عائشة (قصة × صفحة) أحمد الويزي

عائشة (قصة × صفحة)

يداها على الخيط, وتسرد. في عينيها تلتف طريق لا تبين. أفعوان يتمدد حيناً, ثم يلتف ككرة, فيهدأ. يداها تتحركان جهة الصدر. صدرها الضامر الأعجف. أصابع يديها تنظم عقد الخيط, خيط الصوف الملفوف على هيئة كرة, كرة بين أصابع وطوار ومقهى, تدور.

ترفع رأسها. في بعض الأوقات فقط, ترفع رأسها. حين ينام الأفعوان, وتنتثر الطريق. في عينيها يغط الأفعوان, ويغرق في نثار الطريق. يتمدد ويلتف, ثم ينام. عيناها تتبدلان, ولا تفارقان الصوف, تمسحان المكان, وتتساءلان. ينبت في عينيها المكان والسؤال. تمشي لتعود. ترفع قدميها, ولا تهدأ اليدان. تعود للمشي لتسرد, أقول, في نفسي أقول, وفي عينيها أرى المكان والسؤال. ينام الأفعوان, فينهض المقهى. قهاوٍ باردة, وتبغ, وزبائن, ثم أنا. دائما أكون أنا, فتأتي. قدماها تقتربان من الكرسي, وتسرد. في عينيها يموت المقهى فجأة, وينبعث سؤال:

ـ لمن الصدرية, يا عائشة?

ـ لونها سيعجبه.. لون حبيبي.

ـ تحرمينني منها.. لماذا, يا عائشة?

ـ البرد قارس, وصدر حبيبي عار.

ـ أشتريها منك.. أنا بسيجارة, أشتري.

ربما سنتان. أكثر ربما. سنتان وأكثر, تمشي ولا تمشي. تدور حقيقة. يداها على صدرها, وتدور. يداها لا تكفان, وقدماها. لا تهدأ. تمشي لتدور, ثم تعود ولا تهدأ. عيناها رغم النوم. عيناها بعد السؤال. في بؤبؤيهما تنكتب قصص وحكايات. يفيض حليب صمتها من عينيها. تسرد الصوف, ولا تحكي. أرى في عينيها حكاية السؤال. حكاية الطريق. حكاية الأفعوان.

بطنها منتفخ, ولا تعرف. تَنْفَس فتعود مثلما كانت, ولا تعرف. صُرّتها تحكي, فقط. صرتها مثل عينيها. حين ينام الأفعوان, ويموت الطريق والمقهى. آثار حروق حول صرتها. شعلة انطفأت في محيط الصرة, ذات حين. ربما كان صياح وصراخ. ذؤابة سيجارة تنطفئ في لحم البطن, وصراخ طويل يولد. ربما عقاب سيجارة تعاقب ذنباً حول الصرة. رائحة التبغ ومعها رائحة اللحم, اللحم المحروق, لحم عائشة التي كانت.

ربما صرخت طويلا. ربما بكت كثيرا.

ربما الليل أيضا. جسدان وسيجارة, ثم ليل. لابد أن الليل بكى.

ـ أريد الصدرية هذه المرة, يا عائشة.

ـ صدر حبيبي عار وعليل.

ـ أنا حبيبك عدت, وصدري بارد.

ـ صدره هاجر, وسيعود...

أصابع يدها تلتقط التبغ. تقفز على سيجارتي, ولا تفرط في الخيط. تفتح فمها وشهيتها للدخان, ولا تحكي. تنتحي ركناً دنياً, وتجلس. ليس على كرسي المقهى تجلس. تقتعد الأرض قربي, ولا تدخن. تنظر الى النار على رأس السيجارة, وتفكر. أراها تفكر في أشياء أنا لا أراها. في تزاويق الصدرية? في الطريق? في الأفعوان? في جسدها والليل بكى?

صدرها ينتفخ كما بطنها الذي كان. صدرها يتسع ثم يضيق. ليس لشيء آخر يتسع ويضيق. من الدخان فقط يتسع ثم يضيق. بطنها يستريح تحت صدرها الذي يستمرئ طعما غامضا.

ـ كم صدرية صنعت, يا عائشة?

ـ حبيبي يعشق كل الألوان.

ـ من سرق صدرياتك, يا عائشة?

ـ لابد أنه سيعود.. صدره عار وعليل, وأنا لابد أن أسرد.

 

أحمد الويزي