التغير المناخي خارج نطاق السيطرة أحمد الشربيني

التغير المناخي خارج نطاق السيطرة

يبدو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير حليفين, بل شريكين, أساسيين على كل الجبهات. لكن جبهة واحدة تفرقهما, وهي جبهة المناخ. وفيما يتعلق بقضايا المناخ, تغرد الولايات المتحدة وحدها خارج السرب. وتبدو الإدارة الأمريكية المحافظة تقف وحدها في مواجهة بقية العالم متجاهلة تحذيرات العلماء والمنظمات الدولية. لكن آخر التحذيرات جاء من أقرب حلفاء الولايات المتحدة, أي من الحكومة البريطانية ذاتها.

فقد نشرت الحكومة البريطانية أخيرًا تقريرا علميا كبيرا, حمل عنوان (تجنب التغير المناخي الخطر Avoiding Dangerous Climate Change), أكد أن التركيزات المتزايدة لغازات الاحتباس الحراري قد تفضي إلى تأثيرات أكثر خطورة بكثير مما كان يعتقد من قبل.

ويقول التقرير إنه لم يعد هناك سوى فرصة ضئيلة للغاية لكي نبقي مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تحت المستوى (الخطر). كما أن الصفيحة الجليدية في جرينلاند ستذوب على الأرجح متسببة في رفع مستوى المياه في البحار والمحيطات بنحو سبعة أمتار على مدى الأعوام الألف المقبلة.

وحذر التقرير من أن البلدان الأفقر هي التي ستكون أكثر انكشافا أمام هذه التأثيرات.

وجمع التقرير الأدلة العلمية التي قدمها العلماء المشاركون في مؤتمر استضافته وزارة الأرصاد الجوية البريطانية في فبراير الماضي.

وقد طرح ذلك المؤتمر سؤالين, الأول: ما هو مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الذي يمكن اعتباره كثيرا جدا? والثاني هو: ما هي الاختيارات المتاحة أمامنا لتجنب هذا المستوى?

وقالت وزير البيئة مارجريت بيكيت إن النتائج النهائية للتقرير ستكون صدمة لأناس كثيرين.

وأضافت: (الشيء الذي قد لا يألفه الرأي العام ... هو مفهوم أننا اقتربنا من الوصول إلى نقطة التحول التي لا يمكن عندها إعادة الأمور إلى ما كانت عليه... ونحن بالطبع لا نقول إن هذا سيحدث خلال خمس دقائق, بل قد يحدث على مدى ألف عام, لكن ما أريد أن يعرفه الناس هو أننا سنعجز عن إصلاحه).

وقد كتب توني بلير بنفسه مقدمة التقرير. وفيها قال: (من الجلي الآن أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري... تسبب الاحترار الكوني بمعدلات لا يمكن تحمل عواقبها).

وأضاف بلير في مقدمته: (إن مخاطر التغيرات المناخية أعظم مما كان يعتقد في السابق.. ومن الواضح أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المترافق مع النمو الاقتصادي والصناعي, الذي تضاعف بمعدل ستة أضعاف خلال مائتي عام, تزيد الاحتباس الحراري بمعدلات متفاوتة).

وكان تعهد بلير بوضع المتغيرات المناخية على رأس الأجندة الدولية خلال ترؤس بريطانيا لمجموعة الثمانية والرئاسة الدولية للاتحاد الأوربي العام الماضي, أحرز نجاحاً محدوداً للغاية.

واصطدمت خطط بلير برفض الإدارة الأمريكية التصديق على بروتوكول (كيوتو) بحجج التأثير السلبي في الاقتصاد الأمريكي, بجانب إقرار حكومته بالفشل في الالتزام بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بعشرين في المائة بحلول العام 2010.

أنظمة إيكولوجية هشة

أشار التقرير إلى الآثار المرتبطة بالمستويات المختلفة لارتفاع درجة الحرارة.

وكان الاتحاد الأوربي قد تبنى هدفا يتمثل في الحيلولة دون ارتفاع المتوسط الكوني لدرجة حرارة لأكثر من درجتين مئويتين.

لكن التقرير يقول إن هذه الزيادة قد تكون مرتفعة جدا., فدرجتان مئويتان قد تكون كافيتين لإطلاق عملية ذوبان الصفيحة الجليدية في جرينلاند.

وسيكون لهذا الذوبان تأثير مرعب على المنسوب الكوني لمياه البحار والمحيطات, بالرغم من أن الأمر سيستغرق ألف عام لكي يرتفع هذا المنسوب بنحو سبعة أمتار.

وقال التقرير إن الأخطار إذا زاد الارتفاع عن درجتين ستصبح: (هائلة جدا) مع (احتمال انقراض أعداد كبيرة من الكائنات) فضلا عن (زيادة كبيرة في أعداد الجوعى ومخاطر نقص مياه الشرب... خاصة في البلدان النامية).

أمر لن يتحقق أبدا

طلب التقرير من العلماء تحديد أي مستوى لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي سيكون كافيا للتسبب في زيادات (خطرة) في درجة الحرارة.

ويحتوي الغلاف الجوي حاليا على 380 جزءا في المليون من ثاني أكسيد الكربون, غاز الاحتباس الحراري الرئيسي, مقارنة بنسبة قدرها 275 جزءا في المليون قبل عصر الثورة الصناعية.

وخلص التقرير إلى أنه من أجل تحقيق هدف الاتحاد الأوربي المتمثل في إبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض تحت مستوى الدرجتين مئويتين, يتعين تثبيت مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عند مستوى يقل عن 450 جزءا في المليون.

لكن السير ديفيد كنج, كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية, يقول إن هذه إمكانية بعيدة الاحتمال وفقا لمؤشرات الوضع الحالي.

ويضيف: (أتوقع أن نصل إلى مستوى 400 جزء في المليون خلال عشر سنوات فقط. لكن علينا أن نقبل أنه ما من بلد سيقوم بإغلاق محطة تولد الطاقة التي يحتاج إليها الناس من أجل التغلب على هذه المشكلة... وأعتقد أن تخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون تحت مستوى 450 جزءا في المليون أمر لن يتحقق أبدا).

ويقول العلماء المتشائمون إن كل هذه التوقعات يجب أن تأخذ في الاعتبار توقعات الوكالة الدولية للطاقة ومنظمات دولية أخرى أن يزداد الطلب على الطاقة في العام 2050 بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المائة مقارنة بمستويات التسعينيات.

ويقول ميليس آلان, أستاذ الفيزياء المناخية في جامعة أكسفورد, إن تحديد (مستوى آمن) لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مثل: (أن تسأل طبيبا ما هو العدد الآمن للسجائر التي يمكن أن تدخنها يوميا. لا يوجد مستوى آمن. غير أن بعض الناس يدخنون ويعيشون حتى التسعين من عمرهم).

وردا على السؤال الآخر المتعلق بما هي الخيارات لتجنب التركيزات الخطرة لثاني اكسيد الكربون وهو أحد غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي, أكد التقرير أن الخيارات التكنولوجية لتخفيض الانبعاثات متوافرة بالفعل.

وخلص التقرير إلى أن العقبة الكبرى أمام تبني تكنولوجيات مثل مصادر الطاقة المتجددة و(الفحم النظيف) تكمن في تضارب المصالح, ورفض التغيير والافتقار إلى الوعي.

أكد التقرير, الذي جاء في 406 صفحات, أن الخطر الأكبر الناجم عن ارتفاع درجة الحرارة يتمثل في ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات.

ومن المعروف أن تمدد المياه الناجم عن ارتفاع درجة حرارتها يزيد منسوب مياه البحار والمحيطات بمقدار 8ر1 سنتيمتر كل عشر سنوات. لكن هذا الارتفاع سيصبح مخيفا إذا ذابت الصفائح الجليدية في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.

وقال التقرير إن ارتفاع درجة الحرارة في جرينلاند بنحو 7ر2 درجة مئوية سيطلق عملية الذوبان.

لكن الوضع في القارة القطبية الجنوبية أخطر من ذلك, فدرجات الحرارة في القارة المتجمدة تزيد بمعدلات أكبر من ارتفاع متوسط درجة حرارة الكوكب. فكل ارتفاع 5ر1 درجة في حرارة الكوكب تقابله زيادة 7ر2 درجة مئوية في حرارة القارة القطبية الجنوبية. وهي الزيادة التي يتوقع العلماء حدوثها بغض النظر عن الإجراءات التي سنتخذها للحد من الاحتباس الحراري.ويتركز معظم جليد القارة القطبية الجنوبية في جانبها الشرقي, ويبدو آمنا ومتماسكا. لكن المشكلة تكمن في الصفيحة الجليدية الغربية للقارة, التي أطلق عليها العلماء اسم (المارد النائم).

فمعظم هذه الصفيحة يستند إلى صخور تقع تحت مستوى سطح البحر. والدراسات العلمية الحديثة تحذر من أن ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط سيجعل هذه الصفيحة الجليدية تبدأ في الذوبان, ويستيقظ المارد النائم.

تأثيرات على البشر والطبيعة

يحذر التقرير من أن تأثيرات التغير المناخي على البشر والطبيعة ستكون فادحة, خاصة على الفقراء. وسيكون لارتفاع درجة الحرارة الكونية بأكثر من درجة عواقب خطيرة على الكوكب, وبالأخص المناطق الهشة إيكولوجيا فيه مثل الدول الجزرية. لكن هذه العواقب ستكون كابوسية إذا ارتفعت درجة الحرارة الكونية أكثر من درجتين. ومن أهم هذه العواقب:

- تراجع غلة المحاصيل في البلدان النامية والمتقدمة على السواء.

- تراجع غلة المحاصيل إلى الثلث في أوربا وروسيا تحديدا.

- نزوح واسع النطاق للسكان في شمالي إفريقيا بسبب التصحر.

- سيعاني نحو 8ر2 بليون إنسان من نقص مياه الشرب.

- اختفاء 97% من الحيد المرجاني.

- الاختفاء التام لجليد المحيط المتجمد الشمالي في فصل الصيف.وهو ما من شأنه أن يقود إلى انقراض تام لأنواع كثيرة من الكائنات مثل الدب القطبي والفظ والفقمة.

- تفشي الملاريا في إفريقيا وأمريكا الشمالية.

والواقع أنه لا توجد يقينيات في علم المناخ, فالأمر كله يتعلق بنماذج كمبيوترية وتوقعات. صحيح أنها توقعات علمية, لكنها تبقى توقعات.

وأحد أشهر الإشكاليات في علم المناخ هي المقدار الذي سترتفع به درجة حرارة الكوكب نتيجة لانبعاث قدر معين من غازات الاحتباس الحراري.

وكما أسلفنا, فقد حدد الاتحاد الأوروبي هدفا له ألا ترتفع درجة حرارة الكوكب إلى أكثر من درجتين. لكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة قاطعة هو كم ينبغي أن نخفض من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لتحقيق هذا الهدف. المعضلة غير الواضحة هي: ما الذي يتعين فعله من أجل تحقيق هذا الهدف?

ويُلزم بروتوكول كيوتو الاتحاد الأوروبي بتحقيق خفض إجمالي في انبعاثات ستة غازات يعتقد العلماء أنها تزيد من مشكلة تغير المناخ الطبيعي للكوكب.

وتحض المعاهدة القارة الأوروبية على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من 15 في المائة إلى 30 % دون معدلات التسعينيات بحلول العام 2020.وتقول الهيئة الأوربية للبيئة إن السياسات والإجراءات التي تتخذها بلدان القارة, ستخفض مجمل انبعاثات الاتحاد الأوربي في العام 2010 بمقدار 0.5% فقط أقل من مستويات العام 1990, أي أنها ستعجز عن تحقيق هدف كيوتو بفارق 7.5%.

 

أحمد الشربيني 





 





بوش وبلير, حليفان في كل المواقف إلا على جبهة البيئة





 





2.8 بليون إنسان سيعانون نقص مياه الشرب





تخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون تحت مستوى 450 جزءا في المليون أمر لن يتحقق أبدا





الاختفاء التام لجليد المحيط المتجمد الشمالي في فصل الصيف سيقود إلى انقراض تام لأنواع كثيرة من الكائنات