وثيقة عهد... ومسيرة

وثيقة عهد... ومسيرة

(خطاب أمير البلاد في يوم القسم)

بسم الله الرحمن الرحيم

مِنَ المُؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الّله عليهِ فمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَنْ يَنتَظٍرُ وَمَا بَدّلُوا تَبدِيلاً

صدق الله العظيم

إخواني رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نلتقي اليوم في وحشة الغياب ومرارته, بقلوب عامرة بالإيمان بقضاء الله وقدره, يجمعنا حب قاطع لفقيدنا الراحل الكبير صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح - رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مثواه- أمير عادل وربّان حكيم وقائد من طراز فريد, قلما جاد الزمان بمثله, زاهد في متع الدنيا, مخلص في حب وطنه, وهوالقائل: (الكويت هي الوجود الثابت, ونحن الوجود العابر).

فقيدنا العزيز - رحمه الله - رجل الإيمان الصادق, وداعية الوسطية والاعتدال, ومالك الرؤية الثاقبة, صاحب الفكر المؤسسي, وباني نهضة الكويت الحديثة, سنيد الحرية والديمقراطية, وداعم العلم والإبداع والمعرفة, جامع الأصالة والمعاصرة.

فقيدنا الغالي رحمه الله, سبّاق الرؤى والمبادرات التي انفردت بها الكويت, فأكسبتها المكانة المرموقة التي تستحق في محيطها والعالم, صاحب الأيادي البيضاء والمواقف المشهودة في دعم قضايا أمته العربية والإسلامية وقضايا العالم العادلة.

إنه الرجل الذي وضع الكويت في عينه وعقله ووجدانه, وسيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الكويتيين, رمزًا تاريخيًا, ونبراسًا هاديًا بمكارمه وسجاياه, ونحن على عهده باقون, وندعوك اللهم أن تلهمنا صبر المؤمنين وأن تجعل لنا من أمرنا رشدًا يا رب العالمين.

إخواني وأبناء وطني الأحباء..

إن الثقة الغالية التي أوليتموني إياها, هي شرف الأمانة التي أحمل في عنقي, وقدسية الوسام الذي أفاخر به على صدري, والقسم العظيم على التفاني في حب الكويت وأهلها المخلصين الأوفياء, الذين ضربوا بمواقفهم المسئولة, المثل الرائع في إعلاء مصلحة الكويت فوق كل اعتبار, ونحمد الله تعالى على تلاحم وحيوية أهلها, وحرصهم على إرثهم الغني بالحكمة والشهامة والتجربة الرائدة في العمل الدستوري, والممارسة الديمقراطية الواعية.

وفي هذا المقام,أتقدم باسمي وباسمكم, وباسم أهل الكويت جميعًا برسالة حب وتقدير ووفاء لأخي صاحب السمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح, الرجل المعطاء لبلده من وقته وجهده وصحته, والبطل الذي زادته جراح الغزو الغادر قوة ومناعة وإصرارًا على متابعة مسيرة النضال حتى التحرير, وإعادة البناء والتعمير, رفيق الدرب لصاحب السمو الأمير الراحل رحمه الله, وشريكه في السراء والضراء, صاحب المكانة العالية في نفوسنا جميعًا, ومالك القلب الكبير والشخصية المستقرة في قلوب الكويتيين, التي لم تكن لتستكين وتهدأ لولا حاجة صاحبها إلى الراحة, إنه قدر الله يسبق الجميع, وما شاء فعل, وسيبقى تاريخ الكويت نابضًا بذكراها العطرة, ومآثرها الحية.

لقد شهدت الكويت خلال الأيام الماضية تجربة دقيقة, حسمت بها أمرًا بالغ الأهمية, ولئن صاحب تلك التجربة شيء من الألم والقلق, إلا أنها في محصلتها ذات وجه إيجابي ناصع, يمثل علامة صحة, وانتصارًا للنهج الديمقراطي الذي ارتضاه الكويتيون, وتكريسًا حيًا للشرعية الدستورية, مما جعل هذه التجربة موضع إشادة وتقدير العالم أجمع.

يحسب للشعب الكويتي الأبيّ ما أبداه من مشاعر الولاء والإخلاص والوفاء لوطنه ولرموزه الوطنية, وتجسيده التلقائي للوحدة الوطنية المعهودة, ويحسب كذلك لمجلس الأمة الموقر - رئيسًا وأعضاء - بما اتسمت به خطواته الحكيمة من وعي ورويّة وممارسة راقية, وتغليب المصلحة الوطنية العليا, وذلك في إطار نظامنا الدستوري الراسخ, كما يحسب أيضًا للأسرة الحاكمة ما أكدته من حرص على وحدة الصف والكلمة, والتزام بثوابت الكويت الوطنية, مثمنين أيضًا بالتقدير الدور البناء لصحافتنا المحلية, وما أظهرته من حرص وإدراك لمصلحة وطننا الكويت لدى تناولها ومتابعتها لتلك التجربة.

إنها الكويت, وأهل الكويت, بما عرف عنها وعنهم من خصوصية متفرّدة, أرسى دعائمها الأولون, وتعززت واستقرت عبر الأجيال المتعاقبة ويحق لكل كويتي أن يعتز بها ويفخر.

أيها الإخوة الأفاضل..,

بكم ومعكم ومؤازرة أبناء الكويت جميعًا نبدأ كتابة صفحة جديدة في تاريخنا المعاصر, ونحن نتطلع إلى غد واعد بإذن الله, سائرون على خطى راحلنا الكبير رحمه الله ثمرة تجربة نستلهم منها الهدى والرشاد.

إن الآمال والطموحات كثيرة, والتحديات كبيرة, وعالمنا يموج بالتطورات والمتغيرات التي لا نملك الخروج عن دائرة ظلالها وتداعياتها, كما لا يخفى ما تشهده ساحتنا الإقليمية من مظاهر التوتر وعدم الاستقرار, مما يضعنا جميعًا في صلب مواجهة حقيقية لتحدياتنا.

وعلينا أن ندرك أن التعاون الإيجابي المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قدر حتمي لتحقيق النقلة النوعية نحو التغيير والإصلاح, ودفع مسيرة البناء والتنمية إلى الأمام, وأن الإرادة الوطنية الواعية سبيلنا إلى الإمساك بكل مقومات النجاح والإبداع والتميز والتحلي بالمزيد من رحابة الصدر وتقبل الرأي الآخر, والتزام الموضوعية في مختلف الظروف والأحوال, وتغليب الصالح العام, ونبذ التحزّب والأهواء الطائفية والقبلية والفئوية الضيقة, لتبقى الكويت دائمًا هي الرابح الأول والأكبر.

وإنني على ثقة كاملة, وبتوفيق من العلي القدير, واهتداءً بمبادئ ديننا الحنيف وشريعته السمحاء, وتمسكًا بنهج ودأب من سبقنا, وبتصميم لا يقبل ترف الإخفاق والتراجع, سنحقق بإذنه تعالى مجد الكويت الغالية, فيما نصبو إليه من عزة وتقدم وازدهار.

والله نسأل أن يديم على وطننا نعمة الأمن والأمان, ويكون لنا خير سند ومعين على حمل الأمانة, تيمنًا بقوله سبحانه وتعالى:

وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا (صدق الله العظيم).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته