عزيزي العربي

عزيزي العربي

هو من قال عائدون

هو من قال عائدون
ومن الستة والتسعين
عاد وقال أحن إلى خبز أمي
هو من قال صامدون
وصمد للتي في نهايتها حرف النون
هو من كتب بقلم
نحن المقاومة الباقون
له كلمات لحنظلة النون
إنه من المواطنين
هو من غزل من وريقات الزيتون
كفنا لشهيد مات لحرف النون
درويش درويش
للحظات الموت معنى الجنون
فحقا دال اسمك نون
دال لك ودال لها
وانا لنون عاشق مجنون
ونون لن تنسى الدال
فدال لم تمت ولكن درويش
أحبك أحبك أحبك
أحبها أحبها أحبها
فيها حرف الدال منقوش
وهي تعرف من تكون
فدال دمعة
والنون فلسطين

هشام ياسر الشطرات - الأردن

الغائمون
(إلى روح محمود درويش)

«هزمتك يا موت الفنون جميعها»
هزمتك ألوية الذين تبرأوا من صمتهم
هم هؤلاء دروبهم مقدودة من حزنهم
ولهم طرائق في احتمال حياتهم
إذْ يخرجون إلى البياض
مدججين بما يفوت النائمين على أملْ
لاتقلقوا موت الغواةِ
ولا تديروا شفرة التوقيت حسْب حياتهم
هم غائمون كما يليقُ بمحنةٍ
ومصمّمون على التقاط كآبةٍ
غرقتْ على شطّ الخجلْ.
هم ميّتونَ بحسب كلّ مظنّةٍ
لكنّهم أيضاً
حماة الورد في شفة الحياةِ
وهم سعاةُ الأغنياتِ
بريدهم صمتٌ يُغنّى خلف أسوار الجملْ.
الموتُ لا يعني القصيدة
محض فخّ للجسدْ.
النومُ موتٌ
واشتهاءُ فضيحة سمراء مثل الأرض..موتٌ
والمدى في عين ثاكلة الفراغ..
وما تشاء من الصفات إذا تناهبها البددْ
وإذاً فكيف لشاعر
أن يقتفي أثّرَ الحياة
ولجّة الموتِ المعلّق كالتمائم فوق أخيلة الهجاءِ
وما بقى من ساكني وهم البقاء..
مغادرون على جناح الساقطاتْ / الهاويات إلى الأبدْ
فلْنشرح الشعر العظيم:
مجردُ التحديق في مَلَكٍ معاقٍ،
رشْوةٌ لليل كيما يعلن الهُدنَ الشبيهة بالألمْ
أن تنبش الكلمات أرض جحيمها
أن يُعلَن النَدَمُ اللعينُ خليفةً
أن تُمسَحَ الأسماء من بالِ الطريقِ
وأن نُصفّد بالقلمْ...
هل هكذا يغدو النزال مُشرفاً...؟؟
أن نمسك الأرض التي تمشي علينا دائماً
ونسيل من وجع عليها
كالعدمْ..!!
دون القصيدة هالكانِ
فأنتَ من ضجر المهمّة...
من تيسّر شأنها
وأنا من الضعفِ اللعينْ
لكننا خصمان في شَركِ القصيدةِ
عالقانِ
فخذْ جثاميني القتيلة كلّها
ودعِ القصيدة
وحدها
لتردّد السرّ الدفينْ.

شعر: أديب حسن محمد

تلك صورتك.. وهذا عشقنا الانتحاري
حكاية الرجل الذي صار فكرة

مات محمود درويش.. عذرا أيّها السادة، محمود لم يمت.. إن هي إلاّ استراحة المحارب هنيهة، قبيل العود الدائري حيث تسقط النهاية على البداية..

فلماذا نعذل الرجل على هذا السفر، ونحن تركناه يقاتل وحده على جبهة الكلمات، مصّرا كعادته على نصرة الندى والفراشات المذعورة في القلب..

أين كنّا منذ 1964 حين أورق الزيتون، وحتى 1984 حين سقط القلب في أوّل جبّ؟ أكان يلزمنا عشرون عاما كي ندرك أنّ قلب الرجل الوحيد في الزحام لم يكن يحيا بالهواء، وإنما بالكلمات، ورَجْع الألم.. ورغم ذلك لم نفعل شيئا، ثمّ مضت أربعة عشر عاما أخرى، وهوى القلب من جديد، لكن هذه المرّة في ركوة البياض، حيث ناور الموت في معركته الثانية، وهزمه، ثم سجّل اسمه إلى جانب سيزيف وهرقل وأورفيوس..

يومها علّمنا هذا الرجل الواضح حدّ الالتباس استراتيجيّة أخرى لتربية الأمل والتحايل على الضعف الإنساني، لكننا للأسف لم نتحرك في الطريق الصحيح رغم الإشارات التي زرعها الرجل أمامنا..

حين تعرّفت إلى محمود درويش قبل 15 سنة، وكنت

لا أزال غضا رطب العود والجنان، لم أكن أعي من قصائده غير كونها أحلاما انهرقت في قوالب اللغة. وقد ظللت قرابة خمس سنوات أتمترس بها ضدّ عنف العالم وتفاهته (ومازلت أفعل ذلك إلى اليوم)، لم أكن أدري أيّة قوّة خفيّة تلك التي تشدّني إلى كلماته الحبلى على الدّوام، وعباراته المسبوكة بخدر، إلاّ أنني كنت أتحلّل وأنا أقرؤها، فيتبدّد قلق السؤال، وأنفقد في لذة النصّ..

هل أنا مدين لك بإصابتي بلوثة الكتابة الجميلة يا محمود؟ من يدري، ربّما. لكن الأكيد أنّك من ورّطني في شركها..

«رأيت شبابا مغاربة/يلعبون الكرة/ويرمونني بالحجارة: عد بالعبارة/ واترك أمّنا/ يا أبانا الذي أخطأ المقبرة»

هكذا هتفت يا محمود، أنت العاشق المغربَ، والعاشقك المغربُ.. في كلّ زاوية أو بيت أو مدرسة نجد لك صدى أو عبارة مخلوطة بالحديث اليومي، ويكفينا فخرا أنّك أضفت للقهوة والخبز والأرض والرّمل والبحر وغيرها من المفردات معاني أخرى في قاموس المجاز، ولا عجب أنّك تعشق المغرب ويعشقك المغرب، إذ أنّ رائحة الأبيض المتوسّط تغزلنا في نول واحد، والنوارس التي فقدتها هاهناك في فلسطين، قد أنجبت هاهنا في المغرب..

الشباب المغاربة الذين رأيتهم يلعبون الكرة يامحمود، حين يتعبون، فإنّهم يقرؤون الشعر، وحين يقرؤون الشعر، فإنّهم يبحثون عن درويش، كي ينسوا وطأة الواقع قليلا، ويهيموا في المثال والأسطوري قليلا ريثما تشتدّ قناتهم، ويتعلموا المشي عاليا كالسنديان..

ترى ماذا ستكتب لهم من هناك يا محمود؟

سامي دقاقي - المغرب

«الذي هكذا وصل»

صباح الخير محمود. كيف أصبحت اليوم؟ وكيف كان مشوار الصباح معك ؟ بالأمس كان نومك عميقاً. كانت على وجهك علامات ليس بمقدور أحد أن يفهمها. من يستطيع أن يقترب من تضاريس الأرواح؟ إنها تتغير وتتبدل مثلما نركض وراء طفولة السحاب، بوسعنا أن نرسمها. بوسعنا أن نتذكرها. ولكن ليس بمقدورنا أن نتابع سرعة تبدلاتها.

سألتني أن أحمل لك القهوة. وسألتك ان كانت هي عادتك لم تزل كما هي. قهوة فيها القليل من لمسات السكر. فيها الكثير الكثير من اسوداد الليل. أما أنا ياصديقي فمازلت على عادتي. أشرب قهوتي الصباحية بالكثير الكثير من لا خلايا العسل. قهوتي حرة. أما قهوتك فلقد كان عليها أسوار من السجائر، ترتشف السجائر مع القهوة، أم أن بعضا من سجائرك كان يرتشف من قهوتك. من يدري؟

قيل بالأمس إنك قد مت. جاءتني الرسائل من كل الاتجاهات: لقد مات مات مات. امتلأت الجرائد . الإذاعات ... الكل يحاول أن يصف كيف يكون فقدانك .... الكل يصب كلامه في بحر واسع من الفراق. شعرت بمياه البحر تغطي وجوههم، تحجب عنهم الرؤية، فلقد كانت تنظر إليهم من بين المياه وتقول لهم: هذه مياهي اغتسلوا بها. ولكن أنى لهم أن يعوا ما تعي.

من خلال دموعي رأيتك فأوقفت بكائي. قلت لي من خلال بداية تكون الدمعة. اهدئي. اعلمي أنه لدينا العمل الكثير. هناك نهر بين نجمتين. في ذلك النهر ثمة حصاة ملقاة في قعره. أريد تلك الحصى، لأعلمك كيف يكون نحت الكلام. اهدئي ولا تترددي. هناك في بعض قصائدي جناحا فراشة. عليك بالاستعارة... اذهبي إلى تلك الصفحة واستأذني القصيدة بنزع ذاك الجناح ... البسيهما على كتفيك... ثم احضري حصاني.

استأذنت.. أسرعت .. تركت.. أمسكت.. نزعت.. أعطيت. في زاوية قصية من السماء، رأيته هناك . دعيها جانباً قلت لي . خذي نفسا عميقا عميقا جدا، أغمضي عينيك، لتعرفي أيضا ما أريد. هناك بعض من أنفاسي، قد تركتها هناك اذهبي مسرعة وأحضري أنفاسي.

في أشعاري ثمة طريقة عليك أن تتعلميها. لا مسافات إلا بالعقول. لا زمان إلا بالعقول. المسافة شيء وهمي. الزمن شيء وهمي..ثم ان هناك شجرة لوز في طريقها للانشراح.. أعلم أعلم لايزال الربيع بعيداً.. ولكن اذهبي إليها.. وأحسني الاختيار. رأيت غصنا ما بين الأغصان. لايزال في بدايته، لايزال في نهايته.... وضعت عليه بعضا من تلك الأنفاس.ابتسم لي ذاك الغصن.. قرأ حيرتي.. لا تخافي.هي زهور بيضاء متلألئة.... لسوف تعرفينها من بين كل زهور اللوز.أما الآن فاذهبي. فلقد حان موعد نومي. «إنها حياة تستحق أن تعاش».

نجوى الزهار - عَمَّان

موت شاعر كبير

كورق يابس
هوى على وجه الغدير النحيلي
في شهر أيلولي
هزيلا مشى على عكازيني
لا يستطيع الوقوفا
بوجه النسيم العليلي
لا يستطيع الوقوفا
لتحية الصباح الجميلي
نتأت عظام هيكلهي
وبدت أوتارهو
فوق جسم يشتكي من الذبولي
كجرائد النخل الطويلي
يمشي ويسقط
زاحفا يخبط
خبط عشواء
يسعل ويمخط
في جسمه الكليلي
ويندى جرحه في منكبيهي
نادبا برءه في عويلي
وإلى ركبتيهي
جرى الدمع من مقلتيه حزينا
متلألئا كشمس الأفولي
وتأخذ الرعشات في يديهي
يهوي على عكازه ويمضي
يمشي كئيبا بين الطلولي
ويدعو إلهه
يا إلهي
يا معيلي!

شعر: صديقكم المخلص شاعر المغرب

فوضى النشيد

للموتِ نصفُ رحيلنا
و لآهةٍ في الوردِ تسرقُ عطركَ الغجريَّ ؛ نصفٌ آخرٌ !
فبأيِّ لحنٍ نستعيدُكَ :
غابَ فينا الصمتُ / والكلماتُ / والوطنُ المُكفَّنُ بالرؤى .........
لا شيء يكتبنا / لنُدركَ ثغرة ً في الروحِ
أرَّقها الضياعُ ؛ فضُيِّعَتْ!
وانسابَ ماءُ الصُّبحِ في عبثِ الندامى
يصرعون الهمَّ في «أثرِ الفراشةِ»
و«الحصان» عدو ريحكَ
والقيامة ُ بابُك الخلفيُّ للأقصى
ونحنُ وراءكَ / الساهون!
فاخطو:
دونَ أسئلةٍ !
هنالك معشرٌ في الليلِ يحتطبون أوهامَ الردى
ووراءهم قلقٌ تليدٌ
لا يبعثره النباحُ

***

درويشُ .... ماتَ ولم يمُتْ ؟!!
مَنْ ماتَ يا أنتم، ومنْ هربتْ يداه، ومَنْ تخبَّطَ في الفناءِ، ومَنْ توارى في الصدى ؟!!
درويشُ .... ماتَ ولم يمُتْ ؟!!
إلا دمُ الأطلالِ في فوضى النشيدِ/ على امتدادِ صبيَّةٍ نزعتْ قميصا، أو ترجَّلَ خِصرُها المنحولُ من شُرُفاتِ منزلها، وغَنَّى بالجوارِ جميعُ مَنْ مَرُّوا .... سواكَ ؛ ألمْ تمُتْ ؟!
درويشُ :
يا بن الأرضِ، خَبِّئ ليلكَ العاري !
ورتِّبْ للقصيدةِ سُلَّمَ المعنى/لنهذي قبلَ موتٍ ينتظرنا/فانتظرنا كُلما انكسرتْ شغافُ الوردِ، بانَ الليلُ من وجعِ الكلامِ، وغابَ في الخطأ المواربِ سِرُّ دمعك، فانتصبْ للآهِ، رُبَّ قيامةٍ للروحِ تسكُبُها المرايا، لا تلُمنا وانتَصِبْ !

محمد الفوز - السعودية

وتريات

جدار لجدارية درويش

كتبَ الوترْ .. عزفَ الوترْ
سكتَ الوترْ
هذا الفتى القرشيُّ يأكلُ من كتابتهِ السهرْ
هذا الفتى القرشيُّ يرعى
من مواسمهِ المطرْ
(قد مات) ....
ويحك يا فمي !!
أتقول ماتَ بلا حذرْ
أتقول غادرنا صباحاً
دون أن تعطي الصباحَ ظلال حزنٍ أو كدرْ
أتقول مملكة العيون مساؤه
ورياحهُ عبرتْ
وما قلتَ انحنى للريحِ
ما قلتَ انتصرْ
لِـمَ لا تقول بأنه آخى ترابَ الأرضِ
أو قلْ إنه
قد غابَ كي يأتي لنا يوما بأوراقِ القمرْ
لِـمَ لا ترققُ من حديثك مرةً
قل عنه لملمَ حزمةً من نور
كي يهدي السراةَ إلى دهاليزِ السحرْ
قلْ عنه لملمَ آخر الأوراقِ
كي يملي قصيدتهُ ويكتبَ
أو لنكتبَ عن حكايتهِ إلى كل البشرْ
قلْ ما تشاء سوى الذي قد قلتَ ماتَ ..
وغابَ عنا ..
وهْوَ لما غابتْ الدنيا جميعاً قد حضرْ
قلْ ما تشاء سوى الوداعِ ونارهِ
فهو الذي بالحبِّ علمنا اللقاءَ ودفئهُ
وهو الذي صافى ووافى وابتكرْ
صِفْ عُنفَ رقَـتهُ
وُقلْ ما كنتَ تدري يا فمي
كيفَ استماتَ على خبرْ
يأتي من الجولان والأقصى
ومن بيروت شاهدةُ الأثرْ
وبأنه يوما تمادى أن يشيلَ الظلَّ
لامسَ ظلهُ يوماً بعنفٍ فانكسرْ
قُلْ مرةً
قد همَّ يعبرُ زهرةً في الحقلِ تشبههُ
وكانتْ زهرةُ البستانِ في لون المنى
لما رآها قد عثرْ
هي قصةٌ للريحِ في فمهِ
وقصةُ جارهِ بعدوهِ حين انحنى للريحِ كي تمضي
تنحنحَ وانتحرْ
ما كان ندَّا أو أخا ندٍ لصوتِ الريحِ مُذْ جاءتْ
تناسى هامةً في الأفقِ ترصدُ ما ستأخذه الرياحُ من الشجرْ

***

أنا لا أرى نخلاً بسيرتهِ
أرى الزيتونَ منتبهاً لغربتهِ
وألمحُ فرحةً كبرى برائحةِ الحفرْ
قبرٌ يضمكَ بعد أن
ضمتكَ كلُّ قلوبنا زمناً
وما زلنا بشعركَ نأتزرْ
(لا تعتذرْ عما فعلتَ )
صنعتَ تاريخاً نحبكَ باسمهِ
وزرعتنا صوراً تباغتها صورْ
(والعابرون) سيفرحون سيجلسون القرفصاءَ
يقول آخرهمْ من القوقاز شاعرهم مضى
لن يدركوا الكلماتِ باقيةً ويمضي العابرون مع الكلام بلا أثر ْ
لا غيمةً بالشعر بعدكَ سوف نرقبها
فنمْ يا سيدي ما شئتَ دعْ عملَ السفينةِ
للذي ربحَ الرهانَ وما أتاك ليعتذرْ
واكتبْ عن اللاوقت عن لغةِ الحديثِ
رأيت دارجةً أم الفصحى هناك ؟
فكلُّ أسئلةِ الوجودِ
وكلُّ أسئلةِ الغيابِ على غيابكَ تزدهرْ
لا تعتذر عما فعلت، فإننا
من بعد ما لوحتَ في شفةِ الرحيلِ
سننكسرْ

شعر: كريم معتوق





 





صورة بريشة الفنان حيدر الياسري من الولايات المتحدة الأمريكية، أرسلها إلى العربي