كنز الحضارة الإسلامية متى يعود إلى الكويت؟

انطفأت الأنوار ، وخلت واجهات العرض من المقتنيات التي كانت تزينها ، وأغلقت دار الآثار الإسلامية في الكويت أبوابها. لقد ضاع شاهد هام من شواهد الحضارة الإسلامية. وكان النهب هو مصير 20 ألف قطعة أثرية نفيسة من أندر القطع التي أنتجتها يد الصانع المسلم على امتداد سنوات ازدهار هذه الحضارة.

          لم ترحم قوات الغزو هذه الآثار النادرة، ورغم أن المسئولين عن المتحف قد أغلقوا الأبواب ووضعوا عليها الأقفال الضخمة فإن جنود الاحتلال قاموا بتحطيمها وأفرغوا كل واجهات العرض من محتوياتها، كانوا ينتزعون آثار الحضارة كأنهم ينتزعون بفعلتهم هذه وجود هذه الحضارة ذاتها.

          إن كل محبي الآثار الإسلامية في العالم، والذين يدركون قيمة هذا الكنز الذي فقد لا يسعهم إلا الانتظار، حتى تتوافر كل الجهود التي تبذلها حكومة الكويت والمؤسسات الثقافية العالمية وعلى رأسها " اليونسكو" من أجل استعادة هذا الكنز المنهوب، حتى لا يتلف ولا يتبدد وحتى لا يتسرب أيضا إلى تجار السوق السوداء للآثار..

حب جارف للتراث

          لم تتوقف اهتمامات الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح عند مجرد الرؤية والنظر أمام روائع التراث الإسلامي فنا وعمارة، في المدن التاريخية التي زارها. وطال وقوفه أمام العمائر التاريخية وملاحظة بواباتها وزخارفها، عقودها وأسوارها، حصونها وقلاعها، وتحولت هذه الاهتمامات بشكل جذري إلى واقع حين بدأ في اقتناء روائع الفن الإسلامي، عندما اقتنى أولى القطع الفنية الإسلامية في مجموعته الفنية المعروفة باسم مجموعة الصباح.

          استمرت هذه الاهتمامات في زخم بالغ وتتابع لم يتوقف، إلى أن بلغ عدد القطع الفنية الإسلامية في هذه المجموعة حوالي 20.000 قطعة فنية. استمر الشيخ ناصر، يدفعه ذلك الحب الجارف للتراث والولع الشديد بالآثار وجمعها. وكان يحدوه الإحساس بضرورة إنجاز هذا الواجب، متلقيا هو وزوجته دعما كبيرا من أفراد أسرته، حتى تمكن وفي أقل من ثمانية أعوام - كما تقول الدكتورة "مارلين جنكينز" - "استطاع رجل واحد تحدوه الرغبة في إعادة قطع فنية أبدعتها حضارة بذاتها هي في واقع الأمر حضارته، ضمن الحدود الجغرافية لتلك الحضارة. تمكن من إقامة متحف للفن الإسلامي".

          وبعد مناقشات ومشاورات مع الزملاء والأصدقاء اتخذ قراره مدعما بقرار زوجته " الشيخة حصة صباح السالم الصباح " بوضع مجموعته الفنية تحت رعاية متحف الكويت الوطني.

          وإن كان الواجب يدفعنا إلى الاعتراف بشكل واضح بدور الشيخة حصة في رعاية تلك القطع الفنية والإشراف على فهرستها، وإحصاء قطعها، وقياس أبعادها، وحفظها، وتصويرها، ونشر بياناتها وعرضها إضافة إلى إدارة الدار والسهر على نموها واستمرار رسالتها.

دولار ينسي من أجل الإسلامي

          عرفت هذه المجموعة باسم "مجموعة الصباح" منذ اليوم الأول لافتتاح الدار، وهي تضم العديد من القطع الفنية، نجد فيها كل ما يمثل المعالم المهمة للحضارة الفنية الإسلامية في معظم ميادينها ومجالاتها ومدارسها الفنية. فنجد الخزف، والزجاج، والخشب، والعاج، والجلد والمخطوطات والكتابات خطوطا ونقوشا، والتصوير والنسيج والمعادن.... إلخ.

          بدأ الإعداد حين ترأست الشيخة حصة مجموعة من الاختصاصيين في مقدمتهم الدكتورة مارلين جنكينز الأمينة المشاركة بمتحف المتروبوليتان للفنون، واستمر الجميع يسابقون الزمن إلى أن تم افتتاح الدار في مناسبة عيد الكويت الوطني يوم 25 فبراير عام 1983، تمت فيها دعوة الكثير من المهتمين بالآثار والفنون الإسلامية، ومديري المتاحف، وعلماء الآثار ونقاد الفنون، وتم الافتتاح فعلا في شكل تظاهرة فنية، أعلن فيها مولد أحدث المتاحف المتخصصة تحت اسم دار الآثار الإسلامية، وكانت المجموعة التي عرضت في بداية الأمر تتكون من حوالي ألف قطعة فنية إسلامية، أخذت مكانها في الدار داخل الفتارين أو معلقة على الجدران أو على الحوامل أو على القواعد التي أعدت خصيصا لها. وتم تجهيز الممرات داخل الدار وفق أحدث النظم المتحفية في العالم وتم توزيع الأضواء بشكل غاية في الدقة.

ليلة لا تنسى

          كانت ليلة لا تنسى تلك التي حضرها عدد غير قليل لحضور أمسية ثقافية أقامتها دار الآثار الإسلامية كان المتحدث فيها هو المفكر الإسلامي الدكتور "رشدي فكار". وتم الاستعداد للأمسية خارج قاعة المحاضرات في الهواء الطلق في المساحة الخالية بين المتحف ودار الآثار. ديوانية كبيرة بمقاعد غطيت بنسيج السدو الشهير. وبدأ الدكتور فكار في إلقاء محاضرته، وتلاها نقاش طويل شارك فيه العديد من أساتذة الفلسفة وكان على رأسهم الدكتور فؤاد زكريا الذي اتفق مع بعض آراء الدكتور فكار واختلف مع البعض الآخر من آرائه، وحميت المناقشة وازداد الحوار سخونة ونحن في متعة زائدة. حتى أننا اعتقدنا أن الحوار آخذ في الاتجاه إلى نقطة اللا عودة، وتدخل يومها المرحوم الدكتور عبد العزيز كامل وقام بالتقريب بين الآراء، ثم وقفت الشيخة حصة الصباح وختمت الحوار والمناقشة بأسلوبها المعهود والهادئ.

          آخر هذه الأمسيات الثقافية التي حضرناها هو عرض بعض مقتنيات متحف "الهرميتاج" بليننجراد من روائع الفن الإسلامي وصاحب ذلك ليلة ثقافية والعديد من المحاضرات والندوات على مدار الأيام التالية، الأمر الذي أدى خدمة جليلة لهواة مشاهدة التراث الإسلامي وللدارسين على حد سواء، وأعتقد أن ذلك كان يحدث في العالم العربي للمرة الأولى على مثل هذا المستوى.

المتحف والإبداع الفني

          لم تبخل الدار على إضافة كل جديد يصدر في مجال الآثار والفنون، علما بأن الدار قد أصدرت العديد من المطبوعات والأبحاث والنشرات في المجالات الفنية الإسلامية المختلفة.

          كان هناك اهتمام خاص بطلاب المدارس الذين وفرت لهم الدار المرشدين والنشرات، ولم ينس المسئولون أن يوفروا للأطفال كتيبا خاصا بهم يحتوي على صفحات خاصة بالإبداع الفني مبينة بالصور، مما يعطي الفرصة لهم للتعبير عن خيالهم المبني على التصاميم الإسلامية.

          كذلك عقدت الدار معارض كثيرة ومتنوعة منها مثلا معرض المصاحف المخطوطة الذي عقد في الفترة من 19 - 25 / 12 / 1983، ومعارض الفنون المختلفة.

          وقد شاركت الدار في أعمال الحفريات في مصر بمساهمتها في حفريات البهنسا بكل الجد والنشاط، وللدار جهدها الملحوظ في هذا المجال. وغير ذلك كثير.. ويمكن القول بأن أعمال دار الآثار الإسلامية في الكويت قد أثرت مجال الفن الإسلامي إلى حد كبير، كما أنها قد أسهمت بنصيب ثقافي كبير في التراث العالمي ككل، وفي الحضارة الإسلامية بصفة خاصة.

مأساة ما بعد الغزو

          جاء يوم الثاني من أغسطس وحدث للدار بعد الغزو العراقي للكويت ما لم يتضح بشكل دقيق للآن، إنما يمكن القول بأن الدار قد أصابها دمار شديد واختفت محتوياتها وتحفها، وهو أمر لم تقف منه الكويت والعالم ككل موقف المتفرج.. بل صدرت العديد من القرارات الدولية التي - فيما يخص الدار - تنص على ضرورة عودة التراث إلى موقعه. وفي هذا الصدد كان اللقاء مع الدكتور يوسف عبدالمعطي نائب رئيس اللجنة الكويتية للثقافة والعلوم "اليونسكو" بالمركز الثقافي الكويتي بالقاهرة فأفاد بأن اليونسكو قد شكلت لجنة برئاسة وزير التربية السنغالي السابق الدكتور "ثيام" وذلك لتسجيل التخريب الذي حدث لدار الآثار الإسلامية بالكويت، ورصد حجم التخريب الذي تم، وإبلاغ اليونسكو وأن الأمل معقود الآن على عدم تسرب المقتنيات وضياعها، والأمل الأكبر يتمثل في عودة تلك التحف لتحتل موقعها في الدار.

          سبع سنوات تقريبا هي عمر دار الآثار الإسلامية بالكويت، سنوات مليئة بالإنجازات، فهل تعود مرة أخرى؟ سؤال نطرحه على حضارة الإنسان!!





خنجر وغمده، من الذهب، والترصع بالأحجار الكريمة - الهند القرن 17




صفحة من مخطوط صحبة الأبار للجامعي - بخاري القرن 10




صحن خزفي - تركيا إزنيك - القرن 16




سلطانية بدون مركب مصبوب ومصقول - سوريا القرن 12




زخارف محفورة على رخام أبيض مع تلبيس بأحجار كريمة - الهند القرن 17




ركيزة بدون نرجيلة مزخرف بالمينا - الهند المنغولية




لوحة سيراميك بصورة الكعبة المعظمة




صفحة مصحف - ‏القرن العاشر




زجاجة ذات بدن منفوخ مطلية ومزخرفة بالمينا - سوريا أو مصر




قطعة زمرد مقطوعة ومثقوبة - الهند القرن 17




اسطرلاب صناعة تسطولس القرن 8