المياه.. وأزمة الغذاء العالمية.. أحمد الشربيني

المياه.. وأزمة الغذاء العالمية.. أحمد الشربيني

المياه هي العنوان الكبير الذي يفرض نفسه على كل المناقشات المتعلقة بتغير المناخ باعتبارها العنصر الرئيسي لقيام الحياة واستدامتها.

وإلى جانب ذلك، فإن معظم الآثار السلبية التي ستمس حياة البشر نتيجة لتغير المناخ ترتبط بالمياه: موجات الجفاف، والسيول، والفيضانات، والعواصف والأعاصير، وذوبان الثلوج وارتفاع مستوى البحار والمحيطات. ومن المؤكد أن يؤدي تغير المناخ إلى تغييرات دراماتيكية واسعة في أنماط الزراعة وحياة المزارعين وفي توفر إمدادات الغذاء،. وكالعادة سيكون فقراء المزارعين وسكان المدن هم الأكثر تضررا، سواء على المستوى العالمي بين دول الشمال والجنوب، أو على مستوى كل بلد على حدة بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية. وسيواجه المزارعون على نحو خاص نتيجة لتغير المناخ تصاعدا في عدم القدرة على التنبؤ بحالة إمدادات المياه وفي تقلب هذه الإمدادات، وكذلك التزايد المتسارع في تواتر حدوث موجات الجفاف والفيضانات. وأشارت وثائق "قمة روما"، "المؤتمر الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي العالمي: تحديات تغير المناخ والطاقة الحيوية"، التي نظمتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في العاصمة الإيطالية في يونيو الماضي، إلى أن هذه الآثار ستتباين إلى حد كبير من مكان إلى آخر، حيث يتوقع الباحثون أن يكون ارتفاع درجات الحرارة مفيدا للزراعة في مناطق شمال خط الاستواء بينما ستواجه أجزاء كبيرة من المناطق الاستوائية الجافة وشبه الجافة تناقصا مطردا في تساقط الأمطار وجريان المياه، ما يعد اتجاها ينذر بالشؤم لدى البلدان الواقعة هناك، خصوصا وأن غالبيتها تعاني انعدام الأمن الغذائي.

الوضع الراهن

يعمل كثير من أحواض الأنهار المستغلة بصورة مكثفة في أقاليم رئيسية منتجة للأغذية حاليا باستخدام الطاقة القصوى لقاعدة موارده، ما يعد مؤشرا مثيرا للقلق بشأن ما هو قادم، وبوجه خاص في ضوء اعتماد سكان المدن على الإنتاج الزراعي والنسبة العالية للسكان الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة والنشاطات المتصلة بها- وهي نسبة تربو على الثلثين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلى الصعيد العالمي، تستهلك الزراعة نحو 70 في المائة من المياه المستخرجة، بينما تصل هذه النسبة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى 87 في المائة، كما أن طلب المناطق المدينية التي تتوسع بصورة متزايدة على المياه يزيد الضغط على جودة موارد المياه المحلية وكمياتها، بالإضافة إلى ذلك كله ثمة حاجة متصاعدة للمياه من أجل الأغراض البيئية ومنها إعادة ملء المستنقعات. وتشير توقعات الفاو إلى أنه بحلول العام 2025، سيعيش نحو 8ر1 مليار إنسان في بلدان وأقاليم تعاني ندرة مطلقة في المياه. وبحلول العام 2030، يتوقع للثلج والجليد الموجودين على جبال الهيمالايا، اللذين يقدمان كميات مياه ضخمة للزراعة في آسيا أن ينخفضا بنسبة 20 في المائة. وبحلول العام 2080، من المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى الآثار التالية: أن يكون 75 في المائة من سكان إفريقيا عرضة لخطر الجوع؛ وأن يكون 75 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة المطرية حاليا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد فقدت؛ وأن ينخفض الناتج الزراعي الحالي الإجمالي بنسبة قد تصل إلى 8 في المائة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وبنسبة 4 في المائة في آسيا؛ وأن يزداد الطلب على الري في العالم بنسبة تتراوح بين 5 و20 في المائة.

كيف سيتأثر الأمن الغذائي؟

تعد إدارة المياه أمرا أساسيا لصيانة استقرار الإنتاج العالمي من الأغذية، وذلك لأن الوصول المستدام إلى المياه يزيد الغلال الزراعية ويقدم إمدادات مستقرة لكثير من المنتجات الزراعية الرئيسية، كما يقدم دخلا أعلى في مناطق الريف التي تؤوي ثلاثة أرباع السكان الجوعى في العالم. وما لم تتوفر إدارة مستدامة للمياه في مناطق أحواض الأنهار والبحيرات والطبقات المائية الصخرية الجوفية المتصلة بها. وسيكون الأمن الغذائي على الصعد المحلية والقطرية والعالمية عرضة للخطر، وكما يعد الجفاف أكبر سبب طبيعي لحالات نقص الأغذية الشديدة في البلدان النامية، تعد الفيضانات سببا رئيسيا آخر لحالات الطوارئ الغذائية. ولذلك فإنه كلما زاد تغير المناخ من تقلب تساقط الأمطار وتكرر وقوع الأحداث القاسية الناجمة عن الطقس زادت إعاقته للأمن الغذائي. كذلك من المتوقع أن تؤدي التغيرات التي ستحدث في تساقط الأمطار وتبخر المياه من التربة والنتح (بخار الماء الذي تطلقه النباتات) إلى تخفيض جريان المياه بحلول العام 2080 في بعض المناطق من العالم، مثل الشرق الأوسط وأمريكا الوسطى وشمال البرازيل والحافة الغربية للصحراء الكبرى وإفريقيا الجنوبية. وفي المقابل سيزداد الجريان في شمالي أوربا وشمالي الصين وإفريقيا الشرقية والهند، وهو أمر ضروري للري وصيانة خدمات النظم الإيكولوجية. وسيكون أكثر القطاعات تضررا قطاع الزراعة المطرية، التي تغطي 96 في المائة من مجموع الأراضي المزروعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و87 في المائة في أمريكا الجنوبية و61 في المائة في آسيا، حيث سيزداد خطر فشل المحاصيل في المناطق الهامشية شبه الجافة ذات مواسم الجفاف الطويلة.

وسيضطر سكان المناطق التي لا يمكن كفالة استقرارها إلى الهجرة منها، وستزداد مساحة الأراضي التي ستكون غير صالحة للزراعة المطرية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بسبب معوقات متعلقة بقسوة المناخ أو التربة أو التضاريس بمقدار 30 إلى 60 مليون هكتار بحلول العام 2080. وسيكون الري في أحواض الأنهار ومناطق الدلتا الواسعة كذلك عرضة للخطر بسبب انخفاض جريان المياه المترافق مع الملوحة (نهر الأندس)، وارتفاع الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر (أنهار النيل، والجانج - براهما بوترا، والميكونج واليانجتسي)، والتلوث الحضري والصناعي. وستؤدي هذه الضغوط التي ستتعرض لها بعض الأراضي المنتجة الرئيسية إلى انخفاض ناتج الغلال الزراعية وتراجع التنوع الحيوي والمقدرة الطبيعية للنظم الإيكولوجية على الانتعاش، الأمر الذي سيؤثر سلبا في ملايين المزارعين والمستهلكين في العالم كله، بالنظر إلى المعوقات التي ستعترض إمدادات الأغذية بصورة تدريجية.

غير أن آثار تغير المناخ لن تكون متساوية على البلدان والأقاليم، حيث يتوقع أن تكسب الصين، التي يعاني نحو 140 مليون شخص فيها نقص الغذاء، أكثر من 100 مليون طن من إنتاج الحبوب، بينما يتوقع أن تخسر الهند، التي يعاني نحو 200 مليون من سكانها نقص الغذاء، أكثر من 30 مليون طن من الحبوب، كما يتوقع أن تفقد موزامبيق نحو 25 في المائة من قدرتها على الإنتاج الزراعي، في حين تشير السيناريوهات كافة إلى أن أمريكا الشمالية ستكتسب من 3 إلى 13 في المائة من قيمة الزراعة نتيجة لتغير المناخ.

ما العمل؟

سيتعين على المناطق التي يتوقع أن ينخفض التساقط فيها أن تقوم بتحسين تخزين المياه وإدارتها وإنتاجيتها، كما يتعين على مشروعات الري الكبيرة أن تتكيف مع التغيرات التي ستحل بأنظمة تزويد المياه. وسيكون من الضروري كذلك تدعيم تدابير مراقبة المياه ذات النظام الصغير والمرتكزة على أساس الحقل. والواقع أن هناك خمس استجابات ضرورية في مجال السياسات، وهي:

  • إدخال تدابير التكيف وتخفيض الآثار في مجال إدارة المياه الزراعية ضمن خطط التنمية الوطنية.
  • تشجيع تنفيذ تدابير فنــــية وإدارية ترمي إلى تحسين مرونة الزراعة المطرية والمروية وتخفيض كميات فاقد المياه في نظم الإنتاج تحت الري.
  • تحسين المعرفة في مجال تغير المناخ والمياه، واقتسام الممارسات الجيدة فيما بين الأقطار والأقاليم.
  • تشجيع إدارة المخاطر في إطار السياسات الوطنية وذلك من خلال تحسين منظومات الرصد ومنتجات التأمين المبتكرة.
  • حشد الأموال اللازمة للتكيف سعيا لمواجهة التحديات التي سيفرضها تغير المناخ في مجالات المياه والأمن الغذائي.

حوض النيل يستعد لمواجهة آثار تغير المناخ

يمكن لارتفاع في درجات الحرارة بمقدار ثلاث درجات مئوية أن يجهد إمدادات المياه لنحو 155 إلى 600 مليون شخص إضافي في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد بالفعل واحدة من بين أكثر الأقاليم شحا في المياه في العالم. وسيعاني حوض النيل نتيجة لتغير المناخ فيضانات هائلة نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، خاصة في منطقة دلتا النيل في مصر، جنبا إلى جنب مع ازدياد التعرض لنقص المياه، علما بأن نظم المياه القائمة تعاني بالفعل ضغطا بيئيا نتيجة للتملح وتشبع التربة بالمياه والاستغلال المفرط للمياه الجوفية. واستجابة لهذا الأمر، يقوم أحد مشروعات الفاو بتشجيع الاستخدام المنصف لموارد المياه في ما بين بلدان حوض النيل العشرة. حيث تقوم هذه البلدان بعملية إسناد ترافقي لبيانات المياه مع المعلومات الاقتصادية الاجتماعية البيئية من أجل تقدير الكيفية التي ستؤثر بها الأنماط المقدرة لاستخدامات المياه في موارد المياه. وتأمل الفاو أن تؤدي قاعدة البيانات المشتركة القوية في هذا المجال إلى تحسين القدرة على تخصيص المياه بصورة عادلة وفعالة وتعزيز التنمية الريفية والتخفيف من وطأة الفقر في هذه البلدان وتمتين أواصر التعاون الإقليمي في المنطقة.

 

 

أحمد الشربيني