى كالبركان الإبداعي التي وصفت نتاج «كون أون»، وبدأ شريان شهرته يسري في جسد العالم، سواء في أوربا أو أستراليا، أو الولايات المتحدة.

صوتُ الفراغ

انتخب «كو أون» رئيسا لاتحاد كتاب الأدب الوطني، وكرِّم باختياره أستاذًا متقاعدًا في جامعة كونج جي، وأستاذا زائرًا بجامعات هارفارد وكاليفورنيا وبيركلي، فضلا عن عشرات الجوائز في كوريا والعالم. يقول «كو أون»، في مقدمة مجموعته الشعرية أزهارُ اللحظة: لستُ أدري ما السبب، لكن الليلة ساكنة، راكنة تمامًا. سكونٌ محيطٌ وكأني أكادُ أسمعُ رمالا تذروها الرِّيحُ تغني على مدارج جبل «مينجشا» الزَّلقة في «دون هوانج»، بعيدًا على طريق الحرير، تخترقُ كل تلك المسافات. آلاف الأميال الصامتة! هل يكونُ ذلك صوت فراغ ينادي على فراغ، أم صدى أسماء تستدعي أسماءً؟

هذا الصوت الساكن لشخص ما، يشق الطريق التي تقبع وراء الخير والشر، صوت بلا صوت، كما لو كان ينادي على النيرفانا. صوت الدَّائرة المفرَّغة، لما وراء البهي والقبيح، لما خلف الطيب والشرس، بل هو صوت يتجاوز كل ما على شاكلة ذلك، ربما ليصل إلى الحالة التي قد يختفي فيها ذلك الصوت. هأنذا أتجرَّأ لأحرِّك هذا السكون.

ربما كان سؤال العالم الأول، «ما هي القصيدة؟» ولعل ذلك كان السبب خلال العصور المتوالية، وعند لحظات حرجة لا يزال هذا السؤال «ما هي القصيدة؟» يطرحُ نفسه، دون كلل، أو ملل، أو فشل. منذ ستين ألف سنة مضت، كانت شعوب «الناندرثال» تحرقُ موتاها، وتزين نعوشهم بغصون خضراء، وسنابل أرجوانية، وأقحوان ذهبي متوّج، وعراقيب مقدسة، وسواها، ثم يضعون الجسد فوقها. هذا ما اكتُشِف في كهوف بالعراق. وكان جسد صبي من العصر الحجري، قبل عشرين ألف عام، قد اكْتُشِف في كهف بكوريا بمقاطعة تشونجي هونج، وعلى حاجبيه أقحوان متحجر. الأمر نفسه في مصر، حين عثروا على أكاليل زهور على رأس الفرعون الصبي توت عنخ آمون، الذي مات قبل ثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة خلت.

أنا على اقتناع تام، بأن طقس تقديم هذه الزهور هو لبُّ الشعر. فالشعرية، ونظريات الشعر التي نشأت في الشرق والغرب، منذ العصور الكلاسيكية، تتشابه في كونها مرت بتطورات جمَّة. ومنذ الأزل، كان الناس يتلون صلواتهم، بقلوب ملؤها الشعر، على موتاهم، لكي يبعثوا في العالم الآخر، عالمًا من الأزهار، حيث تمثل تلك الجنانُ الأسى الناشئَ بين الحضور والغياب. وكما انحاز الشعرُ للإنسانية على مدى عشرات الآلاف من السنين، فقد أصبح، بمرور الزمن، أصدقَ ما يعبِّرُ عن كنه ذلك الزمن. إن بيتا واحدًا من الشِّعْر، بل وربما كلمة واحدة منه، قد تبعثُ فيَّ عشرة آلاف زهرة!

أحلام الشعراء

الشعر، دون شك، عهدٌ نقطعُه على أنفسنا للمستقبل. لذا يعلن عن لبِّ خلوده كما لو كان حلمًا. وبعدد البشر، تتعدد الأحلام.اكتشفتُ أنني مفتون بآثار الخطى الرُّوحانية، تلك التي تركها الشعراء السابقون عليَّ. أحلام هؤلاء الشعراء لا تزال تضيء. تبدأ نبوءات بعض الشعراء في أحلامهم.

يقالُ إن شاعرًا استعار من حلمه خمس ريشات للكتابة، كل منها ذات لون مختلف، وكتب بها قصائده. ثم إنه، أعاد الريشات لأصحابها خلال الحلم. فلم يأتهِ إلهامُها أبدًا! وحين وجد نفسه بلا قصيدة، لم يجد سببًا لتستمر حياته، فرحل عن عالمنا.شاعرٌ آخر بدأ بالمثل بالأحلام. في أحدها وجد نفسه يتقيَّأ عنقاء لها ذيلان؛ طارت وحلقت عاليا، وفي اليوم التالي وما بعده، انهمرت القصائد المجنحَّة من تلقاء نفسها.

شاعرٌ آخر، بدأ، أيضا، حياته عبر الأحلام. ذات مرة، تفتح برعمُ زهرة «الفاوانيا» على طرف غصن في ذلك الحلم، غير أنه بين الرؤيا واليقظة، كتبَ عشرة آلاف قصيدة تجعلُ كل الأرواح في السماء وتحتها تبكي. لم يكن الأمرُ متعلقا بالقصائد وحسب، لأنه احتسى أيضا عشرة آلاف كأس من الخمر، أثناء كتابته لتلك القصائد. في حياته كان هو العالَم، وفي مماته تجسدت الأكوان فيه. ثم إن شاعرًا سواهم بدأ كذلك بحلم. كان يمضي على طريق برية، زلقة، وصخرية، إلى حيث ينبت العشب في الأعالي. كان هناك راع قد وصل قمة الجبل مع قطيع أغنامه. وحين نظر إلى العالم من عل، غلبه سلطانُ النَّوم.

جاءته في الحلم تسع حوريات، فاستيقظ، فإذا به في الواقع حوله الحوريات التسعة. وفي صوت رائق، كما لو كان صوت حجر كريم يرن في الهواء الشاف، تحدثت إحداهن: «منذ الآن، ستكون شاعرًا».. شاعرًا يغني الحقيقة كلها للعالم».آنئذ، كان الرّاعي الأمي، الذي كان يجهل ما معنى القصيدة، قد بدأ حياته كشاعر. وانطلقت من بين شفتيه نافورة لا تتوقف من القصائد. وعلى الرغم من تدوين تلك القصائد، فإنها لم تكن مصطنعة، بل وهبت ذاتها حياتها.

أتكون كل هذه الأحلام، لكل أولئك الشعراء، ملكًا لي، فأكون حلمتُ بها أيضًا، في هذا العالم، وسواه؟إن عددًا من قصائدي دون شك كانت الأحلام أجنّتها. في الليلة الماضية وحسب نهضت قصيدة في أحلامي هي من بنات أفكاري، بالقدر الذي قد تكون قصيدة سواي. هذا الشخص المجهول ربما يكون كذلك هو أنا في حيوات سابقة. وربما يكون شخصا سأصبحُه في عالم مستقبل.

هاهي القصيدة: قدِّمي حياتك كلَّها قربانا للظلمة، أيُّتها الرقطاء، أيتها الموجات المتسارعة، الساحقة الماحقة النافِذة، الضاربة لمنحدرات الصخر في الظلام, فسيولدُ الضوء, وسيأتي الفجرُ.

بعض الشعراء يقولون أنهم يشربون الشعر. أحدهم قال مرة إنه يتنفسُ الشعر. توقفت في طريقها سحابة تجرها الريح في ليلة مقمرة، كان العالم على اتساع مئات الأميال من حولنا يشكل بيتًا. في ليلة مقمرة كتلك، قد تُنشدُ قصيدة، ثم تعزف على الناي، فيتوقف القمرُ في مداره السماوي، ويسكنُ هنيهات مطولاتٍ ينصتُ إلى قصائد الأرض.

أيكون ما حدث شأنا سماويًّا؟ كيف يكون ذلك شأن السماء، والشمس، والقمر، والنجوم وحسب؟ اعتادت القصائدُ أن تضفِّرَ العوارض الخشبية في البيوت الكورية، وأن تتردد أصداؤها بعيدة وعالية. في البدء كان الشِّعرُ في السماء، ثم هبط إلى الأرض. وكذلك الشاعر، الذي حطَّ من، أو نفي عن السماء، ليلتقي مع قدره الأرضي.

ولا يكون ذلك بالطبع دون صراع داخلي أليم، حين تواجهنا أسئلة من قبيل: «ماذا يعني الشعرُ في مواجهة العدوان، والقهر، والفقر؟» و«ماذا يعني الشعر في عالم ملؤه الجشع، والجهلُ، والمرض؟» حتى مع مواجهة التحدي في السؤال عما إذا كانت كتابة الشعر ممكنة بعد التطهير العرقي، حين يفقد الشعر جلاله. لقد بدأت كتابة أولى قصائدي كما لو كانت فسائل عشب، تنمو من بين الأنقاض التي خلفتها الحربُ الكورية، التي خلفت وراءها زهاء أربعة ملايين فقيد.

لقد مزج الرَّاهب البوذي الكوري القديم «وونهيو» بين الحقيقة التي تعتمد على الكلمات، مع الحقيقة الصامتة. هنا تبدأ إمكانية دخول الشعر إلى حالة من المفازات الغامضة تتجاوز حدود الحكي.وفي علاج الوساطة الروحانية للبوذي شيون، هناك إنكارٌ تام للكلمات والكتابات. رغم ذلك، وبعد تمام الهدف، فإن أزهار الكلام تتفتح من براعمها على نحو مماثل.لقد كتبتُ قصائد مطولاتٍ، جدًّا، وسطرت عدة ملاحم, لكن قصائد «أزهار اللحظة» هذه تأتي عكس ذلك.

سِر في طريقِك.أنت الأول، والآتي بعد الأول.فامض، وامض.حيث ستبدو في المرآة،خطواتك السريعة.أنت لسان صغير لنرجس الربيع وسط عاصفة ثلجية.

يؤمن «كو أون» بسماوية الشعر، وتساميه، في آن واحد. وهو يؤمن كذلك بأنه عاش فيما قبل، وأن أحلامه قد تكون مستلهمة من حيوات سابقة عليه لسواه أو له هو نفسه وقد تكون كذلك إلهامًا لحيوات قادمة، له أو لسواه. هذا التناسخ لروح الشعر، عبر الحلم والحياة، هو جوهر الكتابة عند الشاعر «كو أون».

من أعمال «كو أون» في الشعر: إحساس عالم آخر (1960)، قصائد على شاطيء البحر (1966)، الرب، آخر قرى اللغات (1967)، نيرفانا، عبارة نحو الموت (1963, 1969), (1988)، سينويا، سينويا: أغان صغيرة (1969)، في قرية مونوي (1974)، الذهاب إلى عزلة جبلية (1977)، القارة، (1977/1988)، طريق في ساعة مبكرة من الصباح (1978)، نجوم الوطن (1984)،

قصائد الرّعاة (1986)، حلقي عاليًا، يا قصائد! (1986)، الشخص الذي يجبُ أن يرحل (1986)، عشرة آلاف حياة، 26 مجموعة، تبدأ في 1986 وأحدثها في 2007م. ندى الصباح (1990)، ألف سنة من النحيب والحب: قصائد غنائية لجبل بائيكتو(1990)، من أجل الدموع (1990)، جبل بحر الألماس (1991)، ماذا: مجموعة قصائد زن (1991) همسة (1998) رحلة بعيدة، بعيدة: ملحمة شعرية (1999) شمال وجنوب (2000) قصائد الهيمالايا (2000) زهور اللحظة (2001) شعرٌ تركناه خلفنا (2002) أغنيات أخيرة (2002) صغارٌ (2002)

لقد كانت قسوة الحياة، والفقر، والحرب، هي أدوات المحراث، والمذراة، والمنجل؛ التي مهدت التربة لينمو شعر «كو أون». كان في طفولته كثير التطلع إلى السماء، فيرى المجرات وأذنابها تضيء الليل، فيتخيل أنها فاكهة يريد يقطفها ليأكلها. وينادي: «اقطفوا النجوم وأعطوها لي!» كنتُ أظن أن باستطاعتنا أكل النجوم. وكان ذلك قبل وقت طويل من بلوغه عتبة الشعر، يغني للنجوم، في أحلامه، بعد أن عاشت معه في الواقع. وليصبح بعد ذلك يكتبُ الشعر كما يتنفس.

مختارات من أزهار اللحظة

  • أمنية:
    أن أصبحَ ذئبًا حين يكتملُ القمر بدرًا.
  • أمضيتُ اليوم بطوله أتحدث مرَّاتٍ ومرَّاتٍ عن الآخرين،
    وكانت الأشجارُ تراقبني،
    وأنا أعود للبيت.
  • تَعَبا.
  • كانتْ الأمُّ تغطُّ في نومِها،
    بينما يصغي طفلها وحيدًا ـ
    إلى صوتِ قطار الليل.
  • ذات يوم ربيعي ممطر،
    نظرتُ إلى الخارج مرة، أو مرَّتين؛
    أتساءلُ إن كان أحدٌ سوف يأتي.
  • تمزق جناحان في أحد الجانبين،
    فزحفت الذبابة القهقرى.
    لقد انتهى اليوم.

***

  • ندف ثلج الشتاء المقدَّسة تتباطأ.
    أشجارُ الصنوبر الجبلية
    عارية من أوراقها،
    تقف متردداتٍ
    لكنها لا تكذب أبدًا، ولا في كلمة واحدة.
    مضيتُ قدمًا في طريق، لأجتاز ذلك المكان.

***

  • في جيل كاريوانج، في تشونج صن، بمقاطعة
    كانج وون،
    كانت الشلالات تتدفق بغزارة،
    لكن الأكثر ازدحامًا كانت
    أسرابُ سمكات المنوات الصغيرة، التي تسبح صاعدة.
    ضد التيار.

***

  • لو استسلمتُ للرقاد، سأكونُ
    مثل حيوان مريض،
    يتوقُ إلى
    الوقوف طيلة اليوم.
    تلك كانت يا عزيزي أيامي في هذا العالم.
  • الزرافة الأم
    تقدمُ حليبها مشاركة
    لترضِع أطفال الأمهات الأخر.
    تحدِّقُ أمُّ الصغيرة «صن تشول» في الفضاء
    كما لو كانت تهب صدرها البارد إلى الشقيق الأصغر لليتيم «هونجيل».

***

  • طائرُ الليل يغني بكل ما فيه من عنفوان،
    بينما النجوم تضيء بكل ما مُنِحَتْ من قوة.
    في عالم كهذا، أستلقي بثقة،
    داعيا النوم ليأتي.

***

  • التاسع عشر من أبريل
    ولِدَتْ أولُ حيات الرَّبيع
    وماتت!
    لقد عشتُ أطولَ مما يجبُ!

***

  • لم يكنُ أبدًا حزينًا.
    لم تطرق أبدًا أبوابَه المتاعبُ.
    أمِن أجل هذا
    تولد ابتسامة؟
    إنه وجه طفل وليدٍ سابح في نومِهِ.

***

  • كنتُ أجدِّف بمجدافٍ وحيدٍ
    حتى فقدته.
    ولأول مرة تلفتت حولي وأنا في متاهة المياه الشاسعة.

***

  • على الطاولةِ المجاورةِ لطاولتي
    كان هناك حوار حول مبلغ ما كسبا اليوم
    في بيع هذا أو ذاك.
    هذان الشابان
    اللذان يشربان الـ «سوجو»
    زوجان، وأبوان.

***

  • خارج الكهف كانت الرياح تعوي، والمطر
    وبداخله
    كان حديث صامت بين الخفافيش التي تملأ السقف.

***

  • الثلاثون من شهر أبريل
    انظر إلى ذلك اللون الأخضر الشاحب على جبل سوـ أون
    في يوم كهذا
    ماذا يعني الحب
    وماذا تعني الكراهية.

***

  • في إجازة الصيف تكونُ غرف المدرسة الابتدائية هادئة
    في إحدى الغرف
    تسكن آلة هارمونيكا
    ماتت على سلمها درجة الفا
    في ذلك الفصل الدراسي
    يوجدُ داخل إطار
    علم الوطن معلقا منذ اثنتين وأربعين سنة خلت
    وفي ذلك الفصل
    بقي الرسم ومضى الزمن
    «كيم أوك جا يا صاحب الغفلة الكبرى» (مثلٌ شعبي)

***

  • شحَّاذان
    يتشاركان وجبة طعام منحت لهما
    يطلعُ القمر الجديد باهر الضوء.

***

  • أمام نافذة محل للتصوير
    كانت هناك امرأة عاقر
    تحدِّق مبتسمة في صورة طفل عمره عام.

***

  • سوِّ هندامك!
    في أتون لامع
    فهناك إناءٌ في قلب النار.

***

  • «لقد جئتُ، يا عزيزتي،
    وقد انقضى الآن الشتاءُ القارس البرد»
    ضحكت في هدوءٍ مقبرة زوجته.

 

 

أشرف أبو اليزيد