أشعر أني شاعر

أشعر أني شاعر

كلما أردت أن أكتب شعراً، يقف قلمي عند أول كلمة، ولا يتحرّك. أعيده إلى مكانه في جيبي. الآن صممت على أن أبقيه بين أناملي وأحاول كتابة بعض الأسطر من الشعر.. أي شعر لست أدري.. لكني سأحاول. القلم يطيع أناملي ويتحرك فيها ويخط كلمات لا معنى لها.. ربمّا هذا شعر حديث!..

أقول حديثاً بصوت خافت وبقلم خافت الصوت لئلا يحدث لي حادث ما. ما همّي، فليحدث الحادث، إني أتابع وقلمي يطيع، وأشعر أن الشعر سيظهر بعد دقائق ربما بعد ثوانٍ.. أنا مسرور الآن، هذا شعر نادر أن أشعر بأني مسرور، ترى لماذا أنا مسرور الآن؟ وليس قبل دقائق؟ علّ الشعر بدأ يطلّ بين الأحرف.. وبعدها أتمنى أن يطل بين الكلمات ولعلّ الكلمات ستخلق شعراً.. سأنتظر.. سأداوم الكتابة ما دام القلم مطيعاً، يسيل منه حبر أزرق كزرقة سماء زرقاء أو بحر أزرق أو ثوب امرأة سمراء أو شقراء بثوبها الأزرق. ترى هل الألوان هي عنوان للشعر؟ ولعلّ الشعر ابتدأ بالظهور، فلأكمّل.. فلأتابع سيري مرافقاً قلمي.. أخاف الآن.. أشعر ببعض الخوف، القلم أخذ يبطئ في سيره. أشد عليه وتمتلكه أناملي بقوة لئلا يفلت مني، وأصل إلي اللامكان إلى اللاشعر.. لكني أكتب.. أكمّل.. سأنتقي كلمات وأرتبها كلمة كلمة، تناسب الأولى الثانية وتنسجم معها فتؤلفان قوَّة تحمل الكلمات الباقيات على الإلحاق بهما لتتآلفا وتتواحدا شعراً كجسدين ملتصقين. لكنّي لن أيأس وإن لم يحدث هذا.. سأتابع كل يوم محاولتي لخلق كتابة شعرية، محافظاً على إرادتي ومحافظا على قلمي. وهو حافظ لرغباتي في خلق أناشيد وشعر وبعض خطوط فيها تظهر رسوم لحوريات تصير رفيقة لشعر لم يأتِ بعد.

وينتهي النهار ويحل بأناملي التعب، ثم يسري إلى يدي وذراعي وصدري.. أقف مكرهاً عن الكتابة.

كنت مسروراً كما قلت، لكن السرّور لم يدم طويلا.. اختفى الآن، أصبحت متعباً وحزيناً وخائباً..

الشعر.. الشعر.. صرخت عالياً، أين الشعر؟ وضعت القلم في جيبي وقمت سائراً في الشارع هائما على وجهي، منتظراً مرور النهار بكامله والليل بكامله حتى مجيء الصباح لأعاود محاولتي لكتابة هذا الشعر.. لابدّ أن يأتي يوم وتتحقق أمانيّ؛ وأنا في هذه الحالة سمعت صوتاً كالصدى يقول لي:

لا تحاول كتابة الشعر.. أنت لست بشاعر.. الشاعر لايحاول.. الشاعر يولد شاعراً.. هذا الصوت - الصدى كنت قد سمعته من قبل ولم أجبه، لم أرد عليه.. الآن سأقول له ما أقوله أني سأحاول دائما.. لابد.. لا بدّ من أن يظهر في الأفق شعر مزين بكل ألوان الطبيعة وبكل أناشيد الطيور وبكل أشكال سحاب الغروب الحاملة ألواناً من نور النهار ونور الليل.. هل هذا هو الشعر؟ أن يصف القلم أناشيد الطيور وسحاب الغروب؟ لا.. لا أرى في هذا شعراً، أو لعله شعر سطحي، يبقى على السطوح ولاينزل إلى غرف الأسرار والبيوت ولا يترك أثراً في الذاكرة يفتح أبواباً ونوافذ إلى أرض غير مسكونة وسماوات مسحورة.. كدت أقول وأصرخ: أين الشعر؟.. لكن لم أصرخ لأن تجاربي علمتني أن صراخي لا صوت له وسيُبعد الشعر عني وإن أصبحت أشك بما يخطّه قلمي..

فجأة عاد السرور إليّ، فضحكت ولم يرني أحد عندما طرأت على رأسي فكرة.. آه ما أجمل هذه الفكرة.. أولا سأمزّق الأوراق التي كتبتها، وسأكسر قلمي وسأذهب إلى البحر وأقف على صخرة وأقول ما يطرأ على لساني وسأقول أيضاً أشياء لم أقلها لأحد من قبل، وسألعن أشخاصاً ثم أرمي بعدها القلم المكسور.

في اليوم التالي، استيقظت كالعادة، لبست لباسي ولم أفاجأ عندما رأيت القلم سليماً، والأوراق مرتبة وغير ممزقة، لم ابتسم ولم أحزن ولم استغرب، قلت في نفسي.. لا أذكر ما قلته.. بل خرجت من منزلي وأنا أغنّي.

 

 

أمين الباشا