د. عبد الهادي التازي وأشرف أبو اليزيد

د. عبد الهادي التازي وأشرف أبو اليزيد

مجلة العربي خيرُ سفير للكويت

أسهم الدكتور عبد الهادي التازي أستاذا وكاتبا ومؤرخا ومحققا في إثراء الحياة الثقافية الأدبية والأكاديمية العربية من المحيط إلى الخليج، وهو سفير المملكة المغربية لسنواتٍ طوال إلى العراق وليبيا والإمارات وإيرامن، كما أنه عضو بهيئات علمية مرموقة في الوطن العربي وخارجه. وبالإضافة إلى أشهر إسهاماته وهو تحقيق رحلة ابن بطوطة في خمسة مجلدات، قدم الدكتور عبد الهادي التازي للمكتبة العربية أكثر من أربعين مؤلفا ولقراء الدوريات ومنها (العربي) مئات الدراسات.

من عناوين مكتبة التازي العربية: القدس والخليل في الرحلات المغربية، التاريخ الديبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، ابن ماجد والبرتغال، جامع القرويين المسجد الجامع بمدينة فاس، الحماية الفرنسية بدؤها - نهايتها، وصقلية في مذكرات السفير ابن عثمان.

كما أنه رحالة عربي يستعيد خطى أجداده، وهو يحمل بين يديه علم أبناء جامعة القرويين ودينهم، فضلا عن كونه باحثا علامة دَرَسَ في عواصم العلم ودرَّس بها، وهو أول مراسل لمجلة «العربي» من المملكة المغربية، وشهد في ديسمبر 1958 ميلاد المجلة على أرض دولة الكويت، وإلى هذه الأرض يحن فيعود ليتذكر، ويقص علينا طرفا من سيرة ثرية، عاطرة، وزاخرة.

  • لقراء مجلة «العربي» مع الدكتور عبد الهادي التازي أكثر من لقاء، بل إنه لقاء يمتد منذ ولادة «العربي» نفسها، ولأنه كان البوابة السحرية لعبور القراء إلى المملكة المغربية عبر مدينة فاس، سندعوه ليبدأ الحديث من هناك.

- بداية أتقدم بالشكر الجزيل لمجلة «العربي» التي تعرفت عليها وأنا في عنفوان شبابي، وإنني لا أنسى أبدا أطاويق البرِّ والإحسان الذي أسدته هذه المجلة، ليس فقط لعالم الكويت ولكن لعالم العروبة والإنسانية جمعاء، بحيث إنني اعتبرتُ، وسأظل أعتبر أن مجلة «العربي» خير سفير للكويت لدى الجهات الأخرى.

فيما يتصل بمدينة فاس أرجو أن أقول لكم مرة أخرى إنني سمعت بميلاد «العربي» وأنا بمدينة فاس عندما التقيت هناك بمؤتمر دولي لليونسكو مع أخينا وزميلنا المرحوم أحمد زكي الذي كان أول فارس في ميدان «العربي». هناك سمعت بمشروعه عن إصدار المجلة واستمعت إلى مقترحاته حول ما تتطلع إليه المجلة من مستقبل.

وإنه ليسعدني أن أنطلق من مدينة فاس لأنها تعتبر العاصمة الأولى، هذه المدينة التي تحدث عنها كل المؤلفين والكتاب بأنها المدينة الساحرة العالمية الاقتصادية التي هفت إليها قلوب التجار وتاقت إليها كذلك آمال العلماء والأدباء، فكانت بحق من المدن الإسلامية الكبرى.

فاس .. عاصمة ثالثة للإسلام

أنا لا أستطيع أن أكتم هنا أمامكم أنني اعتبرها العاصمة الثالثة للإسلام بعد مكة والمدينة، فمدينة فاس بماضيها الزاخر العلمي، وبما شهدته من طبقات العلماء وما مر بها من كبار الزعماء، وما تعرضت له من المنافسات الدولية في الماضي والحاضر، جعل هذه المدينة محط أنظار الدنيا كلها. ويكفي وأنا أتحدث عنها أن يقوم المرء بزيارتها ليقف على أبوابها ليجد لكل باب رمزا وقصة وأسطورة. حتى مقابر فاس تعتبر متحفا من المتاحف لما تحتضنه من كبار العلماء والأدباء، ويكفي أن يكون منهم الإمام أبو بكر بن العربي، الذي كان سفيرا في العصور الوسطي للسلطان يوسف بن تاشفين إلى بغداد، يوم كانت بغداد بغدادا وكان يحكمها العباسيون.

كل زاوية من زوايا مدينة فاس تحكي عن تاريخ، وما كان أجدر بإخواننا المسلمين والعرب في كل مكان أن يزوروا هذه المدينة، التي إن لم تكن، ولم تنشأ، وما لم تؤسس فيها جامعة القرويين لكان المغرب يتدين بدين غير الذي نعرفه، ولكان رجاله يحملون أسماء غير الأسماء التي نعرفها اليوم. ولذلك شاعت وانتشرت الكلمة التي تقول «فاس والكل في فاس» حيث لو أردت أن تستقطب الرسائل الدبلوماسية على المستوى الدولي التي راحت من مدينة فاس إلى ملوك أوربا لوجدت نفسك أمام متحف كبير يعبر عن أصالة هذه المدينة وبعدها.

  • لن نبعد كثيرا عن سفارات المملكة المغربية وفاس ونتجه إلى بغداد، إذ كان محدثنا نفسه أحد سفراء المملكة المغربية إلى بغداد وفيها له الكثير من الذكريات التي دعته أن يطلق اسم بغداد على بيته .. فلتحدثنا عن هذه الذكريات.

- سأحكي لكم عن سرٍّ لم أقله قبل هذه الجلسة، فلكثرة تعلقي بالإمام ابن العربي الذي كان سفيرا للمرابطين في بغداد، ونال إجازته العلمية من الإسكندرية كما نلتها أنا من الإسكندرية، قمت بعمل ربما إذا سمعه النظار أو الذين يتتبعون سيرته خاصة من الشباب سيدهشون، فأنا من الذين اقتنوا واشتروا وهيأوا قبورهم قبل أن يتوفاهم الله، واخترت أن تكون مقبرتي أن تكون في ضريح الإمام ابن العربي. ومن تقاليد زمان أن يقوم السيد كما يخطط لأسفاره بالحياة فيخطط لسفره المؤكد والمحقق وهو الانتقال إلى الدار الآخرة، فلذلك أنا تعبيرا عن تعلقي بالإمام ابن العربي وتعبيرا عن جملة انتماءاتي آثرت ذكر هذه القصة لأنها تؤثر في بعض الناس، ولكنني سعيد أن أنقل إلى أبنائي لقطة من لقطات التاريخ التي حرصنا عليها في المغرب.

فلنعد إلى رحلتي سفيرا في عام 1963 إلى بغداد، وقضيت هناك مدة طويلة قبل أن انتقل إلى ليبيا والتي عدت منها سفيرا مرة أخرى في بغداد فأنا تربطني ببغداد روابط جدا وثيقة، لأنها كانت متنفسا لي للاتصال بعلمائها ورجالها والاستفادة من مشاهدها ومعالمها، إن أيامي في بغداد لن أنساها، وقد أطلقت اسم بغداد على البيت الذي أسكنه ليعيد لي ذكرياتي في بغداد عندما كانت تنعم في وسط علمي أكاديمي رفيع.

  • يتناول الرحالة والسفير والباحث العرمة الدكتور التازي كتابًا، ليقرأ منه فقرة وردت في تأريخه عن دولة الكويت قبل أكثر من ربع قرن كتبها لزوجته ثريا أبو طالب، وكان في الكويت آنذاك بتاريخ الجمعة 26 ديسمبر 1958، وكان يتحدث عن انطباعاته، وهو يشهد تظاهرة من أجمل التظاهرات في الكويت؟

- قبيل استرجاع الكويت لاستقلالها، رأيت أسرابا من فتيات الكويت وهن لابسات للشورت يتدربن على التمارين الرياضية، فقلت لزوجتي ما يلي "وإذا كنت تريدين أن تتكهني بمستقبل الكويت، يكفي أن تكوني من الذين حضروا المهرجان الرياضي الذي أقيم بعد ظهر هذا اليوم في ملعب ثانوية الشويخ الرئيسي فيه 3304، تلاميذ وتلميذات لو رأيت الفتيات اللاتي اعتدن أن يشاهدن أمهاتهن ملفعات بالعبايات السود ولو رأيتهن بالشورت والقمصان ذات الأكمام القصيرة لآمنت بما ينتظر الفتاة الكويتية بالخصوص من تطور. سألخص كل ما أريد أن أقول في كلمة قصيرة تتلخص في أن شعار هذه الأمة دائما: إلى الأمام "

  • ما ظروف هذه الزيارة، والتي دفعتكم لإبداء هذه الملاحظة لزوجتكم، وعددتموها من مؤشرات نهضة الكويت؟

- زرت الكويت، وكان وقتها الشيخ صباح الأحمد، سمو أمير البلاد الحالي، «رئيسًا لدائرة الإرشاد والأنباء» ومازلت أتذكره وهو في عنفوان شبابه ونشاطه وأنا سعيد أن أراه الآن وهو في قمة هذه الدولة، وحقيقة لم تتغير صورته علي طوال هذه السنين الماضية.

بين رحلتين

كنت وقتها أحضر مؤتمر الأدباء العرب الرابع، وكانت هذه الرحلة إلى الكويت هي الأولى في تعرفي على العالم العربي، لا أخفيكم أن تجاربي تتركز على محورين، الأول تعرفي على العالم العربي عن طريق الكويت، حيث تعرفت على منجم من رجالات الفكر والعلم في العالم العربي، كلهم أو جلهم راحوا إلى عفو الله، والمحور الثاني الذي غير مسيرتي هو رحلتي الأولى إلى أوربا وهناك تعرفت على العالم الآخر.

بهذه المناسبة أشكرك لفتحك هذه النافذة لأتحدث عن مشاعري عن الكويت عندما استرجعت استقلالها فالكويت كانت مستقلة قبل عقد معاهدتها مع الإنجليز، ثم بنضالها الهاديء العاقل الرزين استرجعت استقلالها على صفة متحضرة. وكنت منذ ذلك الوقت أؤمن بأن لهذا الشعب مستقبلا كبيرًا.

أنا سعيد أن أجد نفسي هنا اليوم حيث وجدت كويتا أخرى، ووجدت نفسي أمام حضارة تتكلم عن نفسها، ففي كل محل أنظر إليه أجد نفسي أمام نهضة لارجعة فيها أبدا، ودائما لها غدها المشرق بإذن الله.

  • ذكرت لنا أيها العلامة الجليل رحلتين أثرتا فيك، عربية وأوربية، وأذكرك برحلة ثالثة لك أثرت فينا جميعا وهي رحلة ابن بطوطة فقد كانت لك معها رحلات؟

- أشكرك أنك خصصت لي حديثا حول رحلات ابن بطوطة التي أخرجتها في خمسة مجلدات مع ملحق للسنوات التي وقعت فيها. وقمتُ بتحقيق رحلات ابن بطوطة في الواقع ردا للاعتبار لابن بطوطة أمام الذين نشروه أو حققوه.

تعمدت نشر هذه الرحلة على 30 مخطوطة اعتمدت فيها على مصادر عربية وبريطانية وأكاديمية، وآثرت أن تكون هذه الرحلة مرجعا لزملائنا وأبنائنا الذين يحاولون أن يقفون على رجالنا في الأمس. ينبغي أن تعرف أن رجال الاستشراق قاطبة أصبحوا يؤمنون بأن رحلة ابن بطوطة تعتبر الرحلة الأولى في تاريخ البشرية جمعاء وليس في تاريخ العروبة فقط، لما تتضمنه الرحلة من معلومات وحقائق ومتاعب، وما تتضمنه ايضا من أفكار خلاقة. هذا الرجل هو الرحالة الوحيد الذي شعر وآمن بتوظيف المرأة في رحلاته، هذا الرجل وظفها كأميرة وسفيرة وعالمة وزعيمة وبطلة، انا حقيقة تتبعت رحلته في ما يقتصر فقط على موضوع شعوره بان حضور المرأة بالرحلة ضرورة، وبالتالي استطاع أن يشعرنا بأن الرجل لايستغني عن وجود المرأه.

سؤال العصر

  • حين يأتي ذكر ابن بطوطة واهتمامه بالمرأه ودورها في المجتمع، أعتقد أن العناوين الطريفة والمهمة والمؤثرة التي كانت في قائمة مؤلفاتكم، دكتور عبدالهادي التازي، كان عن المرأة المسلمة في الغرب الإسلامي واهتمامك بها كشاعرة ووزيرة فاتمنى أن تلقي بهذه الإطلالة فيما يتعلق بدور المرأة في المجتمع.

- اعتبر هذا السؤال هو سؤال العصر الحالي، كثير من الناس لا يخطر ببالهم انه لولا هذه المرأة لم يكن هناك مجتمعات، المرأة في الغرب الإسلامي قامت بدور ولا أقول لعبت بل أدت دورًا قويًّا فيما يتصل بالحياة السياسية والثقافية والاقتصادية.

فحين أتحدث عن سيدة مثل أم البنين؛ التي بنت جامعة القرويين التي نعتز بها، ونعتبرها أكبر جامعة في الغرب الإسلامي، أسسها القرويون ونذكر لائحة طويلة لأسماء سيدات قمن بأعمال جليلة في السياسة والاجتماع والادب، بل وقمن بواجب السفارة أيضا، وذلك خلافا لما يعتقد اليوم أو قبل اليوم بأن المرأة كانت مقصورة على مجال التربية و التعليم. فالكلمة التي تقال إن كل عظيم وراءه امرأه هي حقيقة، فكل من مرَّ أمامنا من ملوك وأمراء وقادة لا بد أن نجد خلف هؤلاء نساء فاضلات يرشدنهم إلى طريق الخير.

لقد تعمدت إصدار هذا الكتاب تلبية حقيقية لطلب من مؤسسة ألمانية تهدف إلى إبراز دور المرأة المسلمة والذي آمن ابن خلدون قبلنا بأنها عنصر فاعل، وأنا سعيد أن أعيش اليوم وأجد نفسي بين مجتمع ليس ذكوريا فقط بل أنثوي أيضا، وأعيش فيه مع المرأة وزيرة وطبيبة ومحاضرة، وهذا ما عبر عنه ابن بطوطة في كثير من المراحل وأنا أعتقد أنه يوجه رسالة إلى قرائه بأن هناك مخلوقا اسمه المرأة يجب ان يقوم بدوره في المجتمع.

  • إذا خرجنا من العام وأردنا أن نتحدث دور المرأة في حياة د. عبدالهادي التازي منذ طفولته وهي الأم، ومن ثم الحبيبة، إلى الزوجة مروراً بالتلميذة والمتعلمة والمعجبة أيضا!

- من خلال حديثي هذا أعطيك فرصة عن صورة المرأة في عالمنا الإسلامي، مرة كنت أحكي لوالدتي قبل 10 سنوات عن حفيد أختي الذي تزوج، سألتني من تزوج؟ قلت لها بروح من النكتة والسخرية بنت الكلية، هي فهمت أن الكلية عائلة من العائلات الموجودة لدينا، خاصة أن هناك أسماء عوائل تقاربها غرابة بالاسم!

قلت لها: إنه تعرف عليها في الكلية فهي تقبلت الموضوع بنوع من الغضب معلقة بأنهم يذهبون إلى الكلية ليقرأوا أو يتزوجوا؟ وحكت لي بعدها مايلي: إنها حين تزوجت من والدي بقيت 3 سنوات لا أعرف لون عينيه يتحدث إلي ولكن لا أنظر إليه وهو يتحدث، سألتها وكيف عرفت لون عينيه، قالت : هناك جارة قالت لي بأن زوجك عيونه حجرية.

فهذا الظرف الذي عاشته والدتي، أما أنا فقد سنحت لي الفرصة بمعرفة لون عيني زوجتي قبل الزواج، أما أبنائي فما استشاروني، بل قدموا لي خطيباتهم كأمر واقع، أما احفادي فلا تسأل! فالمرأة تتطور بشكل سريع، إنما أشكر الله وأشعر باطمئنان كبير بأن المرأة في الوضع الراهن أكثر عفة وأكثر تحكما بالنفس وأكثر قوة في الدفاع عن نفسها من الامس، وأصبحت أؤمن بهذه الحقيقة لأني اعتبرها تسيطر على قوة فاعلة فيما يتعلق بشرفها، بالنسبة للذين يتشاءمون فيما يتصل بحماية المرأة التي قد نلجأ إلى حمايتها لنا الآن. ويتهيأ لي أن المرأة وصلت القمة فيما يتعلق بالحفاظ على شرفها ونفسها، وفيما يتصل بثقافتها فهي تؤدي دورًا لا يقل اطلاقا عن دور الرجل.

  • في سيرته يدون دائمًا الدكتور عبد الهادي التازي عدد رحلاته بالطائرة، وكأنه يدون خطاه على السحاب ليحقق رقما قياسيا لم يصل إليه رحالة عربي معاصر، سألته عن رحلاته، ورؤاه، وخاصة في الغرب؟

- عندي الآن 1185 رحلة بالطائرة، شاهدت الدنيا كلها. وأذكر أن سفراءنا قبل قرن أو قرنين من الزمان كانوا يفاجأون بوضع المرأة في الغرب. وسأحكي بهذا الخصوص قصة طريفة: ذهب جماعة من العلماء والسفراء المسلمين إلى بريطانيا وأخبروا عن لقائهم المرتب مع ملكة بريطانيا، وأن عليهم أن يطأطئوا رءوسهم لها، والشيء الثاني أنه حين يصافحونها لا يضغطون على يدها. فرفض بعضهم أن يطأطىء رأسه لها كما رفض آخرون أن يصافحوها، وسعوا للبحث عن حلول وقضوا يومهم في التفكير في المصافحة للنجاح في مهمتهم الدبلوماسية التي بعثوا من أجلها.

يمتزج ذكرُ هذا الموضوع بالفكاهه والواقع الفقهي، وقد وجد العلماء أنفسهم أمام ضرورة التعامل مع الأمر الواقع، ووجدوا أن طأطأة الرأس ليست لفيكتوريا وإنما لخالق فيكتوريا وصانعها، ووجدوا أيضا فيما يتعلق بالمصافحة بأنها حين تكون بريئة لا يوجد بها شيء، وبهذا نص الفقهاء نصًّا صريحًا وواضحًا بأن براءة النية وبراءة القلب كفيلتان بأن لا توقع في المحظور.

وأريد أن أضيف أن المرأة قديما كانت تقوم بواجبها وتحضر في جميع المجالس وتشارك في كل ما يمكن المشاركة به، وكما قلت لكم إنني أؤمن بأن فتاة اليوم تتمتع بضبط ذاتي رفيع المستوى وحصانة قوية لايمكن ان تخترق.

فتاوي العصر

  • مع الفتاوى التي تعددت في هذا العصر أذكر رحلة الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى فرنسا وكان معه صديق ويريدان الذهاب إلى لندرة (لندن) فقال له لنذهب بالطائرة فقال له ألا نستشير الاخوة في القاهرة ويقصد هيئة كبار العلماء هناك ، فكثير من الفتاوى تصدر بتفاسير أصعب كثيرا من سماحة الإسلام؟

- هذا الموضوع جيد، وقد أشرت إليه في رحلتي الثانية إلى أوربا، كنت أعطي دروسا في جامعة القرويين، ودعينا إلى قمة فرنسا. ذهبت مع زوجتي وهي أستاذة اللغة العربية في مدرسة وكانت معها مدرسات، فرنسيات - هذه قصة لها دلالة وقد تنفع الناس، وفي المشرق والمغرب - ذهبنا إلى فرنسا بدعوة من أستاذة فرنسية كانت تعرضت إلى مرض واحتضناها في المغرب وتكفلنا برعاية أبنائها أثناء مرضها، وهو أمر لاغرابة به لدينا في العالم العربي وهي قد ذكرت هذا لعائلتها، وقد دعينا إلى عشاء عندها بحضور جميع أفراد العائلة وكل مايتصل بأنسبائهم وأصهارهم من ضمنهم السيدة مارجريت التي هي زوجة عميد كلية الحقوق هناك.

حين دخلنا وجدنا صفا من النساء ثم الرجال، وأثناء السلام والتحية قبلتني إحدى السيدات، وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تقبلني فيها امرأة أجنبية، وهذا نابع من رغبة عارمة للشكر منهم، وبعد هذا قلت لزوجتي: تحضري، سيقبلك رجل اجنبي، وهنا قالت لي بلهجتنا المغربية إن ذلك مستحيل.

حين وصلت زوجتي إلى البروفسور عميد كلية الحقوق حاول أن يقبلها ولكنها رفضت، وكان نصيب الرجل الثاني كتلة من شعرها، حتى تمكن الثالث من تقبيلها وهذا دليل وتعبير منهم عن الشكر والامتنان. وفي صباح اليوم الثاني التقينا بالبروفسور طالبا مني إجابة على جملة من الأسئلة أولها: ما حكم الإسلام في ملامسة المرأة؟ ووجدت نفسي في هذا مضطرا إلى توضيح وجهة نظر الإسلام التي تعتمد أساسا على حسن النية وبراءتها.

وحتى أقرب له وجهة نظر الإسلام قصصت له قصة الإنسان إذا توضأ ولمس زوجته ورأي الفقهاء بصراحة فإما إن يكون بقصد ويكون بطل وضوؤه، أو أن لا يكون بقصد وقد حصلت ذبذبة فأيضا يذهب وضوؤه.

لكن الصورة الأخرى بأن يكون سليم القصد والنية فلا بأس بها، فمثل هذه الفتاوى كثير، ونحن بحاجة إلى فهم تعدد المقاصد فهناك طبيبة تود أخذ نبض المريض، المهم بهذا الموضوع أن يراعي فقهاؤنا هذه المستجدات والتطورات التي حدثت للمرأة، فعلى الفتوى أن يناسب مقالها مقامها من غير أن تتعدى أيضا، فنحن والحمد لله أمورنا واضحة.

  • كيف يسخر الإنسان «العربي» المسلم الإرث التاريخي الإسلامي المشرف في الحد من الاتهام الذي يلاحقه بالتطرف والإرهاب؟

- كل من يتحدث عن التطرف بعيد كل البعد عن الإسلام وكل من يلصق تهمة الإرهاب بالإسلام لا يعلم حقيقته فالإسلام يستمد حقيقته من اسمه: الاستسلام والسلام فلا يجوز على المسلم ان يُرَوِّع أخاه حتى بالخبر المفزع.

إن الذين يربطون بين التطرف والإسلام قوم يجهلون الإسلام، والأجدى بنا إشاعة كل المبادئ الإسلامية التي تؤكد على النقيض، وأنا أحض على ضرورة تشجيع جهاز الترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية.

  • في حديثك عن «العربي» في كتاب مرفأ الذاكرة، امتدحت «العربي» قائلا إنها تضم كل مايشتهيه القارئ، هل مازالت هذه الفكرة القائمة في ظل التطور التكنولوجي المعرفي من انترنت وماشابه؟

- مايثير انتباهي في مجلة «العربي» انها حية يقظة تعالج الأمور حسب ما يوجد في كل لحظة، فأنا مع اعتذاري لكل المجلات الأخرى التي لاأقرؤها كلها ولكن ألاحظ أن مجلة «العربي» تتميز بمسايرة الموكب العربي العالمي.

في العددالصادر في شهر ديسمبر 2006، وجدت «العربي» تتحدث عن زميلنا الراحل نجيب محفوظ، وقد لامس كتابها ووضعوا أصابعهم على بعض المراحل التي لم تذكرها جهات أخرى، وهي تعبر عن حاسة - إذا صح تعبير الكلمة - المشرفين على المجلة, حاسة سليمة ومتطورة تتماشى مع الأحوال.

إنني أغتنم هذه الفرصة لأؤكد اعتزازي لرؤية ذلك الوليد الذي رأيناه قبل نصف قرن يمشى بخطى ثابتة ومتوازنة، وأتمنى أن تكون هذه سياسة كل من يمت بالصلة إلى مجلة «العربي».





د. عبد الهادي التازي وأشرف أبو اليزيد





سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مع الدكتور عبدالهادي التازي لدى استقباله لضيوف ندوة العربي في احتفالها باليوبيل الذهبي بحضور سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح والدكتور أحمد الضبيب والكاتب فهمي هويدي





الدكتور التازي مشاركًا بإحدى جلسات ندوة (مجلة العربي ولغتها العربية)





معالي الشيخ صباح الخالد وزير الإعلام يكرم الدكتور عبد الهادي التازي أول مراسل لمجلة (العربي) في المملكة المغربية، بحضور الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير المجلة





دائما يحمل دفتراً يدون فيه ملاحظاته