البرمجة اللغوية العصبية NLP هل هي الطريق للنجاح? ليال محمد زين العابدين

البرمجة اللغوية العصبية NLP هل هي الطريق للنجاح?

انتشرت هذه (البرمجة) على صعيد العالم بأسره, واعتمدتها الشركات والمؤسسات التعليمية, عند الاطفال والكبار وأضحت تطبيقاتها تمتد إلى أنشطة تطوير مهارات الأداء وتحديد الأهداف وإدارة الوقت والتخطيط الاستراتيجي والإبداع.. فما هي?

في منتصف التسعينيات من القرن الماضي بدأ مجموعة من الباحثين في جامعة (سانتاكروز) الأمريكية بإعداد أبحاث تهدف إلى تحليل واستطلاع النماذج التي تتحكم في السلوك الإنساني, وكان الهدف تأسيس نماذج للسلوك الاتصالي, استخدم بنجاح على أيدي معالجين ناجحين, وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي انبثق هذا العلم وأطلق عليه (البرمجة اللغوية العصبية), وقد استخدم بنجاح لافت في تغيير الاعتقادات السلبية للأشخاص وفي التحكم بالعواطف والتخلّص من المخاوف غير المنطقية والذعر وتغيير السلوك السلبي. ثم تطوّر,هذا العلم, في الثمانينيات من القرن الماضي وانتشرت مراكزه وتوسّعت معاهد التدريب التي تدرّسه في أمريكا ثم امتدت إلى بريطانيا وأوربا .

وعبارة (البرمجة اللغوية العصبية) أو NLP هي اختصار لما يطلق عليه في اللغة الانجليزية : (Neuro Linguistic Programming) Neuro تعني عصبي, linguistic تعني لغوي, Programming تعني برمجة, والترجمة الحرفية لهذه العبارة هي (ترجمة الأعصاب لغوياً) أو (البرمجة اللغوية للجهاز العصبي).

يؤمن روّاد هذا العلم, بأن الإنسان يولد على الفطرة, كأي جهاز كمبيوتر جديد يتكون من أجزاء متنوعة إضافة إلى نظام تشغيل, والذي ما يلبث بعد فترة من الاستعمال أن يصبح جهازاً له خصوصيته لاحتوائه على برامج ومعلومات تميّزه عن جميع أجهزة الكمبيوتر الأخرى....وهكذا الإنسان ما يلبث بعد فترة من تعامله مع المحيط الذي حوله أن يكتسب شخصيته التي تميّزه عن سواه. وتأتي (البرمجة اللغوية العصبية) لتضع في تصرف البشرية القدرات التي تتيح استخدام العقل باستراتيجية إيجابية تمكّن من التأثير في هذا الإنسان وتغييره. ولكن كيف?

قواعد ومبادئ

تستند (البرمجة اللغوية العصبية) إلى قواعد ومبادئ استخلصها علماء البرمجة من خلال سلسلة من الدراسات والأبحاث أهمها:

1) إن خارطة العالم في أذهاننا تتشكل من معلومات تصل عن طريق الحواس واللغة والقيم والمعتقدات التي تستقر في نفوسنا, وغالباً ما تنطوي هذه المعلومات على أمور خاطئة أو صحيحة تستند إلى معتقدات تكبّلنا وتعطّل طاقاتنا وتحبس قدراتنا. ولكن وبكل أسف تبقى هذه الخارطة وبكل تشوّهاتها, المحدّد الرئيس لسلوكنا وتفكيرنا ومشاعرنا وإنجازاتنا. وحيث إن لكل إنسان خارطته الخاصة به بالتالي فإنه يرى العالم ويتصوّره من خلال هذه الخارطة حصراً. ويتساءل علماء البرمجة اللغوية العصبية: ألا نستطيع أن نغيّر العالم الخارجي من خلال إجراء تغيير في الخارطة أي تغيير ما في ذهن الإنسان وإدراكه لهذا العالم من حيث إن الإنسان لا يرى إلا من خلال هذه الخارطة بالذات .

2) لكل إنسان مستويان من الاتصالات العقلية هي (العقل الواعي والعقل اللاواعي) ولكل منهما وظائف محددة. ومن المعروف أن (العقل الواعي) وعلى الرغم من قدراته المحدودة فإنه هو الذي يقوم ببرمجة العقل اللاواعي الذي لا يعي الأشياء (أي لا يدرك المنطق) ولكنه يتصرّف فقط حسب برمجته. وتتم هذه البرمجة بطريقة غير واعية (خارجية أو ذاتية) مثلاً من خلال تكرار زعم يقوله الإنسان لنفسه أو يسمعه, كأن يقول (أنا أخاف من ركوب الطائرة), ويرافق هذه القول مشاركة المشاعر والأحاسيس ,فيتلقّف (العقل اللاواعي) هذا القول ويبرمجه ويخرجه في الوقت المناسب لكي يمنع هذا الإنسان من ركوب الطائرات. ويستمر هذا الخوف إلى أن يقرّر الإنسان التخلّص من هذا الخوف, فيستعين بالعقل الواعي لبرمجة (العقل اللاواعي) من جديد على صورة يتخلّص فيها من هذا الخوف.

ويتساءل علماء البرمجة اللغوية العصبية : ألا يمكن استخدام (العقل الواعي والعقل اللاواعي) في تغيير طريقة حياة الإنسان ليصبح أكثر سعادة أو إبداعاً أو....?!

التأثير في العقل اللاواعي يتم بشكل مبرمج أو غير مبرمج, وبواسطة الإيحاء أو التكرار أو البرمجة اللغوية العصبية يمكن التأثير في العقل اللاواعي وتحقيق التغيير (باستخدام نموذج ملتون يمكن إشغال عقل الإنسان الواعي للوصول إلى العقل الباطن والتأثير فيه.) !

3) الإنسان هو أعظم مورد, وجميع الشركات المتفوّقة والتي حققت نجاحات ضخمة هي الشركات التي عاملت الناس باحترام وتقدير لكرامتهم, والتي اعتبرت عمّالها شركاء وليسوا أدوات .

4) احترام الآخر وتقبّله كما هو, والابتعاد عن انتقاد تصرفاته.لا تغضب عندما لا تستطيع أن تغير الآخرين كما تريدهم أن يكونوا, لأنك في الواقع تجد صعوبة في أن تغيّر نفسك كما تريد أن تكون.

5) إذا كنت تفعل دائماً ما اعتدت على فعله, فإنك تحصل دائماً على ما اعتدت الحصول عليه, فلذلك إذا لم تحصل على نتيجة مما تفعله, فافعل شيئاً آخر.

6) إذا كنت تريد أن تغيّر حالتك, غير سلوكك أو شعورك أو تفكيرك من خلال تغيير التنفس أو الوضعية أو تعبيرات الوجه أو نوعية الحركات أو الأفكار...إلخ. هذا يبين أن البرمجة اللغوية العصبية قادرة على تغيير الحالة الذهنية للإنسان ولغيره في الوقت الذي يشاء, ومن هذه الأساليب ما يجعل هذه التغييرات دائمة أو مؤقتة, وإذا أمكن تغيير الحالة الذهنية أمكن تغيير السلوك أي العادات والعلاقات والمهارات والقابليات والأداء وكذلك تغيير الشعور والتفكير ..!!

7) لكل سلوك استراتيجية تنظّمه تتكون من استنباط المهارة وبرمجتها, وتقوم البرمجة اللغوية العصبية بهذه المهمة. كما أنه من خلال (الاستنباط) يمكننا التعرف على النظام التمثيلي للآخر, بالتالي نستطيع تعلّم قراءة أفكار الآخر بذات المهارة التي نتعلم فيها قراءة كتاب أو خريطة.

8) من خلال (المعايرة) يمكن التعرف على التغييرات الفسيولوجية التي تطرأ على الإنسان عند انتقاله من حالة ذهنية إلى أخرى, ومن ثم نستخدم تلك التغييرات للاستدلال على حالته الذهنية فيما بعد.

9) من خلال (الألفة) نمتلك القدرة على التغلغل داخل عالم الفرد وأن نجعله يشعر بأننا نحسن فهمه وبأن ثمة رباطًا قويًا يجمع بيننا وبينه وبالتالي قيادة سلوكه, وللألفة مستويات عدة (نغمة الصوت, الفسيولوجيا, عبارات الاستدلال, المعتقدات والقيم والبرامج العليا) وبذلك نستطيع تحسين التخاطب والتعامل مع الآخرين.

10) ثمة أركان خمسة للنجاح والتفوق : تحديد الهدف بوضوح, الإيمان بتحقيق الهدف, جمع المعلومات وقوة الملاحظة (إرهاف الحواس), الاستعداد للتغيير (المرونة), البدء بالعمل.

تقنيات البرمجة اللغوية

1) تقنية (المواقع الثلاثة) في تحقيق التوازن بين وجهة نظرنا ووجهات نظر الآخرين, وصولاً إلى الموضوعية والسلوك المتوازن.

2) تقنية (الإرساء) في تغيير السلوك وحلّ المشاكل وعلاج الخوف أو الوهم حيث تستخدم من قبل الزعماء والقادة ورجال المبيعات وفي جميع الأنشطة الإنسانية.

3) استراتيجية ديزني في الإبداع وخلق الأفكار الجديدة.

4) تقنية (الحفيف) من أجل تغيير العادات.

5) تقنية الانفصال الصوري - الحسي لعلاج المخاوف الوهمية - وتقنية الانفصال المزدوج لعلاج حالات الفوبيا الشديدة.

6) عن طريق تقنية خط الزمن يمكن تغيير الشخصية من خلال تغيير طريقة خزن ذكريات الطفولة والصبا. كما يمكن التخلص من المشاعر السلبية.

7) تقنية تحويل المناط للتخلص من العادات السيئة من خلال التمييز بين السلوك والقصد .

8) استخدام لغة ساتير في الخطابة أمام الجماهير.

9) طريقة سكور في حلّ جميع المشاكل.

لقد استطاع علماء البرمجة اللغوية العصبية ومن خلال استخدام هذا الكمّ الهائل من المبادئ والحقائق والتقنيات على الإنسان, أن يحققوا إنجازات مذهلة بحيث تمكنوا من جعل هذا الإنسان قادراً على استخدام عقله على صورة فتحت أمامه الأسرار الدقيقة للنفس البشرية وأصبح بالتالي قادراً على استثمارها بما يفضي إلى تطوير قدراته وتنمية مواهبه إلى حدود لم يكن يتصوّرها من قبل. وأصبح أيضاً قادراً على التأثير الفاعل في الآخرين وفي إيجاد أفضل الحلول لمشاكله.

لقد صدقوا حين عرّفوا (البرمجة اللغوية العصبية) بأنها طريقة منظمة لمعرفة تركيب النفس الإنسانية والتعامل معها بوسائل وأساليب جديدة بحيث يمكن التأثير وبشكل حاسم وسريع في عملية الإدراك والتصوّر والأفكار والشعور, وبالتالي في السلوك والمهارات والأداء الإنساني الجسدي والفكري والنفسي.

فمن خلال وسائل التأثير في (العقل اللاواعي), تحكّموا في الطاقة الجسدية والنفسية للإنسان في ضوء أن هذا (العقل اللاواعي) طاقة محايدة قادرة على أن تبدّل الإنسان تبديلاً شاملاً. واكتشفوا سبلاً عديدة من أجل إشغال (العقل الواعي) والوصول إلى (العقل اللاواعي) مثل (المكاسرة, التهويم, نموذج ميلتون, الاشتقاق التحويلي, استراتيجية ساتير ...إلخ). بما أن لكل سلوك قصدًا إيجابيًا, استطاعوا من خلال استراتيجية (تحويل المناط) أن يغوصوا في أعماق الإنسان ويحدّدوا السلوك الذي يريدون تغييره بعد الاتصال بالجزء المسئول عن توليده وإجراء الحوار معه تمهيداً لفصل القصد عن السلوك, والاتصال بالجزء الإبداعي لإيجاد بدائل, ثم التفاوض مع الجزء المسئول حول قبول البدائل الجديدة لتحقيق أهدافه النبيلة, وتأمين موافقة جميع الأجزاء الأخرى على هذا التغيير.

ومن خلال استنباط استراتيجية السلوك, استطاعوا التعرّف على طريقة تفكير الإنسان قبل اتخاذ قراراته وكيفية استجابته للمؤثرات (أي سلوكه). ونتيجة تحليل هذه الاستراتيجية (تحليل التباين بين النمطيات) توصّلوا إلى تحديد الاستراتيجية الأفضل أي (تصميم الاستراتيجية) من خلال اختيار أقل عدد من الخطوات وبالتالي حذف غير الضروري منها, ومن ثم يصار إلى تركيب الاستراتيجية البديلة بواسطة طرق عديدة منها (الإرساء, تحويل المناط, الترسيخ).

وعالجوا حالات الخوف الوهمي (الفوبيا) بنوعيها البسيطة والشديدة, باستخدام (الانفصال الصوري الحسي) أو (الانفصال المزدوج).

واستطاعوا تغيير السلوك وتبديل المشاعر عن طريق التأثير في الحالة الذهنية للإنسان, باستخدام النمطيات السبعة.

استخدامات مختلفة

وهكذا أمكن استخدام (البرمجة اللغوية العصبية) في مختلف الأنشطة الإنسانية وميادينها, ودخلت بالتالي شتى أنواع التطبيقات, وتلقّفتها الشركات العالمية الكبرى مثل (موتورولا, تشيس مانهاتن, آي بي إم, باسفيك بيل ...وغيرها) لتستخدمها في جميع ممارساتها وبخاصة التدريب والتأهيل وتطوير مهارات الأداء واكتساب المهارات اللطيفة وتنمية الحوافز للعمل والإنتاج وتطوير التفكير الإبداعي, كما استخدمتها في تحديد الأهداف ووضع الخطط الاستراتيجية وإدارة الاجتماعات وإدارة الوقت والتفاوض وتحفيز العاملين والإبداع .

واعتمدها خبراء الإعلان والدعاية في التخطيط لبرامجهم ووضع استراتيجيات تنفيذها ورسم خرائط تنفيذها. أما رجال التربية والتعليم فقد استندوا إليها في تحديد الطرق والوسائل والأساليب لزيادة سرعة التعلم وتشويق الطلاب للدراسة ورفع مستوى الأداء للمدرسين وزيادة فعالية وسائل الإيضاح وتنمية القدرة على الابتكار وشحذ القدرة على التفكير وتحسين السلوك وترك العادات الضارة.

واستخدمها علماء النفس والاجتماع في زيادة الثقة بالنفس وتنظيم العواطف وتخفيف الألم النفسي وحل المشكلات الشخصية والعائلية والعاطفية, واستخدمها الأطباء النفسيون في علاج حالات الاكتئاب والتوتر النفسي وإزالة الخوف وزيادة الثقة بالنفس. في حين وجدها علماء الإدارة والأعمال وخبراؤها فرصة ذهبية من أجل الاستفادة مما قدمته هذه البرمجة من أدوات ومهارات للتعرّف على إدراك الإنسان وطريقة تفكيره وسلوكه وأدائه وقيمه والعوائق التي تقف في طريق إبداعه, وكذلك بما وفّرته من وسائل وطرق لإحداث التغيير المطلوب في سلوك الإنسان وتفكيره وقدرته على تحقيق أهدافه. ووظّف هؤلاء العلماء هذه الاكتشافات في الوصول إلى إنجازات خارقة على صعيد : التخطيط الاستراتيجي وتحديد الأهداف, وصناعة القرار, وتحفيز العاملين, وحل المشكلات ...

الحقيقة التي تحتاج إلى برهان هي نصف حقيقة.
ألا فأبعدوني عن الحكمة التي لا تبكي, وعن الفلسفة التي لا تضحك وعَنِ العَظَمَةِ التي لا تحني رأسها أمام الأطفال.

(جبران خليل جبران)

 

ليال محمد زين العابدين