في ملتقى السويداء الدولي الأول للنحت النحاتون يكرمون الفن الكويتي

في ملتقى السويداء الدولي الأول للنحت النحاتون يكرمون الفن الكويتي

تكبر المبادرة الفردية أحياناً، وتتحول إلى نشاط ثقافي وإبداع جماعي متواصل، كما هي حال «ملتقى السويداء الدولي الأول للنحت»، الذي أطلقه مدير دار العوام للنشر، سميح العوام، بالتعاون مع وزارة السياحة السورية ومحافظة السويداء.

إذا كانت للنحاتين خيارات مفتوحة في استخدام المواد النحتية، كالمعادن والأخشاب والسيراميك، فإن خيارهم الوحيد في هذا الملتقى هو الحجر البازلتي الصلد، بألوانه المعروفة: الأسود والرمادي والمائل إلى الأخضر، شبيه الرخام.

ترافقت أعمال هذا الملتقى، التي استمرت على مدى شهر كامل، مع أنشطة ثقافية أخرى في السويداء، حيث انعقدت الدورة الحادية عشرة لمسابقة مهرجان المزرعة للإبداع الأدبي الذي أسسه وموله رجل الأعمال الشاعر يحيى القضماني، الذي يعمل في الكويت، وحملت هذه الدورة اسم الكاتب الكبير حنا مينه الذي جرى تكريمه فيها، كما انطلقت في الوقت نفسه فعاليات «جائزة السويداء للإبداع والتميز المعلوماتي».

وحينما وصل الخبر الفاجع بوفاة الشاعر الكبير محمود درويش شهدت سماء المنطقة بين مدينة السويداء وبلدة سيع، على مدى أسبوع رفوفاً ملونة من الطائرات الورقية، تحمل صور الشاعر، ونصوصاً مصورة من أهم قصائده، وهي فكرة مبتكرة، نفذها الفنان توفيق شيا، بتقنية عالية، كجزء من نشاط ملتقى النحت في وداع الشاعر الكبير.

كانت صورة المرأة في أشكال وحجوم مختلفة، هي الأكثر حضوراً في ورشة العمل، تبدأ من مشروع العمل الذي قدمه ضيف الشرف الفنان الكويتي سامي محمد عن امرأة خليجية بين أمواج البحر وكثبان الرمال، وكلف الفنان يحيى السريوي بتنفيذه، بعد أن جرى تكريم الفنان سامي محمد في حفل الافتتاح، ويبلغ ارتفاع هذا العمل نحو مترين.

وهذا ما تكرر في عمل الفنان بطرس الرمحين، المقيم في إيطاليا، حيث قدم مخططاً عن «الإنسان بين الماضي والحاضر» ونفذه الفنان بهاء غرز الدين.

واختار الفنان السوري ربيع الأخرس المقيم في المملكة العربية السعودية، حجراً عشوائياً من الطبيعة، حفر في جانبيه توليفاً هندسياً وعضوياً، يضم درجين للصعود والهبوط، في جانبيه، وفي نقرتين في الجهتين من الأعلى وضع رأساً لإنسان، تقابله في الجهة الأخرى قدمان، وهما رمز للصعود والهبوط، وكان حريصاً على التوازن بين عناصر التشكيل، ليوحي بفكرة تقول إن الصعود ليس صعوداً مطلقاً، وكذلك الهبوط، لأنهما مرتبطان بالوهم، وهو يرى أن للحجر حضوراً قوياً، ويتمنى أن تكون الفكرة التي طرحها قوية كالحجر.

ومن الرمز إلى الأسطورة نحت الفنان محمد بعجانو جذع ثور هائج يزينه قرنان معدنيان، وخطوط زخرفية جانبية على الصدر، فيبدو كأنه طالع من قلب إحدى الأساطير أو الحكايات القديمة.

وكرر الفنان غازي عانا اهتمامه بالمرأة من خلال نحت جذع امرأة، بأسلوب المزاوجة بين الواقعي والتجريدي، فالمرأة لديه يمكن أن توحي بأي شيء، لكنها لا توحي بالجنس، وهو لا يريد لعمله أن يقتصر في إيحاءاته على فكرة مؤطرة، فصدر المرأة يأخذ شكل طائرين عاشقين، يتمدد عنقاهما ليلتقي منقاراهما عند الشفتين، وهو بذلك يقدم شكلاً مركبا بلغة بسيطة فيها كثير من الاختزال.

بينما تأخذ المرأة شكلاً جمالياً يتمحور حول عينها الكبيرة التي ترصد ما حولها في منحوتة الفنان اكثم عبد الحميد، وتعطي الدائرة المفرغة في أسفل الشكل إيقاعاً جذاباً، تطل منه عين الرائي على ما وراء الشكل.

ونجد شكلاً جمالياً صافياً من التجريد في عمل الفنانة الألمانية جانين جيسيلا انطونيو وعمل الفنان د. إحسان العرّ.

ويعيدنا الفنان فؤاد أبو عساف إلى حكاية "العشاء الأخير" حيث يرصف بورتريهات على قاعدة مقوسة، يبرز فيها بورتريه السيد المسيح بين حوارييه، وتختفي فيها ملامح يهوذا الاسخريوطي الشهير بقبلته الخادعة.

وبدت الفنانة المصرية فيفيان البتموتي كأنها تستعيد طقس تكوين لغز فرعوني، وهي تسلخ جلد حجرين كبيرين بالمنشار الكهربائي، الذي يقدح ناراً وغباراً رمادياً، بحركة توحي بسباق محموم مع الزمن. ويبدو أنها تعبت من أسئلة الوافدين عن مضمون عملها المكون من قطعتين، شبه دائرتين مفلطحتين، فكانت ترد على الأسئلة بأنها ستنحت «صبارة»، ولم يكن الأمر كذلك، فهي تنطلق من مفهوم نظري، يبدأ من التجريد ويصل إلى مرحلة القراءة، ثم إلى شكل إنسان، فالمخلوقات والموجودات في الطبيعة كلها تشبه الكلمات التي تتشكل من الحروف، وبعض الكلمات تحمل مضموناً، وأخرى لا تحمل، ومن خلال الحروف المنحنية والهندسية، والفراغ والظل والضوء، يصاغ الشكل، وهي في النهاية تصور إنساناً يشغل حيزاً من الكون، بمفردات تشكلية، توحي فيها الرجلان بالحركة، بينما توحي إيقاعات أخرى بالخير أو الشر.

أما الفنانة السورية هيفاء عبد الحي، فكانت تستخدم المنشار الكهربائي على شكل لمسات خفيفة لتنعيم سطح المنحوتة المزدوجة لجسدي رجل وامرأة مقلوبين، كانا في حالة طيران حب، وهما يلمسان الأرض برأسيهما استعداداً لطيران آخر، إنهما جسدان ملتصقان، رشيقان، بتفاصيل دقيقة وإيقاع انسيابي سلس ملائم لشعرية الفكرة الحالمة المنفذة بأسلوب واقعي تعبيري.

وتبرز بين الأشكال المختلفة منحوتة للفنان السوري فؤاد نعيم، وتتمثل في بورتريه امرأة مسترخية انكفأ رأسها إلى الخلف بعينين مغمضتين، في حالة حلم أو معاناة أو حب، بينما انسدل وشاحها على الكتف منقطاً بدوائر صغيرة من لون ذهبي.

بينما أنجز الفنان مجيد جمول مجسم إنسان بارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار، في إطار لولبي يشير إلى حركة الدوران والارتقاء، للانسلاخ عن الجاذبية والتسامي فوق الأمور الصغيرة في الحياة، فيما يشبه الدوران في حلقات الصوفية، ويرى الفنان أن عمله هذا يحرض الحس والعقل على التأمل والتفكير.

ونصب الفنان الإيراني طاهر شيخ الحكماء «برج حمام» من أربعة أعمدة مضلعة، بين قاعدة وسقف وغرز في نهايات الأضلاع الأربعة أغصاناً معدنية بيضاء تحمل خمسة وعشرين طائراً معدنياً أبيض للتذكير بثورة عام 1925 التي قادها سلطان باشا الأطرش في السويداء ضد الجيش الفرنسي، حيث انتصر فرسانه، بخيولهم وبنادقهم، على الدبابات الغازية، في معركة "المسيفرة" التي كانت بداية مواجهة مستمرة وصولاً إلى الاستقلال.

ونحت الفنان د. نزيه الهجري جذع رجل كهل بشاربين طويلين وطاقية مدورة، بملامح قاسية وعينين حادتين، بملامح قريبة من ملامح سكان منطقة السويداء، ويبدو الرجل وكأنه يرصد المنطقة، متأملاً امتداداتها الجبلية ووديانها وحجارتها السوداء، وصولاً إلى الصحراء التي تمتد إلى الأفق البعيد.

وفي عمل مركب من ثلاثة أجزاء بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر أنجز الفنان البولوني داريوش كوفالسكي مجسماً لرأس إنسان آلي كبير يتحرك على سكة، وهو دون عينين، لأنه لا يرى ما حوله، إنه الإنسان الجديد الذي فقد الرؤية، وانحصرت علاقته بنفسه، انها حياة العزلة التي فرضتها التطورات التقنية الحديثة.

وتبرز في هذا العمل الإيقاعات الهندسية الدقيقة، التي توحي بالموهبة و الحرفية العالية، في اختيار الفكرة، وتجسيدها، ويذكر أن للفنان تجارب متعددة في المزاوجة بين المعدن والرخام، وفي المنحوتات البرونزية، وهذه هي التجربة الأولى التي يتعامل فيها مع البازلت.

 

 

بندر عبد الحميد 




الفنان الكويتي سامي محمد مكرماً في الملتقى





جلسة افتتاح ملتقى السويداء الدولي الأول للنحت





المنحوتة التي نفذتها الفنانة الألمانية جانيل جيسيلا أنطونيو





السورية هيفاء عبد الحي بجوار عمل من أعمالها





من أعمال الفنان أكثم عبد الحميد





سميح العوام مدير عام الملتقى





الفنان فؤاد نعيم يضع اللمسات الأخيرة على منحوتته