عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

قاماتٌ عربية

بعد أن ساهمت شعوبنا العربية، بأرواحها، ودمائها وقوتها، في تحرير أوطانها من الاستعمار الغربي، لم تكن تظن أنها تستبدل استبدادًا باستبداد، بعد أن وضعت آمالها على السلطة الوطنية لتجعل مستقبلها مشرقا، ومجتمعها حرا. هذا هو لبُّ الحوار الذي شارك فيه رئيس التحرير ونخبة من المفكرين العرب في منتدى أصيلة، بالمملكة المغربية، ونقرأه في حديث الشهر لهذا العدد، الذي ينظر إلى العلاقة الشائكة بين النخب والسلطات. إن مجتمعاتنا العربية لاتنشد حقوقًا استثنائية، وإنما هي تتوق إلى حقوقها الطبيعية، في الأمن، والحرية، والاكتفاء الذاتي، ونحن أمام فئتين هما النخبة والسلطة، لا تسلم أيهما من الاتهام بأنها ذاتُ غواية، وأغراض، ولا يتوقف الحديث ـ فكريا ـ عن أبعاد العلاقة بينهما، والنتيجة هي حلول المواطن في متاهة دائمة، وتيه متواصل.

لكن وطننا العربي مشرق دائمًا، بقاماته الثقافية، التي يقدم بعضها هذا العدد من «العربي». فهناك ملفان شاملان عن رمزين من أيقوناتنا العربية؛ غادة السمان، ومحمود درويش. وإذا كان ملف السمان يستعرض عشق الروائية لدمشق في كوكبها الباريسي، فإن مسافرًا زاده الشعر هو محمود درويش يحضرنا فنستحضر معه الروح الفلسطينية المعذبة، وهو الذي مزج تاريخه الشخصي بنضال شعبه، واستلهم تواريخ العوالم ليضيء صراع وطنه ضد الاحتلال. المتذكرون له في هذا الملف، يدركون أنه لايزال حيًّا. فهو حيٌّ في ضمير الشعب الذي زحف وراءه ليواري الجثمان الثرى، بعد أن صعدت الروح لبارئها، وهو حي في وجدان القارئ العربي لقصيدة درويش على مدى نصف قرن، وهو حي ما دام الشعر حيا.

وسيجد القارئ لهذا العدد ذلك الطيف المُجَسِّد لقامات عربية أخرى، بين مصممة للحلي في مصر، وناقد للشعر في العراق، ومطربة للحياة في لبنان، وشاعر يحتفل بثمانينه في الكويت، ومشوار لأحد رؤساء تحرير «العربي» في المكتبة العربية، دون أن نغفل النظر إلى الطيف الإنساني العالمي للتاريخ وللإبداع، من شاعرة هندية تبحث عن خالقها، إلى فنان إيراني للمنمنمات، ورهبان فرسان في الحركة الصليبية، وغير ذلك كثير.

ولأنها تؤسس لأدب الرحلة المعاصر، فهناك رحلتان، في الأولى يتساءل استطلاع «العربي» المصور في باريس عمَّا بقي في عاصمة النور، وفي الثانية يتحدث كاتبٌ عن مدينته العُمانية صحار، فكلتا البقعتين تاريخٌ، ومستقبل.

وعدا ذلك أبوابٌ وزوايا، ثابتة ومتجددة، سواء في متن المجلة، أو في ملحقها العلمي، وكلها تبحث عنك - عزيزي القارئ - وتنتظر صحبتك خلال هذا الشهر.

 

 

 

المحرر