المهرجانات العربية لأفلام البيئة.. موضة أم مواجهة؟

المهرجانات العربية لأفلام البيئة.. موضة أم مواجهة؟

المناخ الصالح لإقامة مهرجان سينمائى له صفة دولية لا يتحقق بتوافر الإمكانات المادية والإدارية وتجييش الفعاليات السينمائية المتنوعة وتوفير سبل الإقامة والاستقبال المميزة. فهذه على أهميتها تتطلب مايعلو عليها من رؤية وعوامل فنية وثقافية تعكس مدى الدفع أو الإعاقة لنمو الإبداع السينمائى بين أفراد البلد أو المنطقة التى يشع عليها المهرجان.

لقد تزايد عدد المهرجانات السينمائية فى عالمنا العربى، إلا أن معظمها مازال هشا، لم يضرب بعمق فى وجدان الفنان والمتذوق السينمائى سواء العربى أو الأجنبى. مما يجعل بعضها حتى الآن مجرد ظواهر إعلامية أكثر منها فنية مؤثرة، الأمر الذى أصبح يحتم احتضان مهرجانات أقل بريقاً، ولكنها تتلمس أهدافاً أكثر فعالية. وبإمكانات يمكن التحكم بها حسب الظروف الاقتصادية للجهات التى ترعاها أو تشرف عليها.

فى هذا الإطار أصبحنا نتنسم أى جديد فى حركة المهرجانات السينمائية فى عالمنا العربى. وجاء استبشارنا خيراً بظهور حركة نشطة تهتم بإقامة ما يسمى مهرجانات أفلام «البيئة», وهى مهرجانات متخصصة هدفها تشجيع نشر أفلام البيئة والمساهمة فى دعم الجهات العاملة فى مجالها سواء بالجوائز المادية أو الأدبية أو التفاعل مع الخبرات السينمائية الدولية ذات العلاقة بقضايا البيئة، فضلا عما تبثه من تجارب وأعمال سينمائية تسلط الضوء على مشاكل البيئة فى العالم، فى ظل متغيرات بيئية خطيرة ومتسارعة.

بدأت الشرارة الأولى التى أدت لتوالى الإعلان عن مهرجانات البيئة فى العالم العربى، عندما اقيم مهرجان «أفلام البيئة العربى» فى الرياض عام 2..2 برعاية من هيئة الأمم المتحدة. وتضمن المهرجان مجموعة من الأفلام الخاصة بمجابهة ظاهرة التصحر والممارسات الجائرة للانسان تجاه بيئته واستغلاله السلبى لمواردها الطبيعية، والذى لا يتناسب مع قدرتها الإنتاجية ومعدلات تجددها. كما شهدت الفترة نفسها تقريباً إقامة الدورة الأولى لـ «المهرجان الدولى لفيلم البيئة فى مدينة القيروان» التونسية. ولايزال هذا المهرجان نقطة التقاء بارزة جمعت دولا وتجارب سينمائية من القارات الخمس، ويقيم مسابقة يتم الفوز فيها وفق معايير أهمها أن يسهم الفيلم فى معالجة مشكلة بيئية بأسلوب مبسط وشائق وأن يقدم حلولا مبتكرة لها أو إضافات جديدة لحلول سابقة. وفى عام 2006 أعلنت إدارة البحوث البيئية فى نادى تراث الإمارات عن تنظيمها «مهرجان أبو ظبى الدولى لفيلم البيئة» تحت شعار «كوكب واحد ورؤية مشتركة»، ولكن فى العام الذى يليه احتلت أفلام البيئة قسماً خاصاً من بين عشرة أقسام تشملها فعاليات مهرجان الشرق الوسط السينمائى الدولى - أبو ظبى - ومع النصف الأول من عام 2007 أقيمت الدورة الأولى ل «مهرجان النيل الدولى لافلام البيئة» تحت إشراف وزارة البيئة المصرية وتنظيم جمعية الارتقاء بالذوق الفنى لتنمية البيئة..

مطالب بيئية

جاءت هذه المهرجانات لتواكب مطالب بيئية ينتظرها العرب مع تباين واقعهم الاقتصادى والجغرافى. ولانستطيع الادعاء بأنها حققت ماهو مأمول منها، فهى مازالت تحبو وتتلمس طريقها، واستمرارها وتطويرها أمران يستحقان التشجيع والمتابعة الإيجابية. بالرغم من قناعتنا بأن أمام المشرفين عليها دروساً يجب الاستفادة منها فى ظل التأثير الحتمى المرتبط بتبعيتنا لبعض المظاهر والفعاليات العالمية، وخاصة فى مجال المهرجانات المتخصصة، وهو أمر لا يمكن تجاهله مادمنا على وعى بما نريد فى إطار احتياجتنا الحقيقية وقدرتنا على أن نأخذ ما نأخذ بتميز ووعى، وإلا انعزلت فعالياتها وتحولت إلى وسيلة لإهدار أموال يمكن الاستفادة منها فى مشروعات تلتحم باحتياجات متجاهلة أو منسية وما أكثرها!

ولذلك فإن ما يجمع بين كل هذه المهرجانات العربية هو الرغبة فى الاسترشاد بتاريخ وفعاليات عشرات المهرجانات الشبيهة بمواقع مختلفة في العالم، وهو أمر أتاحته ثورة الاتصالات بعد أن صار من السهل متابعة كل التفاصيل الخاصة بأهم تلك المهرجانات، بداية من «مهرجان الفيلم الدولى عن البيئة والتراث الطبيعى والثقافى» والذى يقام منذ أكثر من ثلاثين عاماً فى جمهورية التشيك تحت عنوان (Ekofilm) ويعد أقدم مهرجان من نوعه فى أوربا وواحدا من أبرز المهرجانات البيئية التى تعقد تحت إشراف الرابطة الدولية لمهرجانات البيئة، ومروراً بالمهرجانات الرئيسية فى واشنطن والصين واليابان والهند وفرنسا والبرتغال واليونان.. إلخ.

وكلها تؤكد أن العقبات التى ستواجهنا قائمة على عدة أصعدة: فصناعة الأفلام البيئية الوثائقية عندنا لم تتطور إلى المستوى الهائل الذى تحقق عالمياً، والمطلوب بالإضافة إلى المشاركات الدولية فى صناعة بعض الأفلام البيئية فى منطقة الخليج خلق حالة من التفاعل بين الهيئات والمراكز السينمائية العامة والخاصة فى العالم العربى، لسد الفجوة الناتجة عن القصور المتبادل فى الإمكانات المادية والفنية، وهو ما يلتقى مع التوصية التى طرحها مهرجان القيروان فى دورته الرابعة عام 2006 حول الدعوة إلى تأسيس ملتقى لفيلم البيئة العربى، على أن تتبناه الجهات الرسمية وغير الحكومية والمعنية بالبيئة والحياة الفطرية فى البلدان العربية. نضيف إلى ذلك أن الكوادر المشرفة على هذه المهرجانات يجب أن تملك تصورات علمية وفنية ملهمة ومتفاعلة مع المتغيرات البيئية التى غزت حياتنا. ويرتكب المسئول خطأ فادحاً حينما ينظر إلى مهرجان البيئة كمجرد احتفالية سينمائية أو سياحية أو وسيلة لتبادل دعوات الضيافة مع الأصدقاء أو المهرجانات العالمية الشبيهة. لذلك فالمطلوب هو تعميم مبدأ قيادة الهيئات العلمية مع الفنية لتلك المهرجانات فى إطار تخطيط محكم وإمكانيات معقولة يكون من أولوياتها اختيار المكان المناسب لإقامة المهرجان والافراد الصالحين لإدارته. وإذا كانت هذه االمبادىء كافية لاستمرار هذه المهرجانات على المدى المنظور. فإن ثمة عوامل أخرى تجعل الأجواء السينمائية المرتبطة بنشر الوعى البيئى فى عالمنا العربى أكثر تعبيراً وثراء ، ويمكن أن نستخلصها من خلال ظواهر نطرح رؤيتنا لها، سواء من واقع ما يحدث فى بعض المهرجانات البيئية أو دراستنا وتذوقنا للأفلام عموماً.

مسألة الأقسام المتعددة

لعل ما يثير المهتم وهو يقبل على متابعة الأنشطة السينمائية المتخصصة، مسألة جمع بعض المهرجانات بين عدة أقسام تتعامل مع أنواع مختلفة من الأفلام. وهنا تتداعى لى فعاليات مهرجان سينمائى عن البيئة حضرت دورته السادسة فى البرتغال عام 1990، يحمل اسم «ترويا troia» وهى منطقة قريبة من لشبونة تقام عليها الفعاليات الرسمية للمهرجان، كما أنها مقر إقامة الضيوف وعروض النقاد وأعضاء لجان التحكيم، بينما تتم العروض العامة فى بعض دور عرض العاصمة لشبونة. وكان أهم ما لاحظته فى هذا المهرجان هو أنه يركز على مبدأين : مبدأ الوفرة والتنوع فى الأفلام (35 ، 16 ملم) التى تعاملت مع البيئة وكان شعاره «الإنسان والطبيعة» فى جميع أنحاء العالم، وأنتجت فى العامين السابقين على انعقاده، ومبدأ المزج بين عروض الأفلام البيئية التى تقدم فى قسم خاص والأفلام الروائية العادية ولها مسابقة يحضرها ضيوف من الممثلين والمخرجين المحليين والعالميين (ومنهم على سبيل المثال النجم الأمريكى كيرك دوجلاس). والهدف الالتحام بين الفنانين والعاملين فى المجالين، مما يوفر فرصة لتفاعل الجميع مباشرة مع قضايا علاقة الانسان والطبيعة وخلق وسائل للتعامل معها بشكل أكثر تأثيراً.

والواقع أن التصور بأن الجمع بين الأقسام السينمائية المختلفة يقارب الشقة بين المبدعين من سائر الاهتمامات أمر لم تتاكد فعاليته من خلال معايشتى لمهرجان «ترويا» فى الدورة المشار إليها، فقد حجبت فعاليات الأفلام «العادية» بنجومها ومخرجيها ولجنة تحكيم مسابقتها، والتى كانت ترأسها المخرجة المجرية الشهيرة مارتا ميزاروش كل ماعداها، وتحولت أفلام «الطبيعة والإنسان» إلى عنصر هامشى، بل يكاد يكون دخيلا على المهرجان، بالرغم من أنه كان يمثل من الناحية العددية الكم الأكبر. وأعتقد أن هذه الصورة أصبحت الآن أكثر تعقيداً، بعد الإضافات المتتالية التى فرضها الواقع البيئى على موضوعات الأفلام، وأصبحت هناك أفلام عن: الاحتباس الحرارى وتغير المناخ، والمصادر المتجددة وغير المتجددة للطاقة، وحماية الأنواع المعرضة لخطر الانقراض من الحيوانات والنباتات والتصحر والعودة إلى الطبيعة والتراث الطبيعى والثــقافى وحماية الآثار..إلخ.

ومع ذلك ربما تصبح الصورة مختلفة إذا تم الجمع بين الأفلام الوثائقية والروائية، وكانت «البيئة» هى العنصر المشترك بينهما. هنا تصبح معايشة العاملين فى المجالين يحكمها التفاعل مع فكر يعى رسالة مميزة ويسعى الى تحقيق هدف واحد.

بين الروائى والوثائقى

ومن الصعب أن نقرر ماهو الاتجاه الأكثر فعالية فى مواجهة مشاكل البيئة عندما يتم التعامل معها سينمائياً، أهو الدراما وما تعكسه من قصص وحكايات عن مخاطر البيئة على الإنسان وحضارته؟ أم هو التوثيق المحدد لمسئولية الناس والحكومات ورجال الصناعة فى مواجهة تلك المخاطر للحد من تأثيرها؟ ربما لحسن الحظ أن تباين رؤى السينمائيين واهتماماتهم أتاح الفرصة لاحتضان الاتجاهين معاً، رغبة فى التأثير على المتلقى بكل ميوله وإمكاناته الثقافية. وقد وضح ذلك بشكل فعال عند التعامل مع ظاهرة الاحتباس الحرارى وارتفاع حرارة الأرض. فجاء الفيلم الروائى «بعد الغد» 2004 لرولاند إيمريش ليعكس تأثيرها المفزع على البشرية من خلال أجواء بالغة الإثارة والتشويق. بينما نجحت الأفلام التسجيلية التى قدمهما كل من نجم هوليوود ليوناردو دى كابريو والمخرج الأمريكى الأسمر سبايك لى ونائب الرئيس الأمريكى الأسبق آل جور عن تأثيرات الظاهرة نفسها فى طرح تساؤلات وتقديم حقائق كان لها دورها فى دفع الرئيس الأمريكى بوش الذى رفض الكثير من المبادرات البيئية وفى مقدمتها بروتوكول كيوتو, إلى الاستسلام من أجل وضع خطة لخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون المسبب للتغير المناخى.

والدراما السينمائية بكل أنواعها تستطيع أن تتعامل مع قضايا البيئة بشكل مؤثر وفعال دون أن تفقد جاذبيتها أو الإقبال الجماهيرى عليها. وأتذكر هنا فيلماً كوميدياً تفاعل مع قضية بيئية شديدة التعقيد ومازالت مثار دراسات وأبحاث فى الولايات المتحدة وأوربا ومنطقتنا العربية، تربط بين خطوط الكهرباء عالية التوتر وإصابة الأطفال فى المناطق القريبة منها بسرطان الدم. كان فيلماً متدفقاً فى إيقاعه، باهراً فى أداء مجموعة ممثليه، وفى مقدمتهم النجم الكوميدى الأسمر «إيدى ميرفى».

السيد الموقر

يبدأ الفيلم وعنوانه «السيد الموقر the distinguished gentleman» 1992 بأحداث هزلية لاعقلانية. فهى تروى قصة محتال أسود يدعى «جونسون توماس جيفرسون» (إيدى ميرفى) بعد أن مارس النصب على الآخرين والغش فى لعب الورق والاحتيال البريدى، قرر أن يمارس نوعاً مختلفاً من الاحتيال وهو أن يزعم قرابته لزعيم أمريكى راحل، مستغلا تشابه اسمه مع لقب عائلته،وهدفه هو أن يخوض انتخابات الكونجرس عن إحدى الولايات الأمريكية. وبمساعدة عصابته المكونة من البيض والسود ينجح فى مسعاه ويذهب إلى واشنطن حاملا لقب سيناتور.وداخل الكونجرس يكتشف أن هناك لجاناً يتسابق عليها معظم الأعضاء لأنها تحقق لأعضائها ملايين الدولارات على هيئة هدايا ورشاوى وخدمات مقابل تسهيل الأمور لمن يملك القدرة على الدفع. وكانت لجنة «الصناعة والطاقة والبيئة» هى الأفضل خاصة بعد أن شاهد رئيسها يتقاضى فى عملية واحدة رشوة قدرها مليون دولار يدفعها أحد أقطاب الصناعة عن طيب خاطر، لأنها ستحقق له أرباحا تصل إلى خمسة بلايين دولار نتيجة بناء تجمعات سكنية بين خطوط كهرباء الضغط العالى.

ومع هذه اللجنة تتصاعد ضحكاتنا من أساليب ممارساتها غير المعقولة مع قضايا البيئة. ولكن هذه اللاعقلانية سرعان ماتذوب وتختفى لتحل محلها نزعات عقلية يقرر على أثرها المحتال الأسود أن يحطم مظاهر الفساد داخل اللجنة التى ينتمى إليها. ويأتى تحوله عندما تأتى إلى مكتبه فى الكونجرس أم شابة بصحبة طفلتها المريضة بداءالسرطان، نتيجة مرور خطوط الكهرباء فوق التجمع السكنى الذى تقيم فيه. لم تستطع الأم أن تجنب ابنتها المرض اللعين، لذلك جاءت إلى الكونجرس من أجل السعى إلى إنقاذ مئات الأطفال الآخرين من الخطر الداهم بعد أن أكدت البحوث العلمية العلاقة بين المرض وخطوط الكهرباء. وهنا يقرر السيناتور الأسود أن يواجه الفساد من أجل المواطن الأمريكى العادى الذى ينتمى هو إليه ولا يريد سوى أن يعيش فى سكن آمن ويرسل أولاده إلى مدارس آمنة. ولأول مرة يستغل خبراته الاحتيالية لصالح مجتمعه من أجل الإيقاع بمحتال أكبر، وأكثر خطورة وهو رئيس «لجنة الصناعة والطاقة والبيئة» أمام عدسات التلفزيون الأمريكى وحشود من المواطنين العاديين وبينهم الأم وابنتها المريضة، وقد ارتسمت على ملامحهما ابتسامة توحى بالانتصار.

جوائز عالمية

لقد شاهدت هذا الفيلم من قبل على إحدى قنوات الأفلام الفضائية العربية أكثر من مرة ولكن مشاهدتة أثناء كتابة هذه السطور أعطتنى إحساساً بأننى أمام «وجبة فنية دسمة» تناصر البيئة بأسلوب ممتع ومؤثر وبالغ الجرأة. وتزايد هذا الإحساس بعد أن اكتشفت أثناء مراجعة بعض مانشر عنه فى الصحافة الأمريكية أنه حصل على جائزتين شهيرتين فى الولايات المتحدة : جائزة الإعلام البيئى environmental media award كأفضل فيلم روائى عم 1992، وجائزة جمعية الفيلم السياسى كأفضل فيلم ومخرج «جوناثان لين» مما يعكس حيوية فى التعامل مع قضايا البيئة نحن فى أشد الحاجة إلى الاسترشاد بها سواء فى أعمالنا الفنية أو متابعتنا الإعلامية لها. ويكفى أن نلقى نظرة سريعة على الأفلام الأمريكية الحائزة على جائزة الإعلام البيئى منذ عام 1991 حتى الآن ليتضح لنا كيف لعب الفيلم الروائى دوره فى معركة «البيئة» من خلال مختلف الأشكال والأنواع السينمائة: الخيال العلمى « اليوم مابعد الغد»، الكوميديا «السيد الموقر» «صوت البوم»، والرسوم المتحركة والجرافيك «الأقدام السعيدة» «الحوت رايدر» «روح: حصان السيمارون».. إلخ.

ونتيجة الوعى بأهمية الفيلم الروائى، احتضنت مهرجانات البيئة المهمة بعض الأفلام الروائية العالمية القديمة والحديثة التى تعاملت موضوعاتها مع قضايا بيئية، وأصبح المطلوب الآن التذكير بها أكثر من أى وقت مضى. وعلى سبيل المثال كان فيلم «البلد الكبير» الذى اضطلع ببطولته جريجورى بيك وتشارلتون هيستون وأخرجه ويليام وايلر عام 1958 مثار اهتمام مهرجانات بيئية لأن موضوعه يركز على الصراع على حقوق المياه بين عائلتين كبيرتين فى الغرب الأمريكى. مما أكسبه أهمية معاصرة يعكسها مايحدث الآن فى العالم حول ندرة ومشاكل المياه والصراعات حولها.

البيئة فى أفلامنا الروائية

وقضية « البيئة» ربما تجد على استحياء مكاناً فى السينما التسجيلية العربية. ولكنها تصبح ترفا لا يمكن التعامل معه فى الأفلام الروائية، وربما أبرز مثال على ذلك أسلوب التعامل مع شخصيات وأحداث فيلم مثل «تيمور وشفيقة»2007 تمثيل الممثلة المصرية منى زكى والذى عرض تقريباً فى الفترة نفسها التى أقيم فيها أول مهرجان للبيئة فى مصر. فبطلته تلعب شخصية وزيرة مصرية للبيئة، وقبل ذلك عالمة مشهود لها فى الدراسات البيئية. والثلث الأخير من أحداثة يصور فى العاصمة الأوكرانية، حيث تشارك الوزيرة المصرية فى مؤتمر لوزراء البيئة هناك، مما يوحى أن تصويره يواكب الاحتفال العالمى بمرور 20 عاماً على حادث انفجار مفاعل « تشرنوبل» النووى فى أوكرانيا 1986 والذى أدى إلى أخطر كارثة بيئية شهدها التاريخ البشرى حتى الآن. ومع ذلك ستتمخض كل تلك المعطيات إلى لاشىء.!

لقد توفر لبطلة فيلم «تيمور وشفيقة» الفرصة لكى تستمتع بثمار التعليم الغربى المتطور. تتعلم فى مدارس اللغات الخاصة، تحقق المرتبة الأولى فى الثانوية على مستوى الجمهورية, تلتحق بإحدى الجامعات الأجنبية فى مصر, واستكمالا لدورها النشط فى خدمة البيئة فى المجتمع تتعمق فى دراسة علوم البيئة. وبفضل نبوغها تأتيها العروض للعمل فى مشاريع البيئة، بالأمم المتحدة. ولكنها تقرر الاستمرار فى دراستها لتتخرج كأصغر دكتورة فى علوم البيئة، مما يؤهلها لأن يتم اختيارها وزيرة لشئون البيئة فى مصر.

ولكن الفيلم لا يحفل بكل المعطيات المرتبطة بالبيئة إلا فى إطار اللقطات السريعة التى لايصاحبها أى حوار أو تعليق، مشهد صامت للوزيرة فى موقع تحرق فيه بعض المخلفات الزراعية فى إشارة إلى ما يعرف فى مصر بـ«السحابة السوداء»، مشهد تلتقى فيه الوزيرة مع رواد جمعية « الروتارى» ولكن بدلا من مناقشتها فى إطار الاهتمامات الاجتماعية الخاصة بالبيئة ستقتصر التساؤلات عن حياتها العاطفية، قبل أن تكون وزيرة. حتى محاضراتها فى الجامعة عن البيئة سيغلفها الصمت والرسوم التوضيحية غير المفهومة بالنسبة للمشاهد. وفى أوكرانيا لن نجد أى إشارة إلى طبيعة المؤتمر الدولى الذى حضرت من أجله. بينما يسهب الفيلم فى تصوير مغامرات حارسها الخاص لإنقاذها عندما تختطف مع باقى وزراء البيئة أثناء المؤتمر على أيدى مجموعة من مهربى المخدرات فى سعيهم للإفراج عن زعيمهم المعتقل. لقد غرس الفيلم بذور قضية مهمة ولكن لم يحاول استغلالها، ربما لأنه لم يعرف صانعوه كيف يتعاملون معها، وربما لأنهم خشوا من أن يبتعد الفيلم عن سرب السينما التجارية السائدة فيكون مصيره الفشل، بالرغم من أن التجارب الأمريكية التى تحدثنا عنها تؤكد إمكانية الجمع بين الرسالة البيئية الجادة وأكثر الأشكال السينمائية جماهيرية.

وهنا تأتى أهمية مهرجانات البيئة العربية فى البحث عن نماذج مختارة من الأفلام الروائية الجماهيرية التى ساهمت - ولو من دون قصد - فى إلقاء الضوء على كثير من مشاكل البيئة، لأن تأثيرها قد يفوق تأثير عشرات الندوات والمحاضرت التى قد تفيد المتخصص ولكن لا تؤتى ثمارها مع الإنسان العادى.

نماذج القدوة

ومن واقع كون المشاكل البيئية هى واحدة من أخطر مايتعرض له البشر. فقد تضافرت الجهود من بعض الشخصيات الفنية والعامة لمواجهة مخاطرها، وهى شخصيات غالباً ماتملك سمات شخصية تجعلها قادرة على أن تكون قدوة بتاريخها ونشاطها الدائم لخدمة القضايا العامة وخاصة قضايا البيئة. لذلك من الأمور المشجعة أن تختار بعض مهرجانات البيئة العربية بعض الشخصيات الفنية والرياضية لتتويجها بلقب «سفير البيئة» والهدف بطبيع الحال مجلبهة مشاكل البيئة والسلوكيات المسببة لها.

ولكن المشكلة أن تلك الاختيارات غالباً مايكون الهدف منها إضفاء بريق لحظى على المهرجان سرعان ما يتلاشى أثره مع نهاية المهرجان، وربما بعد حفل افتتاحه! خاصة إذا كانت تلك الشخصيات تملك الشهرة والجاذبية الاجتماعية ولكن ليس لها أى علاقة حقيقية بالسفارة التى أسندت اليها. وهنا ربما لا نستطيع أن نطالب الفنان العربى ان ينتج فيلما عن مشاكل مجتمعه البيئية مثلما فعل «رويرت ردفورد», «ليوناردو دى كابريو»، «روب رينير» وغيرهم. ولكننا نطالبهم أن يحذوا حذو هؤلاء فى التعامل الإيجابى مع مشاكل البيئة فى حدود الإمكانيات المتاحة لهم :

روبرت ردفورد: قضى 30 عاما فى مجلس الدفاع الأمريكى عن الموارد الطبيعة، وحصل على جائزة «يوم الأرض» عام 1993, وعلى جائزة الأمم المتحدة 1987، وفى إبريل 2007 دشن برنامجا أسبوعياً لمدة ثلاث ساعات بعنوان «الأخضر» مكرساً تماماً للبيئة ويعرض على قناة تليفزيون محمية «ساندانس» التى أسسها ردفورد فى بداية الثمانينيات ويقيم من خلالها مهرجان بالاسم نفسه للسينما المستقلة. اهتماماته بالبيئة تنعكس على كثير من أفلامه السينمائية التى أخرج بعضها.

ليوناردو دى كابريو: يسجل اسمه كواحد من نشطاء حماية البيئة، أسس عام 1998 مؤسسة ليوناردو دى كابريو للترويج لقضايا البيئة, طاف إحدى عشرة ولاية أمريكية ليلقى خطابات عن المخاطر التى تواجه البيئة، وكيف أن جورج بوش ساهم فى تفاقمها.

تلقى مديحاً من جماعات المحافظة على البيئة لاختياره الطيران التجارى عند سفره بدلاً من السفر على الطائرات النفاثة التى تستخدم وقوداً أكثر. كما أنه يستخدم السخانات الشمسية والسيارات التى تتحرك بالغاز الطبيعى. خلال مهرجان كان السينمائى 2007 عرض فيلمه الوثائقى «الساعة الحادية عشرة the 11the hour» الذى شارك فى كتابته وإنتاجه والقيام بدور الراوى لأحداثه التى تعرض لمخاطر الاحتباس الحرارى باعتباره التحدى الأول الذى يهدد كوكب الأرض بالفناء.

روب رينير: مخرج شهير له اهتمامات ملموسة بقضايا البيئة توجت عام 1984 بفيلم وثائقى بعنوان «سيبنال تاب» كجزء من الحملة الفنية المعروفة باسم «إنقاذ الأرض»، ولهذا لايعد خروجاً عن المألوف أن تتوافر لبعض أفلامه الروائية رؤية ناقدة للمعوقات التى تواجه قضايا البيئة وأن يتلمس ذلك من جميع عناصر الإمتاع (الرومانسية - الكوميديا - المواجهات السياسية) كما مع فيلمه الشهير «الرئيس الأمريكى» بطولة مايكل دوجلاس. وفيه يحاول رئيس أمريكى شاب صياغة تشريع من أجل تخفيض 20% من عوادم الطاقة لمواجهة سخونة الأرض، ولكنه يواجه بهجمات شرسة من أصحاب مصانع السيارات وحقول البترول.
..............

وأخيراً فإن هذه السطور هى مجرد محاولة لتوضيح الرؤية تجاه اهتمامات السينما بالبيئة، آمل أن تساعد على التأكيد بأننا لسنا فى مواجهة هوجة أو موجة طارئة، وإنما أمام قضية انسانية تتزايد خطورتها من لحظة لأخرى على كل البشر.

 

 

أحمد رأفت بهجت 




ملصق مهرجان أفلام البيئة الذي أقيم في تونس





النجم الأمريكي ليوناردو دي كابريو يفتتح فيلمه عن الاحتباس الحراري في مهرجان كان السينمائي





الممثل الأمريكي الشهير روبرت رادفورد احد المهتمين بقضايا البيئة





لقطة من الفيلم الخيالي «حصان السيمارون»





لقطة من فيلم «الحوت رايدر» الذي يدعو للمحافظة على مخلوقات البحار





أل جور النائب الأسبق للرئيس الأمريكي شارك في إنتاج فيلم مهم عن البيئة من إخراج روب رينير





فيلم «السيد الموقر» بطولة ايدي ميرفي الذي يكشف عن مهازل التعرض لقضية البيئة داخل الكونجرس الأمريكي





من فيلم «يوم ما بعد غد» وهو من أفلام الخيال العلمي التي تبين الكوارث التي يمكن أن تلحق بالبيئة