في العلوم الطبيعية: مؤشرات ونواقص محمد زكي عويس

في العلوم الطبيعية: مؤشرات ونواقص

إن عمليات التحديث والإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي تفرض أن يأخذ العلم والتكنولوجيا دورهما الفعال, وطريق ذلك هو البحث العلمي, ولا تأتي قوة الدولة إلا من خلال قوة التعليم العالي والبحث العلمي فيها. ويعتمد ذلك على مدى جدية سياسة العلم والتكنولوجيا التي تضعها الدول العربية. وما نراه الآن من العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة ما هو إلا نتيجة للبحث العلمي خاصة البحث التطبيقي منه. كما أن التطور في مجال البحث العلمي يؤثر بالطبع في تطور المجالات الأخرى الصناعية والزراعية والطبية.. إلخ.

وقدرات البحث العلمي على التطوير هي المورد الأساسي اللازم للمساعدة وتفهم المشاكل القومية التي لا تتحقق إلا بتوجيه البحوث العلمية لخدمة برامج التنمية في المجتمع وتوفير الأمن البيئي والغذائي والصحي للمواطنين.

وتشكل منظومة العلم والتكنولوجيا ركناً أساسياً مع غيرها من المنظومات التي تقوم عليها التنمية العلمية والاجتماعية الشاملة التي تستهدف الارتقاء بالمجتمعات الحديثة إلى المستوى الحضاري المتقدم والمشاركة الفعالة في صنع هذه الحضارة. ومن الضروري أن تكون منظومة العلم والتكنولوجيا متوافقة المكونات والارتباط وقادرة على الإنجاز وتحقيق المخرجات المستهدفة والتوظيف الأمثل لكل المدخلات الممكنة.

والجدير بالذكر أن المعارف العلمية والتكنولوجية في كل تخصصات العلم والتكنولوجيا تشمل التطبيقات في المجالات الآتية:

- العلوم التطبيقية
- العلوم الطبية
- الهندسة التكنولوجية
- العلوم الزراعية
- العلوم الاجتماعية الإنسانية

كما تقسم الأنشطة العلمية والتكنولوجية إلى ثلاث مجموعات هي:

- البحث العلمي التجريبي
- الخدمات العلمية والتكنولوجية
- العلم والتدريب على المستوى الجامعي والتعليم العالي

عوامل داخلية وخارجية

ويعرف البحث العلمي والتطوير التجريبي بأنه أي نشاط منظم أو خلاق يتم بغرض زيادة المعارف الإنسانية بشتى أنواعها. واستخدام هذه المعارف لتصميم منتجات (سلع أو خدمات) جديدة يفترض أنها أكثر كفاءة وجدوى, ويشمل البحث العلمي فرعين أساسيين هما:

أ-) البحوث العلمية الأساسية: وهي البحوث التجريبية أو النظرية التي تجري من دون هدف تطبيقي مباشر.

ب-) البحوث العلمية التطبيقية: وتشمل البحوث التي تتم في مجالات مختلفة مثل الزراعة والطب والكيمياء الصناعية بهدف تحقيق أهداف خاصة.

أما التطور التجريبي فيشمل الأعمال التي تؤدي إلى منتجات أو عمليات أو تصميمات جديدة.

يتكون الإطار العام لمنظومة العلم والتكنولوجيا من أربعة مكونات رئيسية هي:

أ- مجموعة من المؤسسات التي تعمل معًا لتحقيق أهداف محددة وتنظيم إداري محكم.

ب- التفاعل والترابط مع البيئات المحلية والعالمية المحيطة.

ج - استخدام المدخلات اللازمة.

د - تحقيق المخرجات المستهدفة

وتقوم منظومة العلم والتكنولوجيا بوظائفها التي تتعدى مجرد إيجاد بعض الحلول لبعض المشاكل المتناثرة, إلى الدعم والمساندة المتكاملة لتحقيق الأهداف القومية المبتغاة. ويتم ذلك عن طريق عدد من العمليات الأساسية والتنظيمات لإدارة وتشغيل المؤسسات وتوجيهها نحو الغايات المطلوبة.

هناك ثلاث عمليات وظيفية لمنظومة العلم والتكنولوجيا وهي:

أ- وضع السياسات والاستراتيجيات بصورة متكاملة ومتوافقة مع خطط التنمية.

ب - تنظيم وتنسيق ودعم مكونات المنظومة

ج - توليد المعارف العلمية والتكنولوجية ونقلها ونشرها وتطبيقها, وتطبيق الخدمات المرتبطة بذلك, وبناء علاقات بين المنظومة والمستفيدين من خدماتها, ورعاية هذه العلاقة وتطويرها.

وتقوم بتلك الوظائف تنظيمات إدارة عليا والمؤسسات التنفيذية المختصة, وتشمل هذه المؤسسات مراكز ومعاهد البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والجودة وخدمات الحاسبات والمعلومات والقياسات والملكية الفكرية ومتنزهات العلوم والحضانات التكنولوجية والقرى الذكية, كما تشارك في ذلك أيضاً الشركات الإنتاجية والمنظمات المهنية والنقابية والجمعيات العلمية والتكنولوجية.

ويرتبط نجاح المنظومة بمدى نجاحها في الارتباط المتبادل والتوافق ذاتياً ومع منظومة التنمية القومية والبيئة المحيطة محلياً وعالمياً.ويأتي ذلك عن طريق المشاركة بالرأي والفكر في قضايا المجتمع (خاصة فيما يتعلق بالعلم والتكنولوجيا), والإسهام في حل مشكلات السلع والخدمات كماً ونوعاً وقيمة, ورفع الإنتاجية وتحسين الاقتصاد, وتأهيل القوى البشرية المدربة والمتخصصة اللازمة للمنظومة ذاتها, وكذلك متابعة التطور العلمي والتكنولوجي العالمي والمشاركة فيه.

وتوجد في الوقت الحاضر مجموعة من مؤشرات العلم والتكنولوجيا العالمية, وتستخدم هذه المؤشرات الدولية عند اتخاذ القرارات ذات الصلة بالعلم والتكنولوجيا في الدول المختلفة.

وأهم هذه المؤشرات ما يلي:

1. مؤشر الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي

2. إعداد الأفراد في الأنشطة العلمية والتكنولوجية

3. البحوث المنشورة كمقياس للإنتاج العلمي

4. براءات الاختراع كمقياس للقدرة التكنولوجية

ومن أوجه قصور هذه المؤشرات ما يلي:

1. أنها محددة المجال ولا تعبر عن أية نواحٍ اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية مثل مدى الإسهام في تطوير التعليم العالي أو التأثير في التنافسية الصناعية أو نقل ونشر التكنولوجيا أو التأثير في ظروف المعيشة أو الظروف البيئية.

2. لا تعبر عن ظواهر هجرة العلماء من بلادهم أو تحرك الطلاب على النطاق العلمي, وتداول التكنولوجيا المتقدمة وتكنولوجيا الإنتاج. وكذلك شبكة البحث والتطوير للشركات متعددة الجنسيات.

3. أنها منحازة للدول الصناعية المتقدمة, حيث إن النشر العلمي والتكنولوجي هو أكثر دلالة في قياس الأنشطة العلمية والتكنولوجية في البلاد المتقدمة.

تتأثر قدرة منظومة العلم والتكنولوجيا بصورة كبيرة بعلاقات الارتباط والتوافق بينها وبين البيئات المحيطة على المستوى العالمي والمحلي. وتتعاظم هذه التأثيرات تحت الظروف العالمية المعاصرة واتجاهاتها المستقبلية, وما تنم عنه من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية سريعة الخطى.

ومن العوامل العالمية المؤثرة ما يلي:

تزايد أهمية بعض مجالات العلم والتكنولوجيا المتقدمة والجديدة. والاتجاه لتركيز العمل في تطوير التكنولوجيا بالقطاع الخاص. وتعاظم دور الشركات متعددة الجنسية. ونمو التعاون العالمي والاتجاه إلى زيادة عولمة العلم. وزيادة الفجوة بين منظومات الدول المتقدمة والدول النامية.ثم يأتي ترشيد التمويل والتحديد الضاغط لأولويات البحث العلمي. واتفاقية الملكية الفكرية وآثارها على تملك المعارف العلمية والتكنولوجية وإمكان الاستفادة منها. وتزايد اهتمام المسئولية الإنسانية والأخلاقيات في أعمال العلم. وبروز بعض الاتجاهات التي تنم عن عزوف الشباب عن الدراسات العلمية والتكنولوجية لحساب الدراسات الإنسانية.

أما العوامل المؤثرة في البيئة فهي الاستقرار السياسي والاقتصادي. وحجم الدولة ومكانتها الإقليمية والعالمية.

ومن تلك العوامل أيضا: السياسات الاقتصادية خاصة الإنتاجية. والدعم السياسي, وسياسات التسليح والسياسات العلمية والتكنولوجية والتعليمية وخطط التنمية وأولوياتها, وتوافر التمويل وثقافة المجتمع

إن عناصر الإستراتيجية الخاصة بالبحث العلمي تتكون مما يلي:

- تكامل التخطيط العلمي والتكنولوجي في المجالس النوعية والتخطيط القومي الشامل للتنمية.

- تعبئة الموارد البشرية والمؤسسية والمالية المتاحة لتنفيذ الخطة.

- وضع قواعد فعالة لعمليات تقييم الإنجاز والاستفادة من النتائج.

نقاط للتدارك

أما أوجه التوافق في أزمة البحث العلمي عربيا وانطلاقا من المحددات والمؤشرات السابقة فتتمثل في:

- هناك أعداد كبيرة من مؤسسات العلم والتكنولوجيا موجودة في أرجاء الوطن العربي تختلف في تبعيتها ووظائفها, وتفتقر في غالبيتها إلى جانب التطوير التكنولوجي.

- الغالبية العظمى لهذه المؤسسات تنتمي إلى جهاز الحكومة, وتتسم في كثير من أمورها بسمات الجهاز المركزي الحكومي البيروقراطي, ولذلك فإن تجاوبها مع المتغيرات العالمية والمحلية المتسارعة بطيء ويهدد الكثير من هذه المؤسسات بالتخلف عن حركة التطور.

- تتوزع هذه المؤسسات بين العديد من القطاعات والوزارات والجامعات, وأن خطوط الاتصال فيما بينها إما ضعيفة أو منعدمة كلياً.

- لا توجد آلية قومية فعالة تضع الرؤى المستقبلية وتخطط للعمل في إطار منظومي شامل.

- تفتقر كثير من مؤسسات التنفيذ سواء في طريقة تنظيمها أو عملها وإداراتها إلى العديد من السمات الديناميكية لمؤسسات البحث والتطوير الحديثة والفعالة.

- تفتقر البنية التنظيمية في علاقاتها بالمجتمع إلى آليات فعالة تسمح بخلق الطلب على العلوم والمعارف والخدمات التكنولوجية.

- بالرغم من ارتفاع أعداد الأفراد والعاملين في مؤسسات العلم والتكنولوجيا في مصر ومعظم الدول العربية فإن العبرة ليست بالكم وإنما بالكيف والنوع ومدى توافق قدراته وتأهيله مع احتياجات المجتمع.

- يمثل التمويل إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه منظومة البحث العلمي. وتقدر نسبة الإنفاق الحكومي (وهو الغالب) في موازنة 2002 / 2003م وعلى المستوى العربي إلى حوالي 1% من الدخل القومي, في حين يصل في بعض الدول المتقدمة إلى 3-4 % وهو يمثل فرقاً هائلاً إذا أخذنا بالحسبان الارتفاع النسبي الكبير للدخل القومي لهذه الدول مقارنة بمعظم الدول العربية..

- الوضع العام لمنظومة البحث العلمي ينم عن المعاناة من ضعف عام مقارنة بالمعايير العالمية.

- لا تعتبر السياسات المعلنة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي ذا أولوية مهمة للحكومات العربية, وقد يعزى ذلك إلى التوجه السائد بين كثير من المسئولين بإمكانة إحداث تنمية اقتصادية سريعة عن طريق استيراد التكنولوجيا من الخارج, وربما أيضاً عدم إحساس هؤلاء المسئولين بالثقة في إمكانات القاعدة العلمية والتكنولوجية الوطنية..

- عدم وجود روابط لتعظيم إسهام القاعدة العلمية والتكنولوجية في عمليات اختيار وتطويع التكنولوجيا المستوردة, وغيبة الآليات التي تحفز على ذلك.

- الافتقار إلى الهياكل المناسبة لنقل وتطبيق التكنولوجيا.

- تشتت جهود التعاون العربي في مجالات البحث والتطوير التكنولوجي.

- ضعف مدخل الثقافة العلمية في إعداد المناخ المحيط وتوفير مقومات بناء مجتمع علمي تكنولوجي معاصر.

- التباعد بين المنظومتين الفرعيتين للعلوم الطبيعية والاجتماعية.

 

محمد زكي عويس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات