مساحة ود

مساحة ود

اعتراضات صديقتي

«خالف تعرف» كان هذا هو اسمها المتداول بيننا لاعتراضها على كل ماهو سائد ومتعارف عليه، فإذا اتفقنا على صعوبة مقرر دراسي ما أكدت هي على سهولته، وإذا أجمعنا على رأي في مسألة محددة كانت تفاجئنا برأي فلسفي آخر، كما كان الحال حين جزمنا نحن على وسامة زميل لنا في الجامعة، بينما أصرت هي على خلوه من أي معنى من معاني الوسامة.

بعد سنوات من تخرجنا في الجامعة وانشغال كل منا في أمور الحياة والانخراط في العمل، تذبذبت علاقتي بها، إلا أن شخصيتها المعترضة دوما لم تغب عن ذهني. كنت أعزو ميولها المتطرفة ورغبتها الدائمة في الاعتراض إلى حماس الشباب، خاصة في مرحلة المراهقة، حيث تبرز الرغبة في التميز والظهور اللافت، وإن كانت أحيانا بتهور ودون وعي.

قد يكون التفكر وإعادة النظر بشيء ما بداية للاقتناع بحكم مغاير عما هو شائع، خاصة عندما تتبدل الأولويات وفقا للعمر ونضج التفكير. ولكني تذكرت صديقتي «خالف تعرف» حين وجدت الكثير من أمثالها في كل مكان، يختلفون عنها فقط في أنهم بلغوا من العمر عتياً، ورغم ذلك فإن عنفوان الشباب وحدة المعارضة لديهم لم يخمدا أو يموتا.

إنهم يصدحون بأعلى أصواتهم معترضين على كل ماهو متفق عليه قانوناً أو عرفاً. منهم من يؤكد موقفه بالحجج والبراهين، ومنهم من يلجأ إلى الصوت العالي وكأن من حولهم صم. قد يكون الاختلاف والتشكيك في أحد الأمور أحياناً تصحيحاً لمسار خاطئ وبداية للتغيير إلى ماهو أفضل، إلا أن استمرار الاعتراض لدى البعض يجعل من حولهم يشككون في نواياهم حتى ولو كانت حسنة.

وبعد أن كثرت أعداد المخالفين والمعترضين من حولي، كتبت إلى صديقتي «خالف تعرف» رسالة أقول لها فيها: «في عالم مليء بالتناقضات نجد أنفسنا ملزمين بالاعتدال، فكما أن اللون الرمادي هو خليط الأسود والأبيض، فبين القبح والجمال يتوسط القبول، وفي تفكير العاقل الرزين لحظة جنون مبدعة. قد نرفض التطرف ونلتزم بالاعتدال، ولكن ما إن يتعلق الأمر بمصالحنا الخاصة سرعان مانغير الكثير من قناعاتنا فنبيح ما حرمنا ونثني على ما استنكرنا».

 

 

هذايل الحوقل