بلاد الفرنسيس.. ضمور التوهج

بلاد الفرنسيس.. ضمور التوهج

في الطريق إلى النورماندي وهي بوابة تحرير فرنسا وأوربا من الاحتلال النازي، تقرع رأسي أسئلة مخيفة، ماذا لو انتصر هتلر في ذلك اليوم؟ وما هو شكل باريس التي عرفها العالم موطنا للجمال والحرية والعلم؟ وكم لا ينتهي من الألقاب البهية؟ هل كانت ستكون ساحة أخرى من ساحات النجمة المعقوفة. أيقبل الفرنسيون بذلك؟ إن الخيال لا يكتمل فسرعان ما تأخذ الحقيقة مكان أوهام هتلر فباريس خلدت بجمالها المتجدد كل صباح، وعطورها المخلقة مازالت تجوب العالم.

أي مدينة هذه التي تباع فيها اللوحات في سوق الأدوات المستعملة؟ وأي ذوق رفيع مجدول بطبائع شعب قد يشتري لوحة بدلا من دولاب للملابس أو طاولة للطعام؟ إنها باريس بالتأكيد.

يا لها من مدينة جميلة وصعبة المراس كحال كل الجميلات، فمنذ أن خرجنا من مطار شارلي ديجول العتيق الأنيق، كان علينا أن نبقى متيقظين فوق المعتاد، لأن خطأ واحدا في مترو الأنفاق يعني الذهاب إلى المجهول، في قطارات الأنفاق الأخرى. في العالم يكفي أن نعرف اسم معلم بارز حتى نصل إليه بسهولة، ولكن في قطارات باريس لا بد من معرفة أسماء الشوارع حتى نصل لبرج ايفيل أو الشانزيليزيه وكل ذلك من دون وجود لغة ثانية كالإنجليزية. لقبت باريس بالكثير من الألقاب ولكن أكثر ما شدني هو «عاصمة الدنيا» فكيف تكون كذلك وفي المقابل توجد عاصمة أخرى شاركتها المجد نفسه وهي لندن؟ وكيف يصح هذا اللقب في وجود مدينة عالمية هي نيويورك يعيش فيها الآلاف المؤلفة من البشر من كل أرجاء الدنيا، ربما حازت باريس هذا اللقب لأنها مثلت للكثيرين من مثقفي العالم المثال الاسمى ولغتها فيما مضى أصبحت من متطلبات الرقي وسعة الأفق، وحتى أن مواد الدستور الأمريكي امتزجت بنظريات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو أحد مفكري العقد الاجتماعي.

صعبة المراس باريس تخلو من الشاي الأسود ربما كان يذكرهم بالإنجليز، ففي جميع المقاهي والمطاعم التي أرتدتها وجدت الشاي متوافرا بكل الأصناف والنكهات ما عدا الشاي (الحقيقي)، فلم يكن هناك حل سوى التوجه إلى الحي الهندي في باريس فمن المؤكد أن طلبنا متوافر هناك. وبينما كنت أنا وزميلي المصور نحاول فك رموز اللغتين الفرنسية والهندية المكتوبة على يافطات المحلات، ظهرت لنا حروف عربية تبشرنا بوجود بقالة قد نجد فيها ما نحتاج إليه، عندما دخلنا اكتشفنا أننا داخل وكالة تبيع جميع الأطعمة المصرية من فول وأرغفة الخبز البلدي وأجبان وحلويات ومكرونة وأصناف عديدة، صاحب الوكالة السيد محمود خلف أوضح لنا أنه يستورد جميع بضاعته من مصر ثم يعيد توزيعها على الأسواق الغذائية المنتشرة في فرنسا. أخذنا ما جئنا من أجله وزيادة ثم ضيفنا خلف بعصير مانجو مصري أصلي.

عاصمة نصف الدنيا

باريس عاصمة الدنيا على الأقل بالنسبة لنا كعرب، لأنها نفضتنا نفضا من سباتنا العثماني. وكشفت لنا أن السيف لا يقهر المدفع وأن نسخ المعرفة لم يعد باليد وإنما عبر اختراع عظيم اسمه الطابعة، ويقول الدكتور جابر عصفور في بحثه المعنون (الرحلة إلى الآخر في القرن التاسع عشر): «ما صنعته مدافع نابليون وجنوده، فضلا عن أجهزته العلمية المصاحبة التي وضعت الوعي العربي أمام تخلفه للمرة الأولى، في حدة معرفية جذرية، حدة جعلت من الاحتلال الفرنسي مرآة تكتمل فيها معرفة الوعي بحدوده الذاتية».

ولا عجب أن مثقفي شمال إفريقيا يكتبون أولا إبداعهم الأدبي والعلمي باللغة الفرنسية، كحال الروائي المغربي الراحل محمد شكري وروايته الخبز الحافي، لأنهم يعرفون نهم الفرنسيين للقراءة وحجم حركة النشر والطباعة لديهم، وفي أسوأ الأحوال يبقى نشر الكتاب في فرنسا أفضل من نشره في الوطن الأم، أما الحديث عن الرقابة فيعتبر أمرا يبعث على السخرية فلا حدود للحرية في بلاد الحرية، وحتى نكون منصفين فقد دخلت محظورات لم تكن بالحسبان في سماء فرنسا مثل إنكار المحرقة اليهودية، أو إبادة الأرمن ولو من باب الدراسة التاريخية.

يقول الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي «إن فرنسا خلقت كي تضيء العالم»، ولكن هل حقا هي تضيء العالم اليوم واللغة الفرنسية تتراجع في مقابل صعود اللغة الإنجليزية؟ هل فرنسا تضيء حقا وحركة الترجمة تتجه بشغف إلى أعمال باولو كويلو البرازيلي أو جابريل جارسيا ماركيز الكولمبي، وأفلامها لا تخرج خارج الوطن وحتى ماري أنطوانيت عرفها الجيل الجديد من هوليوود؟ ربما كان الفرنسيون بحاجة إلى مدافع كمدافع نابليون فهم لا يجيدون غير لغتهم ولا يدورون إلا في أفلاك الماضي الاستعماري، وبالرغم من الرعاية الحكومية للإبداع بكل أشكاله فإن هناك أزمة حقيقية هي ضمور التأثير الثقافي والفكري والأدبي الفرنسي على العالم. فهل من موليير وهوجو وسارتر آخرين في فرنسا؟.

الشيء المؤكد الآن هو أن فرنسا متفوقة عالميا في العطور ودور الأزياء وأشياء أخرى!

متحف مسروقات العالم

في رواق نابليون تحت هرم اللوفر الزجاجي الضخم، يحتشد جمع غفير من الناس في واحد من أهم المتاحف في العالم كله، استعدادا للسير في بوابة تفضيلاتهم الشخصية. في اللوفر ثلاث بوابات تقود إلى أقسام من تراث العالم، سوللي ودينون وريشليو. وكل واحد منها يحتاج إلى يوم كامل للاطلاع على ما فيه بصورة كافية.

اللوفر هو قلعة شيدها فيليب اوجست في 1190م لغرض الدفاع عن باريس أثناء انشغاله بالحملات الصليبية في المشرق، تحولت فيما بعد إلى متحف يضم أكثر من مليون قطعة فنية من مختلف حضارات العالم، وتعد لوحة الموناليزا رائعة ليوناردو دافنشي هي القبلة التي يحرص عليها زوار اللوفر وعدم مشاهدتها يعني أن الزيارة لم تتم.

اعترف أن لي موقفا مسبقا ومتناقضا من متحف اللوفر فهو برأيي متحف لمسروقات العالم جمعت فيه فرنسا ما نهبته من كنوز الشرق خلال الحملات الصليبية التي تقدمت صفوفها في القرون الوسطى، والفترة الاستعمارية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وأرى أيضا أن تكون تلك المسروقات بيد من هو جدير بالمحافظة عليها، أفضل بكثير من تركها عرضة للإهمال وعوامل التعرية في مواطنها الأصلية وكي أكون منصفا ليست كل مقتنيات اللوفر مسروقة، بل اشتريت من أهل البلد الذين باعوا تراث وتاريخ وطنهم بثمن لايعادل القيمة التاريخية لتلك القطع.

اخترت بوابة سوللي التي قادتني إلى آثار لمصر الفرعونية مرورا بالمشرق وإيران القديمة وانتهاء بالتحف الإغريقية القديمة. وفي القسم المصري عرضت المئات من القطع الثمينة، والعشرات من المومياوات والنواويس مع الشروحات المختصرة لتاريخ كل قطعة، وتم ترتيب كل مجموعة متجانسة في مكان منفصل.

بعد خروجنا من هرم اللوفر صادفنا اعتصاما سلميا لمجموعة من موظفي المتحف يطالبون بزيادة رواتبهم.

النورماندي.. نقطة التحول

رحلة طويلة مرهقة قطعناها بالسيارة من باريس إلى النورماندي، كانت ستكون أجمل لولا الزحام الشديد الذي وقعنا في فخه، كان صوت المرأة في جهاز تحديد المواقع يعطي السائق معلومات غير دقيقة ووجهات خاطئة منذ كنا في باريس، لذا أهملنا الاعتماد عليها واستعنا باللوحات الإرشادية، واستمرت هي ترطن بالفرنسية بالمعلومات الخاطئة حتى أخرسها وصولنا للنورماندي.

إن قصة الإنزال الكبير في النورماندي، قسم مهم من تاريخ الحرب العالمية الثانية, لأن جيش هتلر كان لايزال قادرا على تحقيق النصر، ولكن بسبب هزائمه في ثلاثة مواقع رئيسية هي: ستالينجراد والعلمين والنورماندي تغيرت مجريات الحرب لمصلحة قوات التحالف، وقد كان السوفييت يلحون بشدة على ضرورة فتح جبهة أخرى على هتلر من ناحية الغرب، لأنهم يتحملون وحدهم عبء مواجهة جيوشه في شرق أوربا، وفتح مثل تلك الجبهة سيضمن تخفيف الضغط عليهم من جهة وتشتيت الجيش الألماني على عدة جبهات من ناحية أخرى.

وقد سبق للبريطانيين مع الكنديين أن خاضوا في تجربة فاشلة للنزول في منطقة دييب عام 1942م، وأدرك الألمان مآرب تلك العملية، لذا قاموا بتلغيم الشواطئ الفرنسية بآلاف الألغام وركزوا على إبقاء أي معركة مستقبلية داخل البحر. وبعد عامين تكررت عملية الإنزال في النورماندي في ثلاث مناطق بمشاركة أمريكية، الأمريكان في أوماها والكنديون في جونو، والبريطانيون في منطقة سوود، وكان اليوم الأول هو مفتاح النصر في تلك المعركة، لأن الحلفاء نجحوا في النزول وهذا هو ما كان يخشاه الألمان، وبعد ثلاثة أشهر من القتال الضاري نجح الحلفاء في الوصول إلى باريس بعد أن انتشروا على طول نهر السين.

بجانب مقبرة الجنود الأمريكيين أقامت الحكومة الأمريكية، متحفا يخلد مشاركة الجيش الأمريكي في عملية النورماندي،عرضت فيه الصور المعبرة ليوم الإنزال وبعض مقتنيات الجنود من بنادق وخوذ وملابس ورسائل وأجهزة اتصال وبعض القذائف الفارغة، كما جهزت شاشات عرض كبيرة تعرض فيها أفلام وثائقية قصيرة على الزوار. لم أتوقع أن تكون شواطئ النورماندي بهذه الصورة الهادئة، وهناك جلست أتأمل نقطة أوماها لأسترجع المشاهد الأولى المخيفة في فيلم: «إنقاذ الجندي رايان» التي جسدت لحظات الاقتحام والالتحام بين الجنود الأمريكان مع القوات الألمانية في يوم غائم عابس، إنها مشاهد قليلة، ولكنها زادت من كرهي للحروب وما تخلفه من دمار ومآسٍ، ولكن للحرية والأمجاد أثمانها الباهظة التي يجب أن تدفع. وقد دفعت!

الألزاس.. ألمانيا في فرنسا

الألزاس إقليم يقع في شمال فرنسا ومتاخم لألمانيا وقد دخل هذا الإقليم تحت السيطرة الألمانية فترة من الزمن، ثم عاد من جديد للوطن الأم، وأهله يتكلمون لغة خاصة هي الألزاسية وهي قريبة من الألمانية، وأغلب المباني الرئيسية في الألزاس مبنية على الطراز الألماني، ولخصوصية ذلك الإقليم، تم الإبقاء على القوانين الألمانية، وخاصة تلك المتعارضة مع علمانية فرنسا مثل عدم فصل الدين عن الدولة ودفع رواتب الكهان من الخزينة الفرنسية. وتقع في الألزاس أقدم منظمة أوربية، وهي المنظمة الأوربية للملاحة على نهر الراين، ويبرز البرلمان الأوربي كواحد من أهم المباني في ستراسبورج وما يمثله من ثقل سياسي أوربي ودلالة معبرة عن الوحدة الأوربية. كما يقع مقر المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في ستراسبورج لذلك تسمى بأنها عاصمة حقوق الإنسان في العالم.

كنا محظوظين بركوب قطار (تي جي في) السريع الذي نقلنا من باريس إلى ستراسبورج عاصمة الألزاس خلال ساعتين فقط، لأنه حتى وقت قريب جدا لم تكن هناك إرادة سياسية لتزويد الألزاس بقطارات سريعة، وكانت الرحلة نفسها تستغرق وقتا أطول، والطريف أن تلك القطارات السريعة تصنع في الألزاس!.

في ستراسبورج كان بانتظارنا صديق عربي عزيز هو الدكتور أمين الميداني مدير المركز العربي للتربية على القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان، وهو فرنسي من أصل سوري وقد أخذنا معه في جولة تعريفية ممتعة على أهم معالم عاصمة الألزاس.

بالقرب من البرلمان الأوربي نبهني الميداني إلى قسم في ذلك المبنى يوحي بعدم اكتمال البناء، والمقصود من ذلك هو توصيل فكرة مفادها أن العمل لا يزال جاريا لضم باقي الدول الأوربية لعضوية البرلمان الأوربي، وعلقت على كلام الميداني بأن مبنى جامعة الدول العربية مكتمل البناء لأكثر من نصف قرن وإلى اليوم لا تزال الحدود والتأشيرات تفصل بين الدول العربية.

ووقعت في وقت سابق من هذا العام حادثة عندما طلبت مدرسة لويس باتور من إحدى الطالبات المحجبات خلع حجابها تماشيا مع مبادئ الدولة العلمانية، وسألت لماذا تم التمسك بهذه النقطة بالرغم من خصوصية قوانين إقليم الألزاس فأوضح لي الميداني: «أنت مصيب بطرح سؤالك، ولكن عدم فصل الدين عن الدولة في منطقة الألزاس والموزل في فرنسا لايعني عدم التزام هاتين المحافظتين بأحكام المحاكم الفرنسية، أو ما يصدر عن الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) من تشريعات، أو ما تصدره الحكومة من قرارات. وموضوع الحجاب يخضع لقانون يتعلق بالرموز الدينية صادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية في 15/3/2004، ويجب أن يطبق على كل المدارس في فرنسا والمقصود بشكل أساسي بعدم فصل الدين عن الدولة في هاتين المحافظتين أن المدارس تعلم الديانات، وأنه توجد كليتان للاهوت البروتستنتي والكاثوليكي تصرف عليهما وزارة التربية الفرنسية وتخضع إدارتهما لقوانين الجامعات الحكومية الفرنسية، وأنه يتم صرف رواتب رجال الدين ما عدا المسلمين ، لأن الإسلام غير معترف به في فرنسا - من خزينة الحكومة الفرنسية».

وكانت الطالبة الفرنسية سنيت دوجاني (15 سنة) وهي من أصل تركي قد قامت بحلق شعرها بالكامل احتجاجا على منعها من دخول مدرستها في ستراسبورج، وقد بررت فعلتها أنها نفذت مطلب المدرسة ولم تخالف تعاليم دينها الذي يحرم كشف شعرها في الوقت نفسه. ختمنا الجولة في ساحة كليبر وهو القائد العسكري الذي خلفه بونابرت في مصر بعد رحيله، سألت الميداني وهو الذي أمضى قسما كبيرا من حياته في فرنسا عن قضية اندماج المهاجرين فيها وعن تجربته الشخصية تحديدا، فرد مؤكدا وجود مشكلة في الاندماج ومعاناة التأقلم في المكان ولكنه رد مستدركا إلا أن ما يعزينا هو إيماننا بأننا نعيش في دولة مؤسسات وقانون، توجد فيها وسائل فعلية للإنصاف حتى لو لم تكن تحمل الجنسية الفرنسية، وحتى لو كنت مخالفا لقوانين الإقامة.

وأشار الميداني إلى نقطة مهمة قائلا: «في فرنسا لا أعتقد أنني محارب بسبب ديني أو أصلي العربي، ولكن التصرفات السيئة تجلب الإجراءات السيئة, بمعنى لكل فعل رد فعل، والعيب يكمن في بعضنا ممن يتمسك بهويته كنوع من التحدي ورفض الآخر وليس اعتزازا «بتلك الهوية».

وعن تقييمه لأوضاع المهاجرين خاصة العرب والمسلمين منهم بعد تفجيرات نيويورك ورد الفعل في بلد مثل فرنسا، بين الميداني أنه بعد أحداث سبتمبر اختلف الموقف من الجانبين الفرنسي والعربي والإسلامي، حيث مال الطرفان إلى خطاب أكثر ليونة والسعي إلى تحقيق مفهوم الإسلام الفرنسي الذي يحفظ حقوق الدولة العلمانية وحقوق المسلمين فيها.

كما يوجد لدينا متطرفون يوجد متطرفون في الجانب الآخر. ولا نستطيع أن نغفل أن لبعض فئات المجتمع وزنهم ودورهم في المجتمع الفرنسي ويمتلكون وسائل إعلام مؤثرة، فمثلا يستطيعون الحديث كما يشاءون عن الأسير الإسرائيلي في غزة جلعاد شاليط ولكن من الصعب جدا أن تتاح الفرصة للحديث في تلك الوسائل عن أي أسير عربي في السجون الإسرائيلية أو معاناته، والحكومة الفرنسية حريصة على أن تكون علاقاتها جيدة مع إسرائيل.

أورسي.. درس فرنسي

لعل في قصة إنشاء متحف أورسي وهو بالمناسبة افتتح في الشهر الأخير من عام 1977 م، خير مثال على معنى الحكومة التي تولي الثقافة والفنون نصيبا من اهتمامها عندما تدعو الحاجة لذلك، فقد كان أورسى إدارة محاسبية أحرقت ضمن ما أحرق في أحداث 1871م، وظل كبيت الأشباح لمدة ثلاثين عاما، إلى أن اشترته شركة سكة الحديد لتجعل منه محطتها الرئيسية، وتم افتتاح العمل فيها بالتزامن مع افتتاح المعرض الكوني سنة 1889 م، وفي عام 1961م عرضت المحطة للبيع وظلت هكذا حتى كادت أن تهدم بعد عشر سنوات لولا تدخل الحكومة الفرنسية.

وقد اقترح المعنيون بشئون المتاحف الفرنسية استغلال محطة أورسي وجعلها معرضا لمختلف الفنون والإبداعات بسبب ندرة الأماكن المخصصة الكافية لذلك الغرض في باريس، ولأن أورسي يتمدد على مساحة 16 ألف متر مربع، كما أن بناء المتحف مناسب من ناحية الانسجام المعماري لما هو محيط بها كمتحف اللوفر المقابل لمحطة أورسي.

الديوانية منتدى ثقافي عربي في باريس

ختمنا رحلتنا في باريس بزيارة مهمة إلى منتدى ثقافي عربي ينظمه شهريا المكتب الثقافي الكويتي في باريس, لحضور إحدى الندوات الشهرية التي يقيمها، وكانت فرصة للالتقاء ببعض الشخصيات العربية هناك. يشرح الدكتور محمد الفيلي رئيس المكتب الثقافي الكويتي فكرة الموسم الثقافي قائلا: «حرصنا على أن نكون في منطقة وسطى بين اللقاء الأكاديمي أو الصالون الثقافي بما يعنيه من موضوع معد سلفا وبخطة تكون محل نقاش مسبق، وبين الديوانية الكويتية بما تخلقه من تلقائية في طرح الموضوع، لذلك تعتمد فكرة الديوانية على تحديد موضوع مسبق ومتحدثين ومساحة من التلقائية من خلال النقاش بين الجمهور، وهو ما يسمح بفتح جوانب إضافية في الموضوع, أو حتى الانتقال إلى مواضيع أخرى قد تكون محور اللقاء المقبل، على سبيل المثال أقمنا ديوانية عن المفردات الفرنسية في اللهجة الكويتية وهذا الموضوع قادنا إلى موضوع آخر هو الكلمات العربية في اللغة الفرنسية».

وختم الفيلي حديثه مشيرا إلى أن الديوانية «تسعى لخلق اتصال بين الجمهور الفرنسي بغرض توصيل فكرة متعددة الجوانب، منها وضع ذلك الجمهور في صورة منطقية عن النشاط الفكري الثقافي والاقتصادي والسياسي في الكويت، وثانيا ربط صورة الكويت بانفتاح ثقافي أما من خلال طرح مواضيع كويتية أو مواضيع إنسانية، ويهدف الموسم الثقافي إلى خلق تقارب مع الأكاديميين الفرنسيين حتى يكون هناك لقاء معهم خارج الإطار الرسمي ولكنه لقاء يسمح بتقوية التبادل الأكاديمي».

بعد حوارنا مع الدكتور الفيلي التقيت بثلاثة من الفرنسيين من أصول عربية جزائرية هم المخرج السينمائي عبدالعزيز طولبي ورئيس البنك الكويتي الجزائري السابق في لوكسمبورج عبدالله دورو وأخيرا حسين قايد أستاذ الحضارة ورئيس القسم الثقافي في مسجد باريس، تحدثت مع طولبي الذي يعيش في فرنسا منذ 27 سنة عن مشروعه الطموح لمحو الأمية وهو مشروع ملتيميديا اجتماعي تعليمي يدخل في إطار مكافحة الأمية، وهو قائم بأكمله في هيكلية تلفزيونية، هي قناة «دارنا المدرسة» مكرسة لبرامج محو الأمية والتعليم لقطاعات شعبية واسعة وبائسة بسبب الأمية.

وتتميز برامج قناة دارنا المدرسة بتعليمها الجذاب الذي يعتمد على المرح والتسلية واستخدام الأغنية في التواصل والتعبير، وبين طولبي أنه تم ابتكار جهاز يعمل بالطاقة الشمسية لاستقبال برامج القناة ومشاهدتها في أي مكان في العالم وهو جهاز خفيف الوزن على شكل حقيبة محكمة الإغلاق تم تجريب البرنامج في موريتانيا في عام 2005 على شريحة من 2000 شخص من مختلف الأعمار وحققت نجاحا كبيرا في قصر المدة الضرورية للاستيعاب والتعلم لدى المتعلمين.

وأوضح طولبي أن مشروع قناة دارنا يحتاج إلى المساندة المادية والمعنوية فإما أن يحظى بدعم من مؤسسات أو أفراد كمشروع إنساني، أو يكون من خلال طرح المشروع في سوق رأس المال الاستثماري.

عبدالله دورو نقل حوارنا إلى قضية الاندماج الكامل للجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين العرب المسلمين في فرنسا مؤكدا أن ذلك الاندماج لا يعني انقطاع الصلة مع الوطن الأم والدين والتقاليد الموروثة، وأشار دورو بحكم التخصص والاهتمام إلى أن هذه الطبقة من الفرنسيين العرب، قوة شرائية لا يستهان بها فهم الزبائن والمحركون للبنية التحتية والاقتصاد, وأصحاب الأعمال يعرفون هذا الشيء جيدا. وليس بغريب حينما أذكر إنه في شهر رمضان المبارك تمتلئ أسواق ضواحي باريس بالأطعمة التي تؤكل عادة في هذا الشهر.

وسلط حسين قايد الضوء على نقطة غاية في الأهمية حين تحدث عن حقيقة الممارسات العنصرية التي يمارسها بعض الفرنسيين ضد المهاجرين، حيث فرق بين من أسماهم بالفرنسيين الأصليين والفرنسيين من أصول أوربية، فأما الأصليون فهم أكثر تسامحا وتقبلا للآخر، وأما النوع الثاني فيرون أننا منافسون لهم في كل شيء ولا بد من إزاحتنا عن طريقهم بأي طريقة.

المهاجرون شبح باق

المهاجرون في فرنسا ومن أكتسبوا جنسيتها من شعوب مستعمراتها القديمة أمر واقع لا فكاك منه فهم إرثها الذي تبقى من ماضيها الاستعماري، وهم كانوا في يوم من الأيام وقود جيوش فرنسا وإحدى وسائل خلاصها من الاحتلال النازي وكذلك إعادة إعمارها من الدمار.

ولا ننسى أن المهاجرين وهم غالبا من إفريقيا ومن أجبروا على العمل هم من حفروا شبكة مترو الأنفاق، ومن عملوا بجهد في بناء مدن فرنسا الجميلة، لذا فإن فرنسا تكفر عن ذنوبها الاستعمارية بطريقتها الخاصة. وأخيرا توجد اليوم حقائق على الأرض يصعب إخفاؤها ففرنسا بحاجة فعلية للمهاجرين السود لأنهم يعملون بأجور أقل وساعات عمل أطول ويقبلون بوظائف يأنف الفرنسيون من الاشتغال فيها، وهم من يسير المؤسسات الفرنسية على الحقيقة، أما العامل الفرنسي فهو وإن أخلص في عمله إلا أنه يحسب الدقائق جيدا ويلح في طلب المكافأة مقابل ساعات العمل الإضافية، وتقف خلفه نقابات عمالية صلبة ومشاكسة، والفرنسيون معروف عنهم تقديس ساعة الغداء والتدخين بشراهة والإجازات التي ابتكروا لها نظاما يسمى (الجسر) تتحول فيه أيام العمل الواقعة بين إجازتين إلى إجازة إضافية.

 

 


إبراهيم المليفي 





صورة الغلاف





الهرم الزجاجي أمام متحف اللوفر .. إشارة للابتكار القائم على التاريخ والحضارة





قوس النصر اراده نابليون شاهدا على انتصارات جيوشه وبطولات قواده





مبنى البرلمان الالماني في ستراسبورج .. ويبدو الجزء الذي يوحي بعدم اكتمال المبنى دلالة على ان العمل لايزال جاريا لضم باقي الدول الاوربية الى عضوية البرلمان





اوليفية كالو رئيس البعثة الفرنسية للتنقيب عن الآثار محاضرا في الصالون الثقافي الذي ينظمه المكتب الثقافي الكويتي في باريس عن جزيرة فيلكا الكويتية من خلال الوثائق والخرائط الاوربية القديمة ويبدو يسار الصورة ايف بوتزو دي بورجو عضو مجلس الشيوخ الفرنسي





مقابل كنيسة القلب الاقدس المطلة على باريس يرتاد الناس تلك المنطقة لمشاهدة باريس عن بعد ومنهم من يأتي خصيصا لشراء اللوحات الفنية التي تباع هناك أو الطلب من احد الرسامين لرسم بورتريه سريع





المسلة المصرية وجزء من الكنوز الفرعونية داخل متحف اللوفر





في النورماندي هب البعيد قبل القريب لوقف زحف جيوش هتلر قبل تحقيق أهدافها بإبتلاع العالم .. في الصورة مقبرة الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في عملية الانزال في النورماندي





تمثال كليبر خليفة نابليون في مصر كما ينتصب بساحته في مدينة ستراسبورج





سواء كانت تقودنا الخطوات إلى متحف أورسي (يمينا) أو قصر فيرساي (أدناه) فهي تعبر بنا القرون والفنون





قصر فيرساي تحفة تباهى بها ملوك فرنسا خاصة لويس الرابع عشر طوله 600 متر ثلاثة طوابق ويطل على حدائق تمتد إلى حيث ينتهي البصر، من هذا القصر اقتادت الثورة الفرنسية الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت الى ساحة الاعدام سنة 1789م





نصب السلام بكل اللغات أمام برج إيفل





عبدالله دورو الرئيس السابق للبنك الكويتي الجزائري في لوكسمبورج





أحد الشوارع الرئيسية في قلب مدينة ستراسبورج وتبرز على جانبي الطريق المباني ذات الطابع الالماني من الناحية المعمارية





الدكتور محمد امين الميداني مدير المركز العربي للتربية على القانون الدولي الانساني وحقوق الإنسان





الدكتور محمد الفيلي ديوانية عربية في فرنسا





بالقرب من مركز بومبيدو الثقافي جلس عازف العود العربي الاصل ليعبق المكان بألحان أغنية فيروز الشهيرة «نسم علينا الهوا من مفرق الوادي»





بقالة عربية في الحي الهندي تبيع جميع المأكولات المصرية والشاي الاسود المفقود في باريس





حسين قايد أستاذ الحضارة ورئيس القسم الثقافي في مسجد باريس





يعتبر مسجد باريس أكبر مسجد في فرنسا وقد بني تكريماً للجنود المسلمين الذين ذهبت أرواحهم من أجل فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وقد افتتح في 15 يوليو من عام 1926م بحضور الرئيس الفرنسي الأسبق كاستون دومارغ وسلطان المغرب مولاي يوسف بن الحسن





المجتمعات الاسلامية في اوربا تعيش طقوسها الدينية وحياتها الدنيوية بحرية