أحمد زكي و(العربي)

أحمد زكي و(العربي)

نشرت مجلة (العربي) في العدد (557) إبريل 2005 مقالاً للدكتور محمد الجوادي, تناول فيه سيرة الدكتور الراحل أحمد زكي - رحمه الله - تحت عنوان (حياة ثرية بالرغم من بعد الرحيل), بمناسبة مرور 110 سنوات على ميلاد الدكتور أحمد زكي, وأحب أن أضيف وأسلط الضوء على ما جاء في المقال, حتى يتسنى للجيل الحاضر التعرف على شخصية عالم فذ وأديب كبير, فقدت الأمة العربية بوفاته في العام 1975 رائدًا من روّاد الحركة الفكرية.

لقد كانت مجلة (العربي) ومازالت منذ صدور العدد الأول في ديسمبر 1958 منارة للثقافة لكل قارئ للعربية في شتى أنحاء العالم, وكان أستاذنا الدكتور أحمد زكي يعطي من عمله ومن فكره بلا حدود, وكانت حكومة الكويت قد أعلنت منذ صدور العدد الأول عن وزارة الإرشاد والأنباء بدولة الكويت - كما كان اسمها في ذلك الوقت - أن مجلة (العربي) مجلة شهرية مصوّرة: عربية علمية أدبية ثقافية جامعة), وكما أعلن الدكتور أحمد زكي في افتتاحية العدد الأول: (اقرأ كل شيء واسأل نفسك, عند كل مقال, هل انتفعت به في زيادة معرفة? في تحريك عاطفة? في ابتسامة تروّح عنك? وهل انتفعت به في نفسك? في جسمك? في أهلك? في حاضرك? في مستقبلك? في أمل من آمالك? وهل انتفعت به مواطنًا عربيًا حيثما كنت من سطح الأرض?...إن هذا العدد الأول جيد, والعدد الثاني سيكون أجود, والعدد الثالث سيكون أكثر جودة, فكن معنا,ـ نكن معك, والعود أحمد إن شاء الله).

لهذا الوطن

وفي الافتتاحية, تناول الدكتور أحمد زكي تحت عنوان: لمَ كان الكويت (للعربي) منزلاً? (العربي) لا تصل العروبة بالأرومة والدماء, حرية العرب لن يحول دونها إطلاق صواريخ أو انفجار ذرات). تناول قصة أول لقاء له بالشيخ الجليل المغفور له الشيخ عبدالله السالم أول مرة زائرًا الكويت عام1955 حين عرف المغفور له عبدالله السالم أن الدكتور أحمد زكي من رجال العلم قال له: (أنا رجل إن فاتني أن أكسب الكثير, فقد كسبت شيئًا هو آثر الأشياء عندي, ذلك حب الخير لبلدي وللعرب أجمعين. كلمة ما كان أكثرها وأقلها, وتواضع وهو الأديب الكبير, لم أجده في الكثير من الكبراء, والشيخ العود قضى الكثير الأكثر من زمانه في عصر ما قبل الزيت, وجاء الزيت بالنعمة الواسعة فعافها).

إن مجلة (العربي) لهذا الوطن العربي كله من الخليج شرقًا إلى المحيط غربًا, ومن حلب شمالاً, إلى المكلا وجوبا جنوبًا, و(العربي) للفكرة العربية خالصة, وهي لكل ما يتمخض عن الفكرة العربية من معان, فهي ضد الجهل, ومع المعرفة, في هذا الوطن العربي كله. وهي ضد المرض, ومع الصحة, ومن الصحة صحة العقول, وهي ضد الفقر, ومع الغنى تطلبه للفقير ليستغني, وتطلب له من أجل ذلك التعليم الطويل والتثقيف الواسع, والتدريب الصادق ليعمل مخلصًا, وليعيش في عمله عيشة راضية كريمة).

ومنذ صدور العدد الأول ومجلة (العربي) تحمل الفكر الجاد, وكان صدورها في مطلع كل شهر مصدر سرور وبهجة لكل المثقفين العرب, في ذلك الوقت, كنا ننتظر وصولها بفارغ الصبر, وكانت تنفد بسرعة فائقة, على الرغم من زيادة الأعداد المطبوعة شهريًا, وتلاعب الباعة بسعرها المعلن في ذلك الوقت. وانهالت برقيات التهنئة بالصدور من كل الرؤساء والملوك العرب, لقد توحد الفكر العربي في كتاب واحد, فأنت تقرأ قصيدة شعر لشاعر من مصر أو من سورية أو من فلسطين, كما تقرأ قصة لأديب من ذلك البلد كما تقرأ رأيًا في السياسة أو الحضارة, أو تسافر وأنت جالس في بيتك تتعرف على كل المدن العربية من المحيط أو الخليج, أو تغوص في أعماق البحار أو تحلق في الفضاء الواسع.

وكانت مجلة (العربي) ملتقى لكل رجال العلم والأدب في العالم العربي, وعلى الرغم من أن وزارة الإعلام بدولة الكويت قد أعلنت عدم مسئوليتها عمّا ينشر بالمجلة من آراء, فلقد كان للدكتور أحمد زكي دور بارز في التقارب بين تلك الآراء, وفي نبذ الخلافات بين المفكرين العرب وفي محاولة إقناع القارئ العربي قدر المستطاع, ومن المشاكل التي كان يواجهها أيضا عدم الاتفاق على رأي واحد في بعض المواقف واختلاف الآراء الفقهية بالنسبة لبعض الموضوعات الإسلامية, كزواج المتعة والربا والتأمين, أو بالنسبة لبعض الاكتشافات العلمية, ومن ذلك النزول على سطح القمر في القرن الماضي, كان يراه البعض افتراء وخرافة, وكان الحديث عن السياسة أحيانًا سببًا في منع دخول مجلة (العربي) لبعض الدول العربية. لقد صدرت مجلة (العربي) في زمن صعب مليء بالمشاكل السياسية في كل أنحاء الوطن العربي, ولم تكن بعض الدول العربية قد نالت استقلالها بعد.

لقد أعطى الدكتور أحمد زكي جلّ اهتمامه للثورة الجزائرية وللقضية الفلسطينية ولثورة الجنوب العربي في عدن بالقلم والصورة من خلال مجلة (العربي), ووقف مدافعًا عن حق الكويت في السيادة عندما هدد عبدالكريم قاسم أمن الكويت.

وعندما وقعت حرب الخامس من يونيو عام 1967 أصيبت الشعوب العربية بخيبة أمل, ولم يستطع الدكتور أحمد زكي تحمل تلك الصدمة والسكوت على ما جرى, واعتبر أن ما حصل لم يكن شيئًا هينًا, ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام, ففي شهر مارس 1968, كتب في افتتاحية العدد 112 مهاجمًا الأنظمة العربية المسئولة عن النكسة, كتب يقول: (محنة ولا كل المحن! وجوه مستورة بحجب من حرير, عليها الذهب زينة, والماس حلية, أسفرت عن أقبح الصور التي عرفها التاريخ العربي في سنواته الطويلة المجيدة, ونخجل أن نشكو إلى الرحمن, فقد أعطانا فوق ما أعطى الناس أضعافًا مضاعفة, فكفرنا بنعمة الله فحق علينا جزاء الكافرين). في ذلك الوقت, وبسبب هذا المقال, منعت السلطات المصرية توزيع هذا العدد (112), وتمت مصادرته كما منع من التوزيع في دول عربية أخرى.

وفي شهر نوفمبر 1975 سقط القلم وترجّل الفارس, بينما كان يكتب الافتتاحية الأخيرة للعدد 205 من مجلة (العربي), وهي آخر ما كتب فقيد العلم والأدب, وعمّ الحزن والأسى كل المثقفين العرب لفقدان رجل قدم للعلم والأدب آلاف المقالات, والعديد من المؤلفات.

ولقد كرّمته مجلة (العربي) بإصدار أول عدد من كتاب (العربي) تحت اسم (الحرية) في مطلع عام 1984, ويضم الكتاب مجموعة مقالات كتبها الدكتور أحمد زكي, وكان ذلك تكريمًا وتخليدًا لذكراه.

جهاد فوزي مشتهى
الكويت

يا قَمَراً مَطْلَعُهُ المَغْرِبُ, قد ضاقَ بي, في حبّكَ, المذهبُ
أعتبُ, من ظلمِكَ لي جاهداً, ويغلبُ الشّوقُ, فأستعتِبُ
ألزمتَني الذّنْبَ الذي جئتَهُ, صَدَقْتَ, فاصْفَحْ أيّها المُذنِبُ


(ابن زيدون)