الديموقراطية التزام أخلاقي

الديموقراطية التزام أخلاقي

طالعت مقال الأستاذ الدكتور سليمان إبراهيم العسكري رئيس تحرير مجلة العربي بعددها 596 - يوليو 2008، بعنوان «الديموقراطية والفخ اللاإنساني» ويشرفني التعقيب على ما تضمنه من أفكار ومفاهيم.

- الإنساني واللاإنساني كلمتان تحملان الضد من خلال النعت لأصل واحد وهو الإنسان، والإنسان لا يتجرد من أصله بل يبقى على حاله الذي خلق عليه، فالإنسانية تحمل الثبات ولا تقبل التحول، والمتغير الذي يحصل هو أخلاقه صالحًا أو طالحًا والتي تشكل طريقة تعامله واتجاهاته وسلوكياته ومرونة تفاعله وتكيفه مع من حوله بالتضامن والمشاركة وحسن التقدير، أو أن يكون على خلاف ذلك فيصير منبوذا ولا يقتصر هذا على إمكانات الفرد أو مجرد نظرته بل يمتد لطرق التعبير وأساليب الحركة والتصرف على نحو يفسر الاهتمام من عدمه. ومن ثم فالأصوب أن يستبدل إنساني أو لا إنساني بـ «أخلاقي أو لا أخلاقي» أو «راقي أو انحطاطي».

- وتقضي الإشارة إلى أن استخدام كلمة «ديموقراطية» قد طفح كيلها وعم استخدامها في ما يشتملها أو يتصل بها، وأغلب أمور حياتنا الفكرية والعقائدية إلى جانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية نربطها بالديموقراطية وكأنها المفتاح السحري للحال والمآل.

والمفهوم في أساسه نتاج لرؤية وفكر إغريقي فشل في تطبيق المضمون، وانتقلت للأجيال إرثًا بلا ورث ولاتزال حتى اليوم وان ابتعدت فرص إحداثها بفعل الاستعمار والاستغلال والاستعلاء والاستقواء والتعصب الذي تعانيه البشرية، ليس على مستوى الأمم والشعوب بل في دائرة الأسر والبيوت الضيقة حيث يوجد من يعتبر نفسه سيدًا يتعامل مع الآخرين كتوابع تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه.

ومن خلال البحث والتقصي نستخلص أن الديموقراطية سياق أخلاقي لا تفسره حريتي أو حريتك، بل الالتزام من جانب أي فرد حيال الآخر بالدفاع عن حقوقه وتمكينه من نوالها وعدم الحيلولة دون وصولها وبسط الممكن والمستطاع للتذليل والتيسير وليس المنع والتعسير وان يكون معلوما أن الحق في ما ينفعك ولا يضر سواك وبما لا يتجاوز نصاب الاستحقاق وبمعنى «لا ضرر ولا ضرار».

وتقسيم العالم إلى قوي متجبر وضعيف متذمر أو إلى أغنياء وفقراء يبدو تعميمًا منتقدًا فالأغنياء والفقراء والقادرون والضعفاء خلطة متداخلة يتعذر فصلها إلى شمال وجنوب وشرق وغرب.. إلخ، فأغنياء الغرب صنعهم الشرق وفقراء الشرق صنعهم أغنياء الشرق أولا ثم أصحاب المنفعة من الغرب واعتقد أننا من أغنى أقطار المعمورة بأسرها والفقر في عقولنا والتراخي في إرادتنا اللاواعية وشهواتنا النهمة وأنانيتنا المفرطة وشعار القادرين «أنا وبعدي الطوفان». ومشكلتنا الأساسية أن مواقع السلطة والسيطرة والامتلاك مقصورة على فئات بعينها ومحجوبة بالقوة والقهر على سواهم، ولأجل ذلك تتسرب مقومات الديموقراطية وتهدر مضامينها فلا التزام أو انضباط أو شفافية أو مصداقية أو مشاركة جمعية فاعلة.

لقد أثبتت الأعوام القليلة الماضية من بروز أزمة النفط والغذاء أننا كعرب طرف مؤثر في هذا المجال، وأن هذه السلبيات التي تكاد تعصف باقتصاد العالم تجد مخارجها ومنافذ انعتاقها على ما بين أيدينا من ثروات قائمة وكامنة وإمكانات هائلة معطلة بالإمكان استثمارها وتنميتها لتوفير مناخ السلام والأمن القومي والدولي. وإعادة حساباتنا ابتغاء استجماع الشارد وتوحيد الصفوف على أسمى مبادئ المواطنة والانتماء وتنحية النظرة الضيقة والتعصب المقيت وتوظيف قيم العدل والحرية وإن قيل عن وجود دسائس وفتن فإن مجرد انتباهنا لذلك كفيل بالاحتكام للعقل والمنطق وأن نتحصن بالضمير إزاء قضايا المصير.

ويجب الإشارة إلى عنصر حاكم وهو «أمانة الفكر والتطبيق» وربما يكون هذا هو الفرق بين ماضينا القريب وماضينا البعيد، حيث كنا روادًا ومصلحين للبشرية وطلائع للتحضر والتنوير وانتشلنا أممًا وشعوبًا من عتمة الجهالة. وقد صرنا إلى النقيض. والتشخيص لما نعانيه من كبت وتضليل وانسحاق يثقل كاهل المثقفين بالحصار والتقييد ويفت في همم العاملين بالبخس والتثبيط ويهدد أمن المجتمع بالانقسام وتشتت الجهود، وعلى الرغم من هذا لا نمل الحديث عن الديموقراطية ناسين أنها التزام أخلاقي انحط بإرادتنا وغاب أثره وإن ظل اسمه، وما أظن الديموقراطية اسمًا بل فعل يجسده التكافل والتناصح والتشاور والتسامح مع وجود أرضية مشتركة من المودة حتى يجد كل منا مكانًا له بين أهله ومواطنيه. وتلك قمة الإنسانية الشامخة بأخلاقها والهاوية بفسادها وتآكل قيمها، وهذا يفسر وصف المولى عز وجل لرسوله الكريم: وإنك لعلى خلق عظيم .

السيد حسين العزازي
الإسماعيلية
جمهورية مصر العربية