بنجامين ويست معركة لاموغ

بنجامين ويست معركة لاموغ

خلال القرن الثامن عشر، لم تكن في أمريكا أي متاحف تستحق الذكر، ولا حتى لوحات من الصف الأول يمكنها أن تشكل مادة دراسة أو مصدر إلهام لأصحاب المواهب الشابة. فكان على الرسامين الأمريكيين أن يسافروا إلى إنجلترا لتطوير مواهبهم وقدراتهم الفنية. وكان بنجامين ويست من الرواد في هذا المجال، إن لم يكن الأول على الإطلاق.

تسلق ويست سلم الشهرة بسرعة فائقة في لندن. وذاع صيته كرسّام للمواضيع التاريخية، يمتلك من الموهبة ما يكفي لتلافي سهام النقاد والحاسدين، ومن العبقرية السياسية ما يكفي لإرضاء الملك والبلاط. فأصبح لاحقًا خلفًا للسير جو شوا رينولدز في رئاسة الأكاديمية الملكية، ومضيفًا لعدد كبير من الرسامين الأمريكيين الشبّان الذين وفدوا إلى لندن لدراسة الفن. فاعتبر عن وجه حق صاحب الفضل الأول في تأسيس المدرسة الأمريكية في فن الرسم، والناهض بها من مستواها الريفي إلى مستوى يمكنها من محاكاة المدارس الأوربية.

رسم ويست هذه اللوحة عام 1778م، وهي تمثل انتصارًا للإنجليز على الجيش الفرنسي في المعركة التي كانت آخر محاولة قام بها ملك فرنسا لويس الرابع عشر لغزو الجزر البريطانية في العام 1692. فعندما لجأ الأسطول الفرنسي إلى ميناء لاموغ، باغته الجيش الإنجليزي بقيادة الأدميرال جورج روك، وهزمه الهزيمة النهائية التي أنهت الطموحات الفرنسية إلى الأبد، وكانت هذه اللوحة واحدة من عشر لوحات تمثل معارك رسمها ويست بناءً على طلب أحد الأرستقراطيين الإنجليز، وهو جد دوق وستمنستر المالك الحالي للوحة.

فعلى مساحة كبيرة جدًا (240 × 152 سم)، نرى وسط الدخان الذي يغطي معظم المشهد الحربي الأدميرال الإنجليزي (شاهرًا سيفه إلى اليسار)، فيما نرى في أقصى اليمين الضابط الفرنسي يفر مذعورًا. وما بين المهاجم والمهزوم، تظهر كتلة مضاءة جيدًا من المقاتلين والقتلى.

ويروي المؤرخ وليم دونلاب أن ويست عندما بدأ العمل على هذه اللوحة، أجرى أحد الأدميرالات الإنجليز مناورة بحرية، خصيصًا لكي يتمكن الرسام من رؤية شكل دخان المواقع الجانبية التي تطلقها البوارج، وأثره على الرؤية والمشهد ككل. ولذا، فإن القيمة الفنية لهذه اللوحة تكمن في واقعية المشهد المغطى بالكثير من الدخان المتفاوت في كثافته هنا وهناك، فصبغ كل شيء، وحجب الضوء إلا عن تلك الكتلة الصغيرة من المتصارعين في وسط اللوحة. ولهذا أيضًا، يجب على المشاهد أن يدقق جيدًا ليرى التفاصيل التي تروي الحدث. فعلى الزورق الصغير يمين الصورة نرى الزنابق الثلاث التي تمثل شعار عائلة البوربون المالكة في فرنسا، وخلف الدخان الذي يلف البوارج الضخمة نرى الزنابق نفسها على إحدى هذه البوارج، ووجه «الملك الشمس» الذي كان يرمز إلى لويس الرابع عشر.

ولكن، هل تبرر هذه العبقرية الفنية، مع الاعتراف بوجودها، مثل هذه المكانة التي احتلها ويست في البلاط الإنجليزي؟

بعض المؤرخين يقول إن للتملق السياسي أثره الكبير في دفع هذا الرسام إلى احتلال مكان جوشوا رينولدز، في رئاسة الأكاديمية، بدليل أنه ما من عمل لهذا الأمريكي الوافد ارتقى إلى مستوى أعمال رينولدز في الإبداع والتقنية.

ويستشهدون بدعم رأيهم بالإشارة إلى أن رسم هذه اللوحة تزامن مع مناخ سياسي خاص جدًا في بريطانيا. ففي السنة نفسها كان الفرنسيون قد دخلوا الحرب إلى جانب الثوار في المستعمرات الأمريكية ضد الإنجليز.

وقد وجد ويست في تلك الظروف الصعبة جدًا على الملك جورج الثالث ووزيره لورد نورث، فرصة ذهبية ليوطد علاقته بالبلاط، من خلال تخليد آخر هزيمة كبرى ألحقها الإنجليز بالفرنسيين. ولذا، بدا عمله على «معركة لاهوغ» أقرب إلى التملق الهادف إلى رفع معنويات الإنجليز، منه إلى تسجيل وقائع حدث تاريخي جرى قبل 68 عامًا.

ولكن المدافعين عن ويست، وهم لحسن الحظ كثيرون، يشيرون إلى أن اختيار موضوع اللوحة هو من شأن الزبون الذي طلبها. كما أن المكانة التي تحتلها أي لوحة في تاريخ الفن تعود إلى علاقتها بالظروف التي أنجبتها. ولذا، فإن كل الدفع الذي لقيه ويست على سلم الشهرة يعود إلى إنجاز اللوحة المناسبة في الوقت المناسب.

 

 

عبود عطية 





بنجامين ويست (1738 - 1820)، «معركة لاهوغ» (152 × 214 سم)، 1788، مجموعة دوق وستمنستر