هل نضرب أولادنا?

هل نضرب أولادنا?
        

تضع (العربي) هذا الموضوع الحسّاس الذي يمكن أن نختلف عليه أمام أنظار قرائها فتحًا لباب النقاش وليس التزامًا بما فيه.

          مسألة عقاب الأبناء وضربهم من المسائل التي تثير الكثير من التساؤلات عند الآباء والأمهات, فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة, يقول الأستاذ محمد قطب: التربية بالعقوبة أمر طبيعي بالنسبة للبشر عامة والطفل خاصة, فلا ينبغي أن نستنكر ذلك من باب التظاهر بالعطف على الطفل; فالعطف الحقيقي على الطفولة هو الذي يرعى مصالحها في مستقبلها لا الذي يدمر كيانها ويفسد مستقبلها, ولا من باب التظاهر بالعلم; فالتجربة العلمية ذاتها تقول: إن الأجيال التي نشأت في ظل تحريم العقوبة ونبذ استخدامها أجيال مائعة لا تصلح لجديات الحياة ومهامها والتجربة أولى بالاتباع من النظريات اللامعة.

          كما يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة, يقول الأستاذ محمد حسين - الداعية الإسلامي المهتم بشئون الأسرة - إن الله سبحانه يحب من عباده أن يتخلقوا بالأخلاق الحميدة, فلا يغضبوا وينزلوا العقوبة بلا تأن وتعقل وتريث; لأن العجلة حينئذ تكون من الشيطان العدو لهم, وهى دعوة إلى التحكم في النفس عند وقوع خطأ من الصغار, والنظر أولاً, والتحقق من دوافع الخطأ, وقبول العذر. يقول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: (لا تقض وأنت غضبان, ولا تقض بين اثنين حتى تسمع منهما, حتى لو جاءك أحدهما وعينه على يده, فربما جاء الآخر وعيناه على يده). وغالبًا ما نجد الابن يقتنع دون عقاب, ولذا فمن الأفضل البعد قدر الإمكان عن العقاب, خاصة إذا كان هذا العقاب مهينا لإنسانية الطفل.  فإن كان ولابد من العقوبة فعلينا أن نراعي احترامنا لكيان الصغير وتقديرنا له كإنسان, فالعقوبة على أنواع, هناك عقوبة للذنب البسيط وأخرى للكبير, كما أن تكرار وسيلة العقوبة الواحدة يفقدها أثرها على الطفل لذلك لا بد من التغيير. ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة; لأن تنفيذ الوسائل العلاجية يجب فيه التدرج والمرحلية, ونلاحظ أن الوسيلة الأولى(عقلانية) من خلال الحوار والنصح, والثانية (النفسية) من خلال الضغوط المترتبة على نفسية الطفل, فاذا لم تنفع الوسائل العقلانية والعاطفية, لجأ لاستخدام القوة بالضرب وفق شروطه وحدوده الواردة. فابن مسكويه يقول: (إن طريقة التأديب للصبي يجب أن تمر بمراحل وهي التغافل أولاً, ثم التوبيخ, ثم الضرب).

          ولهذا قبل أن نشرع في العقوبة البدنية لنتأكد بأننا قد قمنا بالخطوات التالية:

الوسائل العقلانية:

  • التغافل عن خطأ فعله لأول مرة يقول شمس الدين الانبابي في (سياسة الصبيان): (..... فان خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة, فينبغي ان يتغافل عنه, ولا يهتك ستره.. فان عاد ثانيا ينبغي ان يعاقبه سرا ويعظم الأمر فيه, ويقول له إياك أن تعود لمثل هذا, فتفتضح بين الناس, ولا يكثر عليه الملامة في كل وقت فانه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح فإذا عاد أدّبه بما يليق من توبيخه).
  • التوجيه والإرشاد, يرى د. سبوك - الخبير النفسي الشهير - أن علينا أن نؤدب أبناءنا دون حاجة إلى العقاب, فالعقاب ليس الوسيلة الوحيدة لمنع الطفل من أن يتصرف تصرفًا مزعجًا, أو خارجًا عن حدود الآداب العامة, تمامًا كما أن العقاب لا يمنع السارق من السرقة, ولا القاتل من ارتكاب الجريمة و إنما هو أسلوب قد نلجأ إليه عندما نستنفد كل الأساليب الأخرى, وحين نفشل تماما في توجيه الطفل ناحية السلوك السليم من أجل خلق علاقة حب حميمة ومتبادلة.
  • التوبيخ.
  • التهديد بالتنفيذ كأن أقول له: سأخبر والدك, فقد قال أحد الصالحين يمدح زوجته التي تؤدب ابنه: كانت تتوعده بي وتؤدبه دوني.

العقوبة النفسية:

  • إظهار عدم استحسان السلوك.
  • النظرة الحادة: وهى ما تسمى ( البحلقة ) وهى تردع بعض الأطفال, بل ويبكون منها أحيانًا.
  • الهمهمة: وهى صوت يخرج من الحنجرة يدل على الإنكار وينبه الطفل إلى ما وقع منه.
  • مدح غيره أمامه: بشرط أن يكون للعقاب فقط, وليس في كل الأحوال, كما ينبغي عدم الإكثار من هذا الأسلوب في العقاب لما في تكراره من أثر سيئ على نفس الطفل.
  • الإهمال: فتدخل وتسلم, ولا تخصه بالتحية, ولا تسأل عما فعل اليوم, كما كنت تسأل, وإن حدثك فأدر وجهك للجانب الآخر, وهكذا حتى يشعر بخطئه وحينئذ أسرع ببيان خطئه, ولا تتماد في إهماله; لأن دورك التعليم وليس التعنيف.
  • الحرمان من شيء محبوب: من مصروف أو نزهة, أو أي شيء يحبه الطفل كالدراجة, أو الأتاري, أو التليفزيون. أسلوب الحرمان و العقاب و الثواب لماذا لا يتم اتباعه ? فهو حتى الآن لم يثبت فشله كالضرب الذي يحث الطفل لان يتسلل بالخفاء لكي يحقق الخطأ بعيدا عن أعين الرقابة.. لماذا لا نربى أبناءنا على الرقابة الذاتية ?
  • الهجر والخصام: على ألا يزيد على ثلاثة أيام, وأن يرجع عنه مباشرة عندما يعترف الطفل بخطئه.
  • التهديد: شرط أن ينفذ إذا تهاون الطفل.
  • أيضاً من العقوبات: أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً, مثل: مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم, ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة.
  • شد الأذن: وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم, كما أخرجه ابن السني, فعن عبد الله بن بسر المازنى الصحابى رضى الله عنه قال: (بعثتنى أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب, فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه, فلما جئت أخذ بأذني وقال: (يا غدر).
  • وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء, وهو الحجز المؤقت, كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة, وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس  إلى عشر دقائق كافية.
  • ومن الوسائل الناجحة جدا: المشارطة, بمعنى إن فعلت يا بني كذا.. فما هي عقوبتك? وانتظر أن يختار لنفسه عقوبة وهو عندها سيراقب نفسه جيدا فلا يعود للخطأ البسيط.

العقوبة المادية:

          أما الذي لا يستجيب لوسائل التأديب ولا ينفع معه الرفق فينبغي استعمال آخر الدواء معه وهو الضرب. فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم, وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع, على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة, ويجب على الأب الحذر من التعامل معه; لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ فماذاستكون النتيجة ?! ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم. فلا يكون الضرب إلا عند استنفاد أساليب التربية جميعها, ووسائل العقاب كلها,وبشرط أن يكون الطفل مميزًا; لأن غير المميز بين الصواب والخطأ لا يضرب; لأنه لا يدرك خطأه, وبالتالي لا يجدي معه الضرب, بل سيأتي معه غالبًا بنتيجة عكسية, وكذلك لا يضرب الطفل قبل سن العاشرة.

          وجاء الأمر صريحا عن النبي بضرب الأولاد على تركهم الصلاة, عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع) لذلك أجاز العلماء ضرب الولد في حالة تركه الصلاة, ويكون الضرب لمن هم في سن العاشرة وما فوقها ويمتنع في حق الذين هم دونها; لأنه المفهوم من حديث الرسول, أما قبل العاشرة فلا يجوز ضربه لصغر سنه, وما يتبع ذلك من انعدام مسئوليته.

شروط الضرب وقواعده:

  • الضرب للتأديب كالملح للطعام (أي القليل يكفى والكثير يفسد).
  • لا تضرب بعد وعدك بعدم الضرب لئلا يفقد الثقة فيك.
  • مراعاة حالة الطفل المخطئ وسبب الخطأ.
  • لا يضرب الطفل على أمر صعب التحقيق.
  • يعطى الفرصة إذا كان الخطأ للمرة الأولى.
  • لا يضرب أمام من يحب.
  • الامتناع عن الضرب فورًا إن أصر الطفل على خطئه ولم ينفع الضرب.
  • عدم الضرب أثناء الغضب الشديد وعدم الانفعال أثناء الضرب.
  • نسيان الذنب بعد الضرب وعدم تذكير الطفل به.
  • لا تأمر طفلك بعدم البكاء أثناء الضرب.
  • لا ترغم الطفل على الاعتذار بعد الضرب وقبل أن يهدأ; لأن في ذلك إذلالاً ومهانة, وأشعره أنك عاقبته لمصلحته, وابتسم في وجهه, وحاول أن تنسيه الضرب.
  • يبتعد عن الضرب في الأماكن الحساسة, عملا بالتوجيه النبوي الشريف: (إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه) رواه مسلم.
  • قال صلى الله عليه وسلم لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى  الضرب المؤلم, وليس الضرب المضر.
  • أن يتولى المربي الضرب بنفسه وحبذا لو كان الأب هو الضارب.
  • تنفذ العقوبات وتصرف المكافآت في ساعاتها.
  • من الأخطاء الشائعة في الضرب: أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت, وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديقًا حميمًا, بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده, وإذا كان الأب متعباً فقد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ.

أما مضاره وعواقبه فهي:

          أن يألفها الولد, وأن يصبح بليدا وأن يلجأ لتحقيق ذاته بأساليب منحرفة.

          كما أظهرت الدراسات أيضا أن هناك زيادة لاحتمالية تولد الشخصية العدائية للمجتمع, الجنوح, والإجرام لدى الأطفال الذين يتعرضون للضرب التأديبي أكثر من غيرهم. 

          إضافة إلى أن الضرب طريقة غير فعالة لتعديل السلوك من الناحية النفسية, تحط من احترام الطفل لذاته, تؤذي حماسه, وتولد الغضب وعدم التعاون لديه و سيخلق عند الطفل سلوك العصيان وعدم التواصل الحضاري مع الآخرين, وتدني مستوى احترام الذات, والكآبة.

          وقد يؤدي العقاب الجسدي بالضرب إلى أذى غير متوقع.

          وعموماً فإن الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة ومادامت هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان.

 

 

سالم مبارك الفلق