عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

المترجم ودوره الخفي

ربما يذكر البعض مقولة الشاعر الإنجليزي الشهير روديارد كبلينج، الذي عاصر فترة ازدهار الإمبراطورية البريطانية وسيطرتها على العالم حين قال: «الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان»، وكان هذا القول في وقتها تجسيداً للاستعلاء الأوربي، والقطيعة مع الثقافات الأخرى وتعبيراً عن المركزية الأوربية التي ترى العالم من منظور واحد ونمط ثابت، لقد تغيرت هذه النظرة كثيراً، فقد كشفت كثير من الحضارات الشرقية أسرارها وعلومها الدفينة، وأكدت مساهمتها الفعالة في مسيرة الحضارة الإنسانية، كما أن الهجرات المتوالية جعلت من تمازج الأعراق أمراً واقعاً لا تستطيع أسوار «الابارثاهيد» أن تعزله، ويمكن القول إن الشرق لم يعد شرقاً خالصاً، وإن الغرب لم يعد غرباً نقياً، وعلى الرغم من أن الصراع لم ينته فإنه كشف على الأقل عن حاجتنا جميعاً إلى المزيد من التفاهم، وهذا هو الدور الذي أنيط دوماً بالترجمة، فهي الوسيلة الوحيدة والمثلى لإرساء التفاهم وتعزيز الانفتاح بين الثقافات المختلفة، وقد لعب المترجمون في ثقافتنا العربية - منذ أن قام إسحق بن حنين بترجمة كتاب أرسطو - دوراً جوهريا في إثراء الثقافة العربية وجعلها منفتحة على غيرها من الثقافات، بل إنه أمد الدولة الإسلامية في أوج قوتها بوهج من المعرفة مكّنها من التعامل مع الشعوب الأخرى، والمترجم إنسان متبتل، يقضي السنوات الطويلة من عمره لنقل الأفكار للآخرين دون أن يسطو عليها ويدعي أنها أفكاره، ومجهوده هائل ولكنه خفي لا يظهر إلا في الهوامش المتفرقة أو في السطر النحيل الذي يذكر اسمه في مقدمة الكتاب، وعادة فهذا السطر لا يستوقف أحداً مثلما يحدث مع المؤلف، هؤلاء المترجمون هم أشبه بالفحامين في السفن القديمة الذين يمدون المراجل الضخمة بكل أنواع الوقود ويبعثون فيها الحركة دون أن يراهم أحد أو حتى يحس بوجودهم، واعترافاً بفضلهم تقدم «العربي» ملف هذا العدد حول الترجمة وسيلة للقاء الحضارات.

ويحفل العدد أيضاً بالعديد من القضايا المهمة والمتنوعة، ففي افتتاحية رئيس التحرير يثير قضية المستجدات والتحديات الحديثة التي تواجه الثقافة العربية، خاصة في العصر الرقمي وفي ظل انفجار المعلوماتية. لذا، فقد أصبح على هذه الثقافة العتيقة أن تحاول استيعاب هذه المستجدات وأن تتخلص من آثار الريبة والتشكك الذهني، وأن تزرع بدلاً منها روح المبادرة والتحدي.

وترحل «العربي» هذا الشهر إلى سرقسطة الجميلة في قلب الأندلس الإسباني لترصد معالمها ولتتابع القضية التي يطرحها معرض إكسبو الذي خصص دورته لهذا العام لمناقشة مشكلة المياه حول العالم، وتقدم صورة شاملة لهذه المدينة التي تجاورت فيها الحضارات وتداخلت. وترصد «العربي» مهرجاناً مهماً للأفلام التي تجعل من البيئة قضيتها الأساسية، وتواصل مشروعها في قصص على الهواء الذي يهدف لاستجلاء المواهب الشابة ووضعها في دائرة الضوء، كما تحاول الإجابة عن الغموض الذي مازال يحيط ببدء الكون، وغير ذلك من المواد والقضايا التي نرجو أن يستمتع بها قارئ «العربي».

 

 

المحرر