المحاصيل الزراعية.. طعام للبشر أم وقود للمحركات؟

المحاصيل الزراعية.. طعام للبشر أم وقود للمحركات؟

أطلقت وثائق قمة الغذاء في روما تحذيرات عديدة من الآثار الكارثية لأزمة الغذاء العالمية وتداعياتها، خاصة تحذيرها من أن يؤدي تغير المناخ والتوسع في إنتاج الوقود الحيوي إلى ازدياد حدة الصراع على الأراضي الزراعية، وأن يقود هذا الصراع إلى تهديد كبير لحياة مئات الملايين من المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ويهدد تغير المناخ باجتثاث مجتمعات ريفية كثيرة من جذورها. فقد يجبر ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات مجتمعات كثيرة تعيش الآن في المناطق الساحلية المنخفضة ودلتا الأنهار في البلدان النامية على الرحيل إلى أراضٍ أكثر ارتفاعا، كما أن ما يتسبب فيه تغير المناخ من موجات جفاف متكررة بصورة متصاعدة قد لا يترك خيارا للمزارعين والرعاة الذين يعتمدون على هطول الأمطار في زراعة محاصيلهم وتربية حيواناتهم سوى هجر أراضيهم. ومن شأن نزوح السكان على هذا النحو أن يؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة بين النازحين والسكان المحليين على الأراضي المحدودة.

أما العنصر الأخطر الذي يؤجج أزمة الغذاء العالمية فهو التوسع في زراعة محاصيل الوقود الحيوي على حساب تلك المخصصة لتوفير الغذاء بسبب الارتفاع المتزايد لأسعار النفط ورغبة الدول في التخفيف من فاتورة الطاقة. حيث تلجأ دول عديدة إلى التوسع في إنتاج هذا النوع من الوقود من خلال مصادرة الأراضي التي يجري استخدامها حاليا من جانب صغار المزارعين ومزارعي الكفاف وتخصيصها للمستثمرين الأجانب، حيث تعد هذه الأراضي في نظر المخططين الاقتصاديين الوطنيين «أراضي غير مدرة» أو لا تلبي الاشتراطات اللازمة لـ«الاستخدام المنتج»، بينما يشكل الحصول على هذه الأراضي بالنسبة للمزارعين والرعاة المحليين أثمن ما يملكون من أصول.

وفي بعض المناطق، يحدث التوسع في إنتاج الوقود الحيوي تحولا في النظم العرفية لحيازة الأراضي، ويؤدي إلى رفع أسعار الأراضي، فيجد المزارعون الفقراء أنفسهم غير قادرين على دفع الأسعار المطلوبة في سوق الاستئجار وبالتالي يفقدون قدرتهم على الحصول على الأراضي ويحرمون من مصادر أرزاقهم.

ومن الناحية البيئية، تعتبر الطاقة الحيوية بديلا أفضل لمصادر الطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة، غير أنها تنطوي على مخاطر كبيرة في مجال الأمن الغذائي ظهرت بشائرها في أزمة الغذاء العالمية الحالية. ففي مقدورها أن تمنح قطاع الزراعة حيوية جديدة، وأن تعزز التنمية الريفية، وأن تخفف من وطأة الفقر من خلال سبل عديدة، أولها وصول سكان الريف إلى مصادر مستدامة للطاقة. غير أنها إن لم تُدَرْ على نحو مستدام يمكن أن تهدد الأمن الغذائي بصورة خطيرة مما قد يقود إلى عرقلة فرص حصول السكان الأكثر فقرا على الغذاء.

الطاقة الحيوية ومستقبل البيئة

وتبشر الطاقة الحيوية بالمساعدة في تخفيف آثار تغير المناخ، غير أنه لن يتسنى لها ذلك إذا جرت إزالة الغابات والمستنقعات من أجل زراعة المحاصيل الزراعية لتوليد الطاقة. وقد يقدم إنتاج الوقود الحيوي من مخلفات الزراعة والغابات بديلا في هذا المجال، لكن التكنولوجيا اللازمة لذلك لاتزال غير قابلة للتطبيق على نطاق تجاري. ولذلك يواجه صانعو السياسات تحديا يتمثل في حساب الكيفية التي يمكن بها استغلال الفرص المتاحة لإنتاج الطاقة الحيوية جنبا إلى جنب مع كفالة قدرة السكان على الاستمرار في زراعة إمدادات الأغذية الكافية أو شرائها.

والواقع أن المجتمعات الزراعية والأسر الفقيرة دأبت منذ آلاف السنين على استخدام الطاقة الحيوية على شكل كتلة حيوية من الخشب والمخلفات العضوية. ومازالت هذه الطاقة الحيوية التقليدية تقدم نحو 95 في المائة من احتياجات الطاقة في البلدان النامية لنحو 4.2 مليار إنسان.

وتعتمد غالبية سكان الريف الفقراء على الطاقة الحيوية التقليدية لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وعلى الرغم من استخدامها بصورة تقليدية للطهي والتدفئة، فإنها غير كفؤة كثيرا، كما تم ربطها بتلوث الهواء داخل المنازل، وتسريع إزالة الغابات، وتعرية التربة وانجرافها. لذلك فإن التحدي يكمن في استحداث نظم طاقة من شأنها أن تولد فرص عمل دون أن تشرد السكان أو تعوق الأمن الغذائي وأن تؤدي كذلك إلى تحسين الوصول إلى، واستخدام، مصادر طاقة أكثر نظافة، وأكثر كفاءة، على الصعيد المحلي.

وكان الاهتمام باستحداث أشكال حديثة من الطاقة الحيوية، مثل الوقود الحيوي السائل، قد برز في سبعينيات القرن الماضي مع الثورة الأولى في أسعار النفط. غير أن الرغبة في توفير إمدادات طاقة أكثر تنوعا، ودواعي القلق بشأن تغير المناخ وارتفاع أسعار النفط الخام بصورة قياسية في الوقت الحاضر عوامل باتت تدفع بها إلى النمو.

وفي مقدور الطاقة الحيوية أن تسهم في التخفيف من آثار تغير المناخ، لكن الإمكانات التي تنطوي عليها تتفاوت بصورة كبيرة تبعا لاختلاف المحاصيل المستخدمة ومواقعها والأساليب المستخدمة في إنتاجها.

كذلك في مقدور إنتاج الطاقة الحيوية أن يفيد التنمية الريفية وأن يخفض الفقر من خلال زيادة فرص التشغيل وخلق فرص متاحة جديدة في السوق. كما تعد مصادر الطاقة الحيوية الحديثة مصدرا واعدا لطاقة أكثر نظافة وأكثر كفاءة لسكان المناطق الريفية.

وفي الآونة الأخيرة، يحظى الوقود الحيوي السائل المستخدم كوقود لوسائل النقل بالقسط الأكبر من النمو. كما تتمتع البلدان النامية الواقعة في المناطق الاستوائية بميزة نسبية في مجال زراعة محاصيل الحبوب والأعلاف اللازمة لتوليد الوقود الحيوي، بينما النمو في الطلب عليه يتركز حاليا في البلدان الصناعية. وحاليا يتم الحصول على المواد العلفية اللازمة لإنتاج الوقود الحيوي من محاصيل زراعية غذائية، ومن ضمنها الذرة، وقصب السكر، ونخيل الزيت وبذر اللفت الزيتي، الأمر الذي يترك آثاره السلبية على إمدادات الأغذية المتوفرة في السوق كما ينافس الوقود الحيوي على الموارد الطبيعية كالأراضي والمياه ويحدث تغييرا في أنماط استخدام الأراضي. ويمكن الحد من هذه المنافسة من خلال تحسين التكنولوجيات المستخدمة مثل تحويل السليولوز إلى طاقة وزراعة محاصيل طاقة جديدة في الأراضي غير الملائمة لإنتاج الأغذية.

والواقع أن إنتاج الوقود الحيوي السائل واستهلاكه يتسمان بالتركيز الشديد، حيث يجري إنتاج نحو 90 في المائة من الإيثانول في الولايات المتحدة والبرازيل، في حين يجري إنتاج غالبية الديزل الحيوي في ألمانيا وفرنسا. كما يستند سوق الوقود الحيوي- وعلى وجه خاص في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- إلى تدابير (مثل التفويضات والإعانات والحوافز الضريبية والرسوم) تمنح الأفضلية للإنتاج المحلي وتعيق التجارة الدولية.

ارتفاع أسعار الغذاء

وتصبح الأخطار التي تواجه الأمن الغذائي بسبب ارتفاع الأسعار على أشدها حينما تكون الطاقة الحيوية مرتكزة على محاصيل الأغذية، أو تستخدم أراضي ومياهاً كانت ستستخدم لإنتاج الأغذية. كذلك تكون هذه المنافسة أكثر حدة في إنتاج الوقود الحيوي السائل منها في حالة إنتاج وقود الكتلة الحيوية من أجل التدفئة وتوليد الكهرباء.

واستنادا إلى التكنولوجيا الحالية، يسهم التوسع السريع في إنتاج الوقود الحيوي السائل بشكل واسع في رفع أسعار الأغذية. وهو أمر مفيد للمزارعين الريفيين الذين يتوفر لديهم فائض يبيعونه. غير أنه يلحق الضرر بالمستهلكين في المدن وفقراء الريف الذين يتوجب عليهم شراء الأغذية. إلا إنه يمكن التخفيف من الضغوط على إمدادات الأغذية من خلال تكنولوجيات تتيح الانتفاع من الأراضي الهامشية أو تلك التي تعاني من تعرية تربتها، وتكثيف الإنتاج على نحو مستدام، وإيجاد تكامل بين نظم إنتاج الأغذية والطاقة، إضافة إلى تطبيق العمليات الزراعية الملائمة.

كذلك يمكن أن يتحسن الأمن الغذائي على الصعيد المحلي إذا أدى الطلب على المواد العلفية لإنتاج الطاقة الحيوية إلى التشجيع على الاستثمار في الزراعة وخلق فرص تشغيل وتسويق جديدة لصغار المنتجين ومنح الاقتصاد الريفي حيوية جديدة. وسيتباين مدى قدرة الأسر على الانتفاع من هذا كله على تعداد السكان والدخل والموقع والسن والنوع الاجتماعي، وكذلك تبعا لنظام الإنتاج سواء كان مزارع كبيرة أو مزارع فردية صغيرة. فالمزارع الكبيرة يمكنها أن تقدم فرص عمل جديدة للعمال، غير أنها يمكن أن تؤدي كذلك إلى تشريد صغار المزارعين. ولكن توفير الدعم اللازم لمشاريع المزارعين المستقلين والتعاونيات، وتطبيق سياسة طاقة حيوية مناصرة للفقراء يمكن أن يكفلا حماية حيازة الأراضي للمزارعين المهمشين ويساعدا في التخفيف من الآثار السلبية.

ما العمل؟

تتحدث أدبيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) عن دور كبير يمكن لصانعي السياسات القيام به من أجل كفالة تطوير الطاقة الحيوية على نحو مستدام، وحماية الأمن الغذائي، وكفالة وصول المنافع للفقراء والمهمشين. وتشمل الأولويات في مجال السياسات تشجيع الأسواق والتكنولوجيات، والعمليات التشاركية والحماية الاجتماعية:

شبكات الأمن الاجتماعي: كي يتم التخفيف من آثار ارتفاع أسعار الأغذية، سوف يحتاج الفقراء والسكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى مساندة، مثل تقديم قسائم المعونة الغذائية أو الدعم الغذائي للفئات المستهدفة.

السياسات: يتعين أن تكون السياسات بوجه خاص في مجال ترويج الوقود الحيوي السائل موجهة لتلبية الطلب في السوق، ما يزيل الشبهات التي تخلق معدلات نمو مرتفعة ظاهريا وتعوق التجارة الدولية في وجه البلدان النامية. كما يتعين على سياسات الطاقة الحيوية تشجيع الاستدامة البيئية وتعزيز فرص السوق لصغار ملاك الأراضي والجماعات الأخرى المهمشة الأخرى في السوق.

انتقال الرسالة السعرية: إذا تلقى المزارعون أسعارا أعلى لسلعهم، فسيكونون أكثر

حماسة لتوسيع الإنتاج وزيادة الإنتاجية، مما يستدعي الاستثمار في المؤسسات التسويقية ومشاريع البنية الأساسية، بالإضافة إلى منع القيود التصديرية.

ممارسات زراعية أفضل: من الضروري إدخال وتطبيق العمليات التي من شأنها زيادة الإنتاجية والتخفيف من الآثار السلبية على البيئة، و/أو إيجاد تكامل أفضل بين إنتاج الأغذية وإنتاج الطاقة ما يستدعي تدعيما تمويليا ومزيدا من المستلزمات والوصول إلى التكنولوجيات الملائمة.

التكنولوجيات: يتعين استحداث وتشجيع تكنولوجيات أفضل وذلك للحد من التنافس على الأغذية والموارد الطبيعية.

مشاركة أصحاب الشأن: إن إشراك صغار المزارعين والمجتمعات السكانية الريفية في صنع القرارات المتصلة بتطوير الطاقة الحيوية سيعزز المنافع في مجال التنمية الريفية.

خدمات الإرشاد: سيكون من الضروري النهوض بمستوى خدمات الإرشاد وتقوية مؤسساته.

جدول المساحات اللازمة من الأراضي لإنتاج الوقود الحيوي

2004 (1)

2030 السيناريو المرجعي (2)

2030 سيناريو السياسات البديلة (3)

2030 حالة الوقود الحيوي من الجيل الثاني (4)



 

مليون هكتار

% صالحة للزراعة

مليون هكتار

% صالحة للزراعة

مليون هكتار

% صالحة للزراعة

مليون هكتار

% صالحة للزراعة

الولايات المتحدة وكندا

8.4

1.9

12.0

5.4

20.4

9.2

22.6

10.2

الاتحاد الأوروبي

2.6

1.2

12.6

11.6

15.7

14.5

17.1

15.7

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

لا يذكر

لا يذكر

0.3

0.7

1.0

2.1

1.0

2.0

الاقتصادات الانتقالية

لا يذكر

لا يذكر

0.1

0.1

0.2

0.1

0.2

0.1

آسيا النامية

لا يذكر

لا يذكر

5.0

1.2

10.2

2.5

11.5

2.8

أمريكا اللاتينية

2.7

0.9

3.5

2.4

4.3

2.9

5.0

3.4

إفريقيا والشرق الأوسط

لا يذكر

لا يذكر

0.8

0.3

0.9

0.3

1.1

0.4

العالم

13.8

1.0

34.5

2.5

52.8

3.8

58.5

4.2



--------------------

(1) الأراضي التي استخدمت لإنتاج الوقود الحيوي في العام 2004 وكنسبة مئوية من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة.
(2) الوضع العام 2030 إذا ما بقيت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه دون تغيير.
(3) الوضع في حالة إقرار البلدان للسياسات التي تدرس حاليا فيما يخص أمر الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون
(4) الوضع الذي يأتي فيه بعض من الكتلة الحيوية الداخلة في إنتاج الوقود الحيوي من أراض غير صالحة للزراعة ومن بقايا المحاصيل ما يقلل المساحات اللازمة من الأراضي الصالحة للزراعة.
المصدر: الأراضي الزراعية- منظمة الأغذية والزراعة: المساحات اللازمة من الأراضي- تحليل الوكالة الدولية للطاقة

ثمن الوقود الحيوي

  • يقدم الوقود الحيوي السائل 2 في المائة من الوقود المسخدم في النقل على الطرق في العالم، غير أن التقديرات تشير إلى أن هذه النسبة سوف ترتفع بحلول العام 2030 إلى 5 في المائة.
  • وفر قطاع الوقود الحيوي في البرازيل العام 2001 نحو مليون فرصة عمل، كانت غالبيتها للعمال غير المهرة في المناطق الريفية.
  • النمو المقدر في إنتاج الوقود الحيوي حتى العام 2030 سوف يحتاج إلى 35 مليون هكتار من الأراضي، وهي مساحة تعادل مجموع مساحتي فرنسا وإسبانيا معا.
  • يجري إنتاج نحو 90 في المائة من الإيثانول في الولايات المتحدة والبرازيل، في حين يجري إنتاج غالبية الديزل الحيوي في ألمانيا وفرنسا.

 


أحمد الشربيني 





 





تشير التقديرات إلى استخدام 72 في المائة من محصول الذرة في الولايات المتحدة العام الجاري لإنتاج الإيثانول





لا تزال الطاقة الحيوية التقليدية تقدم نحو 95 في المائة من احتياجات الطاقة في البلدان النامية لنحو 2.4 مليار إنسان





تشير التقديرات إلى أن المناطق المنخفضة الواقعة في دلتا الأنهار- المهددة بالغرق والغمر نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ- تؤوي حاليا نحو 300 مليون شخص





تلبي الطاقة الحيوية نحو 10 في المائة من الطلب العالمي على الطاقة، ويأتي 80 في المائة منها على شكل كتلة حيوية صلبة تستخدم في التدفئة والطهي