صورة المرأة العربية على الإنترنت

صورة المرأة العربية على الإنترنت

ثقافة إليكترونية

على مدى سنوات عمرها الخمسين تصدرت أغلفة مجلة العربي، صور للفتاة أو المرأة العربية، من المشرق العربي إلى مغربه، فقدمت عبر تلك الأغلفة التي ناهز عددها 600 غلاف، نماذج عدة لفتيات واعدات، تحمل نظرة عيون كل منهن أطيافًا من التفاؤل، ولمحات من الأمل بمستقبل أفضل لهن وللمجتمع الذي تنتمي كل منهن إليه، كانت بشائره تلوح في الأفق عبر شواهد النهضة التي كانت الدول العربية تشهدها تباعا آنذاك.

نقلت الصور في أغلبيتها العظمى نماذج لامرأة المستقبل، المتحررة، العاملة، المتعلمة، المتخصصة في مجال من مجالات كانت تقتحمها المرأة العربية لأول مرة، كما نقلت صورا من تراث الملابس والأزياء والعادات والتقاليد التي تخص المرأة في المنطقة العربية.

لكن إذا حاولنا اليوم أن نرسم تصورا للفتاة العربية المعاصرة فأي صورة هي التي يمكن أن تعبر عنها: هل هي الفتاة المحافظة، المنقبة، التي، لا تختلط بالرجال في المجتمع؟ أم أنها الفتاة التي تنقبت، لكنها انتظمت في جماعات إرهابية تنفذ التفجيرات وعمليات القتل الانتحارية؟ أم هي المتحررة السافرة التي ترتدي أزياء عصرية غربية، تقتحم المجتمع، وتعمل، وتسافر، وتعيش باستقلال? أم أنها السيدة الدمثة المحتشمة التي تتوسط النموذجين؟

لا تبدو الإجابة سهلة، خاصة مع غياب أي دراسات إحصائية، أو سلوكية، للمجتمعات العربية المعاصرة. وفي القنوات الفضائية، ببرامجها المنوعة ومسلسلاتها الدرامية، قد نتابع أحد البرامج فنظن أن المجتمع العربي لا تعيش فيه سوى سيدات متحررات يرتدين أحدث الأزياء، بينما برامج أخرى لا تعكس سوى وجود سيدات محجبات ومنقبات لا يمارسن دورا في الحياة خارج أسوار البيت.

مع ذلك، فلعل الأصوب هو وجود الاثنتين معا، قد تغلب فئة منهما على الأخرى في مجتمع عربي بعينه، وقد تتسيد الأخرى في مجتمع آخر.

لكن الإنترنت، وعبر المدونات استطاعت أن تقدم صورة أخرى للفتاة العربية المعاصرة، بعضهن يتخفين خلف أسماء وهمية، وأخريات يوقعن على ما يدونّه بأسمائهن الحقيقية، لكن الاختلاف بين الصورة التي تقدمها المدونات، وتلك التي تشيع في الإعلام، أن الأولى هي صور ينتجها بوح حميم، ورغبة في التعبير عن الذات بشفافية، تنتفي فيها المصلحة أو الغايات الدعائية التي قد تلون الصورة وفقا لهذه الغاية أو تلك، كما هو شأن أغلب الصور التي تقدمها آلة الإعلام. فما هي الصورة التي تقدمها المدونات عن الفتاة العربية المعاصرة، الآن وهنا؟

هنا بعض نماذج مقتطفة من مدونات لسيدات وفتيات عربيات، بشكل شبه عشوائي، بعضهن يكتبن بأسمائهن الحقيقية، والبعض بأسماء مستعارة.

كونديرا.. صانع الدهشة

رحاب بسام صاحبة مدونة «حواديت» التي نشرت جانبا منها في كتاب «أرز بلبن لشخصين» عن دار الشروق تقول في إحدى تدويناتها: «ماذا يمكن أن أقول عن كونديرا؟ هو مسئول عن الكثير من «اللعب» في دماغي. يضعك كونديرا أمام أفكار مذهلة، عارضاً بمنتهى البساطة ما يدور في أعمق أعماق النفس البشرية. يفعل ذلك ببساطة كأنه يقلب صفحة جريدة. يتعرض لأفكار تخشى أنت من التفكير فيها حتى وأنت وحدك، ثم يقنعك بصحتها وهو يسخر منها (ومنك أحياناً) في الوقت نفسه قرأت له هذا العام «الهوية» وبعد الانتهاء من الكتاب وضعته جانباً وجلست أحملق في الفراغ ولم يصدر مني سوى «يا لهوي» بصوتٍ مأخوذ.

تديّن

مدونة «يا مسافر وحدك» تكتب صاحبتها: «الآن، وبعد كل هذا العمر وبعد حياة حافلة أوصلتني إلى سن الثالثة والثلاثين، وبعد عمر من التربية الصوفية العائلية المنضبطة جدا، وبعد فهم معنى التخرج في جامعة التربية الصوفية، وبعد كثير من دروس الفقه، وبعد القراءة في الإسلام وعن الإسلام، وبعد كل شيء، أتذكر النحلة زينة وأفكر فيها، في أعمالها الخيرية ومساعدة الناس، وفي شوقها للتخرج في الجامعة، وأرى فيما كانت تفعل وتحلم به لُب الإسلام في تواضع وبساطة ورقة متناهيين. أرى فيما كانت تفعل وكل ما كانت تحاول جمعه من نقاط هو ما يحاول عمله كل من يعتبر نفسه إنسانا متدينا بصرف النظر عن دينه. من أين أتى إذن كل هذا التعقيد في المُعتقَدَ الإسلامي الذي يرفع لواءه بعض الناس الآن والذي يحمل كمًا هائلًا من التحيُزات والتحامُلات وتفاصيل "افعل ولا تفعل"؟ أتمنى أن أعود طفلة ثانيا وأن أقابل النحلة زينة الرقيقة البسيطة الخيّرة وأن أسألها عما فعله الناس بالخير».

نوستالجيا

في مدونة بعنوان «تكوين» وتوقع كاتبتها باسم «عروسة حلاوة» تقول: «كانت أمي جميلة.. بالـ makeup الهادئ وشعرها الأسود الناعم - الذي ورثت عنها لونه ولم أرث نعومته - تأتي يوم الخميس لتأخذني من المدرسة... كانت مدرستي في الزمالك.. كنا نسير نغني في الشارع.. نشتري مجلة «ميكي».. ونعبر النيل بالأوتوبيس النهري.. نغني ونضحك طول رحلتنا إلى البيت.. في تلك الأيام، لم يكن هناك من يستنكر..».

شمعة لميت وحيد

من مدونة «على القهوة» تكتب المدونة التي تبدو طبيبة في واحدة من تدويناتها: «في خضم هذا التزاحم والفوضى وبينما لا أشارك في محاولة إنعاش عاصم وأهمس لطبيب الطوارئ: «ليس هذا إلا تدريبًا على جثة». لهذا أشارك في تدليك القلب «بقلب جامد». إلا إنه في فترات ابتعادي خلف الجماهير أتأمل وجه عاصم. وجه مصري صميم، لعامل من عمال البناء، عمره 21 عاما ليس إلا. تملكني عجب شديد لهذا السلام المعدي الذي يعلو وجهه الراقد أمامنا وقد أقحمت فيه أنابيب التنفس وتورمت عينه اليسري جدا ودمه مازال يسيل من كل ما يمكنه من فتحات رأسه. تصف كتب الطب الشرعي ذلك السلام الذي يعلو الوجه عند الموت، إلا أن شيئا لا يعدك لتراه (..) لم يكن هناك من أحد لعاصم. أمشي مسافة طويلة على النيل أفكر فيه. حين أعود للبيت أوقد له شمعة وأقرر أن أتركها تنطفئ وحدها».

المرأة العربية ليست هيفاء

مدونة أخرى بعنوان «حواء الغامضة» تقول مدونتها: «المرأة العربيّة أكبر بكثير من الكليشيهات المتداولة عن هيفاء وهبي. ومن لا يستطيع أن يتبيّن من المرأة إلا هذه النّاحية، فأظنّ أن المشكلة موجودة فيه قبل أن تكون موجودة في شبيهة هيفاء المزعومة. أمّا كيف تقدّمون يد المساعدة، فماذا لو تبدأون بالنّظر إلى وجهها عندما تتكلّم، عوضاً عن إسدال النّظر إلى ما دون الرّقبة».

صورة العقل!

مع الأسف تضيق المساحة عن الاقتطاف من بقية المدونات التي تتجاوز أعدادها الآلاف، تشارك فيها فتيات ونساء من كل الدول العربية من الخليج العربي والمشرق والمغرب، بعضها يكشف جرأة كبيرة في التعبير عن المشاعر، والبعض يقدم نقدا اجتماعيا حادا ولاذعا، والبعض منها يقدم نقدا سياسيا يوميا لأوضاع سياسية ما، بينما تعبر أخريات، بحميمية، عن أدق مشاعرها، والبعض لا يتجاوز حدود الخواطر، وتختلف درجة حساسية التناول وفقا لموهبة كاتبتها. هناك أيضا مدونات لكتابة الشعر فقط، أو النصوص القصصية، وأخرى لكتابة السيناريو السينمائي.

وبين هذه المدونات عشرات ممن يفضلن الكتابة بالإنجليزية من مصر ولبنان والكويت والسعودية، والبعض بالفرنسية، خاصة من لبنان ومنطقة المغرب العربي.

الملاحظة الأساسية أن هناك حدًا أدنى من الثقافة يجمع بين المدونات العربيات، بالإضافة إلى أنها تكشف عن نوع من الندية، والثقة في الذات، ووجود رؤية لذاتها وللحياة والمجتمع، والاتسام بنوع من الرؤية النقدية، مهما تباينت أعمارهن، أو مستويات تعليمهن أو ثقافتهن.

إن الصورة التي تقدمها المدونات العربيات عن المرأة العربية، تختلف تماما عن كل ما يشيع، فهي لا تفرض مقارنات بين صورة المرأة كما تقدمها نجمات الشاشة، أو تلك التي يشيع وجودها في المجتمعات التقليدية المحافظة. مدونات لسن مشغولات بفكرة الصراع بين التحيز للعري أو الاحتشام، وإنما هي صورة مجردة للعقل. صورة المدونة العربية وفقا لما تنجزه المدونات هي فكرة عقلية أكثر من كونها صورة تليفزيونية كلاشيهية من تلك التي يقدمها الغرب بوصفها امرأة منقبة مختفية الملامح مهدور حقها، المستلهمة من تراث المستشرقين، وأجواء الحريم، أو نقيضها مما تقدمه بعض الفضائيات العربية أو الأفلام.

صورة المرأة العربية على المدونات صورة متزنة وموضوعية لأنها حقيقية، وذاتية، ولا تلونها الأهواء.

 


إبراهيم فرغلي