مساحة ود

مساحة ود

خواطر وانطباعات

هناك من الناس من يعمل على عض اليد التي أحسنت إليه, وكأنه يرى في الإحسان إليه نوعًا من إهانة يردها بالإساءة انتقامًا بسبب لؤم طبعه.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا ما لم تسئ إلى من أحسن إليها .

فيجب أن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين, وعلينا ألا نضيع سنوات من أعمارنا هباء حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء, بل تنكّر له وجحده في غمضة عين. وعلينا جميعًا الحرص على أن تكون لنا علاقة قوية بالله, تحمينا من تقلبات الأيام وجحود البشر, وأن تكون عندنا الشجاعة في التأقلم مع الحياة, على الرغم مما فيها من مصائب وآلام والرضا بها, وأن في كل شيء حكمة, ولكل شيء مغزى. وأجمل مظاهر الشجاعة شجاعة نسيان الإساءة, وكثيرًا ما نقف بيننا وبين أنفسنا بعد مرور السنين, لنشكر في سرّنا من أساءوا إلينا ذات يوم, بعد أن نكتشف كم استفزوا في داخلنا طاقات كامنة برزت إلى وعينا لنرد اعتبارنا عن تلك الإساءة, ونفاجأ كم هم أفادونا من حيث لا يدرون ولا ندري.

وإذا كنا نعامل شخصًا ما باللين والرحمة والإيثار, وهو يعاملنا بالغلظة, فأقل شيء أن نتجنبه ما دمنا فشلنا في كل محاولات إصلاحه وعودته إلى صوابه.

وصدق الشاعر في قوله:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا


وجميل أن يتصف المرء بالرحمة والإيثار ووعي الضمير ومراعاة حقوق الآخرين, فكلما كان أوفر تواضعًا وأبسط حياة وأقرب إلى الناس, كان أوفر سعادة, لكن أن تتواضع لبعض الناس الذين تغيرت طباعهم وانطباعاتهم معًا, وتبدلت نظرتهم إلى الآخرين وإلى أنفسهم, واختفت البسمة من على وجوههم, وغابت في غيوم المادة, وتاهت في مدارات الدرهم والدولار, وغاب لديهم الوازع الأخلاقي, واتصفوا بالأنانية وموت الضمير,إذ يجد الإنسان منهم تعنّتًا وإصرارًا على ما هم فيه. ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: أظلم الظالمين لنفسه مَن تواضع لمن لا يكرمه, ورغب في مودة من لا ينفعه.

وكثير من الناس في بلادنا لا يقدرون أحيانًا التواضع, فدائما يعتبرونه سذاجة وبساطة بمعناها السلبي, والأمثلة على ذلك كثيرة: حين تبدي التعاطف والاهتمام لشخص ما ستطرح عليك تساؤلات وشكوك عدة, حتى من قبل الشخص الذي تهتم به, وقد يظن الظنون أو يأخذه الغرور والكبر. بعض علماء النفس يعزون مظاهر الحسد والحقد والضغينة إلى الصفات الغالبة لبعض الناس بسبب فشلهم في حياتهم, وانطوائهم على أنفسهم. أخيرًا ليس هناك علاج أفضل لهذه الانحرافات السلوكية من عودة الصفات الأصيلة إلى نفوسنا وحياتنا, التي اختفت إلى حد ما, كالإخلاص والاعتراف بالجميل والصدق والصداقة, التي باتت نادرة في أيامنا هذه... و... أن يكون للإنسان معنى لحياته بأن يبحث عن الصفات المميزة للعلاقات الإنسانية في العمل كما في الحب, وأن يكون هدف الإنسان في هذه الحياة هو قبل كل شيء تحقيق إنسانيته عن طريق فعل الخير والعطاء الذي هو الحياة.

 

نزار الناصر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات