الثمانون

الثمانون

شعر

جاءَتْ وكنتُ على رَوابي الرِّيفِ
أتأمَّلُ الدنيا بِشَطِّ مصيفِ
والبحرُ سَاجٍ يَزدهي في حُلَّةٍ
زرقاءَ قد زَادتْ جمالَ السِّيفِ
وبهِ الجوَارِ المنشئاتُ رَفيعةٌ
أعلامُها.. كالُّلؤلؤِ المصفوفِ
مُتَعَزِّلاً والصمتُ مِلءُ جَوانحي
أرنو لِرَبٍ - بالعبادِ - رَءوفِ
مُتَهَرِّباً مِن عَالَمٍ مُتأجِّجٍ
لم يبقَ مِنْ جَدواهُ غيرَ طَفيفِ
قالتْ أَأَنْتَ هنا فأينَ قَصائِدٌ
قد كنتَ تُنشِدُها بخيرِ قُطوفِ
أينَ الغِناءُ وأينَ شِعرٌ صادقٌ
في ظلِّ - دَوحٍ في المروجِ - وَرِيفِ
هاتِ القصيدَ مُنَمَّقاً مُتناسِقاً
مِنْ خَافقٍ - مثلِ النسيمِ - رَهيفِ
ونسيمُهُ رَوْحٌ وريحانٌ إذا
فاحَ الشَّذا يأتي بِكُلّ طَريفِ
هَلاَّ ذكرتَ مِن البدائعِ باقَةً
رفَعْتْ لواءكَ فوقَ كُلِّ لَفيفِ
وأنا الَّتي أشْعلتُ جَذوةَ نورها
مِنْ وحيِ قلبٍ نابِضٍ وأليفِ
هو خافِقٌ يرعَى الودادَ وإنهُ
في حُبِّهِ مثلُ السَّنا الموصوفِ
هيَّا ففي الشعرِ الجميلِ لآلئٌ
ظهرتْ لنا والبعضُ خَلْفَ سُجوفِ
وَأبِنْ لنا ما كانَ خَلْفَ حِجابِهِ
- لسنا نراهُ - ولا تكُنْ بِعَزوفِ
واهتُفْ كما عوَّدْتَنا مُترنِّما
بِالطَّيباتِ بلحنِكَ المعروفِ
وَاعْزِفْ على وَتَرِ القريضِ مُغَرِّدًا
دنياكَ لا تحلو بغيرِ عَزيفِ
هذا نِداءٌ قد أتَى مِنْ ضَيفةٍ
ترجو نَداكَ وأنتَ خيرُ مُضيفِ

 

***

قلتُ اسْمَعي هذا الجوابَ فإنَّني
أصبحتُ في دنيايَ رَهنَ صُروفِ
قلبي المُعَنَّى لا يجودُ بخَفقَةٍ
تُرْجَى منافِعُها - ولا تَعزيفِ
وَلَّى الشَّبابُ وأصْبحتْ نَبَضاتُهُ
فيها الونَى وأتَى زَمانُ خريفي
حَرَكاتُهُ وَهنتْ وحلَّ مَحََلَّهَا
ضعفٌ يُصارِعُني فَطالَ وقوفي
وَلظَى الثمانينَ اسْتطارَ أُوارُها
فغدتْ تجرِّحُني بكلِّ مُخيفِ
هلْ يزدَهي الشعرُ الجميلُ بخافقٍ
أضحَى بدونِ تألُّقٍ وَرفيفِ
جَفَّتْ سواقِيهِ فأصبحَ نَبتةً
في جوفِ صَحراءٍ بدونِ حَفيفِ
فَخُذِي نَصيحةَ مَنْ تَوارَى نجمُهُ
بينَ الغَمامِ بدونِ أيِّ شَفيفِ
وَخُذي التجارُبَ عِبْرَةً فهيَ الّتي
أضْحَتْ مُحَمَّلةً بِكلِّ طَريفِ
وَدَعي الخَيالَ فليسَ فيهِ سِوَى الغَضَى
وسِوَى هشيمٍ في العَراءِ جَفيفِ
ودعي اللَّياليَ تَستهينُ بَخافقي
وأضالِعي في هَجْمةٍ وَوجيفِ
هَذِي هيَ الدُّنيا وتلكَ نُدوبُها
فاقَتْ بِشِدَّتِها نُدوبَ سُيوفِ
ودعي القَريضَ لأهلِهِ وشَبابِهِ
مِنْ كُلّ فَذٍّ مُبدعٍ وَحصيفِ
أمَّا الذَّي فَقد الشَّبابَ فمالَهُ
إلاَّ التَّواري الصَّعبُ خَلفَ صُفوفِ
وعليهِ فَلْيبكِ الرِّجالُ بِدَمْعِهمْ
دَمعٍ علَى فقدَ الشَّبابِ ذَريف
هذَا جَوابي قَد أتاكِ مُفصَّلاً
بلسانِ صِدْقٍ مِنْ وراءِ سُجوفِ

 

 

 

فاضل خلف