إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

لماذا نكتب?

          قد يكون السؤال على بساطته, علامة استفهام صعبة الإجابة, لكن بساطة الإجابة بمقدار بساطة السؤال, تعني أن الكتابة نوع ولون من التعبير عن الذات, وما الذات إلا وحدات من الذوات, أي أننا نعبر عن ذواتنا بالكتابة, التي هي ذات الأصل, وذات متعددة في المجموع.

          ومعروف أن الحس الجمالي بالعالم هو التضامن الوحيد لإمكانية توافق النفسي مع الطبيعة ولعل من أعظم الصور التي يتجلى فيها الحس الجمالي بالعالم, هي الكتابة, نحن نكتب لنقول ما يختمر داخل النفس من حس جمالي بالأشياء, نحن نكتب لنحيا بالكتابة, نحن نكتب لنحيا مع الكتابة, نحن نكتب لنحيا من الكتابة, فالكتابة حياة, ولا تأتي الكتابة, إلا عندما نختار لحظتها, وهي لحظة البوح أو لحظة الفضفضة أو لحظة الولادة, ولادة المعاني, وهي ولادة أشبه بولادة الجنين, الذي يبدأ صغيرًا داخل العالم الفسيح, وهكذا المعاني, تظل تضطرم داخل النفس والعقل حتى تعلن عن رغبتها في الخروج إلى العالم, وعالم الكتابة هو الورق, وحين تخرج على الورق, يكون في ذلك كفاية للإيمان بسمو الخير الأخلاقي.

          ونحن نكتب, بهذا المعنى, لنعكس رؤيتنا تجاه ما يدور حولنا, لنوضح درجة تفاعلنا مع ما يحيط بنا, من خلال منظور إنساني يتابع ما يجري بدقة, وينظر إلى الأشياء بعين متأملة فاحصة, ويناقش هذا الذي يدور من خلال رؤية عصرية وفي إطار موضوعي.

          فائدة الكتابة إذن, أننا نعبر بها عن ذواتنا, ونعبر بها عما يدور حولنا, وذلك حين نكتب نثرًا أو شعرًا.

          المعروف أن الفن في جوهره تمرد, واختراق للسياق المألوف, وانحراف عن الاستقامة وهامش على المتن, وقد أدرك الإنسان هذا الدور الثوري للفن, حتى في أقصى حالات المحاكاة للواقع.

          القصة القصيرة هي في مجملها أزمة البطل في إطار الموقف الواحد أي اللحظة المكثفة حيث يتجه كل شيء إلى غاية محددة, والكاتب فيها لديه وعي حاد بالتفرد الإنساني, أي أنها صوت الفرد, حين يعبر عن أشجانه ويعبر عن موقفه من العالم, والإطار المرجعي للقصة ليس هو الحياة الإنسانية على اتساعها وعمقها ولكنها تخضع للاختيار وهذا الاختيار يتضمن إمكانية قالب واحد.

          القصة القصيرة صياغة للسعي نحو المعرفة ونحو التواصل مع هذه المعرفة, من منظور ذاتي, لأنها ذات إيقاع ونسيج ولهذا يطلق النقاد عليها (منطقة ما بين الذاتيات سواء على الصعيد الاجتماعي أو على صعيد المعرفة). القصة القصيرة بنية فنية تنقل سلسلة من الأحداث والخبرات والمواقف, من خلال الإدراك الكلي المشترك للحياة, إنها بنية تستهدف في الأساس إثارة الأسئلة, تمثل الحراك الدائم بين الذات والموضوع.

          ويتفق علم الاجتماع الأدبي على أن الخالق الأدبي لا يقل أهمية عن الخالق الاجتماعي بل إنه يفوقه بمراحل, بحكم حساسيته المرهفة وقدرته على التقاط جزيئات الحياة الاجتماعية وعلى تشريح نفسيات الأفراد وعلى تعقب مراحل التغير الاجتماعي وانعكاساتها على القيم والسلوك والتوجهات.

          وقد أدرك القرآن الكريم دور القصة في إثارة الوجدان وتحريك المشاعر وجذب انتباه القارئ والسامع فجعلها إحدى الوسائل في تحقيق غاياته من إثبات الوحي وتأكيد الرسالة المحمدية وتأصيل الدعوة الإسلامية.

          نحن نكتب القصة القصيرة لتحريك الوجدان وتبادل المعرفة.

 

 

فاطمة يوسف العلي