العربي في نصف قرن.. قراءة في العدد الرابع

العربي في نصف قرن.. قراءة في العدد الرابع

أبرز العدد الرابع من «العربي» على نحو خاص المشكلة الفلسطينية وقضية اللاجئين، حيث نشرت المجلة استطلاعًا مطولًا زاخرًا بالصور المؤثرة عن واقع المخيمات، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على النكبة.

كما نشرت «العربي» في العدد نفسه كذلك قصيدتين عن مشاعر وآلام اللاجئين إحداهما للشاعر إسكندر الخوري والثانية للشاعر الفلسطيني المعروف هارون هاشم رشيد. كما رسم أحمد الوردجي لوحة نشرت على صفحتين، تصور جنود «الوحدة العربية» وهم يحملون البنادق، على خارطة لدول الشام وسيناء ومصر، وقد ألقوا الإسرائيليين في البحر المتوسط، وهم بين مستصرخ ومستغيث وغارق، وبينهم السياسي ديفيد بن غوريون (1886 - 1973) والقائد العسكري موشي دايان (1915 - 1981).. وآخرون. ولم يشر العدد إلى أسماء محرري ومصوري الاستطلاع مع الأسف. ولكن من المعلومات التي تلفت النظر في الاستطلاع التمييز بين اللاجئ الفلسطيني والأوربي! يقول الكاتب معد الاستطلاع: «في حديث لي مع أحد الأجانب المهتمين بالشئون العربية قلت له: هل ترضى عن هذه التفرقة بين الأجناس البشرية اللاجئة ولماذا يعامل لاجئو فلسطين بهذا الإهمال؟ فأجاب قائلا: لا تنس أن اللاجئ المجري غير اللاجئ العربي، وأنه متقدم عليه في كل شىء!! بهذا المنطق العجيب يناقشون قضايانا، وبهذا المنطق أيضا تُعامل الأمم المتحدة اللاجئ الفلسطيني، فتخصص له سبعة سنتات للأكل والتعليم والكساء، بينما هي نفسها تخصص دولارًا ونصف دولار للاجئ المجري أو البولندي. ترى هل يجوع المجري أو البولندي أكثر من العربي؟!».

وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين، كما جاء في «العربي»، بما في ذلك سكان القرى الأمامية يتجاوز مليونًا ومئة ألف لاجئ، نحو نصف مليون منهم في المملكة الأردنية الهاشمية، أما عدد المخيمات فكان 56 مخيمًا.

وواصل العدد الرابع تسليط أضواء الحوار على الهم القومي والعروبة والوحدة العربية، وكان بين مقالات العدد «دفاع عن العروبة» لعميد كلية الحقوق ببغداد، والمفكر القومي، والسياسي العراقي المعروف، عبدالرحمن البزاز. ويعترف د. البزاز «أن من الحافزات الملحة التي دفعتني إلى الكتابة على عجل دفعًا، مقال «العروبة.. ولكن» للأستاذ ميخائيل نعيمة، قرأته فآلمني بعض ما جاء فيه. وقرأت المقال الذي يليه «العروبة.. بلا لكن» فسرّى بعض الشيء عني. ولكني قضيت القسط الأعظم من ليلتي أتململ في فراشي، تتجمع الأفكار في ذهني، تتزاحم الفكر في مخيلتي».

وعلى الرغم من أن مقال د. البزاز المطول جاء في ست صفحات، فإن «دفاعه» خلا من أي أفكار مبتكرة أو تعمق في التجربة الإنسانية والعربية. بل هو تكرار لمجموعة من الأفكار والنقاط العامة والمثاليات. وقد تاه الرجل في سنوات عطائه الفكري فيما بعد بين الطرح القومي والطرح الديني محاولًا التوفيق دون نجاح يذكر.

بعكس هذا، نرى فقرة مقتبسة من مجلة «صباح الخير» المصرية تحت عنوان «وحدة العرب»، تتحدث عن هذه الوحدة من زاوية لا تزال موضع إثارة واهتمام: «إن الذين يعملون على تخريب الوحدة بكل معانيها يشيعون أن الوحدة الاقتصادية معناها اقتسام كل ما في الأقطار العربية من ثروة، فإذا كان في قطر ما ثروة ما، فإن الوحدة الاقتصادية معناها أن توزع هذه الثروة على كل الأقطار العربية بالتساوي!! وهذا كلام لا يصدر إلا عن نية سيئة، وإلا عن رغبة في تخريب الوحدة من أساسها كعقيدة. إن تحقيق الوحدة لا يقصد منه الهبوط بمستوى المعيشة في قطر لحساب قطر آخر، ولكن المقصود منه هو أن يرتفع بمستوى المعيشة في كل مكان على السواء.. ومجال العمل كثير: في المبادلات، وتبادل تشجيع الصناعات المحلية، وتنسيق هذه الصناعات فلا تتكرر من غير مبرر، إنما يكون لكل قطر ما يأخذه وما يعطيه».

ونرى فقرة أخرى مقتبسة من جريدة الكفاح اللبنانية تهاجم أعداء اللغة العربية: «أفهم أن يحارب الأجنبي لغتنا العربية.. ولكن الذي لا أفهمه جيدًا هو أن تحارب فئة من اللبنانيين اللغة العربية.. هذه الفئة تريد أن تحل اللغة الأجنبية محل العربية عندنا. ولكن ماذا يبقى من لبنان عندما «يتأجنب» لسانه؟ ألا تدري هذه الفئة أن من أبسط قواعد الشعور القومي هو أن يكون للوطن «لغة أم» لا لغتان؟».

وينتقد اقتباس ثالث في زاوية «مرآة الرأي العربي»، عن مجلة «المجلة» المصرية مضامين السينما المتداولة، ويقول: «لو كانت حوادث الخيانة الزوجية، واغتصاب الفتيات، وتحويلهن إلى بغايا، والقتل والسرقة، تتم في المجتمع المصري بالصورة والسهولة اللتين تتم بهما على شاشة السينما، لكان معنى ذلك أن مجتمعنا ينهار، وأنه يقترب من الهاوية كل دقيقة خطوة.. ولو كانت بيوتنا المصرية في مظهرها، كما تقدمها السينما، صالات واسعة مثيرة و«انتريهات» فخمة، ولوحات على الحوائط، وسراير مُنجّدة وثيرة، لحمدنا الله كثيرا لأن الحياة إذن برخص التراب، ولأن السعادة ترفرف على الجميع.. إن الذين يعملون في السينما عندنا سرعان ما ينفصلون عن عالمهم الذي خرجوا منه إلى أنوار شارع سليمان وعماد الدين..».

ومن صحيفة «ذي صاندي تايمز» البريطانية، نشرت «العربي» في عددها الرابع هذا الاقتباس الإنجليزي: «تجابهنا في هذا العام مشكلتان مستعصيتان، هما علاقتنا مع فرنسا ومع البلاد العربية. أما فرنسا فبيننا وبينها جفوة لا مجال لإنكارها، وعدم ثقة من جانبها تلون نظرتها إلى جميع الأمور التي تهمنا معًا.. ومصدر هذه الجفوة وانعدام الثقة ناجم عن إيمان فرنسا بأن بريطانيا قد أنقذت نفسها عام 1940 عن طريق التضحية بها.. والسبب الثاني هو موقفنا الغامض من الحرب في الجزائر.. والسبب الثالث هو استئثارنا بودِّ الولايات المتحدة دونها.. إن فرنسا تريدنا أن نؤمن بقول ديجول «إن فرنسا عظيمة، وما عليها إلا أن تجد ذاتها لتثبت عظمتها. وعلى من يريدون أن يتعاملوا مع فرنسا أن يسلموا منذ البدء أنها دولة عظمى». وأما البلاد العربية فموقفها منا لا يحسدنا عليه صديق.. ولم نتعلم حتى الآن أن مسايرة القومية العربية خير لنا، ومع هذا فإنا نعتقد أن الحالة لم تبلغ حد اليأس بعد. فقد نستطيع تدارك الأمر إذا أثبتنا للعرب أنه ليس لنا مطامع استعمارية في المنطقة، وعاملناهم على قدم المساواة، ووضحنا لهم أننا نرغب في شراء بترولهم على أساس النفع المتبادل».

من المقالات النادرة في مجالها، ما كتبه الأستاذ «محمود الغول»، المحاضر بمعهد اللغات الشرقية بجامعة لندن، محاولًا أن ينصف جهود المستشرقين، فيقول: «نحن نعلم أن كثيرًا مما كتبه المستشرقون في عصور مختلفة من تاريخ نشاطهم العلمي لا تأنس النفس إليه، ولا يحسن السكوت عليه في بعض الأحيان. ولكن هذا كله ينبغي ألا يلقى في النفس هوى يجعل القارئ المتدبر يعرض عن المستشرقين ويظن أنه بذلك قد فضّ المسألة وحل الإشكال».

وعن عدم اتقان اللغة العربية يقول: «إن المستشرقين يعتبرون أنفسهم طلاب معرفة، بقدر ما يعتبر عالم الكيمياء أو الرياضيات نفسه طالب معرفة.. وأن مهمتهم ليست إتقان اللغات الشرقية التي يشتغلون بها إتقان الترجمان الضليع، أو إتقان أبنائها.. وينبغي ألا يغيب عن البال أن الاستشراق وجهود المستشرقين العلمية ليست مقصورة على البلاد العربية والدراسات الإسلامية العربية بل إنها تمتد حتى تشمل جميع حضارات آسيا وإفريقيا القديمة والحديثة».

وعن المتخصصين الذين درسوا في الغرب يقول: «إن كثيرًا من المستشرقين في بلادهم يتساءلون عما حدث لبعض طلابهم الذين أتموا تحضير رسائل دكتوراه، كانت أبحاثهم من الطراز الأول في بابها، ثم عادوا إلى أوطانهم، أن أخبارهم انقطعت عنهم، وانقطع نشاطهم العلمي انقطاعًا تامًا.. إنهم يقولون بصراحة إن العلماء العرب في البلاد العربية يملكون - من حيث إن اللغة العربية لغتهم - قدرة على سعة الاطلاع على المصادر والخوض فيها، لا يملكها المستشرقون عادة، وأنهم إذا جمعوا إلى ذلك التدريب السليم على البحث فإن رجاء العلم فيهم لا يمكن أن يكون مبالغًا فيه مهما كبر. ويُصدم المستشرقون حين يقال لهم إن معظم هَمّ هؤلاء الطلاب هو الحصول على شهادة عالية يُرضون بها القيود المالية والإدارية في إثبات حقهم في الترقية. أي أن معظم همِّ هؤلاء الطلاب هو الحصول على وثيقة يساومون بها في وظائف الدولة والمجتمع. فإذا تحقق ذلك عاجلًا أو آجلًا ناموا على المجد الذي كان».

واهتم العدد الرابع كذلك بفن الخط والمخطوطات، فتناول د. صلاح الدين المنجد، مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية «ياقوت»، أحد كبار الخطاطين، ممن عاشوا في زمن الخليفة العباسي المستعصم، آخر خلفاء السلالة. وقد برز ياقوت في مجال كتابة المصاحف، ويقال إنه كتب ألف مصحف ومصحفًا. «وليس هذا بمستبعد. فقد كانوا يكتبون المصاحف تقربًا من الله وطلبا لثوابه. يضاف إلى ذلك أن حياة ياقوت طالت، وتشتمل خزائن الكتب في استنابول على مصاحف كثيرة كتبها ياقوت وكلها في غاية الجمال والتزويق.. وفي دار الكتب المصرية مصاحف كثيرة كتبها ياقوت. منها مصحف رائع جدا، كتب سنة 690 بالخط النسخ».

و«ياقوت المستعصمي» هذا يختلف عن ياقوت الحموي (1178 - 1228) الشهير بالطبع، صاحب معجم البلدان. وتقول الموسوعة العربية الميسرة عن «ياقوت المستعصمي» (1221 - 1299) بأنه رومي وُلد بأماسيا ببلاد الروم، ومات ببغداد، ويظن أنه سُرق في صغره، فاشتراه المستعصم ورباه وعلمه، وله كتب وأشعار.

وتحدث العدد نفسه عن ميلاد «المقطم.. مدينة الأحلام» في أطراف القاهرة. وجاء في الاستطلاع المصور أن العمل يسير بسرعة جدًا في هذه المدينة العجيبة، وأنه بيع حتى الآن من أرض المدينة أكثر من 140 ألف متر مربع، وقد بني ثلث المساحة التي بيعت وأن 15 عائلة بدأت تقيم هناك بصفة دائمة: «وهؤلاء السكان لا يجدون صعوبة في جلب ما يحتاجونه من لوازم يومية، ففي المدينة متعهد خاص، يتلقى كل صباح ما يريده السكان، وعنده أوتوبيس يحمله إلى المدينة، فيشتري منها كل شيء.. وهذا الأتوبيس نفسه هو الذي يحمل التلاميذ في الصباح إلى مدارسهم بوسط القاهرة ويعود بهم في المساء دون أن يتقاضى عن ذلك أجرًا».

وتضمنت «أخبار الطب والأطباء» في ذلك العدد إحصائيات مهمة.. عن التجارب العلمية وضحاياها من الحيوانات: «منها القردة، ومنها الفئران. والعدد الذي يُضحى به في سبيل الإنسانية عدد كبير. إنه يبلغ 200000 قرد في العام الواحد.

أما عدد الفئران فيبلغ 20 مليونًا. هذا في الولايات المتحدة وحدها. وفي بحوث السرطان وحدها!».

------------------------------------

أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ؟
ماذا التقاُطعُ في الإسلام بينكمُ
وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ؟
ألا نفوسٌ أبياتٌ لها هممٌ
أم على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

أبوالبقاء الرندي

 

خليل علي حيدر