مساحة ود

مساحة ود

نانسي ترقص والزوجات يتفرجن

الوجود الطافح الذي يطل علينا من الفضائيات وشاشات التلفزيون بنانسي عجرم وأخواتها (الهيفاوات) تحفل به قنوات الأغاني التي انتشرت بشكل مروع لتختزل كل تاريخ الغناء العربي قديمه وجديده في نمط واحد.. أغنيات الفيديو كليب, تكنيك يشبه مادة الجيلاتين لا قوام متماسكًا له, لكنه يحتوي على مشهيات وتوابل, غناء ورقص ولقاء وفراق وحب وجنس أحيانا. اختزال واضح وصريح لكل صنوف النشاط الإنساني في نمط إخراج يحلق بالمشاهد إلى شواطيء الإبهار, في إيقاع راقص وسريع ولاهث وكأننا في (زار) نهتز سريعا لننفض عن اجسادنا عددا من الأمراض والأوهام و العفاريت, غير أنواع فريدة من الخلل والاضطراب والارتباك, هذا مع اللعب على أحلام الرجال والنساء من ثراء وترف وأحلام رومانسية وحسية تستخدم أدواتها ورموزها كاملة.. أحصنة بيضاء وفرسانًا شديدي الوسامة وفتيات كأنهن خرجن لتوهن من مجلات الأزياء العالمية. يتم استدعاء المرأة فيه كحليف مستخدم ومنتج ومستهلك ومتواطيء في عملية البناء والهدم والمد والجزر والكر والفر. لتشكل ببساطة نمط الفن الذي يتعاطاه أغلب الرجال والنساء مثل ـ قرص مهديء أو منوم ـ علاجًا للأرق والتوتر والقلق وربما لحالات الفقد والإحباط والفشل وفقدان التواصل..

وإلى جانب تعقد شكل الحياة بما يمليه أنماط الاستهلاكية الحداثية تتكدس أعباء الرجل ويعمل ليل نهار وتأخذ المرأة نصيبها من الأعباء وتعقيد شكل الحياة ولكي تكون كيانا اجتماعيا فاعلا في حياتها وحياة أبنائها وزوجها وأسرتها ومجتمعها, ليحدث هذا كله كان عليها بكل فخر أن تدفع الثمن.

لكن أي ثمن دفعته المرأة?

دفعته وتدفعه يوميا حين تحولت إلى آلة, تذهب إلى عملها في الصباح والذي لم يعد عملا بالمعنى الذي يرتب واجبات ويمنح حقوقا ويحقق إنسانية المرأة, بل صار حلبة مصارعة, يتصارع فيه الموظفون والموظفات مثل صراع الفيلة أو الدببة وربما الحيتان, من أجل ضمان استقرار هذا العمل واستمرار دخلها ووجودها وصراعات أخرى من أجل ضمان استمرار حياتها العائلية وهي تقود سيارتها ليس ترفا ولكن لتذهب بالأولاد والبنات إلى المدرسة وإلى الدروس الخصوصية وتعود بهم ثم تجلس لتذاكر لهم.. قبل ذلك أو بعده تكون قد أتمت جميع الأعمال المنزلية من تنظيف وطبخ وغسل وكي وقبل أن يأتي اليوم بآخره تكون قد توزعت طاقتها وتبددت على أداء أدوار عديدة لتهيئة الحياة ليوم جديد. هذا فضلا عما تغذيه وتنميه فيها وفي الرجل أيضا قنوات الإعلان من شبق الاستهلاك, لاقتناء أحدث السلع والكماليات والثياب والعطور والسيارات وغيرها.

والغريب أننا دائما ما نراها في حالة دأب شديد لتحسين أداء دورها كآلة وآلة فقط, فتترك العنان لتضاريس وجغرافية جسمها وروحها أن تتغير وتتبدل وتترهل فتصير أقرب إلى الآلة القديمة الضخمة, فلا تجد وقتا لتلبس ثوبا جميلا أو تجلس جلسة استرخاء وطمأنينة مع زوجها وأولادها.

وفي تلك الأثناء يكون نموذج المرأة والمثال الذي يستلهمه الإعلام ويعلي من شأنه ويروج له هو نموذج نانسي عجرم وأخواتها وخارج إطار هذا النموذج لا توجد هناك امرأة جميلة..

 

نعمات البحيري