«قارورةُ صمغ» ديوان فائز بجائزة صينية للشعر العربي

«قارورةُ صمغ» ديوان فائز بجائزة صينية للشعر العربي

فازت مخطوطة ديوان «قارورة صمغ» للشاعرة فاطمة ناعوت بجائزة الشعر العربى فى هونج كونج عام 2006، وصدرت ترجمتها إلى الصينية والإنجليزية معا، فى أنطولوجيا واحدة، عن دار «ندوة بريس».

تتراوح النصوص فى «قارورة صمغ» بين الطول المفرط أحيانا وبين الجملة الشعرية الوجيزة، فمن بين 48 قصيدة تشكل كتلة النص الشعرى هناك 15 بالغة الوجازة كما فى قصيدة (محمد الشامى) التى لاتزيد عن ثلاثة أسطر:

يقلبُ ساعتـَهُ / فينشق الجبلُ / عن وجه يوسف. ص76

وقصيدة (زحام):

فى الزحام / أغمض عينيْ / لأختبىءَ معكَ خلف شبكيتي. ص 99

أو قصيدة (هكذا) فى سطرين فقط:

كلما ابتعدتُ عنكَ / ازددتُ بياضا. ص88

وهى القصيدة التى ستستخدمها الذات الشاعرة، فى تناص مع قصيدة طويلة بعنوان (ضرورة أن تكون النهايات حاسمة)

عندما تقول: لماذا صدقتنى حين قلتُ: / إننى ازدادُ بياضا / كلما نأيتَ عنى؟.

ص 128 مع تغيير يبقى النأى ويغيرُ النائي !.

النصوص القصيرة، بعناوينها ذات الكلمات المفردة، تطفو فى فضاء الديوان دون تأريخ، يربطها بالكتلة النصية، على عكس ما تحرص عليه الذات الشاعرة فى كل النصوص الطويلة, وهو مايطرح سؤال البنية، سؤال تشكيل الفضاء النصى فى الديوان، والوظيفة التى يتوخاها المعمارى من عناصره وهو يوزعها على الفضاء المتاح، يثير هذا السؤال كون فاطمة ناعوت مهندسة معمارية تقول فى حوار معها: لا شيء يعدل القصيدة عندي. حتى متعة تأمل منشأ معماري صممتُه على الورق خطًّا فخطًّا، وشهدتُ ميلاده ونموه حجرا حجرا حتى استوى على عوده بناءً سامقاً بعدما كان محض فكرة في ذهني، ثم حفنة خطوط رصاص فوق لوحتي، حتى هذه المتعة القصوى لا تفوق متعة كتابة قصيدة جميلة».

ذات شعرية

الديوان ممتع حقا ولعله الأكثر صفاء وحميمية فى تجربتها، الحميمية التى تتأتى من كونه صادرا عن ذات شعرية هى نفسها الذات الراوية، ومن اختلاط كتابة السيرة الذاتية بالرغبة فى تخييل العالم.

فى الديوان احتفاء بالأطفال، والفنانين، والشخصيات الأدبية، وهى حفاوة تؤكد استمرارية الهامش وقدرته على تجاوز الموت، كما تعيد إنتاج دلالات الأنوثة، فى سياقات ثقافية، وتخيلية، ونصية عديدة، كما تعيد تأويل الأساطير واللاوعى الجمعي، وتمارس السخرية من المنطق الأحادى للموت، والحرب، والجنس، والقضايا الكبرى.

نص فاطمة ناعوت يختلف عن نص مجايليها من الشعراء، ويتمايز باستخدامه لبعض التقنيات الشعرية التى تأسست عبر نصوص السبعينيين، من مثل الترصيع الإيقاعى، الذى تستخدمه الشاعرة فى قصيدة «العودة»، حيث تتوالى مقاطع نثرية ينتهي كل مقطع منها بسطرين من وزن «الكامل»، وكما فعلت بشكل مبتكر ومميز فى قصيدة «فول نابت» حيث أجرت حوارا بين عرافة بوهيمية وفتاة صغيرة تشكو لها. جاء الحديث علي لسان الفتاة نثريا، في مقابل حديث العرافة الذي جاء على وزن «الخبب»، ولو أنها غيرت من الأداء اللغوى بين المتحاورتين، بما يلائم الشخصيات، لكننا أمام تجربة غير مسبوقة فى مسرحة النص.

من غوايات السبعينيين أيضا امطار النصوص بعشرات الأسماء، وأخصُّ ما يأتى زائدا عن الحاجة، ولأغراض تبدو خارج النص، أو التى تأتى تثاقفا يعوق التلقى، ويخدش الحميمية، التى نجحت الشاعرة فى إذكائها مع القارىء.

استخدام الأسطورة

وهناك أيضا استخدام الأسطورة حيث تنجح فى إعادة قراءتها بما يجعلها جزءا من الحياة اليومية، وحوارا يكشف الحاضر بالماضى، فعلت ذلك فى قصيدة «عودة» مستدعية بنيلوبى، وفعلت ذلك فى قصيدة «سليمان» مذكرة بحكمه الغريب فى قضية الطفل، تاركة بحدسها «شعرة معاوية» تشتغل فى فضاء النص كما تستخدم التناص والتضمين لكنها تتعثر أحيانا إذ تقول:

تنصتوا على الصبية والفتى / جوار الساقية العجوز: / لو لم يكن بك علىّ غضبٌ لا أبالى! / فقال : بى !. ص 11

بينما تنجح فى نصوص أخرى حيث تقول فى احدى قصائدها:

أن تقضي رأسَ السنةِ وحيدةً / فيما الصحابُ منثورين فى أرض الله، / والكتب تنامُ وادعةً فوق الرف، / أن تمضي الليلَ بين مراجع الرياضيات / فى محاولةٍ لحساب عدد الألف واللام، / فى رسالة الحبيبْ / بعدما رتقتِ كعبَه المثقوب / أن تغلفي حيطان بيتك بالفلينْ / كي تهربي من صوت موتاكِ ينادون عليكِ / فذاك يعنى / أنكِ زائدةٌ عن الحاجة.

حيث يشتغل التناص ابتداء من عنوان القصيدة مرورا بعبس وتولى، وصولا إلى الكعب المثقوب، ليرتفع بالنص إلى فضاءات من التأويل.

عالم واسع مشتبك ومعقد، عذب وجارح، قاس ورحيم، هو مراح الذات وقفصها فى آن، تشير إلى نقصه وتحلم بتجاوزه، عبر قنصه بشبكة اللغة، وبسحرها، حيث يمكننا امتلاك ما نقدر على تسميته.

وفى غمرة الفرح أتمتم : / هندسة الكون وظيفتي! ص131.

 

 

فريد أبوسعدة 




الشاعرة فاطمة ناعوت، وغلاف الديوان الصادر عن «ندوة بريس»