مساحة ود

مساحة ود

شبابنا ومُثلهم العُليا!

هل يتخذ أبناؤنا القدوة والمثل الأعلى ممن يستحقون حقاً أن يحظوا بهذه المرتبة المشرّفة ويتبوأوا هذه المكانة؟! أتخيل لو أجرينا بحثاً ميدانياً نزيهاً عن الشباب ومُثلهم العليا في الحياة لصدمتنا النتائج، ولاكتشفنا أنّ رجال الغد وصُنّاع المستقبل وذُخره يتخذ معظمهم من أشباه المطربين والدخلاء على الفن قدوةً ومثلا، إذ يتتبّعون الخطوات الفنية «الجريئة» للفنانين وللفنانات لتقليدهم في الشكل والمضمون، وليكونوا بالنسبة إليهم شعاراً وقنديلاً يضيء دربهم وتلك مصيبة وخسارة فادحة وتدلُ على فراغ في نفوس الأبناء وشروخ خطيرة في البُنية التربوية لمعظم هذا الجيل وتقصير واضح من قبل الآباء والمُربين والسياسة الإعلامية العربية في عصر الفضائيات والإنترنت.

ما الذي أفضى لهذا الفراغ الفكري والفقر المعرفي والافتقار الى الحلم والسعي للإنجاز في نفوس شبابنا؟! ولماذا غُيبت عنهم أقمار مضيئة ونماذج نجاح مشرقة على مستوى رفيع وراقٍ متمثلة بشخصيات بارزة على الساحات المحلية والعربية والعالمية؟! وبالمقابل تُغرس في عقولهم نماذج باهتة لنجاح بارد محصور آني مفرغ من أحقيته في الديمومة والرسوخ، أشبه بفقاعات ملونة، غير مستحق لما يُثار حوله من ضجيج إعلامي يضخّمه في العقول الغضة المُتفتحة والنفوس الطرية والبنية التربوية الخصبة المهيأة لاستقبال واستنبات ما يقع فيها من بذور حتى وإن كانت فاسدة وغير مثمرة!

أتمنى لو تترسخ سياسة ومنهجية إعلامية عربية مبنية على رفد عقول شبابنا بقصص نجاح وتقوّق، ورصد وتسليط الضوء على مراحل الإنجاز ومداه وأهميته وعدم الاكتفاء بالاحتفال والاحتفاء بالنجاحات التي ترتبط بالجماهيرية.. فكم من علماء وأطباء وأدباء وباحثين عانقت إنجازاتهم السماء، لكنّها لا تطلب ولا تتطلب الجماهيرية والشهرة فبقوا في الظل وغابوا وغيّبوا عن عيون الشباب الذين لم يعودوا يرون من النجاح إلا جانبه الضيق المرتبط بالفن وبالأخص الغناء الذي افتقد في هذا الزمن مقاييس الأصالة والاعتماد على الموهبة والصقل والمران... ليعتمد على مقاييس المظهر والابتذال والإسفاف في الكلمة واللحن وطريقة العرض، عرض المفاتن والعُري والمشاهد المخزية!

لماذا التركيز الإعلامي على الفُقاعات التي تطفو وتعاود الانطفاء السريع لأنّها لا تمتلك مشروعاً إبداعياً حقيقياً، وفي الوقت ذاته تهميش وتجاهُل نماذج تعمل بجدِ على مشروعها الإبداعي وتُعطي من روحها وقلبها، وتطوّر نفسها وتحفرُ في صخرة النجاح لتصلَ لثمار الإنجاز؟ وأين شبابنا من شخصيات عربية تضيء وتشعشع في سماء الغرب وتنطفئ سيرتها ويغيب ذكرها في مواطنها؟! أين منا مشروع توعوي تثقيفي يسلّط الضوء على الناجحين في المجالات المختلفة.. أين مناهجنا المدرسية ووسائل إعلامنا من قصص وأحداث ووقائع وإنجازات تعزّز ثقة الشباب بأنفسهم وبقدراتهم وتحفّز مواهبهم وطاقاتهم المخبوءة وتسمو بأحلامهم وتطلعاتهم لامتلاك مشروع إبداعي أو خطة عمل ناجحة في الحياة، بعيداً عن التأثير السلبي الخطير لنماذج تعيثُ فساداً وإفساداً بعقولهم، وتقزّم مفهوم النجاح وقيمة العمل وتشوّه نظرتهم لأنفسِهم ومستقبلِهم..!.

 

 

 

حنان بيروتي