التكنولوجيا والثقافة الرقمية.. د. أحمد أبوزيد

التكنولوجيا والثقافة الرقمية.. د. أحمد أبوزيد

لم يكن اكتشاف الكومبيوتر والانترنت مجرد تعديلات في طرق الحصول على المعلومات، ولكنها كانت ثورات ثقافية حقيقية في أسلوب التفاعل والتفكير.

اخترعت الكتابة كأداة لتسجيل الفكر وتوصيل الرأى بعد مرور بضعة آلاف من السنين على استخدام الكلام فى التواصل والتعامل والتفاهم مع الآخرين. وبعد مرور عدة آلاف أخرى من السنين ظهرت الطباعة التى ساعدت على حفظ المعلومات ونشر المعرفة على نطاق أوسع وبطريقة أكثر فاعلية وأشد تأثيرا من الكتابة العادية المعرضة للضياع والاندثار. وكان لابد من أن تمرعدة مئات أخرى من السنين قبل أن يتوصل العلم إلى اختراع البرق كأداة رقمية تؤدى الوظيفة نفسها ولكن بطريقة أسرع وقدرة عالية على الاتصال بمختلف أنحاء العالم، فى وقت أقصر بكثير جدا مما يتطلبه نقل الكلمة المطبوعة، وكان ذلك مقدمة طيبة لظهور تكنولوجيات رقمية أخرى أكثر تطورا وكفاءة وسرعة وتأثيرا، بلغت ذروتها فى اكتشاف الكمبيوتر والإنترنت.

وصلت آثار هذه الاكتشافات فى العقود الأخيرة إلى كل أنحاء العالم ربما باستثناء بعض الجماعات الصغيرة المنعزلة فى الغابات أو فى باطن الصحراء. ولايزال الإنسان المعاصر يحيا فى قلب هذه الثورة الثقافية المتنامية التى تستمد الزخم والقدرة على التأثير والانتشار من اكتشاف وسائل تكنولوجية رقمية جديدة تتجاوز قدراتها وفاعليتها حدود الزمان والمكان، وتتطلع إلى المستقبل وتتيح الفرصة للإنسان الفرد للتدخل فى إعداد «النص الرقمى» - إن صح التعبير - حسب رغباته وتصوراته، وإدخال التغييرات عليه وإعادة صياغته فى أشكال وصور لانهاية لها بسهولة وسرعة، ودون عناء تبعا لقدراته الخاصة على استخدام الكمبيوتر والإنترنت، وبذلك لم تعد توجد فى الثقافة الرقمية نصوص ثابتة بعكس ماهو عليه الوضع بالنسبة للنص المطبوع.

وليس من شك فى أن الإنترنت يتيح الفرصة للتقارب الفكرى بين الذين يستخدمونه، سواء فى بحوثهم أو فى تصفح مواقعه بوجه عام من قبيل حب الاستطلاع أو الرغبة فى ملء وقت الفراغ فى نشاط إيجابى، وأنه يسهم بذلك فى نشر وتداول المعرفة على نطاق أوسع بكثير جدا مما تصل إليه تكنولوجبا الكتابة والطباعة، وأنه يؤدى ذلك دون أن يظهر هو نفسه على السطح المحسوس بعكس ما هو عليه الشأن فى الكتاب أو الثقافة الورقية بوجه عام. فالإنترنت يلعب دوره الفكرى والثقافى بطريقة مستترة ويتيح قدرا أكبر من الحرية وفى ذلك تختلف الثقافة الرقمية عن الثقافة قبل الرقمية، سواء أكانت هى ثقافة شعبية تقوم على الاتصال المباشر بين الأفراد أو ثقافة ورقية تعتمد على الطباعة وعلى الكتاب.

شرطة الفكر

بيد أن هذه الحرية قد يساء استغلالها إلى الحد الذى يسبب القلق والإزعاج للآخرين، ولذا نجد هناك من يعارضها ويود فرض القيود عليها وإخضاع الإنترنت لرقابة بعض المنظمات الدولية، تحت دعوى المحافظة على القيم والاستقرار الاجتماعى على مستوى العالم. وتطلق بعض الكتابات فى الخارج على أصحاب هذا الاتجاه اسم «شرطة الفكر» thought police الذين يقيمون من أنفسهم حراسا على القيم. كذلك يذهب بعض هؤلاء المرضين إلى أن الحرية المطلقة فى البحث عن المعلومات واستخدامها ونشرها على نطاق واسع كثيرا ماتؤدى إلى نتائج عكسية أبسطها أن تفقد الثقافة الخاصة بمجتمع معين بعض مقوماتها الأساسية المميزة لها، نتيجة للاستعارات غير المحسوبة من الثقافات الأخرى. فكما تقول عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية روث بنديكت فى كتابها الشهير «أنماط الثقافة»، الذى ترجم إلى العربية منذ سنوات طويلة: «إنه يكاد يكون لكل ثقافة شخصية متميزة خاصة بها بمعنى أن نظمها الاجتماعية وإدراكها للقيم «تختار لنفسها» اتجاها أو نزعة واحدة معينة بالذات من بين سائر الاتجاهات والنزعات الممكنة، وتعتبر الفرد الذى يتوافر فيه هذا الاتجاه أو تلك النزعة هو الشخص الخليق بالإعجاب. وواضح أن هذا أمر يكاد يكون معدوما الآن إزاء تزايد الحراك الثقافى وسهولة الاحتكاك بالثقافات الأخرى والتأثر بها عن طريق الكمبيوتر والإنترنت اللذين يعتبران قمة ماتوصلت إليه التكنولوجيا الرقمية حتى الآن.

الياقات البيضاء.. تصعد

ولقد كان اختراع الشبكة الدولية عام 1989 نقطة الانطلاق الحقيقى والمؤثر بالنسبة للإنترنت وتسارع تدفق المعلومات بشكل غير معهود فى وسائل الاتصال الأخرى. وتشير بعض الكتابات فى هذا الصدد إلى أنه منذ عام 1956 حدث تزايد ملحوظ فى أعداد ذوى «الياقات البيضاء» على حساب ذوى «الياقات الزرقاء» مما يعنى حدوث تغيرات جذرية ونقلة أساسية من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، والتحول إلى اقتصاد الخدمات الذى يعتمد اعتمادا مباشرا على تكنولوجيا الاتصال الرقمى والمعلوماتى. وقد انتبه نيكولاس نجروبونتى Nicholas Negroponte إلى هذا التغير فى كتابه Being Digital الصادر عام 1995، حيث يذكر أن عصر الرقمنة يفرض نفسه بقوة ويعبر عن هذه القوة والفاعلية فى صور وأشكال مختلفة ومتنوعة، مثل الكاميرات الرقمية والبريد الإلكترونى والموسيقى الرقمية والتلفون المحمول أو الخليوي وغير ذلك من المنجزات التى تؤلف أحد مظاهر الحياة اليومية فى الوقت الراهن.

وقد تكون هناك بعض الشكوك حول الدور السلبى الذى تقوم به التكنولوجيا فى الوضع الثقافى بشكل عام، والجانب الإبداعى بشكل خاص وذلك على اعتبار أن التقدم التكنولوجى كثيرا مايؤدى إلى عقم وإجداب العقل الإنسانى الخلاق بطبيعته، وأن المسئول الأول عما نشاهده الآن من تدهور ثقافى وتراجع فى القيم الفكرية الراقية هو الاعتماد المبالغ فيه على الكمبيوتر والإنترنت فى تحصيل المعرفة، خاصة أن الإعلام الإلكترونى بوجه عام خاضع لإشراف وتوجيه الدولة أو لسلطة المال. ولكن هناك بطبيعة الحال من يرفضون هذه النظرة، مستشهدين فى رفضهم بالإقبال المتزايد من جانب الصحافة على النشر الإلكترونى الذى يساعد على نشر الثقافة على نطاق أوسع وأن هذا يحقق فى آخر الأمر مبدأ العمل على دمقرطة الثقافة الإنسانية والتقريب بين الشعوب.

وللأستاذ لورانس لسيج Lawrance Lessig - الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة هارفارد - كتاب عميق بعنوان The Unacknowledged Legislators of the Digital World (1999) يقول فيه: «إن الأفعال والتصرفات والسلوكيات السائدة فى أى مجتمع تخضع لمجموعة من القوانين والمعايير والعوامل الاقتصادية والاجتماعية بل وبالظروف البيئية التى تساعد على المحافظة على ذلك «الكيان» الذى نعيش فيه، والذى يطلق عليه اسم «البناء المعمارى»، وهى قواعد يصعب تجاهلها دون التعرض للحساب والمؤاخذة، وأن مثل هذه القوانين والمعايير توجد بشكل أو بآخر بالنسبة للإنترنت، مع فارق أساسى هو أن البناء المعمارى للفضاء المعلوماتى هو من إنشاء وتشييد الإنسان الفرد الذى يحدد خصائصه ومقوماته، ولذا تخضع قوانينه ومعاييره للتعديل والتغيير حسب رغبات ذلك الفرد وما يتفق وصالح المجتمع والدولة والمؤسسات الكبرى. فالدولة تحرص على توفير كل مايكفل استقرار الأمن والسلامة والمحافظة على السيادة الوطنية بينما تعمل المؤسسات الاقتصدية على ضمان سلامة التجارة الإلكترونية عن طريق الفضاء المعلوماتى الآمن، والإنترنت هو الأداة الرقمية التى تحقق ذلك بكل سرعة وكفاءة وموضوعية وعدم تحيز لأنه يؤدى مهمته «دون أن يعرف شيئا عن أطراف التعامل» سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الثقافى. بيد أن هذه (الموضوعية) لاتخلو من بعض المثالب الناشئة عن طبيعة الإنترنت ذاته وطريقة عمله التى توفر للمستخدم مساحة واسعة جدا من حرية الحركة فى التعبير عن الرأى مع السرية التامة فى الوقت نفسه، مما يتيح الفرصة لأن يفعل أى شخص من خلال الشبكة مالا يمكنه فعله من خلال الوسائل الأخرى وهو آمن من اكتشاف هويته، كما أن سهولة الحصول على المعلومات من مختلف أنحاء العالم وتوافر المعلومات حول أى موضوع يخطر على البال، وإمكان استخدامها دون قيد أو شرط فى معظم الأحيان قد تغرى بالسطو على هذه المعلومات واستخدامها دون الإشارة إلى المصدر الذى استمدت منه، ودون مراعاة لأخلاقيات النشاط العلمى والثقافى رغم كل القواعد المنظمة لحقوق الملكية الفكرية». ولذا يتساءل البعض الآن فى الخارج عن مدى إمكان ابتكار وإصدار بطاقات هوية رقمية لايستطيع الشخص استخدام الإنترنت من دونها حتى يمكن رصد مايصدر عنه وبذلك يمكن تنظيم التعامل مع الفضاء المعلوماتى والتحكم بالتالى فى هندسة وفاعلية البناء المعمارى لذلك الفضاء. وبالرغم من وجاهة المبررات التى تستند إليها هذه الدعوة، فإنها تواجه كثيرا من الاعتراضات باعتبارها تمثل خرقا لمبدأ حرية التفكير والتعبير عن الرأى وأنه يجب على الدولة أن تنأى بنفسها عن التدخل فى الفضاء المعلوماتى الذى هو فى آخر الأمر (ملك) للجميع.

هل هو إبداع زائف؟!

وربما كان الأهم من هذا كله هو الإمكان الذى يتيحه الكمبيوتر لمزج وإعادة ترتيب وتشكيل المعلومات التى يتم الحصول عليها وصياغتها فى أشكال جديدة عديدة ومتنوعة بسرعة يعجز الإنسان عن تحقيقها فى حالة الرجوع والاعتماد على المراجع الورقية. وقد يرى البعض فى هذه الإمكانات، والقدرة على مزج المعلومات وإعادة صياغتها فى قوالب جديدة نوعا من الابتكار والإبداع والأصالة، وهو أمر غير صحيح تماما لأن المعلومات المستخدمة فى هذه العملية هى من (صنع) وجهد الآخرين وهو بذلك إبداع زائف ومصطنع، ولذا كثيرا ماتثار الشكوك حول مدى أصالة الموسيقى الرقمية التى تنتج فى الأغلب من مجرد التلاعب بأصوات ونغمات ابتدعها موسيقيون آخرون وإعادة ترتيبها وتوزيعها ومزجها عن طريق الضغط على مفاتيح الكمبيوتر لمن يعرف كيف يستخدمها فى هذا المجال. وهذا يصدق أيضا على كثير من الكتابات العلمية والأدبية والثقافية بوجه عام. فالكمبيوتر والإنترنت يتيحان المجال واسعا للسرقات والتخفى وراء عمليات المزج وإمكانات الترتيب والتشكيل والصياغة مما يضع مسألة (أصالة) الثقافة الرقمية موضع الشك والتحفظ.

وإذا كان الإنترنت أداة رقمية فعالة للحصول على المعلومات بسرعة فائقة من كل أنحاء العالم فإن هذا الإنجاز الرائع له ثمنه الذى يدفعه الإنسان المعاصر والثقافة المتوارثة عن طيب خاطر، ربما لعدم تقدير فداحة هذا الثمن. فكما يقول عالم الاجتماع الكندى الشهير مارشال ماكلوهان إن هذه الوسائل الإلكترونية - أو (الرقمية) فى حالتنا الراهنة - ليست مجرد قنوات جيدة لنقل وتوصيل للمعلومات وإنما هى أيضا مصدر لتزويد العقل بمادة التفكير، كما تتدخل فى تشكيل عملية التفكير ذاتها. وقد يكون لذلك بعض النتائج السلبية لأن شدة الحرص على تتبع وتجميع المعلومات من مختلف مصادرها على الشبكة، كثيرا مايؤدى إلى تشتيت قدرة الإنسان على التركيز والتأمل كما يحدث فى حالة القراءة العادية من الكتب. والخطورة هنا تتمثل فى اكتفاء العقل بتقبل المعلومات كما تقدمها له الشبكة، مهما كانت هذه المعلومات جزئية ومتناثرة ولا تنتمى لسياق واحد دقيق ومحكم. وبدلا من التعمق فى التفكير والتأمل والمراجعة المتأنية والنقد يركن إلى أخذ الأمور على علاتها والاكتفاء فى كثير من الأحيان بالقشور التى تطفو على السطح، وهو مايتفق مع طبيعة الوسيلة التى توفر مادة التفكير وتؤثر بالتالى فى طبيعة العمليات الذهنية وفى الثقافة السائدة فى المجتمع. وللأستاذ نيكولاس كار Nicholas Carr مقال طريف بعنوان - IS Google Making Us Stupid- نشره فى عدد يوليو/أغسطس 2008 من مجلة Atlantic يقول فيه: « إن الإقبال الشديد على القراءة من الإنترنت لايرجع الفضل فيه إلى سهولة هذه الطريقة فى الحصول على المعرفة من كل أنحاء العالم، وإنما لأن الطريقة التى يفكر بها الإنسان نفسه تغيرت وأنه اكتسب عادات ذهنية جديدة، كما بدأ العقل يعمل بطريقة مختلفة، ليس أهونها شأنا أنه يجد الآن صعوبة فى قراءة الأعمال الطويلة ويقنع بالكتابات القصيرة والقراءة السريعة التى يوفرها له أسلوب الكتابة فى الصحافة اليومية». فالإنترنت يؤثر بشكل مباشر فى الإدراك المعرفى لدى الإنسان، وإن كان هذا لايعنى بالضرورة أن إنسان الثقافة الرقمية يعطى للقراءة على الشاشة وقتا أقل مما يكرسه إنسان الثقافة الورقية لقراءة الكتب المطبوعة، وإنما التغيير هو فى أسلوب القراءة وطبيعة عمليات الذهن ونوع المعلومات وليس مقدارها. وكما قال ماكلوهان فى ذلك إن الوسيلة هى الرسالة فالوسائط تؤدى الرسائل وتشكل العمليات الذهنية على السواء.

وقد انتبه عالم الاجتماع الأمريكى دانييل بل Daniel Bell لهذه الحقيقة منذ زمن طويل حين أشار فى بعض أعماله إلى ماأطلق عليه اسم «التكنولوجيات الذهنية» Intellectual Technologies ويعنى بها الأدوات التى تساعد على (امتداد) قدراتنا العقلية وليس قدراتنا الفيزيقية، بحيث إن الذى يتحكم فى كثير من أفعالنا الآن - على سبيل المثال - هى عقارب الساعة وليس الحاجة الفيزيقية أو البيولوجية لممارسة هذه الأفعال. فنحن ننام ونتناول طعامنا ليس لأننا نشعر بالحاجة إلى النوم أو إلى الطعام، وإنما تبعا لما تشير إليه عقارب الساعة مما يعنى حدوث عملية تغيير فى تكنولوجياتنا الذهنية. وإذا كان القول المأثور يصف الإنسان الملتزم بأنه يتصرف بدقة وانضباط (زى الساعة ) فإننا نقول الآن إن عقله يفكر بسرعة (زى الكمبيوتر). والشيء المهم الذى نريد أن نقوله هنا هو أن الإنترنت له تأثيرات عميقة على القدرات المعرفية التى تتناسب مع الثقافة الرقمية. ولكن الخوف فى هذا كله هو أن معلوماتنا الكثيرة التى نحصل عليها بغير عناء عن طريق الكمبيوتر والإنترنت من كل أنحاء العالم قد تؤدى إلى تسطيح الفكر. ويجب ألا ننسى أن التفكير العميق يرتبط - فى بعض الأحيان على الأقل - ارتباطا قويا بالقراءة العميقة وهو مالا توفره بنفس الدرجة عمليات الحصول على المعلومات عن طريق الإنترنت.

وعلى أي حال، فالثقافة الرقمية هى نوع من الثقافة المضادة التى تتمثل فى الإعلاء من شأن الفردية والتهوين من فكرة استمرار الثقافة ودور التنظيمات التقليدية والشعور الجماعى وتؤمن بالقوة الإيجابية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال على حساب العلاقات الشخصية المباشرة والارتباط القوى بالصفحة المطبوعة، ولكنها تتميز فى الوقت ذاته باتساع المجال وتنوع الميادين التى تتجاوز كل الحدود الإقليمية، وتنظر إلى العالم فى كليته وتتناسى الفروق الثقافية الجزئية، التى تعطى الثقافات المحلية والوطنية والإقليمية خصائصها المميزة. فهى ثقافة كوكبية تتكون من عناصر مستمدة من كل ثقافات العالم مثلما تتمتع بإمكانات الانتشار إلى كل أجزاء العالم بفضل التكنولوجيات الإلكترونية الحديثة, مثلما تتمتع بالقدرة الفائقة على التلاعب بتلك العناصر فتعيد ترتيبها وتوزيعها بأشكال لامتناهية، مما يعطى الانطباع الخاطئ بالابتكار والإبداع والأصالة، ولكن هذه القدرة ذاتها التى قد تعتبر دليلا على ضعف بناء تلك الثقافة هى التى تسمح بنقل الثقافات المحلية إلى المجال العالمى الواسع وتتيح فرصة التعرف على تلك الثقافات المجهولة التى تتمتع بقدر كبير من الثراء، كما أنها تزيل الفجوة التقليدية القائمة بين مايعرف بالثقافة الدنيا الشعبية والثقافة العليا التى يرتبط مفهومها فى العادة بجماعات الصفوة وأساليب حياتهم وتفكيرهم. وليس هذا بالكسب القليل وهو على أي حال التيار السائد الآن والذى سوف يؤدى فى المستقبل غير البعيد إلى التقريب بين الجماعات المختلفة ثقافيا داخل المجتمع الواحد وبين الثقافات المتباينة على مستوى العالم, وتبرز جوانب الوحدة الفكرية التى تشارك فيها كل فصائل الجنس البشرى.

 

 

أحمد أبوزيد